أبلغت طائرات مدنية تُحلّق في أجواء منطقة البلطيق عن عدد متزايد من إشارات "مفقودة أو مزيفة" لنظام تحديد المواقع العالمي GPS، فيما يُنظر إلى روسيا على أنها المسؤول المحتمل عن ذلك الأمر وفقاً لمجلة "بوليتيكو".
وذكرت المجلة الأميركية في تقرير، الخميس، أن عمليات التشويش على نظام تحديد المواقع العالمي GPS تحدث بانتظام منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022، والأمر يتركز حول منطقة كالينينجراد الروسية، وهي منطقة عسكرية رئيسية لموسكو.
ونقلت المجلة عن دانا جوارد، رئيسة مؤسسة Resilient Navigation and Timing Foundation، ومقرها الولايات المتحدة، وهي مجموعة ضغط لمستخدمي نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) قولها: "روسيا تهاجم الطائرات والركاب والأراضي السيادية لدول حلف شمال الأطلسي (الناتو) بانتظام"، محذرة من أن ما يجري يمثل "تهديداً حقيقياً، فهناك حالة تشويش أدت إلى اصطدام طائرة ركاب بجبل".
وتنظر وكالة سلامة الطيران التابعة للاتحاد الأوروبي EASA في هذه المشكلة، ولكن حتى الآن تقول جهات تنظيمية، إن المشكلات المتعلقة بنظام تحديد المواقع العالمي لا تشكل خطراً على الرحلات الجوية.
ولكن Euro control، وهي المنظمة الأوروبية المسؤولة عن سلامة الملاحة الجوية، التي تتلقى تقارير من الطيارين من خلال نظامها الطوعي للإبلاغ عن الحوادث EVAIR، تقول إن حالات التشويش التي أبلغ عنها الطيارون تتزايد بشكل مطرد منذ يناير 2022.
وأشارت "بوليتيكو" إلى أن المشكلة باتت تزداد سوءً، إذ سجل نظام EVAIR زيادات كبيرة في عدد تقارير توقف عمل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) خلال الشهرين الأولين من عام 2024.
وقالت Euro control: "تلقينا 985 بلاغاً بتوقف عمل النظام مقارنة بـ 1371 بلاغاً في عام 2023 بأكمله"، مشيرة إلى أنها تلقت بلاغات أكثر بنحو 7 أضعاف في الشهرين الأولين من هذا العام مقارنة بالفترة نفسها في عام 2023.
ولم تتمكن الوكالة الأوروبية لسلامة الطيران من تأكيد أن روسيا تقف وراء هذه المشكلة أو ما إذا كانت عمليات التشويش مُتعمَدة، وقالت المتحدثة باسم الوكالة، جانيت نورثكوت، "بالنظر إلى المواقع المتضررة، فمن المحتمل جداً أن تكون المشكلة مرتبطة بالنزاع هناك، ولكن وكالة سلامة الطيران الأوروبية لا يمكنها تحديد المسؤول". لكن جوارد وصفت هذه الحوادث بأنها "متعمدة تماماً".
تزايد الهجمات
وكانت الوكالة الأوروبية لسلامة الطيران، والاتحاد الدولي للنقل الجوي عقدا ورشة عمل مشتركة في يناير الماضي بشأن هذه المسألة، وقال لوك تيتجات، القائم بأعمال المدير التنفيذي للوكالة الأوروبية لسلامة الطيران، آنذاك، إن الوكالة شهدت "ارتفاعاً حاداً في الهجمات على هذه الأنظمة، ما يشكل خطراً على السلامة".
غير أن نورثكوت قالت هذا الأسبوع، إن "الوضع لا يعتبر غير آمن حالياً، كما أن مستوى الوعي بين الطواقم تحسن بشكل كبير، وذلك بفضل اتباع إجراءات تعزيز السلامة المختلفة من قبل شركات الطيران وشركات تصنيع الطائرات والجهات التنظيمية".
ويعتبر التشويش أمراً سهلاً للغاية، لأنه لا يتطلب سوى إشارة ضعيفة جداً لتعطيل مُستقبِل نظام تحديد المواقع العالمي GPS، ويمكن شراء الأدوات القادرة على إجراء هذه العملية عبر الإنترنت، بحسب "بوليتيكو".
وهناك نوع اختراق آخر يسمى بـ"الانتحال"، الذي يعرض موقعاً خاطئاً للطائرة، وتقول جوارد، إن "الانتحال أصعب قليلاً من التشويش، ولكن يمكن للهواة ذوي الكفاءة أن يفعلوا ذلك بسهولة باستخدام أدوات مناسبة، فقد رأينا مؤخراً طائرات تحلق بشكل غير حقيقي في المجال الجوي الإيراني دون تصريح، الأمر الذي كان من الممكن أن يؤدي إلى إسقاطها".
وقالت جيني كييسكي، المتحدثة باسم شركة Finnair وهي إحدى شركات الطيران الأكثر تضرراً من التشويش على نظام تحديد المواقع العالمي: "المناطق التي أبلغ فيها عن تشويش النظام تشمل منطقة البلطيق وكالينينجراد، حول البحر الأسود وبحر قزوين وكذلك شرق البحر الأبيض المتوسط"، مضيفة أن العديد من رحلاتها تتجه جنوباً من هلسنكي فوق بحر البلطيق، وتمر بالقرب من كالينينجراد.
كما أبلغت شركة AirBaltic في لاتفيا عن مشكلات مماثلة، وقال جانيس كريستوبس، وهو مدير السلامة في الشركة: "يجب الاعتراف بأن مساراتنا تأثرت بهذه الظاهرة".
ولفتت "بوليتيكو" إلى أن المشكلة لا تتعلّق بطائرات مدنية فقط، موضحة أنه في منتصف شهر مارس الجاري، تعرضت طائرة عسكرية كانت تقل وزير الدفاع البريطاني جرانت شابس للتشويش على نظام تحديد المواقع العالمي أثناء عودتها من بولندا.
مناطق تشويش أخرى
وأضافت "بوليتيكو" أن هذه المشكلة تظهر أيضاً بالقرب من مناطق الصراع الأخرى، إذ قامت إسرائيل بالتشويش والتحايل على إشارات نظام تحديد المواقع العالمي على حدودها مع لبنان في أعقاب هجوم حركة حماس في 7 أكتوبر الماضي، كما تسبب التشويش الإسرائيلي، مؤخراً، في مشاكل للطيران المدني اللبناني، إذ وردت أنباء عن اضطرار طائرات متجهة إلى بيروت إلى العودة بسبب انقطاع الإشارة.
وقال ستيوارت فوكس، وهو مدير سلامة الطيران والعمليات الفنية في اتحاد النقل الجوي الدولي (IATA)، إنه "على الرغم من أن التشويش قد يكون مقلقاً، فإنه لا يشكل خطراً كبيراً على السلامة، إذ يمكن للطائرة أن تتنقل بأمان حول العالم بدون نظام تحديد المواقع العالمي".
وقالت جوار: "صحيح أنه لا يزال بإمكان الطيارين العثور على طريقهم بدون نظام تحديد المواقع العالمي، ولكن عدم تشغيل النظام بشكل صحيح يؤدي إلى زيادة عبء عمل الطيارين ومراقبي الحركة الجوية، ومن ثم زيادة فرص ارتكاب الأخطاء".
ووفقاً للمجلة، فإن التشويش على نظام تحديد المواقع العالمي، يبدو مرتبطاً بقضايا سياسية وعسكرية، ما يعزز الشكوك في تورط روسيا.
وربطت جوارد موجة التشويش الأخيرة في بحر البلطيق بـ"اقتراب السويد من عضوية حلف شمال الأطلسي وحصولها عليها، وكذلك بتركيب نظام إيجيس الأميركي المضاد للصواريخ وتفعيله في شمال بولندا".
وأضافت أن النظام البولندي بدأ العمل به في 15 ديسمبر الماضي، مشيرة إلى أن عمليات التدخل بدأت في اليوم نفسه على طول الحدود البولندية الشمالية، وعبر ممر سوالكي الاستراتيجي، في إشارة إلى قطعة ضيقة من الأراضي البولندية والليتوانية التي تفصل كالينينجراد عن حليف روسيا بيلاروس.
ورداً على سؤال عما إذا كانت الوكالة الأوروبية لسلامة الطيران ستطبق قيود سلامة على الحركة الجوية التجارية، قالت نورثكوت: "ليس من حق الوكالة فرض مثل هذه القيود، لأنها عادةً ما تكون مسؤولية الدول نفسها، لكننا على أي حال نقوم بمراقبة البلاغات بشكل متواصل للتأكد من عدم التوصل إلى وضع غير آمن".