وثيقة استخباراتية أوروبية: موسكو تتحرك نحو تقويض الدولار وتفكيك النظام المالي العالمي

التجارة مع الصين والتقارب مع الجنوب العالمي.. أسلحة روسية في مواجهة الغرب

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينج ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ورئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا خلال قمة "بريكس" في برازيليا. 14 نوفمبر 2019
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينج ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ورئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا خلال قمة "بريكس" في برازيليا. 14 نوفمبر 2019
دبي -الشرق

تتزايد ثقة روسيا في أن تعميق العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع الصين والجنوب العالمي، يُمكنها من مواجهة النظام المالي الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة وتقويض الغرب، وفقاً لوثائق صادرة عن الكرملين ومقابلات أجرتها صحيفة "واشنطن بوست" مع مسؤولين ورجال أعمال روس.

وقالت "واشنطن بوست"، الأحد، إن نجاح روسيا في صد هجوم أوكرانيا المضاد، المدعوم من الغرب، والخلاف السياسي في واشنطن والاتحاد الأوروبي بشأن استمرار تمويل كييف، منحا موسكو شعوراً بالثقة.

وأضافت الصحيفة، أن موسكو ترى أن دعم الولايات المتحدة للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أضر بمكانة واشنطن في أجزاء كثيرة من العالم، مُشيرة إلى أن "تزامن الأحداث أثار موجة من التفاؤل بشأن وضع روسيا العالمي".

وأشار مسؤولون في موسكو، إلى تنامي التجارة مع الصين، والتعاون العسكري مع إيران، والتقارب الدبلوماسي مع العالم العربي، وتوسيع مجموعة "بريكس" - التي تضم الاقتصادات الناشئة الكبرى وهي البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا- لتشمل إيران، والسعودية، والإمارات، ومصر، وإثيوبيا.

وقال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال العام الجاري، مع تولي روسيا رئاسة "بريكس"، إن توسيع المجموعة يؤكد تزايد قوتها، ويعزز دورها في الشؤون العالمية، مؤكداً أن عمل المجموعة سيركز على "المساواة في السيادة".

تقويض الدولار وتفكيك النظام المالي

وأفادت وثائق صادرة عن مجلس الأمن الروسي، حصل عليها جهاز استخباراتي أوروبي، واطلعت عليها "واشنطن بوست"، بأن الكرملين عقد اجتماعات في عامي 2022 و2023، لبحث سبل تقويض دور الدولار باعتباره العملة الاحتياطية العالمية المهيمنة.

وذكرت إحدى الوثائق، أن الهدف النهائي يتمثل في تفكيك "النظام المالي العالمي" القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والقوة التي يمنحها لواشنطن.

وجاء في وثيقة أخرى تحمل تاريخ 3 أبريل 2023، أن "إحدى المهام الأكثر أهمية تتمثل في إنشاء نظام عالمي جديد"، وأن "الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، حاولت فرض منظومتها الخاصة معتمدة على هيمنتها".

ودعت وثيقة أخرى، كتبها حليف مقرب من أمين مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، وجرى تداولها في الكرملين، إلى زيادة التعاون بين الصين وروسيا في مجالات الذكاء الاصطناعي، والأنظمة السيبرانية، و"إنترنت الأشياء".

وقدمت الوثيقة، تصوراً لإنشاء روسيا والصين، نظاماً مالياً جديداً، وعملة رقمية أوراسيوية، تعتمد على أنظمة دفع بديلة، مثل تقنية سلسلة الكتل "بلوك تشين"، للتغلب على الهيمنة الغربية على المعاملات المالية العالمية.

ونفى المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، سعي روسيا إلى تقويض هيمنة الولايات المتحدة على النظام المالي العالمي، لكنه أقر بسعيها إلى "إيجاد بدائل".

وقال بيسكوف، إن "الإجراءات التي اتخذها الغرب بشكل جماعي تقوض الثقة دون أي مساعدة من موسكو".

وأضاف بيسكوف، في تصريحات للصحيفة، أن الكرملين "يتابع (الوضع) بعناية، ويبني نظاماً جديداً من الخلايا العصبية الاقتصادية؛ لأن النظام السابق اتضح أنه غير موثوق، وكاذب، وخطير".

صمود عسكري يعزز مكانة بوتين

وقالت الصحيفة، إن الاعتقاد بأن روسيا أثبتت قدرتها على الصمود عسكرياً واقتصادياً أكثر مما توقعه الغرب، عزز موقف بوتين في الداخل قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في مارس المقبل.

وأضافت أن "مكانة بوتين تعززت أيضاً بشكل خاص بين أفراد النخبة الروسية الذين أبدوا منذ فترة طويلة شكوكاً بشأن الحرب في أوكرانيا، وأعربوا عن قلقهم في بداية الحرب من تأثير العقوبات الغربية.

وقال أكاديمي روسي يتمتع بعلاقات وثيقة مع دبلوماسيين بارزين في البلاد، للصحيفة: "كان هناك دعم لا جدال فيه في صفوف النخبة الروسية. ثمة توقع بأن الوضع سيتغير لصالح روسيا".

وكان أصحاب المليارات الروس، مثل أوليج ديريباسكا، يعارضون الحرب في أوكرانيا علناً في بداية الأمر، وقالوا إنها ستؤدي إلى أزمة اقتصادية في روسيا، لكنهم الآن يصفون انفصال روسيا عن الغرب بأنه حافز لإعادة تشكيل الأنماط الاقتصادية العالمية.

وكتب ديريباسكا في 20 يناير عبر تليجرام: "سيتم إنشاء أنظمة دفع وأسواق سندات بديلة: باليوان في الصين والعملات المشفرة في الهند".

وأضاف: "وفي غضون سنوات قليلة، لن تكون العقوبات عائقاً أمام التجارة والاستثمار العالميين".

وقال مسؤولون أمنيون أوروبيون، إن "موسكو تُعد شريكاً صغيراً للغاية لبكين"، وأنه "من غير الواضح ما إذا كان لدى الصين أي مصالح حقيقية في الانحياز إلى رؤى الكرملين".

وأضاف المسؤولون، أن تركيز روسيا على استخدام مكانتها العالمية لتقويض الغرب، بما في ذلك في الشرق الأوسط، يتزايد.

وقال مسؤول أوروبي كبير، تحدث إلى الصحيفة بشرط عدم كشف هويته لمناقشة أمور حساسة: "روسيا لا تمتلك قدرات غير محدودة، لكنها تحاول استخدام كل الخيارات الممكنة. إنهم متسقون ومنظمون للغاية".

وقالت "واشنطن بوست" إن الكرملين بدأ في التخلي عن علاقته مع إسرائيل، والتي صُممت بعناية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، منذ الهجوم الذي شنته "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر؛ لتعميق العلاقات مع العالم العربي.

وأشارت الصحيفة إلى استضافة روسيا، وفداً يضم مسؤولين رفيعي المستوى من "حماس" ونائب وزير الخارجية الإيراني، علي باقري، في أكتوبر، لافتة إلى زيارة بوتين إلى الإمارات والسعودية، في ديسمبر، في أول زيارة خارجية بعيداً عن الصين، وإيران، ودول الاتحاد السوفيتي السابق منذ غزو أوكرانيا.

تصنيفات

قصص قد تهمك