مسؤولون أميركيون يتوقعون العودة للقرون الوسطى في أفغانستان

time reading iconدقائق القراءة - 10
مقاتل من طالبان يمشي أمام صالون تجميل به صور لنساء مشوهة - كابول - 18 أغسطس 2021 - AFP
مقاتل من طالبان يمشي أمام صالون تجميل به صور لنساء مشوهة - كابول - 18 أغسطس 2021 - AFP
دبي-الشرق

مع سيطرة حركة "طالبان" على السلطة في أفغانستان إثر الإطاحة بالحكومة الأفغانية، وما رافقها من مشاهد صادمة لأفغان يخاطرون بحياتهم للفرار من البلاد، جرى في الولايات المتحدة تقاذف مسؤولية النهاية المأساوية للوجود العسكري الأميركي هناك.

وواجه الرئيس الأميركي جو بايدن انتقادات لـ"سوء إدارته للانسحاب"، فيما أشار هو إلى إخفاقات القادة الأفغان وسلفه دونالد ترمب، الذي وقع اتفاق سلام مع "طالبان".

أياً كان المسؤول، يشعر المواطنون الأفغان بالخيانة من قبل الولايات المتحدة، بسبب تخليها عن بلدهم في مرحلة جديدة غير واضحة وخطيرة، بحسب مجلة "بوليتيكو" الأميركية، التي حاولت استشراف مستقبل أفغانستان، وتحديد كيف وصلت الأمور إلى ما هي عليه، وما الذي كان يمكن فعله بطريقة مختلفة، أو لا يزال بالإمكان فعله لتقليل الضرر.

ونقلت المجلة عن 8 مسؤولين عملوا في أفغانستان لمصلحة الولايات المتحدة خلال فترات رئاسة جورج بوش الابن وباراك أوباما وترمب، تصورهم مستقبلاً قاتماً تحت حكم طالبان "يشبه العصور الوسطى"، ويخيّم عليه التطرف والقتل الانتقامي.

مقابل اعتبار آخرين أن هذا الأمر سيختلف باختلاف القيادات الحاكمة للمناطق التابعة للحركة، ما سيؤدي إلى انقسام صفوفها؛ ورأى مسؤولون آخرون أن المستقبل حتماً سيكون بيد "طالبان" ولو تشاركته مع بعض أعضاء الحكومة الحالية، أو غيرهم من القادة السياسيين أو القبَليين. فيما جزم البعض بأن مستقبل أفغانستان مرهون بمصلحة باكستان المجاورة "كونها هي من أوجدت حركة طالبان" في الأساس.

ماذا سيحدث؟

تعزيز تدريجي للسلطة

قال ولي نصر، كبير مستشاري المبعوث الأميركي الخاص لأفغانستان وباكستان بين عامي 2009 و2011، لمجلة "بوليتيكو": "أعتقد أن ما سنراه هو توطيد تدريجي لسلطة طالبان. سيضيّقون الخناق في كافة أنحاء البلاد. وسيبدأون الاستيلاء على المؤسسات الحكومية، واستبعاد الناس من مناصب السلطة. ما يحدث في أفغانستان شيء أشبه بالثورة."

ورأى أن النظام الذي ساعدت الولايات المتحدة على إقامته في كابول وكافة أنحاء البلاد سينهار. مشيراً إلى أن قوة طالبان القتالية وقوامها 75 ألف فرد، لن تستطيع تغيير البلاد على الفور. ولذلك، على المدى القصير، سيكوّنون تحالفات مع السكان المحليين. وسيبدؤون تدريجياً بتعزيز سلطتهم، وسنرى تأثيرهم بشكل أكثر وضوحاً على الحكومة، وإصدار القوانين والأوامر.

القتل الانتقامي

وترى ليزا كورتيس، مديرة شؤون جنوب ووسط آسيا في مجلس الأمن الوطني الأميركي، أن حملة القتل بدافع الانتقام التي ستبدأها "طالبان" يجب أن تكون أكبر مخاوف المجتمع الدولي. وقالت: "هناك حاجة لجهد دولي منسق، بما في ذلك من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لمنع هذا السيناريو".

انقسامات وسط "طالبان"

وقال جيمس كلابر، مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية بين عامي 2010 و2017: "أعتقد أننا يُمكن أن نتوقع المزيد من الفوضى. لا أعتقد أن طالبان مستعدة لإدارة البلاد، وأتوقع حدوث انقسام في صفوف طالبان.. بعض الأماكن سيخضع لقواعد دينية صارمة، والبعض الآخر لن يخضع لها".

نهج العصور الوسطى

ويرى باري بافيل، الذي عمل في الأمن القومي الأميركي في الفترة الممتدة بين عامي 2008 و2010، أنه لا توجد مؤشرات على أن "طالبان" ستغيّر نهجها. وقال: "رغم أن الأداء في الماضي لا يكفل النتائج في المستقبل، ينبغي أن نتوقع أن أفغانستان بقيادة طالبان عام 2021، ستسير على نفس المنوال كما توقعنا من نسخة التسعينيات".

ورأى أن الحركة ستتبع نهج العصور الوسطى في حكم البلاد، وستمارس عمليات الإعدام العلنية، وستنتهك حقوق النساء والفتيات، وستمنع الموسيقى، وستوفر ملاذاً آمنا لتنظيم "القاعدة" والإرهابيين الذين سيجنّدون ويدرّبون العناصر على تنفيذ العمليات الإرهابية ضد الولايات المتحدة وأوروبا وأماكن أخرى.

واعتبر أن "هذه النسخة من القاعدة، ستكون أكثر قدرة بكثير من سابقتها، حيث ستتمتع بالاتصال عبر منصات الإنترنت، التي ستعزز كل جانب من جوانب عملياتها.

حكومة وفاق تسيطر عليها "طالبان"

ورجحت آني فورتسهايمر، نائبة رئيس البعثة في سفارة الولايات المتحدة في كابول بين عامي 2017 و2018، ونائبة مساعد وزير الخارجية بالنيابة لأفغانستان في الفترة من 2018 إلى 2019، حصول نوع من النتائج التفاوضية التي ستشمل بعض أعضاء الحكومة الحالية، أو غيرهم من القادة السياسيين أو القبليين، ليصبحوا جزءاً من حكومة تهيمن عليها "طالبان".

أما على المستوى الاجتماعي، فلفتت فورتسهايمر إلى أن القيود على النساء بدأت بالفعل، وتشمل حريتهن في العيش، والتنقل، وفي بعض الحالات، منحهن قسراً لمقاتلي "طالبان".

وأضافت أن ما هو أكثر إثارة للقلق هو التقارير التي تفيد بأن "طالبان" تجمع قوائم بالأشخاص الذين تعتبرهم أعداء، وتقتلهم. 

"مصلحة باكستان"

وقالت سارة تشايس، المستشارة الخاصة لرئيس هيئة الأركان المشتركة بين عامي 2010 و2011: "إذا كنت تريد التفكير في ما قد يحدث في أفغانستان، فقد يكون من المفيد جداً التفكير في ما هو في المصلحة الاستراتيجية للجيش الباكستان.. لأن طالبان ليست مجموعة مستقلة تماماً، فقد أوجدها في الأساس مجتمع الاستخبارات العسكرية الباكستانية".

وأضافت أن "ما يخدم مصالح باكستان، هو السيطرة بالوكالة على أفغانستان" المجاورة. 

واستبعدت تشايس أن تقوم حكومة "طالبان" بهجمات إرهابية ضخمة يتم إطلاقها من الأراضي الأفغانية. وتوقعت أن تحرص "طالبان" على الاستفادة من تدفق التمويل الضخم الذي يأتي في شكل مساعدات إنسانية وتنموية كانت تتدفق إلى أفغانستان طوال هذه السنوات. لكنها لفتت إلى أن هذا لا يعني أنه لن تكون هناك معاناة هائلة لعدد كبير من الناس، غير أنها لا ترى إبادة جماعية أو قتل نساء أو إصابات جماعية.

ما العمل لتغيير الوضع؟

الدبلوماسية 

وقالت رينا أميري، كبيرة مستشاري المبعوث الأميركي الخاص لأفغانستان وباكستان بين عامي 2009 و2012، إن أول شيء يجب أن تفعله الولايات المتحدة للتأثير في الوضع أو تقليل الأضرار هو التعامل مع تداعيات الوضع الحالي في أفغانستان، الناجمة عن "انسحاب غير مسؤول إلى حد كبير"، والذي أدى إلى دمار ونزوح هائل داخل البلاد. ودعت إدارة بايدن إلى توفير ممر إنساني لتأمين خروج المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء في مجال حقوق المرأة المعرضين للخطر، وغير القادرين على المغادرة بسبب إغلاق المطارات والحدود.

وطالبت أميري إدارة بايدن، بضمان ألا تتسبب دول المنطقة في زيادة احتمالات نشوب حرب أهلية عن طريق دعم الوكلاء، مشيرة إلى الانقسام الكبير بين الدول الغربية من جانب، وروسيا والصين من جانب آخر.

وقالت: "يجب على الولايات المتحدة أن تستخدم نفوذها الدبلوماسي والسياسي لدعم عملية إقليمية تهدف إلى استقرار الوضع السياسي". 

ووافقها ولي نصر الرأي، إذ قال إن الولايات المتحدة يمكن أن تفعل الكثير من الناحية الدبلوماسية، وعليها أن تستمر في استخدام القنوات التي بنتها في الدوحة للتواصل مع قيادة "طالبان"، واستخدام سياسة الجزرة والعصا لمحاولة التأثير على قرارات الحركة. 

ورأى أن على الولايات المتحدة أيضاً أن تعمل بشكل وثيق مع الدول الأخرى، التي لها علاقات مع أفغانستان، ليس فقط مع حلفائها، ولكن أيضاً مع الدول التي لا تتعامل معها عادة، وهي باكستان والصين وروسيا وحتى إيران، من أجل محاولة إنشاء منصة موحدة، حتى تتمكن مجتمعة من إرسال رسالة موحدة وممارسة ضغوط مشتركة على "طالبان".

فرض شروط للاعتراف بـ"طالبان"

ورأت ليزا كورتيس أن التركيز الفوري، يجب أن ينصب على إجلاء المواطنين الأميركيين بأمان، وكذلك آلاف الأفغان الذين ساعدوا الولايات المتحدة والمعرضين لخطر القتل الانتقامي من "طالبان"، وفي المرحلة الثانية التركيز على منع وقوع كارثة إنسانية، من خلال تأمين المساعدات الدولية بسرعة لدرء الأزمة التي أوجدها النزوح الداخلي.

كما رأت أن على الولايات المتحدة أن تشترط الاعتراف المستقبلي بـ"طالبان"، بإثبات الحركة بشكل ملموس، على أنها لن تشرع في حملة قتل انتقامية، وستحمي حقوق الإنسان وخصوصاً حقوق المرأة، وستمنع البلاد من التحول مرة أخرى إلى بؤرة إرهابية. وقالت: من دون هذه الإجراءات، لا تستحق طالبان الاعتراف الدولي".

وقالت آني فورتسهايمر، إنه لا يزال بإمكان الولايات المتحدة استخدام نفوذها في مجلس الأمن لانتزاع تنازلات من "طالبان"، التي تريد رفع العقوبات المفروضة عليها، وأن يتم الاعتراف بها كي تتمكن من تولي مقعد أفغانستان في الأمم المتحدة.

ورأى باري بافيل، أنه يجب على الولايات المتحدة وحلفائها الاستعداد على الفور لمعالجة الأزمة الإنسانية التي بدأت تتكشف، بما في ذلك احتمال تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين، من أجل إنقاذ الأرواح، وتجنب رد فعل أقل فعالية في وقت لاحق. 

درء هذا الوضع

قالت ليزا كورتيس إن إدارة ترمب، كان عليها "انتزاع مزيد من التنازلات من طالبان في اتفاق الدوحة" عام 2020، وأنه كان يجب عليها -على أقل تقدير- مطالبة "طالبان" بقطع العلاقات مع تنظيم "القاعدة"، والموافقة على طردها من أفغانستان. 

وأضافت كورتيس أن إدارة ترمب ما كان ينبغي عليها إجبار الرئيس الأفغاني، أشرف غني، على إطلاق سراح 5000 سجين من عناصر "طالبان"، عندما كان واضحاً أن الحركة ليست مهتمة بالتفاوض على حل سلمي. 

وقال جيمس كلابر، إن ما كان يجب فعله هو التخطيط بشكل أفضل لعمليات الإجلاء من أفغانستان.

لمتابعة التغطية المباشرة لأحداث أفغانستان: