حال انتُخبت رئيسةً.. كيف ستكون رؤية لوبان لفرنسا والعالم؟

مرشحة حزب "التجمّع الوطني" اليميني لانتخابات الرئاسة الفرنسية مارين لوبان خلال زيارة لأرخبيل مايوت الفرنسي في المحيط الهندي - 18 ديسمبر 2021 - AFP
مرشحة حزب "التجمّع الوطني" اليميني لانتخابات الرئاسة الفرنسية مارين لوبان خلال زيارة لأرخبيل مايوت الفرنسي في المحيط الهندي - 18 ديسمبر 2021 - AFP
دبي- إيلي هيدموس

طرح حصول مرشحة حزب "التجمّع الوطني" من أقصى اليمين، مارين لوبان على 23% من الأصوات في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي نظمت في 10 أبريل، تساؤلات ومخاوف، بشأن تداعيات فوزها على الداخل الفرنسي، وعلى علاقات باريس مع العالم، لا سيّما مع الاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة، إضافة إلى إفريقيا وحلف شمال الأطلسي "ناتو".

ورغم أن موسكو تبعد آلاف الكيلومترات عن باريس، لكن حضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في الحملة الانتخابية الفرنسية، كان طاغياً، وتجسّد في المناظرة التي جمعت ماكرون ولوبان الأربعاء، إذ اتهمها الرئيس الوسطي بـ"التبعية" لزعيم الكرملين.

البرنامج الانتخابي

يشكّل البرنامج الانتخابي لمرشحة أقصى اليمين، قطعاً حاداً مع سياسات تقليدية انتهجتها فرنسا، عكست دورها المحوري في أوروبا وحضورها البارز في العالم، كما يثير مخاوف من إحداث قلاقل في الداخل، نتيجة اقتراحات قد تمسّ النسيج الاجتماعي للبلاد.

وتحدثت لوبان في برنامجها، عن 22 تدبيراً ستتخذها في عام 2022، إذا انتُخبت رئيسة، بما في ذلك "وقف الهجرة غير المنضبطة"، و"اجتثاث الأيديولوجيات الإسلاموية وكل شبكاتها من الوطن"، ومنح "أولوية" لمسألة الأمن.

كما اعتبرت لوبان أن الامتناع عن "كبح الهجرة منذ عقود، أدى إلى استحالة اندماج الأجانب" المقيمين في فرنسا، وأسفر عن نزعة "انفصالية"، محذرة من "عواقب دراماتيكية في أوروبا وفرنسا".

وتطرّقت إلى مستوى المعيشة و"الحوكمة السيئة" و"تفشّي الفساد" في غالبية الدول الإفريقية، معتبرة أن ذلك يشجّع سكانها على الهجرة.

حظر الحجاب

خلال المناظرة الرئاسية، ذكّر ماكرون لوبان بقولها إن الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة منع ارتداء الحجاب في الشارع. وهنا ارتكبت المرشحة اليمينية خطأين، إذ اعتبرت بورقيبة رئيساً للجزائر، لا لتونس، كما أن 4 تعاميم أصدرها في هذا الصدد، منذ عام 1981، لم تحظر الحجاب في الشارع، بل في المنشآت العامة، مثل المدارس والجامعات والإدارات.

ماكرون اتهم لوبان أيضاً بمحاولة إشعال "حرب أهلية" في فرنسا، إذا حظرت الحجاب، علماً أنها سعت إلى تخفيف حدة موقفها، مشيرة إلى إجراء "نقاش" في البرلمان قبل فرض أيّ حظر.

السياسة الخارجية

في 13 أبريل الجاري، طرحت لوبان رؤيتها للسياسة الخارجية لفرنسا، وتشمل استعادة الدبلوماسية السرية "الفعالة"، عكس دبلوماسية "الثرثرة" التي اتهمت ماكرون بانتهاجها.

واعتبرت لبنان "عزيزاً على قلبها" ومن "أولوياتها"، ودافعت عن الفرنكوفونية و"مسيحيّي الشرق"، مشيرة إلى أن ماكرون زار البلد باعتباره "رجلاً في عجلة من أمره".

وطالبت باستئناف العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، ودافعت عن حلّ الدولتين لتسوية الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، مرحّبة بالتقارب بين إسرائيل وبلدان عربية.

ووصفت لوبان المغرب بأنه دولة "عزيزة عليها"، مشددة على وجوب "دعم" تونس، في حال طلبت حكومتها ذلك.

ودعت إلى "تبديد أي سوء فهم" بشأن العلاقات الفرنسية – الجزائرية، وأعلنت أنها تعتزم انتهاج "سياسة معاكسة تماماً" لتلك التي اعتمدها ماكرون إزاء الجزائر، والالتزام بخطاب "واضح ومتحرّر من العقد" في هذا الصدد، مشيرة إلى أن باريس "لا تعتمد اقتصادياً على الجزائر، ولا على غازها".

"فريكست" و"ناتو"

لوبان رفضت انتهاج سياسة "تبعية" لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وشجبت "نوعاً من الخضوع" إزاء الصين، داعية إلى تطوير "شراكة مع اليابان وكوريا الجنوبية ودول أخرى كثيرة".

وتطرّقت مرشحة أقصى اليمين إلى ملفات شائكة، مثل العلاقات مع روسيا والاتحاد الأوروبي و"الناتو". ورفضت اتهامها بأنها "مناهضة لأوروبا"، مستبعدة فرضية انسحاب فرنسا من الاتحاد، في ما يُعرف بـ"فريكست"، على غرار "بريكست"، في إشارة إلى خروج بريطانيا من التكتل. ورأت أن "تحويل الاتحاد الأوروبي إلى تحالف أوروبي للأمم، هو إنقاذ لأوروبا".

وتعهدت لوبان بأن فرنسا لن تنسحب من "ناتو"، بل من "هيكليته القيادية". وأيّدت "تقارباً استراتيجياً" بين الحلف وموسكو، بمجرد انتهاء الغزو الروسي لأوكرانيا وإبرام "معاهدة سلام" بين الدولتين، علماً أنها رفضت تسليح كييف.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في سيارة كهربائية بحدائق قصر فرساي - 29 مايو 2017 - REUTERS
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في سيارة كهربائية بحدائق قصر فرساي - 29 مايو 2017 - REUTERS

علاقات لوبان بروسيا أسالت حبراً كثيراً في فرنسا، علماً أنها التقت بوتين في موسكو عام 2017، قبل شهر من الدورة الأولى لانتخابات الرئاسة آنذاك.

وتبادلت لوبان وماكرون اتهامات في هذا الصدد، خلال المناظرة الانتخابية، إذ ذكّر الرئيس الفرنسي بنيلها في عام 2014، قرضاً يبلغ 9 ملايين يورو من "البنك التشيكي الروسي الأول"، معتبراً أنها لن تستطيع الدفاع عن مصالح فرنسا بشكل صحيح، لأن مصالحها "تعتمد على القوة الروسية وبوتين".

في المقابل، وصفت لوبان نفسها بأنها "حرة تماماً"، واتهمت خصمها باستقبال "بوتين بأبّهة" في قصر فرساي قبل سنوات.

حزب لوبان وروسيا

صحيفة "ليبراسيون" اليسارية الفرنسية، أوردت أن لوبان "لطالما دافعت عن روسيا بوتين، بل مجّدتها".

واعتبرت أن العلاقات قديمة بين حزب لوبان وموسكو، مذكّرة بلقاء الزعيم السابق للحزب، جان ماري لوبان، والد مارين، الزعيم الروسي القومي الراحل فلاديمير جيرينوفسكي، في عام 1996.

وأشارت إلى أن لوبان الأب التقى أيضاً في عام 2014، ألكسندر دوجين، الذي اعتبرته "أحد مصادر إلهام" بوتين، وأوحى للوبان بصوغ فكرة "أوروبا الشمالية" المحافظة، في مواجهة "الإمبريالية الأميركية المنحلّة".

الزعيم السابق لحزب
الزعيم السابق لحزب "التجمّع الوطني" اليميني في فرنسا، جان ماري لوبان، خلال لقائه الزعيم الروسي القومي الراحل فلاديمير جيرينوفسكي (يمين) في عام 1996 - Twitter/@marineturchi

وأضافت الصحيفة أن لوبان عزّزت الخط الموالي لموسكو في حزبها، بعدما خلفت والدها في زعامته عام 2011، إذ أبلغت صحيفة "كوميرسانت" الروسية "إعجابها" ببوتين، ورفضت "شيطنته" في وسائل الإعلام. كما أشادت بـ"شجاعته وصراحته واحترامه للهوية والحضارة".

"زواج أيديولوجي"

موقع "ذي كونفرسيشن" تحدث عن "شهر عسل مديد" بين حزب لوبان وموسكو، معتبراً أن الحزب "استغلّ إرث" الرئيس الفرنسي الراحل، الجنرال شارل ديجول، من أجل "التحدث إلى روسيا".

وذكر أن القاسم الأساسي لهذا "الزواج الأيديولوجي" بين الجانبين، يتمثل في كلمة "السيادة"، التي تتجسّد بأشكال مختلفة، سياسية وجيوسياسية واقتصادية وثقافية.

رئيسة حزب
مارين لوبان ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان خلال لقاء لقادة أحزاب أوروبية يمينية في وارسو - 4 ديسمبر 2021 - AFP

ولفت الموقع إلى أن "موسكو لطالما اعتبرت فرنسا بلداً أساسياً، بسبب موقعها الجيوسياسي المستقلّ جزئياً عن الولايات المتحدة، ومكانتها كقوة نووية، ومقعدها الدائم في مجلس الأمن"، إضافة إلى حضور قوي لشركاتها في روسيا، بما يمكّنها من الضغط لمصلحة موسكو.

ورأى الموقع أن فوز لوبان في الانتخابات "سيكون بشرى سارة لموسكو"، التي تقلّصت ركائز دعمها في أوروبا بعد غزو أوكرانيا، واقتصرت بشكل أساسي على المجر وصربيا، علماً أن مرشحة أقصى اليمين وصفت بوتين، في حديث لمجلة "ذي إيكونوميست"، بأنه "رجل دولة عظيم".

"عودة القومية والحرب"

واتهم ماكرون لوبان أيضاً، بالسعي إلى إخراج فرنسا من الاتحاد الأوروبي، من دون أن تجرؤ على الجهر بذلك، منبّهاً إلى أن هذا الأمر سيؤدي إلى "عودة القومية والحرب" في القارة.

ودافع ماكرون عن أن "أوروبا ليست تحالفاً من أمم تريد أن تشنّ حرباً على بعضها بعضاً، (بل) مشروع احترام أنهى أحلاماً إمبراطورية لطالما مزّقتنا". واعتبر أن "أحلام عودة الإمبراطورية هو حلم روسيا الآن".

لكن رئيسة حزب "التجمّع الوطني" تؤكد أن "فريكست ليس مشروعنا بأيّ حال"، مشددة على أنها تريد "إصلاح الاتحاد الأوروبي من الداخل". ووصفت الشراكة بين فرنسا وألمانيا بأنها "شبه خيال"، لافتة إلى "اختلافات استراتيجية لا يمكن التوفيق بينها".

وتابعت: "تؤكد ألمانيا نفسها بوصفها السلبية المطلقة للهوية الاستراتيجية الفرنسية، المستندة إلى الاستقلال والردع ونموذج لجيش متكامل". وأعلنت رغبتها في وقف "كل تعاون مع برلين"، في مجال الدفاع وتصنيع المقاتلات والدبابات.

"ضربة للمحور الفرنسي – الألماني"

صحيفة "لوموند" الفرنسية نقلت عن دبلوماسي من دولة في أوروبا الوسطى، قوله إن فوز لوبان في الانتخابات "سيكون أسوأ من بريكست ومن (عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد) ترمب".

ولفتت الصحيفة إلى أن اقتراح لوبان تنظيم استفتاء من أجل تعديل الدستور الفرنسي، كي "يسود على القانون الدولي" ويمكّن "فرنسا من التوفيق بين التزامها الأوروبي والحفاظ على سيادتها والدفاع عن مصالحها، يشكّل تعارضاً مع القواعد الأوروبية ويعرّض باريس لخطر عقوبات، أو حتى الخروج من الاتحاد".

من ناحيته، نبه "معهد مونتين" إلى أن فوز لوبان "سيضعف وحدة أوروبا، وتماسكها ومكانتها الدولية"، لافتاً إلى أنها "ترغب في تقليص ضخم لسلطة اتخاذ القرار في الاتحاد، والتحكّم بمَن يمكنه السفر بحرية داخل (دوله)، والانسحاب من بعض ترتيبات التجارة والطاقة".

وأشار إلى "صعوبة أن يتبنّى الاتحاد هذه الإصلاحات، من دون أن يتفكّك تدريجاً"، وتحدث عن "انسحاب بطيء وغير منظّم" لفرنسا من التكتل.

ورجّح المعهد أن يشكّل ذلك "ضربة للمحور الفرنسي – الألماني"، وأن تفقد رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، برحيل محتمل لماكرون، حليفاً أساسياً في المجلس، في سعيها إلى تشكيل "مفوّضية أوروبية أكثر جيوسياسية".

وأعلنت لوبان أنها مستعدة لتعزيز العلاقات مع المملكة المتحدة، التي تعتبرها "شريكاً دفاعياً أساسياً"، إذا أبدت استعداداً لشراء أسلحة فرنسية الصنع.

"شلّ" الاتحاد الأوروبي

رأى مجتبى الرحمن، مدير قسم أوروبا في مجموعة "أوراسيا" للاستشارات، أن لوبان "ستحاول تدمير الاتحاد الأوروبي من الداخل"، معتبراً أنها تشكّل "تهديداً على الوضع الراهن في الاتحاد الأوروبي، أكبر بكثير من بريكست".

أما باسكال لامي، الذي كان رئيساً لموظفي الرئيس السابق للمفوّضية الأوروبية جاك ديلور، فلفت إلى أن برنامجها "السيادي والحمائي والقومي سيتعارض تماماً مع الالتزام الفرنسي بالتكامل الأوروبي"، متضمّناً "اقتراحات تنتهك تماماً المعاهدات التي وقّعت عليها فرنسا".

ورجّح غيورغ ريكيليس، وهو مسؤول سابق في المفوّضية الأوروبية، أن تؤدي سياسات لوبان إلى "شلّ" الاتحاد، وإضعاف قدرته بشكل "دراماتيكي" على التعامل مع الأزمات.

"سقوط أوروبا الموحّدة"

وينسحب هذا الأمر على "الناتو"، الذي سيشهد "تغييراً دراماتيكياً" إذا فازت لوبان، بعد تعهدها بإخراج فرنسا من هيكلية القيادة العسكرية المتكاملة للحلف، في خطوة ستلغي مشاركة القوات والأسلحة الفرنسية تحت قيادته، وتشكّل "إضعافاً كبيراً" له.

وكان ماكرون اعتبر في عام 2019، أن الحلف يعاني "موتاً سريرياً"، داعياً إلى تشكيل قوة عسكرية بقيادة الاتحاد الأوروبي، لتقليص اعتماد القارة على الولايات المتحدة. لكنه جدّد دعمه للناتو، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

وإزاء خطر تحوّل فرنسا إلى "ديمقراطية غير ليبرالية"، إذا انتُخبت لوبان رئيسة، نبّه مايكل روث، وهو رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني، إلى أن خسارة ماكرون الانتخابات تعني "سقوط أوروبا الموحّدة".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات