
في ظل التوتر السياسي الذي يخيم على العراق، ضغوط وتحديات كثيرة يواجهها إقليم كردستان، تدفع أربيل إلى وضع خياراتها الخاصة للتعامل مع الوضع، فما هي التحديات التي يواجهها الإقليم؟ وما هي خياراته؟ هذا ما يجيب عنه مسعود حيدر، مستشار رئيس "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، مسعود برزاني، في حوار مع "الشرق".
براغماتية مشروطة
"الحزب الحاكم يمارس العمل السياسي ببراغماتية"، قال حيدر لـ"الشرق"، مشترطاً أن "تبدي الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة نيتها معالجة المشاكل التي تواجه الإقليم"، وموضحاً أن "التحالف مع الإطار التنسيقي يعتمد على ما سيقدمونه من مبادرات".
مستشار رئيس "الديمقراطي الكردستاني"، شدد على أن "أربيل لن تغلق الأبواب بوجه أحد شرط احترام حقوق الكرد الدستورية". لكنه حذّر "الإطار التنسيقي" من أن عليه إدراك خطورة الوضع في العراق.
وشدد حيدر على أنه "قبل البدء بأي مفاوضات (مع حزبه) لتشكيل الحكومة، يجب إيقاف الهجمات على أربيل والإقليم والعودة إلى الدستور في حل الخلافات والحصول على ضمانات لتنفيذ البرنامج الحكومي في مدة محددة".
تلويح بالانفصال
في سياق كلامه عن التحديات الأمنية التي يواجهها إقليم كردستان العراق، لم يستبعد حيدر خيار "انسحاب الأكراد من العملية السياسية والانفصال عن بغداد"، لا بل أنه تطرق إلى إمكان "عودة الإقليم إلى وضع ما قبل 2003 (الانفصال عن بغداد بحماية أميركية)".
وقال حيدر لـ"الشرق" إن العملية السياسية في العراق "تمرّ في منحدر خطر"، لافتاً إلى أن "الوضع في بغداد ذاهب إلى الانزلاق". وشدد على أن "التحديات الأمنية التي يواجهها الإقليم قبل عام 2003 لا تزال قائمة لا بل إنها باتت أكبر وأشد خطورة".
ورأى المسؤول الكردي أن "بغداد غير قادرة على حماية أربيل من التهديدات سواء كانت خارجية أو داخلية". وكشف أن "الأكراد غير راضين عن العملية السياسية الحالية بمجملها، مشدداً على أن "الحكومة العراقية ناقصة من دون المكون الكردي".
بدائل لتعويض الخسائر
ما خيارات أربيل لتعويض الخسائر التي تسبب بها حجب الحكومة الاتحادية المخصصات المالية الخاصة بالإقليم؟ في هذا السياق، أوضح حيدر لـ"الشرق" أن "الأكراد ينتظرون من حكومة الإقليم المقبلة إيجاد بدائل تسد النقص الذي يتسبب به حجب بغداد حصص الإقليم المالية نتيجة الخلاف النفطي القديم المتجدد".
وأكد أن أربيل "ترى أن قرار المحكمة الاتحادية العليا بشأن منع الإقليم من الاستثمار في موارد الطاقة في مناطقه، غير دستوري"، مطالباً بـ"ضرورة الحفاظ على استقلال القضاء العراقي وعدم استخدامه في تصفية الحسابات السياسية". واتهم بغداد بأنها "تتعامل بانتقائية مع الدستور".
تغيير في بغداد
مستشار مسعود بارزاني، اتهم الفصائل المسلحة بأنها "تتحكم في الحكومة العراقية". وقال إن "المتحكمين في بغداد اليوم لا يمكنهم بناء دولة".
ورأى أن "هناك انحداراً كبيراً في ما يتعلق برغبة الأطراف في بغداد بتطبيق الدستور". وذكّر بأنه "لم تتم معالجة أي مشكلة دستورية بين الإقليم وبغداد طوال الأعوام الـ19 الماضية"، مؤكداً أنه "من دون تغيير النهج المتحكم في بغداد، واللجوء إلى الحوار، والالتزام بالاتفاقات، لن يتمكن العراقيون من معالجة مشاكلهم ومعهم إقليم كردستان".
توحيد البيت الكردي
وكشف حيدر أن "التحديات الحالية تفرض على جميع الأحزاب الكردية ضرورة توحيد صفوفها"، لافتاً إلى أن أربيل "تسعى إلى توحيد كلمة البيت الكردي في المرحلة القادمة". ووصف خلافات حزبه مع بقية الأحزاب الكردية بأنها "خلافات جزئية".
وقال إن "الاجتماعات الأخيرة مع الاتحاد الوطني الكردستاني، هيأت لرأب الصدع بين الحزبين"، موضحاً أن القضايا المشتركة بين الأحزاب الكردية واحدة وتشمل الحفاظ على أمن الإقليم واستقراره وموارده والمكتسبات التي حققها بعد عام 2003".
تجدر الإشارة هنا، إلى أن ملفات الأمن والاقتصاد والطاقة، تفرض نفسها على طاولة المفاوضات الكردية الإطارية (إن حدثت). في وقت يطغى التوتر على العلاقة بين "الإطار التنسيقي" و"الحزب الديمقراطي الكردستاني".
وقف التحويلات المالية
وكان وزير المالية العراقي علي علاوي، قال في تصريح أخيراً إن "حكم المحكمة الاتحادية العليا (الذي أبطل قطاع الطاقة في حكومة إقليم كردستان) يمنع الحكومة المركزية من تخصيص حصة من الميزانية الفيدرالية للمنطقة الشمالية التي تتمتع بحكم شبه ذاتي".
وتضمنت الميزانيات الفيدرالية السابقة فقرات خصصت (من الناحية النظرية) ما يقرب من 12 في المئة من الإنفاق الحكومي لإقليم كردستان العراق، مقابل إرسال أربيل النفط الذي تنتجه إلى بغداد، أو تسلّمها ما يعادله من عائدات النفط التي تحصّلها من حقولها المُدارة بشكل مستقل. علماً أنه لم يتم تنفيذ هذا الترتيب بالكامل، وتم استبداله باتفاقيات مؤقتة بين الجانبين.
وبموجب آخر اتفاق في هذا الخصوص، كانت حكومة إقليم كردستان تتلقى تحويلات شهرية شبه منتظمة بقيمة 200 مليار دينار عراقي (138 مليون دولار)، كان آخرها في مايو. وهو ما يترجم كلام علاوي الذي سبق أن قال إن هذه التحويلات "لن تستمر".
أزمة الطاقة
وكانت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، أصدرت في 15 فبراير، حكما يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز الخاص بحكومة إقليم كردستان، الصادر في عام 2007، وإلغائه لمخالفته أحكام مواد دستورية، فضلا عن إلزام الإقليم بتسليم الإنتاج النفطي إلى الحكومة الاتحادية.
وقالت المحكم في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني، إن القرار شمل إلزام حكومة الإقليم بتسليم "كامل إنتاج النفط من الحقول النفطية في الإقليم والمناطق الأخرى، التي كانت وزارة الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كردستان تستخرج النفط منها، وتسليمها إلى الحكومة الاتحادية والمتمثلة بوزارة النفط العراقية، وتمكينها (الوزارة) من استخدام صلاحياتها الدستورية بخصوص استكشاف النفط واستخراجه وتصديره".
رفض كردي
ومن غير المرجح أن تمتثل السلطات الكردية لحكم المحكمة، بالنظر إلى سنوات من الخلاف بشأن حصة الحكومة الاتحادية من النفط المنتج في الإقليم.
وعلى الرغم من اعتراض مجلس القضاء في كردستان العراق، الذي رفض حكم المحكمة الاتحادية حول قانون النفط في الرابع من يونيو، إلا أن الرفض لم يؤخذ به لـ"عدم دستوريته".
وقال مجلس القضاء في إقليم كردستان العراق إن قانون النفط في الإقليم "ما زال سارياً"، رافضاً بذلك حكم المحكمة الاتحادية العليا. وأكد أن خطوات حكومة إقليم كردستان العراق في شأن العمليات المتعلقة بالنفط والغاز "تتوافق مع الدستور العراقي لعام 2005".
وشدد المجلس على أن "أحكام قانون النفط والغاز الصادر من برلمان إقليم كردستان لا تخالف أحكام الدستور العراقي". وتابع البيان أن "المادة 112 من الدستور العراقي الصادر في أغسطس 2005 تنص على أن تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة. ما يعني أن الحقول التي كان لها انتاج تجاري بعد هذا التاريخ، لا تنطبق عليها هذه المادة".
وأشار البيان إلى أن "حقول النفط والغاز التي تعمل حاليا في الإقليم بدأت الإنتاج التجاري بعد أغسطس عام 2005".
ضغوط أمنية وهجمات
منذ إعلان "الحزب الديمقراطي الكردستاني" التقارب مع "التيار الصدري" تعرض مقره في بغداد إلى هجومين منفصلين، أحدهما في 13 يناير، إذ تم استهداف مقر الحزب في منطقة الكرداة في بغداد بقنبلة يدوية، ومن ثم أقدم مجهولون على إحراق المقر ذاته في 28 مارس، ما دفع الحزب إلى غلق مقراته كافة في العاصمة.
تجدر الإشارة إلى أن الهجمات لم تطاول مقرات الحزب فقط، بل استهدفت أيضاً عاصمة إقليم كردستان. ففي هجوم غير مسبوق، أطلق "الحرس الثوري الإيراني" في 13 مارس، 12 صاروخًا على فيلا خاصة بقطب النفط العراقي باز كريم برزنجي في أربيل.
الهجوم المذكور طرح علامات استفهام عدة، ذلك أن المكان الذي استهدفه، يقع في المدينة وليس في معسكرات الجيش العراقي التي تستضيف القوات الأميركية. كما أن الصواريخ انطلقت من الأراضي الإيرانية وليس العراقية. وبدلاً من إعلان ميليشيات مجهولة مسؤوليتها (كعادتها في مثل هذه الحالات)، تولاه الحرس الثوري الإيراني بنفسه هذه المرة.
علاوة على ذلك، وصفت الفيلا المستهدفة بأنها "مركز الصهاينة الاستراتيجي للتآمر والشر" في كردستان العراق.
وبررت طهران الهجوم المذكور بالإشارة إلى أنه جاء رداً على "الجرائم الأخيرة" لـ "الكيان الصهيوني". وحينها، طالبت حكومة الإقليم ومعها بغداد أدلة من طهران على الادعاءات الإيرانية، غير أن طهران اكتفت بالصمت.
اللافت حينها، تجلى في أن قيادات في "الإطار التنسيقي" أيدت الهجمة الصاروخية المذكورة. ومن بينها قيس الخزعلي زعيم "عصائب أهل الحق" ورئيس كتلة "صادقون" المنضوية في "تحالف الفتح" برئاسة هادي العامري، الذي أيد في مقابلة تلفزيونية في مارس الهجمة الإيرانية ووصف أربيل بأنها "مقر للموساد الإسرائيلي".
وتكرر القصف الصاروخي على أربيل بثلاثة صواريخ في 6 أبريل، تلتها ضربة أخرى بستة صواريخ في الأول من مايو. وانطلقت الهجمتان من داخل العراق وتسببتا بأضرار جسيمة لأكبر مصفاة نفط في كردستان، تديرها شركة "كار جروب برزنجي". وتبنتهما فصائل مسلحة زعمت أنها تابعة لما يسمى بـ"فصائل المقاومة".
أما الهجوم الأخير، فكان في الثامن من يونيو، وتم بواسطة طائرة مسيّرة استهدفت طريقاً رئيسياً سريعاً في محيط مدينة أربيل، وأدى إلى إصابة ثلاثة أشخاص بجروح، وفقاً لما أفاد به جهاز مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان العراق، في بيان.
ويبعد الموقع الذي انفجرت فيه المسيّرة ثلاثة كيلومترات من مبنى جديد للقنصلية الأميركية لا يزال قيد الإنشاء. واتهم الجهاز الأمني الكردي "كتائب حزب الله" بتنفيذ الهجوم، وهي فصيل مسلح ينضوي جناحه السياسي المعروف باسم "حقوق" ضمن "الإطار التنسيقي".
اقرأ أيضاً: