ما الثمن الذي ستتكبده أوروبا للتحرّر من الطاقة الروسية؟

time reading iconدقائق القراءة - 8
توربينات لتوليد طاقة الرياح أمام محطات لتوليد الطاقة بالفحم البني في مدينة كولن الألمانية - 18 مارس 2022 - REUTERS
توربينات لتوليد طاقة الرياح أمام محطات لتوليد الطاقة بالفحم البني في مدينة كولن الألمانية - 18 مارس 2022 - REUTERS
دبي- الشرق

يواجه الجدول الزمني الطموح الذي وضعته أوروبا للتحرّر من مصادر الطاقة الروسية، تأجيلات محتملة وتكاليف إضافية تُقدّر بمليارات الدولارات، بعدما أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى ندرة الحديد والنحاس والألومنيوم، وارتفاع ثمنها، وهو ما أثر على مشاريع بناء خطوط أنابيب غاز ومحطات إسالة جديدة تستهدف تعويض نقص الإمدادات الروسية.

وأشارت "بلومبرغ" في هذا السياق إلى أن أوروبا في سعيها للاستغناء عن الوقود الأحفوري الروسي، تركّز على تعزيز تدفقات الغاز الطبيعي المسال على المدى القريب، وزيادة التوليد من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030 عبر بناء مشروعات جديدة للطاقة يستلزم تشييدها ملايين الأطنان من الألومنيوم والنحاس والحديد.

وتعهدت ألمانيا بتشييد محطتين للغاز الطبيعي المسال، وتسعى فرنسا إلى استئناف محادثاتها مع إسبانيا بشأن مدّ خط أنابيب لنقل الغاز، فيما تحاول المملكة المتحدة الاستفادة محلياً على نحو أكبر من طاقة الرياح والطاقتين الشمسية والنووية.

رغم ذلك، لا يزال مؤشر أسعار المواد الضرورية لإنجاز هذه المشاريع يسجّل ارتفاعاً، إذ بلغت أسعار الحديد والنحاس والألومنيوم معدلات قياسية خلال الأشهر الـ12 الماضية، فيما زاد مؤشر "بلومبرغ" للسلع الأساسية بنسبة 46% خلال الفترة ذاتها.

وتهدّد هذه الارتفاعات بإبطاء وتيرة بناء هذه المشاريع، مثل مخطط الاتحاد الأوروبي لزيادة طاقة الرياح والطاقة الشمسية بثلاث مرات تقريباً خلال هذا العقد، وهذا استثمار ضخم قد يتطلّب نحو 52 مليون طنّ من الحديد الصلب.

في السياق ذاته، قال فريد فان بيرز، الرئيس التنفيذي لشركة HIS Holding NV، التي تصنع منصات فولاذية لتوربينات الرياح: "أثرت هذه الحرب، بطبيعة الحال، في كل هذه الشركات، بما في ذلك شركتنا، التي تقف على أعتاب تنفيذ استثمارات ضخمة. هذا الأمر قلب أوضاع مشاريعنا رأساً على عقب".

الطاقة المتجددة والنووية

قبل غزو أوكرانيا، كان الغاز الروسي رخيصاً نسبياً ونقله سهل بكميات وفيرة. وساهمت هذه العوامل، إضافة إلى الافتتاح المرتقب لخط أنابيب "نورد ستريم 2" لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا قبل تعليقه نهائياً بعد الغزو، في إقناع أوروبا بتقليص إنتاجها والبدء بإغلاق محطات الفحم والمفاعلات النووية، للتركيز على مصادر الطاقة الأكثر نظافة.

وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة، أن الاتحاد الأوروبي استورد نحو 155 مليار متر مكعب من الغاز من روسيا العام الماضي، علماً أنه يريد بعد الحرب تقليص هذا الاعتماد بمقدار الثلثين خلال هذا العام. 

وأشارت الوكالة إلى أن نحو 30 مليار متر مكعب من الغاز الروسي يمكن توريدها من مورّدين آخرين، مع تعويض الفارق من خلال مصادر الطاقة المتجددة والنووية وتغيير أنماط الاستهلاك.

وقال جرانت سبور، وهو محلل في "بلومبرغ إنتليجينس"، إن الأسعار الخاصة بالبنية التحتية قد ترتفع بنسبة 20% مقارنة بما كانت عليه قبل اندلاع الحرب، بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي. وأضاف أن الاستغناء عن الغاز الروسي "سيكون أكثر تكلفة ممّا تخطّط له الحكومات، وقد نشهد تأجيل مشاريع، مع استمرار ارتفاع الأسعار".

وتتضمّن الخطة الانتقالية التي أعدّتها المفوضية الأوروبية توليد 290 جيجاوات من الرياح و250 جيجاوات من الطاقة الشمسية، علماً أن فاتورة إنتاج الحديد الصلب تبلغ 65 مليار يورو (72 مليار دولار) بأسعار السوق الحالية، وفق "بلومبرغ".

"ارتفاع تكاليف سلاسل التوريد"

وتُعتبر روسيا وأوكرانيا من أبرز مصدّري الألواح الفولاذية المُستخدمة في صناعة التوربينات وخطوط أنابيب الغاز. وثمة مصادر بديلة لذلك، لكن تكاليفها أعلى بنسبة 50% من المعتاد، بحسب Rysted Energy AS، وهي شركة مستقلة لأبحاث الطاقة تتخذ أوسلو مقراً.

وتفاقمت المشكلة بعدما قررت الصين إغلاق مركز صناعة الصلب في تانغشان، في إطار جهودها لكبح فيروس كورونا المستجد. وفي هذا الإطار قال جيمس لي، نائب الرئيس الأول لمعادن الطاقة في الشركة النرويجية: "ثمة ارتفاع باهظ في تكاليف سلاسل التوريد بالنسبة إلى كل منتجات الصلب في أوروبا".

ويشكّل النحاس عنصراً حيوياً آخر، نتيجة قدرته الفائقة على التوصيل، والتي تُعدّ مثالية في الأسلاك الداخلية والكابلات الخارجية. وتحتاج أوروبا إلى نحو 7.7 مليون طنّ لتحقيق أهدافها في إنتاج النحاس لعام 2030، ويضيف ارتفاع الأسعار هذا العام نحو 7.6 مليار دولار على السعر الأصلي، وفقاً لمصرف "بنك أوف أميركا".

انخفاض إنتاج الألومنيوم

ثم هناك الألومنيوم المطلوب لصنع الألواح الشمسية، والتوربينات والشبكات التي تربطها. وتعاني أوروبا من نقص حاد بسبب انخفاض إنتاج الألومنيوم، بعدما أدى ارتفاع تكاليف الطاقة إلى تقليص أرباح الصهر.

وتُعدّ روسيا أضخم منتج للألومنيوم خارج الصين، إذ يمثل إنتاجها من الألومنيوم المكرّر نحو 5% من الإنتاج العالمي. ويفيد مركز أبحاث "بلومبرغ" بشأن أسواق السلع العالمية، إلى أن السوق يعاني من اختناق هذا العام، كما بلغت الأسعار ذروتها في مارس. وساهم خطر حظر الشحنات الروسية، الناجم عن فرض عقوبات محتملة على موسكو، بتأجيج هذه الزيادات.

وقال أندرو فورست، رئيس ومؤسّس مجموعة "فورتسكيو للمعادن": "ربما على العالم أن يتدبّر أمره من دون الإمدادات الروسية. هذا أمر ممكن، لكنه يحتاج إلى فترة تكيّف".

الغاز الطبيعي المسال

وأشار مركز أبحاث "بلومبرغ" إلى الحاجة لمزيد من الشبكات لتوصيل كميات هائلة من الطاقة المتجددة، إلى حيث تكون هناك حاجة إلى الكهرباء. ولفت إلى أن ثمة حاجة لتأمين استثمارات تراكمية بنحو 1.5 تريليون دولار، بين عامَي 2020 و2050، لإضافة وصلات جديدة.

لكن الأمر لا يتعلّق فقط بالبنية التحتية النظيفة، إذ إن الغاز الطبيعي المسال يحظى بدفعٍ من خطط ألمانيا لإنشاء محطتين جديدتين هذا العام، وتأمين هولندا استقبال الغاز المسال وإعادته لحالته الغازية على وحدة عائمة في مارس، علماً أن إيطاليا وإستونيا تستعجلان إنشاء وحدتيهما أيضاً.

وتخطّط المملكة المتحدة وفرنسا للتوسّع في قطاع الطاقة النووية، إذ سيُستخدم 230 ألف طنّ من حديد التسليح في تشييد محطة للطاقة النووية في جنوب غربي إنجلترا، كما أن ثمة خططاً لتشييد مفاعل آخر بالتصميم ذاته.

ونقلت "بلومبرغ" عن جوليان كيتل، نائب الرئيس لشؤون المعادن والتعدين في شركة "وود ماكينيز"، قوله: "الجميع يتحدث عن تسريع وتيرة التحوّل في الطاقة، والجميع سيحتاج إلى المواد ذاتها".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات