"كورونا" يطيح بإيجارات المنازل في أغنى دول العالم

time reading iconدقائق القراءة - 10
منظر عام لبنايات في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية - AFP
منظر عام لبنايات في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية - AFP
دبي - بلومبرغ

تتراجع إيجارات الشقق السكنية في المراكز المالية الكبرى في العالم، من نيويورك إلى تورنتو ولندن وسيدني.

الطلبة الذين يكونون عادةً من أسباب زيادة الطلب على المنازل، باتوا لا يجدون أسباباً كافية لدفع أسعار مرتفعة للعيش في مركز المدن في الوقت الحالي.

ويقول تيم لوليس، مدير أبحاث منطقة آسيا والمحيط الهادي لدى شركة بيانات، إن "عدم التفاوض على إيجار أقلّ في الوقت الحالي يُعَدّ ضرباً من الحماقة، فمستوى المعروض مرتفع ومعدلات الإشغال سقطت بشكل كبير".

ومع رواج العمل عن بُعد في جميع المجالات، بدءاً من البنوك إلى شركات التكنولوجيا، وإغلاق المتاجر والحانات ومراكز الترفيه المختلفة، التي تجعل الحياة في المدينة ممتعة عادة، تغيَّرت معادلة اختيار الموقع السكني، وتغيَّر معها ميزان القوى بين مُلَّاك العقارات والمستأجرين.

مفاوضات مثمرة

أحد الذين نجحوا في استغلال الوضع لصالحهم، كريستين تشانغ (26 عاماً)، إذ نجحت في التفاوض لخفض إيجار المنزل الذي تستأجره بالشراكة مع ثلاثة أشخاص بنسبة 9%، ويقع منزلها في حيّ إنمور الشهير في مدينة سيدني، الذي يبعد 10 كيلومترات عن مركز المدينة.

لكن لم يكُن حصولها على التخفيض أمراً سهلاً، إذ تهرَّب وكيل العقار من مكالماتها لخمسة أسابيع، حتى وافق أخيراً صاحب العقار على خفض الإيجار من 895 دولاراً أسترالياً (638 دولاراً) أسبوعياً إلى 810 دولارات أسترالية.

ويُعَدّ تسعير الإيجارات على أساس أسبوعيّ أمراً عادياً في أستراليا، تقول تشانغ: "سأضغط للحصول على مزيد من التخفيض في الإيجار بنهاية مدة العقد، إذ إنّ السوق تغيَّرت".

في نفس الوقت، بعيداً عن مدينة سيدني، وإذا اتجهت إلى الضواحي، تختلف القصة تماماً، إذ يراهن الموظفون الميسورون على أنهم لن يعودوا إلى العمل في مكاتبهم بدوام كامل مجدداً، ويريدون مقايضة هذا الأمر بمزيد من المساحة والحدائق الأكبر، وبالتالي رغم الركود العالمي ترتفع الأسعار في الضواحي.

نيويورك

ارتفعت أسعار منازل الأسرة الواحدة في مقاطعة ويستشستر في نيويورك بنسبة 16% مقارنة بالعام الماضي. وتقع ويستشستر شمال نيويورك، وتحوي حدائق تزيد مساحتها على 20 ألف فدان.

وعلى النقيض، انخفضت أسعار شقق مانهاتن السكنية إلى أدنى مستوى لها منذ 2013، وتضاعفت أعداد الشقق الشاغرة بثلاث مرات مقارنة بالعام الماضي، فيما هبط متوسط الإيجارات بنسبة 11%، وتزداد نسبة الانخفاض بين الشقق الصغيرة المعروفة بـ"الاستوديو".

في ظلّ إغلاق كثير من المكاتب وأماكن الترفيه، وصالات "برودواي" التي أغلقت مرات عدة، تفقد المنطقة الأعلى تكلفة في المدينة جاذبيتها. وتقول إم كريستين بوير، أستاذة التمدن في جامعة "برينستون"، ومالكة العقارات، إنها لاحظت التغيُّر. وتضيف: "قد يؤدي هبوط الإيجارات إلى توزيع الإسكان بمساواة أكبر"، متوقعة أن تستمرّ جاذبية المدن، مضيفة: "نحن نحبّ المدن، ونحبّ التجمعات".

أزمة سكن

تُعَدّ مدينة سان فرانسيسكو ومنطقة خليجها، من الأماكن التي تجسّد الصراع في المدن بين كونها مكاناً يجذب الشباب الطموح، وبين الأبراج ذات الأسعار الضخمة. ورغم أنّ المنطقة قد أخرجت مليونيرات، فإنها أيضاً عاشت أزمة سكن أجبرت بعض العاملين في "السيليكون فاللي" أحياناً على العيش في سيارات (كرفان) مركونة في شوارع المدينة.

الآن، تهبط أسعار الإيجار بها بشكل سريع، وقد أخبرت شركات التكنولوجيا فيها موظفيها بأنه من المتوقع مواصلة العمل عن بُعد حتى العام المقبل، وربما أيضاً بشكل دائم.

وشهدت سان فرانسيسكو في سبتمبر تراجع متوسط الإيجار الشهري للشقة الصغيرة (الاستوديو) بنسبة 32%، مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، ليصل إلى 2285 دولاراً. وتُعتبر نسبة الانخفاض الشهرية هذه أعلى بكثير من معدّل الانخفاض الوطني، الذي يشمل كل الولايات المتحدة، والذي كان بنسبة 0.5% فقط، وفقاً لبيانات نشرتها "ريالتور دوت كوم" (Realtor.com).

تورنتو

في قلب تورنتو تتكدّس الشقق الفارغة، وهي المدينة التي تُعَدّ ثاني أكبر مركز ماليّ في أميركا الشمالية بعد نيويورك. ووفقاً لبيانات شركة الأبحاث "Urbanation Inc"، فقد انخفضت الإيجارات بنسبة 14.5% في الربع الثالث من عام 2020، مقارنة بنفس الربع من العام الذي سبقه، كما تبقى العقارات حالياً لفترة أطوَل في السوق من دون تأجير، بمتوسط 26 يوماً في أغسطس، مقارنة بـ14 يوماً في العام السابق.

وكان وقف الهجرة الوافدة، واتجاه ساكني المدن نحو الضواحي رغبة في مزيد من المساحة لتجاوز فترة الوباء، من أسباب انخفاض الطلب على الشقق في المدينة. كذلك زاد المعروض بفضل موجة من استكمال بناء المنازل السابقة، وتحوّل بعض مستخدمي "Airbnb" إلى الإيجارات طويلة الأجل.

ورغم أنّ أسعار إعادة البيع لا تزال أعلى مما كانت عليه العام الماضي، فقد بدأ بعض السماسرة يبلّغون أنّ بعض المستثمرين باتوا يتخلّون عن الوحدات بقِيَم أدنى من السوق، في محاولة لإتمام البيع قبل هبوط متوقع في الأسعار. 

وعلى النقيض، ارتفعت أسعار المنازل المستقلّة في تورنتو بأكملها بنسبة 13 في المئة خلال 2020. ويقول آليد آب لورويرث، نائب كبير الاقتصاديين في شركة "Canada Mortgage & Housing Corp": "يبدو نظام الإسكان بشكل عامّ منقسماً إلى نصفين، وهنا تبدأ المخاطر في الظهور".

لندن

في لندن، بينما تنخفض إيجارات المنازل، خصوصاً في الشريحة الأعلى، تتراجع أعداد الطلبة الدوليين والمديرين التنفيذيين مرتفعي الأجور الذين كانوا يبحثون عادةً عن مساكن مؤقتة في المدينة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إذ انخفضت الإيجارات في أثرى المناطق بالعاصمة بنسبة 8.1%، وذلك حتى سبتمبر 2021، وهو أكبر تراجع تعيشه العاصمة البريطانية منذ أكثر من 10 سنوات، وفقاً لشركة السمسرة العقارية "نايت فرانك".

وامتدت الآثار كذلك إلى المناطق الأقلّ ترفاً في المدينة، وكانت لندن المنطقة الوحيدة في بريطانيا التي يتراجع بها الطلب على السكن، وفقاً لدراسة مسحية أجراها في سبتمبر "المعهد الملكي للمسّاحين القانونيين". وتوقع 7 من أصل 10 أشخاص في المسح تراجع الإيجارات في لندن على مدار الأشهُر الثلاثة المقبلة.

سنغافورة

في سنغافورة، الجزيرة التي يبلغ عرضها 50 كيلومتراً وبمساحة أصغر من مدينة نيويورك، لا يتعلَّق التراجع في الإيجارات بانتقال الناس إلى أماكن بعيدة أكثر اخضراراً أو أوسع، ولكن بانتقال الناس تماماً من الدولة كلّها، إذ تأتي غالبية طلبات الإيجار في الدولة من المهاجرين الذين يجدون الإيجار خياراً أرخص من شراء المنازل بسبب الرسوم العالية المفروضة على الأجانب.

وتواجه سنغافورة كذلك أسوأ ركود في تاريخها، وتضغط الحكومة على الشركات لتوظيف المحلّيين. ورغم التعافي الملحوظ في الاقتصاد نتيجة تخفيف بعض القيود المرتبطة بكورونا، فلا تزال أحجام إيجار الوحدات الخاصّة أقلّ بنسبة 8% مقارنة بالعام الماضي، وفقاً لبيانات المنصة العقارية "SRX Property".

وتُعَدّ الإيجارات اليوم في سنغافورة أقلّ بنسبة 17% عمّا كانت عليه في ذروتها عام 2013، وعلى النقيض تسجّل مبيعات المنازل أعلى مستوى لها منذ أكثر من عامين.

وتقول كريستين صن، مديرة الأبحاث والاستشارات في "OrangeTee & Tie"، إنّ عدداً متزايداً من المستأجرين باتوا يفضّلون عقود الإيجار ذات الفترات الأقصر حتى يتمكنوا من الانتقال سريعاً في حال وجدوا شقة أرخص. 

سيدني

في العاصمة المالية لأستراليا، يمكن أن تُعَدّ حالات كورونا الجديدة على الأصابع، وقد امتلأت الشواطئ بالناس مع اقتراب الصيف. ورغم أنّ تغيرات سوق العقار هناك ليست بحجم ما حلّ ببعض المدن، فإنّ المدينة شهدت تراجعاً في الإيجارات، فيما تنشب حروب مزايدة على أسعار الإيجارات في الضواحي.

ومع ذلك، تُظهِر السوق مَواطن الجذب القوية في المدينة. وقد استقرّت معدلات الشواغر في المنطقة التجارية المركزية بها عند نحو 13% مقارنة بنحو 5% قبل انتشار الوباء، وذلك بعدما قفزت إلى مستوى قياسيّ بلغ 16% في مايو، وفقاً لأبحاث "SQM". ويُعتبر إغلاق الحدود وغياب الطلاب الدوليين أكثر ما أثر في تراجع الطلب في السوق.

* هذا المحتوى من اقتصاد الشرق بالتعاون مع بلومبرغ

اضغط هنا لقراءة النص الكامل من مصدره