بريطانيا.. "تحديات داخلية" تواجه الدعم العسكري لأوكرانيا

جنود يركضون في ساحة تدريب أثناء مناورة تشارك فيها دبابة "تشالنجر" في هامبشاير بجنوب إنجلترا.  14 مارس 2022 - AFP
جنود يركضون في ساحة تدريب أثناء مناورة تشارك فيها دبابة "تشالنجر" في هامبشاير بجنوب إنجلترا. 14 مارس 2022 - AFP
لندن -بهاء جهاد

أعلنت الحكومة البريطانية أخيراً، خططاً لإرسال دبابات "تشالنجر 2" إلى كييف لتعزيز قدرتها على صد الغزو الروسي، وهو قرار يرى خبراء ومحللون أنه "لن يغير موازين الحرب"، بسبب قلة عدد تلك الآليات، لكنه ينطوي على أبعاد سياسية داخلية في بريطانيا، و"يمهد لمرحلة ثانية في الخصومة الغربية مع موسكو".

وتتمثل المشكلة الأبرز بشأن قرار حكومة ريشي سوناك في أن الاستغناء عن 14 دبابة من هذا النوع "قد يضعف الجيش البريطاني"، كما أن تعويضها أو تصنيع غيرها لصالح أوكرانيا يعني زيادة الإنفاق على المؤسسة العسكرية في ظل أزمة اقتصادية تعيشها البلاد بسبب التضخم.

وقد يستغرق تسليم الدبابات إلى أوكرانيا شهوراً عدة، ولكن حكومة حزب المحافظين تريد من خلال القرار تعزيز ثقة الشارع  في "بريكست"، خصوصاً وأن استطلاعات الرأي تظهر تزايداً واضحاً في أعداد البريطانيين "النادمين" على مغادرة الاتحاد الأوروبي، ويرون فيه "خطأ" يفضلون الرجوع عنه بأسرع وقت ممكن وأقل الخسائر.

وفقاً للإحصائيات الرسمية، تمتلك بريطانيا نحو227 دبابة فقط من طراز "تشالنجر 2" التي تخطط لتزويد أوكرانيا بها.

وبحسب تقرير نشره مجلس اللوردات في البرلمان قبل أيام قليلة، فإن خطة تطوير جيش المملكة المتحدة تتضمن تحديث 148 دبابة من هذا الطراز خلال وقت قصير، وتصفية تلك التي لم تعد صالحة منها للخدمة العسكرية.

ولفت قائد الجيش البريطاني الجنرال باتريك ساندرز، إلى أن إرسال الدبابات والمدفعية إلى أوكرانيا لتعزيز المجهود الحربي في مواجهة روسيا "سيجعل الجيش أضعف"، وقال في رسالة سربت لوسائل إعلام محلية إن "هزيمة موسكو ستجعل المملكة المتحدة أكثر أمناً، لكن ذلك لا يلغي حقيقة أن دعم كييف بالسلاح يؤثر على إمكانيات القوات المسلحة وقدرتها على صد التهديدات والوفاء بالتزاماتها تجاه حلف الناتو".

وشدد الجنرال ساندرز في رسالته على أن الجيش البريطاني "يضحي" عند دعمه لأوكرانيا في صد العملية العسكرية الروسية، مشيراً إلى أن "أن الأمر يستحق العناء فعلاً، ولكنه يكلف كثيراً"، وبالتالي يتوجب على وزارة الدفاع أن تبذل جهوداً أكبر لتسريع ودعم عملية تحديث القوات البريطانية وتجهيزها بالعدة والعتاد اللازمين.

من جانبه، أوضح وزير الدفاع البريطاني بن والاس أمام البرلمان، أن وزارته تدرس حاجة الجيش إلى زيادة عدد دباباته. كما أنها تعهدت بإنفاق 24 مليار جنيه إسترليني على إعادة تجهيز الجيش خلال العقد المقبل.

لكن الكثير من الأسلحة الجديدة، بما في ذلك الدبابات المطورة، لن تعمل بكامل طاقتها حتى أوائل عام 2030.

انتظار الميزانية

وتنتظر وزارة الدفاع "بيان الربيع" لوزير المالية البريطاني جيرمي هانت خلال بضعة أشهر، لتتضح إمكانية زيادة الإنفاق العسكري في ميزانية العام المقبل. كما أن الزيادة بحد ذاتها، إن تقررت، سوف تستند على مراجعة استراتيجية الجيش على ضوء المتغيرات الدولية وحجم الأخطار الخارجية التي تهدد المملكة المتحدة وحلف شمال الأطلسي "ناتو".

تجدر الإشارة إلى أنه عند تشكيل سوناك لحكومته نهاية العام الماضي، هدد والاس بالاستقالة في حال عدم زيادة ميزانية الدفاع عام 2023. ولكن يبقى السؤال عما إذا كان واقع الاقتصاد البريطاني، يسمح اليوم بضخ أموال أكثر في تسليح وتعزيز القوات العسكرية، بينما تجتاح البلاد أصلاً موجة غير مسبوقة من الإضرابات المطالبة بزيادة الأجور في قطاعات أخرى؟.

وتقول رئيسة لجنة العلاقات الدولية والدفاع في مجلس اللوردات، البارونة أنيلاي دي سانت جونز، إن الافتراضات الاقتصادية التي تستند عليها سياسة الدفاع البريطانية، "تغيرت"، لا سيما مع تأثير التضخم على الإنفاق الحكومي، معتبرة أن "الخطر يكمن في عدم قدرة الدولة على تحقيق تطلعات المراجعة المتكاملة للاستراتيجية الدفاعية ما لم يتوفر المزيد من الموارد. وبالتالي لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الحكومة ستحتفظ بالتزامها في إنفاق 3% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، أم أن ذلك سيتغير".

وتوضح البارونة في تقرير اللجنة البرلمانية الأخير، أن إصلاح الجيش وتطويره في الوقت الراهن "صعب جداً"، خصوصاً في ظل التضخم المرتفع. كما لفتت إلى أن عدد الجنود ليس المقياس الأفضل لقدرات القوات المسلحة، قائلة إن "ما يهم أكثر هو التقنيات والمعدات والتدريب للقيام بالمهام اللازمة".

دلالة رمزية

في تصريحات لهيئة الإذاعة البريطانية BBC، يقول الخبير الأمني البرفسور بول ميكروفت، إن إرسال المملكة المتحدة دبابات "تشالنجر2" إلى كييف، ينطوي على "دلالة رمزية وأخرى عملية"، لافتاً إلى أنها "أولاً توجه رسالة إلى الروس بأن الحرب يمكن أن تتنقل إلى مرحلة جديدة يصبح فيها تركيز الدعم الغربي لأوكرانيا على الهجوم أكثر من الدفاع، وبالتالي يتوجب على موسكو الحذر من بناء أحلام وردية لانتصارات كبيرة".

أما الهدف العملي للخطوة البريطانية برأي ميكروفت، فيكمن في "تشجيع الاتحاد الأوروبي على زيادة دعم كييف". أو بتعبير آخر، "إحراج" دوله ودفعها نحو تزويد أوكرانيا بالدبابات. وخصوصاً ألمانيا التي تنتشر دباباتها "ليوبارد 2" في القارة العجوز، وهي أكثر مواءمة للقتال على الجبهة الروسية لأسباب عدة من بينها حداثتها وجاهزيتها، واستهلاكها القليل للوقود مقارنة بنظيراتها الأميركية والبريطانية، على حد وصفه.

وبالفعل، استدعت الخطوة البريطانية تصعيداً في مطالبة أوكرانيا لألمانيا بإرسال دباباتها إلى الجبهة. ولكن المسؤولين في برلين اختاروا التروي في الخطوة بحجة ضرورة الاتفاق بين حلفاء كييف. وهو ما فُسر بأن الحكومة الألمانية تنتظر استعداداً مشابهاً للخطوة من الولايات المتحدة، كما أنها لا تود استفزاز فلاديمير بوتين عبر إرسال أسلحة هجومية تجعل حلف الناتو والاتحاد الأوروبي في مواجهة مباشرة مع الروس.  

ويشير الخبير الأمني البريطاني إلى تحد آخر يقف أمام تزويد أوكرانيا بأسلحة هجومية غربية كالدبابات، يتمثل في حاجة الأوكرانيين للتدرب على استخدام مثل هذه الأسلحة. وحاجة حلفاء كييف إلى التأكد من قدرة الجيش الأوكراني على الاستغلال الأمثل للمعدات والتقنيات الغربية، واستخدامها فقط ضمن معايير تمنع وصولها إلى غير القوات النظامية، كما "تحمي سمعتها" في السوق العالمية للمعدات العسكرية.

أبعاد سياسية داخلية 

وعلى الرغم من توافر الأسباب الأمنية والعسكرية للقرار البريطاني بإرسال "تشالنجر 2" إلى أوكرانيا، إلا أن المدير السابق لأبحاث السياسة والعلاقات الدولية في "جامعة كامبريدج"، جون كيجر، يشير إلى وجود منافع سياسية تتطلع إليها لندن عبر دعم كييف. وأولها إثبات جدوى "بريكست"، وصرف الانتباه الداخلي عن المشكلات التي طالت البلاد بسبب خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي منذ نهاية عام 2020.

ويوضح الأكاديمي والخبير في الشأن البريطاني في مقالة نشرتها صحيفة "سباكتيتر"، أن أسهم المملكة المتحدة ارتفعت لدى الدول المجاورة لأوكرانيا بعد أن صحت توقعاتها إزاء "الغزو الروسي" قبل فبراير 2022، ومسارعة لندن إلى دعم كييف وجوارها وحتى دول البلطيق التي لا تنتمي للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. متفوقة في ذلك على دور ومساهمة أبرز دول القارة العجوز مثل فرنسا وألمانيا.

وبرأي كيجر، تتطلع بريطانيا إلى تعاطف الدول الأوروبية التي ساعدتها في هذه المرحلة من أجل ترتيب العلاقة المستقبلية بين لندن وبروكسل. كما أن المملكة المتحدة تحاول فتح كل أبواب التعاون الممكنة مع دول القارة العجوز في مجالات الاقتصاد والسياسة والأمن. ذلك لأن التحالفات هي جزء أساسي من الاستراتيجية البريطانية في الحفاظ على قوة البلاد ومكانتها العالمية.

أوضاع بريطانية صعبة

وبرأي العضو في "حزب المحافظين" ديفيد بورن، لا تتوافر لدى المملكة المتحدة إمكانية التفرد بدعم أوكرانيا في مواجهة الروس. لذلك لا تشعر دول مثل ألمانيا وفرنسا بضغط كبير أمام تقدم لندن على باريس وبرلين في الدعم العسكري والمالي لكييف. وتشير الأرقام إلى أن قيمة المساعدات البريطانية لأوكرانيا خلال العام الماضي تجاوزت ملياري جنيه إسترليني، فاحتلت المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في هذا الشأن.

وبينما يوضح وزير الدفاع البريطاني أن بلاده خصصت نحو 2.3 مليار جنيه لدعم أوكرانيا عسكرياً في العام الجديد، تحدث بورن لـ"الشرق" عن حاجة المملكة المتحدة إلى إجراء تحسينات كثيرة في عتاد قواتها المسلحة خلال الفترة المقبلة، وربما تتعارض هذه الحاجة مع رغبة لندن في مساعدة كييف، برأيه.

ونوه السياسي البريطاني إلى أن الأوضاع الصعبة التي يعيشها الاقتصاد الوطني، وتعثر معالجة أزمة الإضرابات التي تعم قطاعات عدة في البلاد، قد يحدان من قدرة الحكومة من زيادة الدعم لأوكرانيا، وبالتالي من إمكانية "الاستثمار الأمثل" للحرب على مستوى السياسة الداخلية، سواء لجهة ترتيب علاقة المملكة المتحدة مع البيت الأوروبي، أو لجهة استعادة ثقة الشارع بقدرة حزب المحافظين على إدارة الدولة.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات