يستعدّ وزير الخارجية السابق، فوميو كيشيدا، ليصبح رئيساً للوزراء في اليابان، بعدما هزم منافسه تارو كونو، وهو وزير سابق للخارجية والدفاع، في السباق على زعامة الحزب الديموقراطي الليبرالي الحاكم.
وسيخلف كيشيدا يوشيهيدي سوغا في رئاسة الحكومة، خلال تصويت في البرلمان، مرتقب الاثنين المقبل، حيث يحظى الحزب الحاكم بأغلبية مريحة، علماً أنه سيواجه تحديات وشيكة وحاسمة، بما في ذلك معالجة الوضع الاقتصادي بعد أزمة فيروس كورونا المستجد، وضمان تحالف قوي مع الولايات المتحدة، في ظلّ أخطار أمنية إقليمية متزايدة، لا سيّما من الصين وكوريا الشمالية.
ونال كيشيدا 257 صوتاً، في مقابل 170 لكونو، في الدورة الثانية من الانتخابات الداخلية للحزب الحاكم. وأفادت وكالة "بلومبرغ" بأن الرجلين كانا متعادلين تقريباً في الدورة الأولى، مستدركة أن دعماً قوياً لكيشيدا من نواب الحزب مكّنه من هزيمة كونو، علماً أن الاقتراع شهد مشاركة امرأتين، هما سناي تاكايشي وسيكو نودا، وكانتا وزيرتين للشؤون الداخلية.
"تراكم مشكلات مهمة"
كيشيدا قال بعد إعلان النتائج: "يجب أن نواصل مكافحة كورونا، وأن نعدّ حزمة تحفيز بقيمة عشرات التريليونات من الين بحلول نهاية العام. وبعد ذلك تتراكم مشكلات مهمة بالنسبة إلى أمّتنا: رأسمالية جديدة، وتحقيق منطقة حرة ومفتوحة في المحيطين الهندي والهادئ، إضافة إلى التعامل مع معدل منخفض للإنجاب". وشدد على وجوب "مواجهة انتخابات مجلسَي البرلمان متحدين"، كما أفادت وكالة "رويترز".
ويخلف كيشيدا سوغا الذي رفض السعي إلى ولاية ثانية، بعد سنة على تولّيه المنصب، إثر تراجع شعبيته نتيجة تعامله مع أزمة كورونا، وإصراره على تنظيم دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو الصيف الماضي.
وكان سوغا أعلن دعمه كونو، علماً أنه اختاره لقيادة جهود مكافحة الجائحة. وقال: "الوزير كونو وضع هذه الخطط تحت إشرافي، وحقق نتائج عظيمة في خضمّ أزمة وطنية. الاستمرارية مهمة جداً لتدابير كوفيد-19. مع وضع ذلك في الاعتبار، أدعم كونو".
النأي عن "الليبرالية الجديدة"
لكن أمنيات سوغا لم تتحقق، إذ سيقود كيشيدا ثالث أضخم اقتصاد في العالم. وتعهد الأخير، وهو مصرفي سابق من هيروشيما، بإنفاق عشرات التريليونات من الين، وبالنأي عن السياسات الاقتصادية "الليبرالية الجديدة"، في محاولة لدعم الطبقة الوسطى، وفق "بلومبرغ".
أما وكالة "أسوشيتد برس" فذكرت أن كيشيدا يدعو إلى النموّ وتوزيع الثروة في ظلّ "رأسمالية جديدة"، لتضييق الهوّة في الدخل بين الأغنياء والفقراء، والتي تفاقمت نتيجة كورونا، كما يتعهد بتعزيز تكنولوجيا الطاقة النظيفة.
ويعتبر كيشيدا أن السياسات الاقتصادية التي انتهجها رئيس الوزراء السابق، شينزو آبي، لم تُفِد سوى الشركات الكبرى. وأضافت الوكالة أن التصويت على زعامة الحزب الحاكم شكّل اختباراً لإمكان خروجه من ظلّ آبي الذي استقال فجأة نتيجة مشكلات صحية، منهياً نحو 8 سنوات في الحكم، هي الأطول في التاريخ الدستوري لليابان. لكن خبراء يرون أن تأثيره في شؤون الحكومة والحزب، أدى إلى تكميم وجهات نظر متنوّعة إلى حد كبير، وجعل الحزب يجنح يميناً، علماً أنه تولّى الحكم منذ عام 1955، باستثناء 4 سنوات.
"الباب الدوّار" مجدداً؟
الوكالة لفتت إلى أن هذا التصويت يمكن أن ينهي حقبة من الاستقرار السياسي غير العادي، ويعيد اليابان إلى "الباب الدوّار" في القيادة. ونقلت عن مايكل غرين، نائب الرئيس الأول لشؤون آسيا في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" (مقره واشنطن)، قوله: "القلق لا يتعلّق بالأفراد، بل باستقرار السياسة اليابانية، وبما إذا كنا ندخل، أم لا، فترة من عدم الاستقرار ورئاسة الوزراء قصيرة الأجل في السياسة اليابانية. هذا الأمر يصعّب جداً المضيّ في (تنفيذ) جدول الأعمال" بالنسبة إلى رئيس الوزراء.
وأفادت "بلومبرغ" بأن كيشيدا، الذي أقرّ خلال حملته الانتخابية بأن بعضهم يعتبره مملاً، سيواجه اختباراً فورياً، في الانتخابات العامة المرتقبة في 28 نوفمبر المقبل.
وأضافت أنه محسوب منذ فترة طويلة على تيار "الحمائم" في السياسة الخارجية، نتيجة معارضته للأسلحة النووية وجهوده للتوصّل إلى تسوية دائمة لنزاع مستمر منذ عقود بشأن الاستعمار العسكري السابق لليابان في شبه الجزيرة الكورية. لكن كيشيدا أظهر تشدداً أكثر خلال حملته الانتخابية، مشدداً على الحاجة إلى التعامل "بحزم" مع ملف استقرار تايوان، ومرجّحاً مواصلة زيادة الإنفاق الدفاعي الياباني.
اليابان وتحدي الصين
كذلك على رئيس الوزراء الجديد التعامل مع ملف العلاقات المتوترة مع الصين، أبرز شريك تجاري لليابان، من دون إبعاد طوكيو عن واشنطن، حليفها العسكري الوحيد.
ولفتت "أسوشيتد برس" إلى أن كيشيدا سيتعامل مع "محيط خطر، وعلاقات حاسمة مع حليف يركّز على الداخل، واشنطن، ومواجهة أمنية متوترة مع الصين الأكثر جرأة وحليفتها كوريا الشمالية".
وأشارت إلى أن كيشيدا اقترح، خلال حملته الانتخابية، زيادة الإنفاق الدفاعي لليابان، ربما أعلى من السقف المحدد منذ فترة طويلة بـ 1٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وقال: "البيئة الأمنية المحيطة ببلدنا باتت قاسية بشكل متزايد".
واعتبر أن على خفر السواحل الياباني أن يعمل بشكل وثيق مع بحرية الجيش، المعروف باسم "قوات الدفاع الذاتي"، لا سيّما في الدفاع عن جزر تديرها طوكيو في بحر الصين الشرقي، وتزعم بكين سيادتها عليها.
وتعهد كيشيدا بمواجهة الصين "بحزم" في ملفات مهمة، مثل الأمن في مضيق تايوان وقمع بكين للمعارضة في هونج كونج. واستدرك بوجوب أن تواصل طوكيو "الحوار مع الصين"، علماً أن اليابان عضو في مجموعة "الرباعية" (كواد)، التي تضمّ أيضاً الولايات المتحدة والهند وأستراليا، وتُعتبر تجمّعاً منافساً للصين.
ونقلت "رويترز" عن كيشيدا قوله هذا الشهر: "من أجل حماية القيم العالمية، مثل الحرية والديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان، علينا أن نقول بحزم ما يجب قوله في مواجهة توسّع الأنظمة الاستبدادية مثل الصين، بينما نتعاون مع الدول التي تشترك في هذه القيم".
وأضافت أنه يؤيّد تمرير قرار برلماني يدين معاملة الصين لمسلمي أقلية الأويغور، ويريد تعيين مساعد لرئيس الوزراء لمراقبة أوضاع حقوق الإنسان الخاصة بهم. وتابعت أن كيشيدا يرى في امتلاك القدرة على ضرب قواعد العدو، خياراً قابلاً للتطبيق، في وقت تحدّث كوريا الشمالية برنامجيها، النووي والصاروخي.
عنصرية وهيروشيما
وكالة "فرانس برس" وصفت كيشيدا (64 عاماً) بأنه ناشط متحمّس لنزع الأسلحة النووية في العالم، وساهم في زيارة باراك أوباما إلى هيروشيما، في عام 2016، وهي الزيارة الأولى لرئيس أميركي أثناء ممارسة مهماته، إلى المدينة التي دمّرتها قنبلة ذرية أميركية، في عام 1945.
وأضافت أنه أظهر رغبته في الحدّ من التفاوتات الاجتماعية، مشيرة إلى أنه أمضى سنوات من طفولته في نيويورك مع أسرته، ويقول إنه كان ضحية للعنصرية في المدرسة، وهذه تجربة صعبة وصفها بأنها منحته ميلاً للعدالة والإنصاف.