طبول الحرب التركية تتسارع في شمال سوريا.. معركة بمحاذير كثيرة

time reading iconدقائق القراءة - 14
مركبات عسكرية للجيش التركي قرب بلدة جيلان بينار الحدودية مع سوريا- 18 أكتوبر 2019 - REUTERS
مركبات عسكرية للجيش التركي قرب بلدة جيلان بينار الحدودية مع سوريا- 18 أكتوبر 2019 - REUTERS
بيروت-تيما رضا

يتصدر الحديث عن العملية العسكرية التي تستعد تركيا لشنها في الشمال السوري عناوين الأخبار هذه الأيام، بعدما مهّدت لها أنقرة بغارات جوية مكثفة استهدفت مواقع القوات الكردية في شمال شرقي سوريا، انطلقت رداً على التفجير الذي استهدف شارع الاستقلال في اسطنبول، والذي حمّلت أنقرة مسؤوليته لـ"وحدات حماية الشعب الكردية".

في العملية البرية المرتقبة، التي أطلقت عليها تسمية "المخلب - السيف"، تسعى تركيا (كما تقول) إلى تأمين منطقة عازلة في الشمال السوري، وإقامة "حزام أمني من الغرب إلى الشرق" على طول حدودها الجنوبية مع كل من سوريا والعراق، وهذا ما يجعل العملية المذكورة لا تختلف كثيراً في جوهرها عن عمليات سابقة كان آخرها عملية "نبع السلام" في عام 2019، التي انتهت بسيطرة أنقرة على مساحة 30 كيلومتراً من الحدود وتوقيع اتفاقية سوتشي مع موسكو. 

هكذا، تبدو العملية العسكرية الجديدة، إن تمت، بمثابة رهان تركي على استكمال أهداف سبق وأعلنت عنها أنقرة سابقاً، تركّز فيها هذه المرّة على محاور عدّة، أبرزها: عين العرب (كوباني) وتل رفعت ومنبج.

نزاع تاريخي

"النزاع التركي الكردي هو نزاع تاريخي"، قال الكاتب والمحلل السياسي عبد الوهاب بدرخان لـ"الشرق"، لافتاً إلى أن "هناك مخاوف تركية دائمة من الكرد، خصوصاً الذين يقيمون في منطقة الجنوب الشرقي التي تعتبر غير صديقة للنظام في تركيا".

وقال:"في بداية الأزمة السورية، لم تتحرك تركيا إلى داخل الأراضي السورية، لكن مع اتساع هواجسها من الكرد الذين حاولوا الحصول على نوع من دويلة أو منطقة حكم ذاتي في شمال شرقي سوريا، قررت أنقرة ألا تقف مكتوفة الأيدي، فكان أن دخلت وسيطرت على عفرين التي تقع أقصى الشمال الغربي لسوريا".

وأضاف: "بحجة محاربة (تنظيم) داعش لاحقاً، دخل الجيش التركي إلى المنطقة الوسطى من شمال سوريا التي تضم جرابلس والباب، فأقامت تركيا أول منطقة نفوذ لها، قبل أن تتمدد إلى شمال إدلب، فجعلت عفرين متصلة مع إدلب ومع شمال حلب".

وذكّر بدرخان بأنه "في عام 2019 أخذت تركيا منطقة نفوذ جديدة في شرق المنطقة التي تقع فوق الرقة، فأصبح هناك تماس ما بين قواتها وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يشكل حزب العمال الكردستاني عدو تركيا التاريخي أساسها وأكبر قوة فيها".

وخلص بدرخان إلى أن "تركيا أنشأت منطقة وافق عليها الأميركيون وصمت عنها الروس"، لافتاً إلى أن "الأتراك الآن على تماس مع الكرد داخل سوريا، ولذلك يريدون توسيع المنطقة، ليستطيعوا إبعادهم (الكرد ) نحو شرق القامشلي والحسكة". وذكّر بأن "الأميركيين والروس حتى من دون تنسيق في ما بينهم، رفضوا التحرك التركي".

قضية بامتدادات كثيرة

القضية الكردية هي قضية إقليمية وجيوسياسية واستراتيجية كبيرة، إذ أنها لا تتعلق بسوريا فقط، بل بالعراق أيضاً، وبتنظيمات تتمركز في دول أوروبية وغيرها. من هنا، فإن المسألة الكردية لا تتعلق ببلد واحد، وبالتالي، فإن أي تحرك في هذه القضية غالباً ما تكون له ارتدادات إقليمية في سوريا والعراق وإيران، بالإضافة إلى ارتدادات دولية تمتد لتشمل روسيا والولايات المتحدة الأميركية. 

بناء على ما تقدم، يمكن فهم رفض اللاعبين الأساسيين في شمال شرقي سوريا الصريح للعملية العسكرية التركية، ذلك أن موقف كل دولة من الدول إنما ينبع من مصالحها ومواقفها السياسية.

وعن القبول الدولي لأي عملية عسكرية برية تشنها تركيا شمال سوريا، قال بدرخان: "يطالب الأتراك منذ أشهر بتوسيع المنطقة، لكنهم يريدون موافقة أميركية وروسية". وأضاف: "في يوليو الماضي، شارك الأتراك في اجتماع مجموعة أستانة (روسيا وتركيا وإيران) الذي عقد في طهران وحضره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اللذين قابلا خامنئي، ولكن إيران وروسيا رفضا العملية التوسعية، لأنها تُربكهم داخلياً وتُحرجهم بوضعهم الحالي داخل سوريا، واعتبروا أن توسّع تركيا الجغرافي، وزيادة منطقة نفوذها مرفوض".

تفهّم روسي

الباحثة في العلاقات الدولية في مدرسة الاقتصاد العليا في موسكو، لانا بدفان، رأت أن "الجانب الروسي يعي المخاوف الأمنية للجانب التركي ويتفهمها". وقالت لـ"الشرق" إن "أنقرة تعمل على حماية أمنها القومي، خصوصاً بعد التفجير الذي طاول أحد أهم المدن وأحد أهم الشوارع في تركيا (شارع تقسيم في اسطنبول)".

وأضافت"رأينا الموقف التركي بعدم قبول التعازي من السفارة والقنصلية الأميركية، في انفجار إسطنبول، لذلك تحمل هذه العملية ربما توتراً روسياً في عدم قبولها، بموازاة رفض أميركي".

واعتبرت بدفان أن "روسيا ربما ترفض هذه العملية، ولكنها قد لا تمانع لو أصرت تركيا على الإقدام عليها"، مذكّرة بأن موسكو "أعطت الضوء الأخضر للجانب التركي لدخول المجال الجوي المحمي منها، لشن غارات في شمال سوريا"، لافتة إلى أن "هذه إشارة إلى أن روسيا تتفهم وتعطي بعض النقاط إلى تركيا، وتسمح لها في بعض الأحيان بممارسة عملياتها العسكرية الجوية بقدر معقول".

وعما إذا كانت التهديدات التركية هذه المرة أكثر جدية قالت بدفان إن "بوابات الحوار الخاصة بين الجانبين التركي والروسي في تقدم مستمر وبشكل إيجابي، على العكس مما يجري الآن خلف الأبواب المغلقة بين تركيا والولايات المتحدة، إّ لا نُلاحظ أي تقدم إيجابي على المستوى السياسي ولا الدبلوماسي ولا على مستوى الحوار بين تلك الدولتين".

وأردفت قائلة: "لذلك، في حال أصرت تركيا على الإقدام على هذه العملية العسكرية، أعتقد أنها سوف تكون صغيرة ومختصرة في مناطق محددة في سوريا تتواجد فيها التنظيمات رغم الاعتراض الروسي المُعلن".

رفض أميركي

وكانت الولايات المتحدة أبدت انزعاجها الشديد من الضربات الجوية التركية، فيما حذرت وزارة الدفاع "البنتاجون"، من أن الضربات الجوية التركية في شمال سوريا هددت سلامة العسكريين الأميركيين، وقالت إن تصاعد الموقف يُهدد سنوات من التقدم في الحرب ضد تنظيم "داعش".

ومثّلت التعليقات العلنية من "البنتاجون" أقوى إدانة من جانب الولايات المتحدة للهجمات الجوية التركية، التي تُنفذها أنقرة، حليفة واشنطن في حلف الناتو، ضد الميليشيات الكردية في شمال سوريا حتى الآن.

من جانبها، لا تستخدم موسكو عبارات واضحة بالضغط على تركيا، فيما يسود الصمت من الجانب الإيراني الذي ظهر في المرات السابقة برفضه المطلق لأي تدخل تركي. 

وقال بدرخان: "خلال اجتماع أستانة في كازاخستان، نصح مندوب روسيا الكسندر لافرانتياف الأتراك بأن يتخلوا عن العملية. ومن جهتهم، طالب الأميركيون تركيا بضبط النفس وعدم تغيير الوضع الحالي. ما يعني أن هناك توافقاً روسياً أميركياً بشأن رفض العملية". 

ورأى أن "الإيرانيين ليسوا مضطرين لإبداء الرأي، طالما أن الروس والأميركيين متوافقون على رفض العملية، فهم يعلمون بأن أردوغان من الصعب أن يفعلها".

"تناغم إيراني تركي"

مدير تحرير صحيفة "الوطن" السورية الخاصة، جانبلات شكاي، اعتبر أن "قسد" نسيت سريعاً أن الظروف كانت مشابهة حين قام الأتراك باجتياح مساحات كبيرة شمال محافظة حلب وحتى في شمالي محافظة الرقة، كما يبدو أنها ربما لم تأخذ العبرة من الانسحاب الأميركي السريع من أفغانستان".

وفي حديث لـ"الشرق"، استبعد شكاي قيام تركيا باجتياح بري كما فعلت سابقاً، لكنه أعرب عن اعتقاده بأنه "إذا كان ذلك (الاجتياح) سيحدث، فربما يقتصر على عمليات محدودة جداً، لإظهار الجدية التركية بضرورة إبعاد ميليشيات قسد عن الحدود".

بدورها، اعتبرت بدرفان أن "اللاعب الإيراني لديه موقف متناغم مع تركيا، واللاعب الروسي لديه مواقف متفهمة للجانب التركي ولكن يخشى أي تصعيد في هذه المرحلة الراهنة، وخاصة أن روسيا لديها الآن عملية عسكرية على الأراضي الأوكرانية لا يمكن أن ترتبط في جبهتين بشكل مباشر".

وعن موقف سوريا من التهديدات التركية قال شكاي: "من الناحية السياسية لطالما اعتبرت دمشق ما تقوم به تركيا عبارة عن عملية عدوان متواصل. وأن تركيا دولة محتلة تحتل أراضٍ ومساحات كبيرة في سوريا، وداعمة لتدفق الإرهابيين"، مذكراً بأن "الإرهابيين موجودون أساساً في ريفي إدلب وحلب (القريبة من تركيا)".

وأضاف شكاي: "تعلن دمشق صراحة أن عملية حفظ الحدود تكون من خلال عدم تشكيل أي دولة تهديداً لأي دولة أخرى مجاورة، وهي عملية متبادلة وثنائية بين دولتين على طرفي الحدود، ولذلك من غير المنطقي أن تُنفذ دولة عملية منفردة تخترق خلالها حدود دولة مجاورة بناء على مخاوفها".

ورأى مدير تحرير صحيفة الوطن السورية الخاصة أن "تركيا بدأت تُغير سياساتها بشكل جدي تجاه دمشق"، مستبعداً أن "يكون الوضع مستقراً إلا إذا تم التوصل، برعاية روسيا وربما إيرانية، إلى اتفاق واضح يتم بموجبه إبعاد قسد عن الحدود المشتركة إلى مسافة آمنة".

وقال: "تطالب تركيا بمسافة 30 كيلومتر من الحدود، وربما تكون المناقشات على عمق هذه المسافة، ويتم التوافق عليها ونشر الجيش السوري، ليضمن عدم تسرب قوات أو عناصر من حزب العمال الكردستاني باتجاه تركيا، على أن يضمن الجانب التركي لدمشق عدم تسرب إرهابيين من تركيا إلى سوريا".

سبل تفادي العملية

وتعليقاً على تهديد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالاجتياح البري، رأى المحلل السياسي عبد الوهاب بدرخان أن "تلك التهديدات ليست جديدة، فقد سمعناه (أردوغان) في يوليو الماضي، وهو يلوح دائماً بعملية لم تحصل".

وأضاف: "أرى أنه يجب أن يكتفي برده على تفجير إسطنبول، لأنه كان قاسياً كفاية، والغارات الجوية أوقعت العشرات من القتلى".

وتابع بدرخان: "أعتقد أن حزب العمال الكردستاني كان يُريد إحراج أردوغان، وأتوقع أن تقع عمليات أخرى حتى حصول الانتخابات الرئاسية في تركيا، في سعي لتحضير جو من النقمة على أردوغان وعلى النظام التركي".

ورأى أنه "رغم رفض الولايات المتحدة القاطع للعملية التركية، إلا أن أي عمليات في الداخل التركي ستضع واشنطن في موقف محرج، كأن يُقال إن حلفاءها ينفذون عمليات إرهابية".

وعما إذا ما كان هناك أي طريقة للحيلولة دون تأزم الأمور وصولاً إلى عملية عسكرية برية كبرى، قالت الباحثة لانا بدفان إن "ما يمكن أن يُقوض الاجتياح التركي هو الولايات المتحدة، التي يمكن أن تقوم بتقديم ملفات استخباراتية سرية، وأن يحصل تبادل سياسي بين الجانبين، وتبادل في المصالح السياسية، وتفهم أميركي للمصالح التركية، وتفهمها للمخاوف الأمنية التركية".

وأضافت: "رغم أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي، إلا أن لدى تركيا مخاوف عظيمة من التواجد الأميركي، وارتباطه بشكل مباشر ودعمه للفصائل الكردية". ورأت أن "ما تُعانيه تركيا اليوم ليس مع الجانب الروسي بقدر ما هو مع الجانب الأميركي، ذلك أن اللاعب الدولي القوي في تلك المنطقة هو الولايات المتحدة، فهي القادرة فعلياً على منع تركيا من الإقدام على العملية العسكرية إذا ما قدمت لها بعض المصالح وبعض المعلومات".

"ضغط الاقتصاد"

من جهته، رأى الباحث في العلاقات الدولية في "جامعة بون" الألمانية زاور غازيموف أن الوضع الاقتصادي في تركيا "لا يسمح بالتوسع في أي عملية عسكرية، إذ أن أنقرة تعتمد إلى حد كبير على الدعم الروسي من خلال لعب دور تخفيف أعباء العقوبات الدولية على روسيا".

غازيموف قال لـ"الشرق" إن "أي عملية عسكرية موسعة، يمكن أن تتسبب في مزيد من الانخفاض في قيمة العملة التركية وضرب التوازن الاقتصادي في تركيا"، مؤكداً أن "على روسيا أن تتفهم أهمية السيطرة على الحدود بالنسبة لتركيا"، لكنه اعتبر أن "موسكو ستقوم بما في وسعها لتقويض أي عملية واسعة على الحدود مع سوريا، لأنه يكفيها الجبهة المفتوحة في أوكرانيا".

ما الحل؟

"الولايات المتحدة ترفض أي عملية تُؤذي القوات الكردية التي قامت بتسليحها وتدريبها وتمويلها لمحاربة داعش، والتي تُعتبر حليفتها (واشنطن) في المنطقة"، قال بدرخان، لافتاً إلى أنه "إذا كان لا بد من  إخلاء للكرد، فإن روسيا ستتدخل ليحصل الأمر بإشراف ووجود قوات النظام، كأن يحل موالون لنظام الأسد مكانهم (الكرد)".

وقال المحلل السياسي جنبلات شكاي: "هناك سعي روسي لإنهاء التوتر والعدوان التركي على الأراضي السورية، من خلال اقتراح روسي بنشر عناصر الفيلق الخامس من الجيش السوري على الحدود السورية التركية. ما يعني إبعاد قوات "قسد"، كما تُطالب تركيا بذلك، وجعل عملية تأمين الحدود بعهدة الجيش السوري، وهو ما تُوافق عليه تركيا أيضاً". ولكنه تساءل عما إذا كانت هذه الخطة قابلة للتطبيق، وما إذا كانت موسكو تستطيع موسكو إقناع قسد بذلك؟".

وأضاف: "الموضوع معقد لأن هناك مدناُ تسيطر عليها "قسد" ملاصقة للحدود المشتركة مثل القامشلي"، مشككاً بأن "تقبل "قسد" الانسحاب بعمق 30 كيلومتر، وأن يحل الفيلق الخامس من الجيش السوري مكانها، وهو اقتراح وافقت عليه واشنطن أيضاً"، بحسب شكاي.

ورأى شكاي أن "الولايات المتحدة وروسيا متفقتان ظاهرياً على ضرورة تهدئة الأوضاع، وكأنه تقاطع باتجاه موقف واحد"، لكنه شكّك بالتوافق معرباً عن اعتقاده بأن "الموقفين غير متوافقين تجاه الأوضاع في شمال سوريا أو حتى في سوريا عموماً".

وأكمل قائلاً "روسيا حليف دمشق وتتمتع بعلاقات ممتازة مع أنقرة، وهي تدفع تركيا لكي تصبح بوابة لصادراتها سواء النفطية أو غير النفطية إلى العالم، على خلفية العقوبات الشديدة التي تتعرض لها نتيجة عملياتها العسكرية في أوكرانيا. وبالتالي، فإن المصلحة الروسية تكمن تهدئة الأوضاع وفتح قنوات الاتصال وتحسين العلاقات السورية - التركية، للمساهمة في بناء إقليم كبير اقتصادياً يضم روسيا وتركيا وإيران وسوريا، والأخيرة في هذه الحالة ستكون بوابة للمنتجات التركية، باتجاه دول الخليج التي بدأت أخيراً بتحسين علاقاتها مع تركيا".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات