على مدى 50 عاماً، حظيت طائرة F-16 الأميركية الصنع بمكانة بارزة لدى حلف "الناتو" والعديد من دول العالم، إذ تعتبر وفقاً لوكالة "أسوشيتد برس"، المقاتلة الأيقونية المفضلة في خط المواجهة بالنسبة للقوات الجوية.
وكانت الدول الغربية تعهدت بتزويد أوكرانيا بمقاتلات من هذا الطراز، وأكد مسؤولون في واشنطن وأوكرانيا أن بعض هذه الطائرات قد "وصل بالفعل" إلى كييف.
ومن المتوقع أن تبدأ المقاتلات الأميركية طلعاتها الجوية في سماء أوكرانيا خلال وقت قريب، ما سيكون بمثابة تعزيز قوي لأسطول المقاتلات من الحقبة السوفيتية الذي تمتلكه كييف في الوقت الحالي.
وفي أغسطس 2023، منح الرئيس الأميركي جو بايدن الضوء الأخضر لنشر المقاتلات F-16 في أوكرانيا، رغم أن الولايات المتحدة لن تقدم أياً من طائراتها، في حين تعهدت بلجيكا والدنمارك وهولندا والنرويج بتزويد أوكرانيا بأكثر من 60 مقاتلة خلال الأشهر المقبلة، ما يُمكن أن يمثل "تدفقاً بطيئاً لعمليات التسليم"، وفق "أسوشيتد برس".
ورغم أن المكاسب الميدانية التي حققتها روسيا كانت تدريجية، إلا أن تقدمها المطرد في ساحة المعركة يتزايد في الوقت الذي تتراجع فيه أوكرانيا تدريجياً.
وفي المقابل ستُعزز مقاتلات F-16 قوة أوكرانيا العسكرية، وخاصة تلك المتعلقة بتحديث دفاعاتها الجوية، إلا أن المحللين أكدوا أنها لن تكون قادرة وحدها على تغيير دفة الحرب.
ماذا ستُقدم F-16 لأوكرانيا؟
قال فيدريكو بورساري، الباحث في مركز تحليل السياسة الأوروبية، ومقره واشنطن، إن الطائرات الحربية F-16 ستضطلع على الأرجح بـ3 مهام أساسية، موضحاً أنها ستسعى إلى "اعتراض الصواريخ والمسيرات الروسية" التي تقصف أوكرانيا بلا هوادة، و"التغلب على أنظمة الدفاع الجوي للعدو"، و"استهداف مواقع القوات الروسية ومخازن الذخائر بصوارخ أرض جو".
وأضاف بورساري أن هذه المقاتلات سيكون بمقدورها "التأثير على بعض ديناميكيات الحرب".
ولا تزال العديد من المعلومات عن F-16 طي السرية، بما في ذلك الأهداف التي تسمح الحكومات الغربية بضربها بها، والأسلحة التي سيتم إرسالها مع المقاتلات.
وتستطيع هذه المقاتلات حمل الصواريخ كروز من طراز Shadow Storm، التي تزود بها المملكة المتحدة أوكرانيا، ويتم إطلاقها من الجو، بمدى يزيد عن 250 كيلومتراً (155 ميلا)، ويُحتمل أن تضرب أهدافاً داخل روسيا، بحسب "أسوشيتد برس".
وقد تحمل هذه المقاتلات أيضاً صواريخ جو جو بعيدة المدى، والتي من شأنها أن تُهدد القاذفات والطائرات المقاتلة الروسية.
وستسمح أجهزة الردار المتقدمة المزودة بها المقاتلة، للطيارين الأوكرانيين بتحديد الأهداف على مسافة أبعد مما كان يمكنهم فعله بطائراتهم MiG 29 وSu-27، وSu-24.
وتُمثل السيطرة على السماء جزءاً جوهرياً من الحملة البرية في الحرب، إذ توفر الطائرات غطاء جوياً للقوات، لكن دعم تحركات القوات الأوكرانية على الخط الأمامي بهجمات أرضية ربما يُشكل خطراً بالغاً على مقاتلات F-16، بالنظر إلى تقدم أنظمة الدفاع الجوي التي تمتلكها موسكو.
وعلى الأقل، يمكن أن يكون لمقاتلات F-16 تأثيراً سيكولوجياً على الطيارين الروس، وأن تقدم دفعة معنوية للأوكرانيين ضد قوات الكرملين بحسب "أسوشيتد برس".
ما التحديات التي تواجه كييف؟
وضعت مارينا ميرون، الباحثة في قسم الدراسات الدفاعية في جامعة كينجز كوليدج لندن، قائمة مطولة للتحديات التي ستفرضها مقاتلات F-16 على أوكرانيا.
وأشارت ميرون إلى أن تدريب الطيارين الأوكرانيين على مدى ما يقارب 9 أشهر في الولايات المتحدة وأوروبا كان بمثابة "دورة مكثفة"، مقارنة بالدورة العادية التي تستمر لـ3 سنوات للطيارين الغربيين، ما قد ينجم عنه قصوراً في الأداء، بحسب رأيها، في ضوء الطبيعة بالغة التعقيد لهذه الطائرات.
وتتطلب مقاتلات F-16 أيضاً عدداً كبيراً من أفراد الدعم، مثل مهندسي الصيانة المهرة، ورافعات الذخيرة، والمحللين الاستخباراتيين، وأطقم الطوارئ.
كما يجب على أوكرانيا بناء شبكة محطات رادارات، وحظائر طائرات معززة، وإمدادات من قطع الغيار وأنظمة التزويد بالوقود.
وتعتبر مهابط الطائرات عالية الجودة ضرورية أيضاً، نظراً لأن فتحة الشفط في F-16 قريبة من أرضية المدرج، ما يُعرضها لخطر شفط المخلفات والنفايات إلى المحرك.
ويبدو أن هناك الكثير من المشاكل التي يجب حلها، بحسب ما ذكرت ميرون، محذرة في الوقت نفسه من أن الطيارين الأوكرانيين الذين لا يمتلكون الخبرات القتالية بالطائرة F-16 قد يتجنبون المشاركة في المعارك الجوية.
ما الرد الروسي المتوقع؟
أشارت الوكالة الإخبارية الأميركية إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيستمتع بالصورة التي سيجلبها تدمير طائرات F-16.
وفي هذا السياق قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، الخميس، إن "مقاتلات F-16 لن تكون دواء سحرياً يُغير مسار الصراع"، مضيفاً أن "السلطات الروسية عرضت بالفعل مكافآت للجنود الذين يدمرون هذه الطائرات".
وعلى الأرجح ستحاول القوات الروسية تدمير مقاتلات F-16 وهي على الأرض، من خلال صواريخ بعيدة المدى، وكانت استهدفت بالفعل العدد المحدود من مدارج الطائرات الأوكرانية الصالحة للاستخدام.
وقال محللون لـ"أسوشيتد برس"، إن الأوكرانيين سيحتاجون إلى "وضع طائرات F-16 في حظائر محصنة، وتوزيعها على أماكن مختلفة، والاستعداد للإقلاع بها في حال صدور تحذيرات من غارة جوية".
وذكرت أوكرانيا أنها قد تحتفظ ببعض مقاتلات F-16 في قواعد أجنبية لحمايتها من الغارات الروسية، ما أثار ردة فعل قاسية من قبل بوتين الذي حذر من أن أي قاعدة جوية غربية ستستضيف الطائرات الحربية الأوكرانية ستكون "هدفاً مشروعاً" لموسكو.
ولفت مسؤولون أميركيون إلى أن مقاتلات F-16 ستتمركز في أوكرانيا.
أما في الجو، ستواجه هذه الطائرات أنظمة الصواريخ أرض جو المتنقلة الروسية S-300، وS-400 التي يمكنها استهداف العديد من الطائرات في وقت واحد، كما يمتلك الجيش الروسي أيضاً ما يُقدر بنحو عدة مئات من مقاتلات العمليات، إضافة إلى رادارات المراقبة الجوية المتطورة.
وقال بورساري من مركز تحليل السياسة الأوروبية إن المقاتلات الروسية Su-35 ستكون "أحد أكبر التهديدات للمقاتلة F-16"، مرجعاً ذلك إلى أنها تمتلك "جهاز رادار بعيد المدى يسمح لها بتتبع والاشتباك مع 8 أهداف خلال وقت واحد في منطقة واسعة".
ورغم ذلك، فإن الروس على دراية بأنهم سيواجهون مقاتلة أكثر قوة من الطائرات التي واجهوها في الحرب حتى الآن، وسيتبنون على الأرجح مقاربة أكثر حرصاً.
كيفي تحمي أوكرانيا مقاتلاتها الجديدة؟
رغم أن القوات الروسية ستحاول ضرب مقاتلات F-16 في القواعد الجوية الي تتواجد فيها، إلا أن أوكرانيا لديها دفاعات قوية لحماية طائراتها الحربية ضد هذا النوع من الهجمات، وفق ما قاله خبير الطيران الأوكراني أناتولي خرابشينسكي لـ"أسوشيتد برس".
وأوضح خرابشينسكي أن أوكرانيا لديها قدرات قوية "لحماية مدارجها بدفاعات مضادة للطائرات لصد الهجمات (الروسية)"، لافتاً إلى أنها منذ الغزو الروسي لأوكرانيا "تحاول قوات الكرملين باستمرار ضرب المدارج الأوكرانية، لكنها لم تنجح نوعاً ما".
وأضاف أن مقاتلات F-16 ستزيد بقوة قدرات القوة الجوية الأوكرانية على حماية المجال الجوي للبلاد من الهجمات الروسية، إلى جانب زيادة المدى الذي تستطيع فيه أوكرانيا ضرب أهداف استراتيجية في روسيا.
وتابع خبير الطيران الأوكراني: "بامتلاك مقاتلات F-16، سنتمكن من حل العديد من المشكلات التي تضر بأوكرانيا في الوقت الحالي، مثل الهجمات الصاروخية الوحشية الروسية، واستخدامها للقنابل الجوية الموجهة، ونشر النظام S-300 في المناطق الحدودية في سومي وخاركيف".
ورأى خرابشينسكي أن استلام مقاتلات F-16، سيساعد أوكرانيا بقوة على "مواجهة العدوان الروسي الذي يجري الآن على الأرض".