أعلنت شرطة أديس أبابا، ارتفاع حصيلة ضحايا أعمال العنف التي اندلعت في إثيوبيا قبل أيام إلى 97 شخصاً، عقب مصرع شخصين وإصابة آخرين، أمس الخميس، في صدامات بين قوات الأمن ومواطنين، خلال جنازة المغني هاشالو هونديسا.
كما أعلنت السلطات الإثيوبية، مساء الجمعة، اعتقال المعارضين البارزين جوهر محمد وجربا إسكندر، على خلفية الأحداث والعثور على أسلحة في مقرات مؤسسات إعلامية تابعة لهم.
ولقي المغني الإثيوبي المشهور مصرعه بالرصاص، مساء الاثنين الماضي، في أديس أبابا، لأسباب لا تزال غامضة، وأدى اغتياله إلى موجة غضب عارمة في أوساط قومية الأورومو، أكبر المجموعات العرقية في البلاد، والتي ينتمي لها هونديسا.
وسرعان ما تحولت الاحتجاجات إلى أعمال عنف امتدت من أديس أبابا إلى إقليم أوروميا، وحصدت أرواح نحو 100 شخص من بينهم عناصر في الشرطة المحلية.
تشييع في أجواء متوترة
ورغم دعوات التهدئة محلياً ودولياً، إلا أن الأوضاع لم تهدأ، وازداد التوتر بين السكان المحليين وقوات الجيش، لا سيما أن حادثة اغتيال هونديسا ينظر لها في أوساط الأورومو على أنها فصل جديد يضاف إلى المظالم التي تشكو منها الجماعة، والتي عمقتها عقود من العلاقات المتوترة مع الحكومة، وذلك لما تصفه الجماعة بـ"الإقصاء التاريخي" لها من السلطة السياسية.
وجرى تشييع هونديسا الذي يحظى بشعبية واسعة في إثيوبيا، بمسقط رأسه ببلدة أمبو على مسافة 100 كيلومتر غرب العاصمة، حيث تجمّع نحو 500 شخص في ملعب لكرة القدم، في ظل انتشار واسع لقوات الجيش، وتجوّل عصابات مسلحة في بعض الأحياء، وفق ما ذكرت وكالة "رويترز".
ونقلت "رويترز" عن أحد سكان أمبو أن "الشرطة تعيد الناس أدراجهم"، في حين ذكرت مصادر محلية أن جنوداً من الجيش الإثيوبي فتحوا النار على مجموعة من الأشخاص حاولوا الوصول إلى الجنازة، ما أسفر عن مصرع شخصين، حسب مصدر طبي.
وأفاد مسؤول بمستشفى أمبو الرئيسي، طالباً عدم الكشف عن اسمه، بأنه جرت عملية مرتبطة بالجنازة، وأصيب 9 أشخاص بالرصاص، توفي اثنان منهم في المستشفى.
وألقت زوجة المغني كلمة مقتضبة قالت فيها: "هاشالو لم يمت، سيبقى في قلبي وقلوب الملايين في الأورومو إلى الأبد. أطالب بإقامة نصب تذكاري له في أديس أبابا حيث أريق دمه".
"مظالم تاريخية"
لطالما حظي الفنان الراحل بتقدير مختلف مكونات الشعب الإثيوبي، لكنه كان ينقل على نحو خاص مطالب أفراد مجموعته العرقية، التي تتعلق بإداناتهم للتهميش الاقتصادي والسياسي. وهو ما كان جلياً خلال مظاهرات مناهضة للحكومة بين عامي 2015 و2018، والتي أثمرت عن وصول آبي أحمد إلى رأس السلطة، ليكون بذلك أول رئيس وزراء لإثيوبيا ينحدر من قومية الأورومو.
لكن وصول آبي حمد إلى منصب رئيس الوزراء لم يكن على ما يأمل الكثير من الأورومو، حيث يرى بعضهم أنه لم يقدم الكثير لمجتمعه، وعلى مدى عقود ظل حزب واحد، أعضاؤه من إقليم تيغراي الشمالي، يهيمن على الائتلاف الحاكم في إثيوبيا، ما أثار استياء الأورومو المقيمين أبعد باتجاه الجنوب.
وأثارت خطة حكومية لتوسيع العاصمة باستخدام أراضٍ زراعية مملوكة للأورومو عام 2015، احتجاجات استمرت 3 أعوام، وقمعاً دموياً أدى في نهاية المطاف إلى استقالة رئيس الوزراء الأسبق.
الأمم المتحدة تدعو للتهدئة
ومع ازدياد التوتر وارتفاع حصيلة الضحايا، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إلى الهدوء في إثيوبيا، وطلب بحسب الناطق باسمه، من جميع الأطراف الامتناع عن القيام بأي عمل يمكن أن يغذي التوتر.
وامتدت الاحتجاجات على وفاة المغني هونديسا إلى الولايات المتحدة، حيث خرج العشرات من الجالية الإثيوبية في مظاهرات بمدينة سانت بول في ولاية مينيسوتا.
وذكرت قناة FOX9 أن المئات خرجوا في مظاهرة استنكاراً لوفاة المغني الإثيوبي، رافعين شعارات مناهضة للحكومة.
"محاولات منسقة"
ووصف آبي أحمد اغتيال المغني الشعبي هاشالو هونديسا وأعمال العنف التي اندلعت بعد الجريمة وأوقعت نحو 100 قتيل هذا الأسبوع تشكل "محاولات منسقة" لزعزعة استقرار البلاد.
ولم يحدد رئيس الوزراء خلال اجتماع مع كبار المسؤولين الجمعة، الجهات التي يتهمها بإثارة الاضطرابات، إلا أنه تعهد بسوق المتورطين فيها بشكل مباشر و"أولئك الذين يحرّكونهم" إلى العدالة، وفق بيان وزّعه مكتبه.
وقال رئيس الوزراء وفق البيان إن "المجموعات المعارضة التي استفادت من عفو عام منحه عندما تولى السلطة في العام 2018 تحمل السلاح "بدلاً من طرح الأفكار والخيارات السياسية".
وبعد 12 شهراً ستكون إثيوبيا على موعد مع انتخابات وطنية سينافس فيها "حزب الازدهار" الذي يتزعمه آبي أحمد، بعدما تأجلت عن موعدها في أغسطس، بسبب كورونا.
وتعهد آبي أحمد بأن تكون الانتخابات حرة ونزيهة على عكس سابقاتها، لكن الانقسامات الحالية، وخاصة المتعلقة بالاحتجاجات الأخيرة، قد تقلص من فرصه في الحصول على أصوات مجموعة "الأورومو" العرقية التي ينتمي إليها.
وقال نائب قائد شرطة المنطقة مصطفى قدير إن الحصيلة النهائية للضحايا حتى يوم الخميس 97 شخصاً، بينهم 4 عناصر شرطة، فيما أصيب 76 آخرون بجروح خطيرة.
اعتقال جوهر محمد
ومساء الجمعة، أعلنت الحكومة الإثيوبية في بيان بثه التلفزيون الرسمي، اعتقال المعارضين البارزين من قومية الأورومو جوهر محمد وجربا اسكندر على خلفية الاحتجاجات.
وأوضح البيان، أنه بعد اعتقال المعارضين واقتحام المؤسسات الإعلامية التابعة لهم، تأكد وجود 8 قطع كلاشينكوف، يعتقد بأنها جزء من الأسلحة التي استخدمت لقتل الجنود الثلاثة في العاصمة أديس أبابا خلال الأيام الماضية.
وقال الممثل الحكومي الذي تلى البيان، إن الأجهزة الأمنية كشفت عن مؤامرة أخرى كان يتم التخطيط لها لاغتيال مجموعة من الشخصيات العامة، كما تم الربط بين التحقيق الحالي وتحقيق سابق حول مصرع 79 شخصاً أثناء محاولة تجريد جوهر محمد من حراسته.
و جوهر محمد و جربا إسكندر،من الشخصيات البارزة في قومية الأورومو، ويعرفان بمعارضتهما لرئيس الوزراء آبي أحمد.