بعد عرقلة انضمام فنلندا والسويد.. ما دور تركيا في الناتو؟

time reading iconدقائق القراءة - 10
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال قمة لحلف شمال الأطلسي (ناتو) في المملكة المتحدة - 4 ديسمبر 2019 - Bloomberg
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال قمة لحلف شمال الأطلسي (ناتو) في المملكة المتحدة - 4 ديسمبر 2019 - Bloomberg
دبي- الشرق

أثار تهديد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعرقلة عضوية فنلندا والسويد في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، غضباً لدى مسؤولين غربيين، لكنهم لم يُصدموا من موقفه.

وفي إطار حلف يتخذ قراراته بالإجماع، أوقف أردوغان تعيين الدنماركي أندرس فوج راسموسن أميناً عاماً جديداً للناتو، في عام 2009، بعدما شكا من تسامح بلاده مع رسوم كاريكاتورية مسيئة، وتعاطفها مع "إرهابيين أكراد" مقيمين في تركيا بحسب وصفه.

وتطلّب الأمر لإرضاء أردوغان، ساعات من تملّق قادة غربيين، ووعداً مباشراً من الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، بأن الناتو سيعيّن تركياً في منصب قيادي بالحلف، كما أوردت صحيفة "نيويورك تايمز".

بعد قطع العلاقات بين تركيا وإسرائيل في العام التالي، منع أردوغان الحلف من العمل مع تل أبيب لست سنوات. وبعد أعوام، أرجأ أردوغان لشهور خطة أعدّها الناتو لتحصين دول أوروبا الشرقية ضد روسيا، مبرّراً الأمر أيضاً بالمسلحين الأكراد، وطالب الحلف بتصنيف أولئك الذين يعملون في سوريا، بأنهم إرهابيون.

في عام 2020، أرسل أردوغان سفينة للتنقيب عن الغاز، مدعومة بمقاتلات، قرب المياه اليونانية، ممّا دفع فرنسا إلى إرسال سفن لدعم أثينا، وهي أيضاً عضو في الناتو.

الموقع الاستراتيجي لتركيا

عاود الرئيس التركي الآن أداء دور المعرقل، بحجة المسلحين الأكراد مرة ​​أخرى، إذ يتهم السويد وفنلندا بالتعاطف معهم.

وقال: "تكاد هاتان الدولتان أن تصبحا منزل ضيافة لتنظيمات إرهابية. ليس ممكناً أن نكون مؤيّدين" لعضويتهما في الحلف.

ويُعتبر موقف أردوغان بمثابة تذكير بمشكلة مزمنة للناتو، الذي يضمّ 30 دولة، ولا يزال عليه "التعامل مع زعيم استبدادي مستعد لاستخدام نفوذه لكسب نقاط سياسية في تركيا، من خلال منع الإجماع في الحلف، على الأقلّ لبعض الوقت"، بحسب "نيويورك تايمز".

واعتبرت الصحيفة أن ذلك يصبّ في مصلحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي عزّز صداقته مع أردوغان في السنوات الأخيرة، وسيحقق نصراً ضخماً في حال عرقلة انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو.

ولفتت الصحيفة إلى أهمية تركيا بالنسبة إلى الحلف، إذ انضمّت إليه في عام 1952، بعد تحالفها مع الغرب ضد الاتحاد السوفياتي، علماً أنها تمنح الناتو موقعاً استراتيجياً حاسماً عند تقاطع أوروبا وآسيا، على امتداد الشرق الأوسط والبحر الأسود.

وتستضيف تركيا في إنجرليك، قاعدة جوية أميركية ضخمة تُخزّن فيها أسلحة نووية، فيما منع أردوغان عبور السفن الحربية الروسية المتجهة نحو أوكرانيا.

تقارب مع بوتين

ولكن في ظل حكم أردوغان، نأت تركيا عن أوروبا، لا سيّما منذ محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها في عام 2016.

واشترت أنقرة منظومة صاروخية روسية متطوّرة روسية الصنع من طراز "إس-400"، يعتبرها مسؤولو الناتو تهديداً لأنظمته الدفاعية المتكاملة. وفي عام 2019، أمر أردوغان القوات التركية بتنفيذ توغل عسكري لمحاربة الأكراد في شمال سوريا، الذين كانوا يساهمون في قتال تنظيم "داعش"، بدعم من الولايات المتحدة.

وقال إيفو دالدر، الذي كان سفيراً لواشنطن لدى الناتو خلال عهد أوباما، عندما كان الحلف يضمّ 28 دولة: "خلال السنوات الأربع التي أمضيتها هناك، كان الأمر غالباً 27 في مقابل واحد".

وذكرت "نيويورك تايمز" أن اعتراضات أردوغان على عضوية السويد وفنلندا، جددت تساؤلات حول ما إذا كان الناتو قد يكون أفضل حالاً من دون تركيا.

واعتبر مقال نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" هذا الشهر، وشارك في صوغه السيناتور الأميركي المستقلّ السابق جو ليبرمان، أن تركيا بقيادة أردوغان ستُفشِل معايير الحلف للحكم الديمقراطي في الدول الأعضاء الجديدة المحتملة، محذراً من أن سياسات أنقرة، بما في ذلك تقرّبها من بوتين، قوّضت مصالح الناتو الذي عليه استكشاف سبل لطرد تركيا من عضويته.

وكتب ليبرمان، ومارك والاس، الرئيس التنفيذي لـ"مشروع الديمقراطية التركية"، وهي مجموعة تنتقد أردوغان، في المقال: "تركيا عضو في الناتو، لكنها في عهد أردوغان لم تعُد تؤيّد القيم التي يستند إليها هذا الحلف العظيم".

"تركيا قوّضت صورتها"

في السياق ذاته، قال السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز، أبرز عضو ديمقراطي في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بعد التوغل التركي في سوريا عام 2019: "لا ينبغي ولا يمكن اعتبار تركيا حليفة، تحت حكم أردوغان".

لكن الناتو هو حلف عسكري، تؤدي فيه تركيا دوراً حيوياً، علماً أن لديها ثاني أضخم جيش في الحلف، وصناعة دفاعية متطوّرة، كما أن موقعها الجغرافي حاسم، بحسب "نيويورك تايمز".

ونقلت عن مسؤولين غربيين إن أنقرة لن تتسبّب سوى بمزيد من المشكلات، نتيجة استيائها من الناتو، ويمكن أن تنحاز إلى موسكو بشكل أوثق.

وقال ألبير كوسكون، وهو دبلوماسي تركي سابق، يعمل الآن باحثاً في "معهد كارنيجي": "تركيا قوّضت صورتها الخاصة، (لكنها) ما تزال عضواً مهماً في الحلف".

مكاسب سياسية داخلية

شدد الرئيس الأميركي، جو بايدن، على دعم بلاده لعضوية السويد وفنلندا في الناتو، عندما استضاف زعيمَي البلدين في البيت الأبيض هذا الشهر، وأشاد بدور الحلف في مواجهة روسيا.

ويعتقد معظم المحللين بأن أردوغان لن يمنع في نهاية المطاف انضمام السويد وفنلندا للحلف، لكنه يريد إبراز المخاوف الأمنية لتركيا وتحقيق مكاسب سياسية داخلية، قبل الانتخابات الرئاسية والنيابية التي تنظمها بلاده العام المقبل، بحسب "نيويورك تايمز".

ويركز أردوغان بشكل أساسي على دعم السويد منذ فترة طويلة لـ"حزب العمال الكردستاني"، الذي تحظّره تركيا وتعتبره الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تنظيماً إرهابياً. كذلك يريد الرئيس التركي تصنيف "وحدات حماية الشعب" الكردية في سوريا تنظيماً إرهابياً، علماً أن عملية تركية استهدفتها في عام 2019، كما تحظى بدعم أميركي ضد "داعش".

ويتهم أردوغان فنلندا والسويد بإيواء أتباع للداعية التركي المعارض فتح الله جولن، المقيم في المنفى بالولايات المتحدة منذ عام 1999، وتتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب في عام 2016.

وتطالب تركيا بتسليمها حوالى 35 شخصاً، تتهمهم بالتعامل مع المسلحين الأكراد أو جماعة جولن، كما تعترض على حظر السلاح الذي فرضته السويد وفنلندا عليها بعد التوغل في سوريا عام 2019.

تسوية مع فنلندا والسويد

يقلّل مسؤولو إدارة بايدن من أهمية هذه المواجهة، ويرجحّون أن يتوصّل أردوغان إلى حلّ وسط مع فنلندا والسويد.

وقالت جوليان سميث، سفيرة واشنطن لدى الناتو: "يبدو أن هذه مشكلة (للأتراك) مع السويد وفنلندا، لذلك سنتركها في أيديهم". وأضافت أن الولايات المتحدة ستقدّم مساعدة إذا لزم الأمر.

واستبعد إمري بيكر، مدير قسم أوروبا في "مجموعة أوراسيا"، وهي شركة استشارية خاصة تتخذ لندن مقراً، أن يكون أردوغان يسعى لنيل تنازلات من واشنطن، معرباً عن ثقته بتوصّل تركيا إلى اتفاق مع السويد وفنلندا، بوساطة من سكرتير الحلف ينس ستولتنبرج. وقال إن أبرز أولويات أردوغان، تتمثل في سماع المخاوف الأمنية لبلاده بشأن المسلحين الأكراد، ورفع حظر الأسلحة المفروض عليها.

لكن محللين أميركيين يشكّكون في ذلك، إذ حذر إريك إيدلمان، وهو سفير أمريكي سابق في أنقرة وهلسنكي، من أن أردوغان قد يسعى إلى كسب ودّ بوتين، أو على الأقلّ تخفيف غضب موسكو بشأن بيع الجيش الأوكراني مسيّرات تصنعها شركة "بيرقدار" التركية الخاصة.

وقال: " أردوغان لديه علاقة معقدة جداً مع بوتين، يجب أن يحافظ عليها". واعتبر أنه يبلغ الرئيس الروسي بذلك أنه "لا يزال مفيداً بالنسبة إليه".

اهتمام من بايدن

في المقابل، يعتقد آخرون بأن الرئيس التركي يريد مكافأة من واشنطن، بعدما أقصت أنقرة من برنامج المقاتلة الأميركية المتطوّرة F-35، إثر شرائها منظومة "إس-400" في عام 2017. وتضغط تركيا الآن لشراء مقاتلات من طراز F-16 بدلاً منها، لكنها تواجه مقاومة شديدة في الكونجرس.

ربما يسعى أردوغان أيضاً إلى نيل اهتمام من بايدن، الذي ينأى عنه، بعدما كان على علاقة ودية مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، بحسب "نيويورك تايمز".

وقال السفير الأميركي السابق لدى الناتو، إيفو دالدر، في هذا الصدد: "هذا رجل يحتاج أن يكون في مركز الصدارة. هذه طريقة للقول: مرحباً، ما زلت هنا. عليكم أن تتنبّهوا لمشكلاتي".

ويعتبر محللون أن على بايدن توجيه إشارة إلى أردوغان، خلال قمة الناتو في مدريد في يونيو، لنيل موافقته بشأن عضوية السويد وفنلندا، كما فعل أوباما خلال قمة الحلف في عام 2009، لضمان تعيين راسموسن أميناً عاماً للناتو.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات