برلين لا ترغب بحرب تجارية مع واشنطن.. وماكرون في رحلة بحث عن استثناءات

time reading iconدقائق القراءة - 8
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لدى وصوله إلى واشنطن. 30 نوفمبر 2022. - AFP
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لدى وصوله إلى واشنطن. 30 نوفمبر 2022. - AFP
باريس- أ ف بالشرق

أبدت ألمانيا تأييدها لـ"الحل التفاوضي" مع الولايات المتحدة التي تبنت قانوناً تقول أوروبا إنه يتسم بالحمائية، ودعت شركاءها الأوروبيين إلى عدم الدخول في منطق الحرب التجارية، في وقت بدأ فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارة دولة إلى واشنطن لمحاولة الحصول على استثناءات من الإدارة الأميركية.

ونقلت وكالة "فرانس برس" عن مصدر دبلوماسي ألماني، قوله إن برلين تعارض في الوقت الحالي إقرار خطة أوروبية موازية للخطة الأميركية لدعم صناعييها، وهي الخطة التي أيدتها فرنسا في وجه القانون الأميركي.

وكان الكونجرس الأميركي أقر خلال الصيف خطة ضخمة لدعم عملية الانتقال في مجال الطاقة أو قانون خفض التضخم (IRA)، والذي يمنح إعانات للسيارات الكهربائية والبطاريات أو الطاقة المتجددة، شرط أن تكون مصنوعة في الولايات المتحدة.

وقال المصدر الدبلوماسي الألماني: "أولاً علينا درس إمكانية التوصل إلى حل تفاوضي مع الولايات المتحدة"، لافتاً إلى أن ذلك "يستلزم اتخاذ موقف أوروبي لمواجهة قانون خفض التضخم في أقرب فرصة، أي في الأسابيع المقبلة".

وتابع: "ليس لدينا مصلحة في الدخول في حرب تجارية مع الولايات المتحدة، لما سيترتب عن ذلك من عواقب سلبية للغاية على الاتحاد الأوروبي كما الولايات المتحدة، خصوصاً في أوقات الأزمة الحالية".

ويخشى الأوروبيون من تأثيرات هذا التشريع السلبية على منافسة شركاتهم في قطاعات مثل السيارات الكهربائية والبطاريات والطاقة النظيفة، وعلى سبيل المثال، سيُرجح الدعم المخصص للمنتجات المصنوعة في الولايات المتحدة كفة شركة "تسلا" الأميركية على سيارات "بي إم دبليو" الكهربائية الألمانية.

وقالت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيت بورن في هذا الصدد: "لن نبقى مكتوفي الأيدي" في مواجهة هذه الخطة.

ماكرون في واشنطن

ووصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الولايات المتّحدة، مساء الثلاثاء (بالتوقيت المحلي)، في زيارة دولة تستمرّ 3 أيام، يلتقي خلالها خصوصاً نظيره الأميركي جو بايدن.

وحطّت طائرة الرئيس الفرنسي في "قاعدة أندروز الجوّية" في ضاحية واشنطن، وكان في استقباله في المطار نائبة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان.

وعلى الفور، توجّه ماكرون وزوجته إلى مطعم في العاصمة الفيدرالية تلبية لدعوة وجّهها إليهما بايدن وزوجته جيل لتناول عشاء خاص، يسبق حفل الاستقبال الضخم الذي سينظّم في البيت الأبيض الخميس على شرف الرئيس الضيف. 

ومن المحتمل أن يشكّل العشاء، مناسبة للتطرّق بشكل غير رسمي للمواضيع الرئيسة التي ستتطرّق إليها القمة المرتقبة الخميس بين ماكرون وبايدن في المكتب البيضاوي.

وسيمضي الرئيس الفرنسي يومين في واشنطن، قبل أن يتوجّه في اليوم الثالث والأخير من زيارته إلى نيو أورلينز، التي كانت يوماً ما مدينة فرنسية قبل أن تبيعها الجمهورية الفرنسية الأولى عام 1803 للولايات المتحدة مقابل 15 مليون دولار، ما يعني أقل من 18 دولاراً لكل ميل مربع.

وتعد هذه الزيارة، ثاني زيارة دولة يقوم بها ماكرون للولايات المتّحدة والأولى له في عهد بايدن.

ويأمل الرئيس الفرنسي أن تسهم الزيارة في إعطاء دفع لمساعيه الدبلوماسية الرامية لوضع حدّ للحرب في أوكرانيا، والدفاع عن وجهة النظر الفرنسية الرافضة للنزعة الحمائية الأميركية.

وأعلن قصر الإليزيه الجمعة، أن باريس تأمل في الحصول على "استثناءات" لبعض الصناعات الأوروبية.

لكن البيت الأبيض المتمسك للغاية بهذا المشروع المحوري لولاية بايدن، لا ينوي الإعلان عن استثناءات حالياً، ويؤكد أنه سيعود بالفائدة أيضاً على الاقتصاد الأوروبي في نهاية المطاف.

وبالتالي يركز قصر الإليزيه أكثر على الشق الآخر في مواجهته للقانون الأميركي، المتمثل في الترويج لدى الأوروبيين الآخرين لتبني سلاح تجاري مماثل هو "قانون شراء السلع الأوروبية" الذي سيعطي أيضاً الأولوية للمنتجات المصنوعة في أوروبا.

ولا يحظى هذا الخيار حالياً بتأييد ألمانيا، الحريصة على الحفاظ على مصالحها في الولايات المتحدة خصوصاً في قطاع إنتاج السيارات، وتخوفاً من إطلاق حرب تجارية على غرار تلك التي أطلقها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب عام 2018، وانعكست سلباً على دول الاتحاد الأوروبي. 

وكانت برلين تخوفت حينها من فرض رسوم جمركية عقابية بنسبة 20% على السيارات الألمانية.

تسوية الأزمات

وأشاد الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي، الاثنين، بالرئيس الفرنسي واصفاً إياه بـ"الديناميكي"، مؤكداً أن فرنسا "في صلب" كل القضايا الدولية، من الحرب في أوكرانيا إلى نفوذ الصين المتعاظم.

وأشار كيربي إلى أن بايدن "رأى أن فرنسا أكثر دولة مناسبة" لتنظيم أول زيارة دولة منذ دخول الرئيس الديمقراطي جو بايدن البيت الأبيض.

وفي عام 2018، دعا ترمب نظيره الفرنسي الشاب إلى اجتماع حظي بتغطية إعلامية واسعة. لكن هناك توقعات بألا تكون التغطية الإعلامية بالزخم نفسه هذه المرة، إذ أن ماكرون لم يعد وجهاً جديداً، كما أن الرئيس الديمقراطي الثمانيني يستقطب اهتماماً أقل من الملياردير الجمهوري.

ومن المقرر أن يعمل الطرفان على تسوية الأزمة الفرنسية الأميركية الأخيرة، من خلال تصريحات رسمية ولقاءات ذات طابع شخصي أكثر، تشمل أيضاً زوجتي الرئيسين جيل بايدن وبريجيت ماكرون.

وكان "التوتر" بين بايدن وماكرون بدأ في سبتمبر 2021، عندما أعلنت واشنطن عن تحالف دفاعي باسم "أوكوس" بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا، وهو ما أثار غضب فرنسا، لأنه نسف عقداً ضخماً كانت باريس ستزود بموجبه أستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية، إلى جانب إبعاد باريس عن منطقة المحيطين الهندي والهادئ المهمة.

وقالت الباحثة في معهد "بروكينجز" في واشنطن سيليا بولان إن الزيارة تأتي في إطار التقارب الذي بدأ يحدث منذ وقوع التوتر، مشيرةً إلى أن من مصلحة الأميركيين أن يحافظوا على علاقة وثيقة مع الحليف الفرنسي الذي يدعو إلى "استقلالية استراتيجية" لأوروبا.

وأضافت بولان: "ليست إدارة العلاقة مع الفرنسيين سهلة دائماً، لكن حين يتفق الفرنسيون والأميركيون، يساهم ذلك في الكثير من التقدم".

"حلفاء بلا اصطفاف"

إلى جانب الإجراءات البروتوكولية، تأمل الرئاسة الفرنسية بحوار "حازم" مع الولايات المتحدة، وقال مستشار رئاسي فرنسي: "نحن حلفاء من دون اصطفاف كامل" في المواقف.

ويَظهر هذا التباين أولاً على صعيد الحرب في أوكرانيا، فمنذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير، يعتمد ماكرون موقفاً يُزعج واشنطن منذ فترة، إذ يُعبر عن دعمه الكامل لكييف من جهة، فيما يُحبذ التحاور مع موسكو من أجل إنهاء الحرب "حول طاولة المفاوضات" حين ترى كييف ذلك مؤاتياً.

ويواصل ماكرون موقفه الدبلوماسي "التوفيقي" هذا من خلال تنظيمه مؤتمراً في باريس في 13 ديسمبر، لدعم المقاومة المدنية في أوكرانيا، فيما يعد بالتحدث مجدداً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "في الأيام المقبلة".

ويبدو أن واشنطن تقترب من الموقف الفرنسي منذ تحدث رئيس هيئة الأركان العامة الأميركية الجنرال مارك ميلي عن وجود "فرصة للتفاوض".

لكن ماكرون يُريد أيضاً عودة للاستجابة الاقتصادية المنسقة من جانبَي الأطلسي للأزمة التي أحدثتها الحرب في أوكرانيا، وأيضاً من ناحية الانتقال البيئي والمنافسة مع الصين.

وفي ما يتعلق بالمنافسة مع الصين، وهي مسألة حيوية للرئيس الأميركي جو بايدن الذي يعتبر التنافس مع بكين المحور الرئيسي في سياسته الخارجية، أقرّ مسؤول كبير في البيت الأبيض بأن مواقف الأميركيين والأوروبيين ليست "متطابقة"، لكنه أشار إلى أن الجميع يتشارك الرغبة في "تحضير رد مشترك في مواجهة الصين".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات