التمدد التركي شمال سوريا يقلق الكرد.. هل تم تعديل "اتفاق أضنة"؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل اجتماع في طهران بشأن الأزمة السورية- 19 يوليو 2022 - REUTERS
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل اجتماع في طهران بشأن الأزمة السورية- 19 يوليو 2022 - REUTERS
 بيروت/دبي/إسطنبول-الشرق

عَكَسَ توسّع العمليات التركية الأمنية ضد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، داخل الأراضي السورية، تحولاً جديداً في الصراع لم تواجهه الحكومة السورية عسكرياً ودبلوماسياً، ولم تنتقده إيران، ما يعزز التقديرات الكردية بأن هناك تعديلاً على بنود اتفاق "أضنة" الذي وقعته سوريا وتركيا في عام 1998، يُتيح توسع العمليات التركية إلى العمق السوري بمسافة تتخطى الـ30 كيلومتراً، بغطاء سياسي من دول مجموعة "أستانا"، أي روسيا وإيران.

وتُلاحق القوات التركية شخصيات كردية تُصنفها أنقرة على قوائمها لـ"الإرهاب" في مناطق سيطرة "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا شمال البلاد، لكن تلك العمليات توسعت خلال الشهرين الأخيرين إلى الملاحقة في العمق السوري، ولعل أبرزها كان في ريف الحسكة خلال أغسطس الماضي، حيث قصفت مُسيّرة تركية موقعاً في قرية الشموكة بريف تل تمر، يبعد أكثر من 40 كيلومتراً عن الحدود التركية، فيما تتواصل غارات المُسيرات داخل العمق السوري بوتيرة مُكثّفة.

ويُمثل تطور العمليات العسكريةضد الفصائل الكردية في العمق السوري، تحولاً في التجربة الأمنية التركية في الداخل السوري، التي لطالما كانت مُقيدة منذ عام 1998، بمساحة تدخل لا تتعدى الـ5 كيلومترات، وذلك عملاً بـ"اتفاق أضنة" الذي نص في الملحق الرابع منه على أن "إخفاق الجانب السوري في اتخاذ التدابير والواجبات الأمنية، المنصوص عليها في الاتفاق (منع أي نشاط ينطلق من أراضي سوريا بهدف الإضرار بأمن تركيا واستقرارها، والسماح بتوريد الأسلحة والمواد اللوجستية والدعم المالي والترويجي لأنشطة حزب العمال الكردستاني على أراضيها)، يُعطي تركيا الحق في اتخاذ جميع الإجراءات الأمنية اللازمة داخل الأراضي السورية حتى عمق 5 كيلومترات".

تعديل الاتفاق الأمني

وترى الإدارة الذاتية الكردية، أن التحول في العمليات التركية داخل الأراضي السورية، يُمثل تعديلاً في "اتفاق أضنة".

وفي حديث لـ"الشرق" أشار مدير "شبكة الجيوستراتيجي للدراسات" إبراهيم كابان إلى أن "المعطيات على الأرض وطبيعة التحركات التركية، إلى جانب زيادة رقعة التحرك والتنسيق بين سوريا وتركيا، تثبت أن هناك اتفاقاً ضمنياً بين أنقرة والنظام السوري على تعديل اتفاق أضنة".

وقال إن "إعادة العلاقات بين النظامين السوري والتركي، وتوجيه المعارضة السورية لمحاربتنا (الأكراد) بدلاً من محاربة النظام السوري، ودعم المجموعات السورية المتطرفة، وإنهاء مخاوف النظام منها، يثبت ذلك".

وقال كابان إنه "لم تعد هناك تهديدات من تركيا ضد دمشق"، لافتاً إلى أن منح أنقرة الحق بالتدخل في المناطق السورية إلى هذا العمق، هو تطور في "اتفاق أضنة"، و"جزء من اتفاقية جديدة" يرى أنه تم التوصل إليها في عام 2018 مع "احتلال الفصائل الموالية لتركيا عفرين من دون تدخل النظام، والآن يجري تنفيذها بتوجيه من روسيا وإيران"، من غير أن يستثني "التعاون الأمني بين الطرفين الذي لم ينقطع"، فضلاً عن "التقارب السوري التركي الأخير، ووقف بندقية المعارضة باتجاه الجيش السوري النظامي".

وأوضح كابان أن "تنفيذ الاتفاقية يبدو واضحاً من خلال إيقاف نشاط المعارضة ضد النظام، وتوجيهها باتجاه قوات سوريا الديمقراطية". 

التحليل الكردي الوارد أعلاه، ليس الأول من نوعه، إذ رأت رئيسة الهيئة التنفيذية لـ"مجلس سوريا الديمقراطية" إلهام أحمد، الأسبوع الماضي، أن "امتداد عمليات الاحتلال التركي إلى أكثر من 40 كيلومتراً، يعني أن هناك تعديلاً باتفاق أضنة من قبل أطراف مسار أستانا".

مبادرة روسية

هذا التفسير للتحول في مسار الصراع، تراه المعارضة السورية من زاوية مختلفة. إذ قال الخبير العسكري والسياسي العميد أحمد رحال إن هذا التقدير (التحليل) "تنامى مع الانعطافة التركية بالمصالحة مع النظام السوري".

وأفاد في حديث لـ"الشرق" بأن هناك من قال إن "الروس دخلوا على الخط بمبادرة تتمثل بأن تكون توسعة العمليات الأمنية التركية داخل سوريا، مقابل الخروج العسكري التركي من الأراضي السورية، وسيطرة قوات النظام على الحدود التركية، ورفع يد الدعم عن الفصائل المعارضة، وبالتالي تُعطي هذه المبادرة لتركيا يداً أمنية أوسع مما أعطاها إياه اتفاق أضنة في ملاحقة حزب العمال الكردستاني".

ويرى مواكبون للأحداث أن تركيا في المقابل "لا تقبل بهذا المقترح الروسي"، بل على العكس "استفادت من التعديل بتوسعة نشاطها الأمني في العمق السوري، من دون الخروج من سوريا".

ويعتقد رحال أن المتضرر من هكذا مبادرة "هو قوات سوريا الديمقراطية التي تُطالب تركيا بالتعاون السوري الرسمي، لمنع وجود الإدارة الذاتية وقسد على حدودها مع سوريا".

كما يرى أن "قسد تُهوّل بالموضوع لأنها متضررة"، مشيراً إلى أن أنقرة "لا ترى مصلحة لها، بعد تواجدها في سوريا وتثبيت نحو 80 نقطة عسكرية فيها".

ضمانة أميركية

الوجود الأميركي في شمال شرقي سوريا يُمثل عامل ضمانة بالنسبة للأكراد، ويستدل إبراهيم كابان على ذلك، من خلال إحجام تركيا عن تنفيذ تهديداتها بشن عملية عسكرية جديدة.

واعتبر  كابان أن تراجع أنقرة عن القيام بعملية عسكرية ضد مناطق الإدارة الذاتية في سوريا "دليل على أن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، ضغط على تركيا باتجاه منع أي تصعيد ضد قوات سوريا الديمقراطية".

وعلاوة على التغطية الجزئية الجوية للطيران الأميركي في المنطقة، التي تُقوّض إلى مستويات كبيرة حركة الطيران التركي، لا يستثني كابان مدلولات الإشارة الثانية التي تتمثل في أن الجيش التركي "لم يستخدم حتى هذه اللحظة الأسلحة التي يستخدمها (الناتو) في الشمال السوري، ولا حتى الطائرات الحربية الأميركية التي يمتلكها جيشه، على الأقل منذ عام 2019 في التحرك باتجاه رأس العين"، معتبراً أن هذه الإشارة "تعني أن واشطن حزمت أمرها لمنع التحركات التركية باتجاه الشمال السوري".

وسيطر الجيش التركي وفصائل "الجيش الوطني" في أكتوبر 2019، على مناطق في شمال شرقي سوريا محاذية للحدود التركية، أبرزها تل أبيض ورأس العين، وذلك في عملية عسكرية أُطلق عليها اسم "نبع السلام".

وسبقت تلك العملية عمليتان تركيتان، الأولى حملت اسم "درع الفرات" في ريف حلب وشملت جرابلس والباب والراعي، ونُفذت في أغسطس 2016، والثانية في العام 2018، حيث سيطر الجيش التركي وفصائل "الجيش الوطني" السوري المعارض الموالي لتركيا، على مدينة عفرين في شمال حلب، في عملية عسكرية حملت اسم "غصن الزيتون".

ويتوقف كابان عند الإشارة الثالثة، التي تمثلت في إعادة الانتشار الأميركي في الرقة، بعد تحركات تنظيم "داعش"، لافتاً إلى احتمال انتشار أميركي جديد في "عين العرب" (كوباني) في ريف حلب الشرقي الحدودي مع تركيا، "ما يعني أن الأميركيين عازمون على البقاء في المنطقة، ولن يسمحوا بأي تقويض لنفوذ القوات الحليفة التي قاتلت الإرهاب إلى جانبهم". 

وهذا يعني، بحسب كابان، أن "النظام التركي خسر رهاناته السابقة على واشنطن أيام الرئيس السابق دونالد ترمب، في ظل تغيّر الإدارة الأميركية في عهد الرئيس جو بايدن"، في إشارة إلى توسعة في الشمال السوري، و"لذلك لجأ إلى (الاتفاق مع) النظام السوري بتغطية إيرانية وروسية، إذ يستحيل على التركي في عهد الإدارة الأميركية الجديدة، إجراء أي عملية عسكرية في الشمال السوري ضد الإدارة الذاتية"، مشيراً إلى أن الأميركيين لن يسمحوا بعملية تركية جديدة، وهو أمر ينسحب على النظام السوري الذي حاول بين العامين 2017 و2018 شن عملية عسكرية، لكن لم يسمح له التحالف بذلك".

تشدد أميركي

يبدو التشدد الأميركي تجاه التمدد التركي في شمال سوريا، أكثر واقعية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ قال الخبير العسكري أحمد رحال، إن العملية التركية التي أعلنت عنها أنقرة خلال مايو الماضي، لم تُنجز لأنها تحتاج إلى "ضوء أخضر روسي وأميركي في مناطق نفوذ كل منهما"، مضيفاً أن "الأميركيين وضعوا فيتو كاملاً".

ولفت رحال إلى أن الجيش الأميركي "دفع بتعزيزات على 3 دفعات أخيراً، أولها رتل مؤلف من 60 آلية، والثاني من 130 آلية، والثالث قبل أيام بـ60 آلية، فضلاً عن إنزال دبابات وآليات في شرق الفرات عبر طائرتي C17، ما يعني أنهم يُعززون وجودهم في شرق الفرات".

وأضاف رحال أن "ما يجري بعد الحرب في أوكرانيا، هو أن هناك قراراً أميركياً غير مُعلن بمنع أي انتصار سياسي أو عسكري أو اقتصادي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وينسحب ذلك على سوريا، وهو ما نراه في شرق الفرات، وكذلك يعكسه ما شاهدناه في اجتماعي طهران وجنيف اللذين جرى التأكيد فيهما أن لا حل في سوريا إلا عبر القرار الأممي 2254، وأنه لن يكون هناك أي نشاط لإعادة الإعمار إلا وفق مجلس الأمن".

إقرأ أيضاً:

تصنيفات