مطارات سوريا.. من نقاط مهجورة إلى أماكن مزدحمة

time reading iconدقائق القراءة - 9
طائرة في مطار اللاذقية الدولي تحمل إغاثة إنسانية قدمتها الإمارات العربية المتحدة لضحايا زلزال 6 فبراير. 14 فبراير 2023 - AFP
طائرة في مطار اللاذقية الدولي تحمل إغاثة إنسانية قدمتها الإمارات العربية المتحدة لضحايا زلزال 6 فبراير. 14 فبراير 2023 - AFP
دمشق-الشرق

بعد 12 عاماً من مقاطعة سوريا ومطاراتها عربياً ودولياً، تهبطُ على مدار الساعة طائرات تحمل مساعدات إنسانية وإغاثية من مختلف دول العالم، وبعضها من دول لا يوجد لها أي تمثيل دبلوماسي في دمشق.

وهز الزلزال الذي ضرب سوريا طاولة السياسة أيضاً، لتُمد أيادي العون من فوقها متجاوزة خصومات الأمس، وخلافات اليوم، وصراع الحكومة والمعارضة، واجتماعات أستانة وجنيف وموسكو وواشنطن. فكيف انعكست الهزّة على عزلة العاصمة السورية؟

اتصالات مع الأسد

لم تهدأ برقيات التعازي واتصالات المواساة ووفود الإغاثة التي تلقتها دمشق، سواء تلك التي استقبلها الرئيس السوري بشار الأسد، أو رئيس حكومة بلاده أو وزير خارجيتها.

وتجاوز عدد البلدان التي تواصلت وأبرقت رسائل المواساة 25 بلداً، بينها بلدان اتخذت سابقاً مواقفة حازمة ضد نظام الحكم في سوريا.

وتلقى الأسد على سبيل المثال، اتصالاً هاتفياً من نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، هو الأول بين الرجلين منذ تولي السيسي السلطة عام 2014، رغم محافظة البلدين على علاقات أمنية وتمثيل دبلوماسي محدود. كما تلقى اتصالاً مماثلاً من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، هو الأول منذ أكثر من عقد.

رغم أن مؤشرات الانفتاح نحو العاصمة السورية ليست بجديدة، بل يمكن القول إنها بدأت منذ عام 2018، حين أعيد فتج سفارة الإمارات، مع زيارات متكررة لوزير خارجيتها إلى دمشق، فضلاً عن زيارة الأسد إلى الإمارات أيضاً في مارس الماضي.

من جانب آخر، تلقى الرئيس السوري اتصالاً هاتفياً من ملك الأردن عبد الله الثاني، أكّد الأخير فيه، استعداد بلاده "لتقديم ما يلزم للمساعدة في جهود الإغاثة".

وصول 97 طائرة

على مدار الساعة، تهبط طائرات المساعدت الإغاثية في مطارات سوريا الرئيسية، في حلب واللاذقية ودمشق.

وبعد ما كانت هذه المطارات تسجل رحلة أو رحلتين في بعض الأيام، باتت مدرجاتها مزدحمة على مدار الساعة، وكوادرها تعمل بطاقتها القصوى لجدولة برامج الرحلات المختلفة.

وحصلت "الشرق" على آخر إحصائية تخص عدد الطائرت التي هبطت في المطارات الثلاثة، وبلغت حتى مساء الثلاثاء، 97 طائرة.

ورصدت "الشرق" هبوط طائرات من الجزائر والعراق وإيران وليبيا وسلطنة عمان، ومصر وتونس وروسيا والأردن وأرمينيا والهند، وكازختسان وفنزويلا والصين وباكستان وبنجلادش وبيلاروس والسودان ورومانيا والشيشان وأرمينيا وباكستان، وستهبط في وقت لاحق طائرة يابانية قادمة من العاصمة طوكيو.

فيما تصدّرت الإمارات قائمة أكثر الدول إرسالاً للمساعدات بنحو 26 طائرة خلال أسبوع، حملت آلاف الأطنان من مختلف المساعدات، تلتها العراق التي مدّت جسرين، بري وجوي من المساعدات المتواصلة.

وهبطت تسع طائرات إغاثية سعودية في مطار حلب الدولي ضمن الجسر الجوي السعودي لمساعدة ضحايا الزلزال. واسقبل المطار أولى الطائرات السعودية، الثلاثاء، وهي الأولى منذ قطع الرياض علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق إثر اندلاع النزاع قبل أكثر من عشر سنوات.

مسؤولون أمميون في سوريا

وهبطت طائرة وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة مارتن جريفيث، مساء الاثنين، بمطار حلب في زيارة قصيرة اطلع فيها على أضرار الزلزال.

وزيارة جريفيث ليست الأولى لمسؤول أممي كبير، ولن تكون الأخيرة، فقد سبقه المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس، ولحقه المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا جير بيدرسون، ورئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ميريانا سبولياريتش إيجر.

وفي وقت سابق، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، أنه سيزور سوريا مطلع الشهر المقبل.

وطيلة الأشهر والسنوات الماضية، عاشت دمشق عزلة سياسية وأممية، وانحصرت زيارات المسؤولين إليها على الحلفاء وبعض المسؤولين المحدودين من الصف الثاني والثالث من المنظمات الإنسانية. لكن الزلزال المدمّر، أعادها مُجدداً للواجهة بعد أن كاد العالم ينسى أن حرباً تدور رحاها في هذا البلد، ولا سيما بعد يدء الحرب الروسية الأوكرانية، التي خطفت ما تبقى من أضواء، وجذبت كل الاهتمام الدولي والعالمي.

ولا يمكن التغافل عن قرار وزارة الخزانة الأميركية، في التاسع من فبراير الفائت الاستثنائي، بمنح ترخيص لمدة 180 يوماً، يسمح لجميع المعاملات المتعلقة بالإغاثة من الزلزال في سوريا التي تواجه منذ سنوات عقوبات صارمة من واشنطن.

سماء هادئة من الطيران الحربي

لم يكن الهدوء سيد الموقف في سماء سوريا دائماً، إذ كانت الغارات الإسرائيلية تعكّر صفوها بين الحين والآخر بغارات جوية، تستهدف من خلالها المطارات السورية تارة، ومناطق حيوية تارة أخرى، ومواقع قيل إنها مخصصة لتخزين الأسلحة الإيرانية.

وتوقفت كل الطلعات الجوية التي كان ينفذها سلاح الجو السوري بالتعاون مع البحرية الروسية وطيرانها، والتي كانت تستهدف مواقع الفصائل المسلحة أو مناطق انتشار تنظيم (داعش).

وحتى "الطائرات المجهولة والمسيرة" التي كانت تقصف هنا وهناك بين الفينة والأخرى، اختفى أزيزها، وابتعدت ليخلو المجال الجوي تماماً من طائرات الإغاثة.

انفتاح ما بعد الكارثة؟

توقعت تقارير عدة في الأشهر الماضية تقارباً عربياً أكبر مع دمشق، ومنهم من تنبأ بدعوة سوريا إلى القمة العربية الماضية في الجزائر، بالإضافة إلى لقاءات ثنائية تجمع الأسد مع خصوم الأمس، لكن لم يكن ليتوقع أحد أن تتم هذه الكثافة من الاتصالات واللقاءات خلال أقل من 72 ساعة.

ويقول الباحث في معهد "نيولاينز" نيك هيراس، في حديث لوكالة "فرانس برس"، إن "المأساة المروعة التي عصفت بسوريا وتركيا هي فرصة واضحة للأسد من أجل محاولة دفع عملية التطبيع مع بقية العالم العربي، والتي إن كانت تسير ببطء لكنّها تتقدم".

لكن باحثين آخرين يقللون من أهمية تداعيات التضامن الحاصل مع سوريا على المستوى السياسي.

ويقول الباحث في مركز "سِنشري انترناشونال" آرون لوند، لوكالة "فرانس برس": "إنها رسائل روتينية سيقدّمها هؤلاء القادة لأي رئيس دولة بعد حصول كارثة طبيعية كبرى". ويضيف: "علينا أن ننتظر ونرى (...) هل سيكون هناك المزيد من هذه الاتصالات، وهل ستستمر إلى ما بعد الأزمة الحالية؟". ويتابع: "يتشارك البلدان حالياً مشكلة تتخطى الحدود والخلافات السياسية".

وفي سوريا، يرى البعض أن الزلزال عجّل ما كان مخططاً له لا أكثر، وأن هذه الخطوات كانت ستأتي تباعاً، لكن الهزّة جعلت كل شيء سريعاً.

ويقول الصحافي السوري كمال شاهين لـ"الشرق": "سيكون ذلك أكثر فعالية فيما لو تدخلت الحكومة السورية بإمداد المساعدات إلى المناطق الخارجة عن سيطرتها".

ويُضيف الصحافي المقيم في مدينة اللاذقية، إحدى المدن المنكوبة جراء الزلزال، أن الكارثة "ستساعد الامتداد، خصوصاً بعد موافقة على إعادة فتح المعابر (..) الدول أيضاً تريد هذه العودة وجاءت الفرصة المناسبة".

"المشكلة في دمشق"

من جانبه، قلّل المحلل السياسي عبد الكريم العمر، المقيم في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، من إمكانية مساهمة الانفتاح على دمشق في إيجاد "أى فرصة لحل سياسي"، معتبراً أن الاعتقاد بمساهمة المساعدات في انفراجة سياسية "وهم كبير"، وأرجع السبب إلى أن (الرئيس السوري بشار) "الأسد الذي تدعمه إيران وروسيا، هو المعطل لأى حل".

وذكَّر العمر بأن "بشار الأسد رفض المبادرة العربية الأولى والثانية، وكلاهما لم تتطرقا إلى رحيله". وأكد أن "هذا النظام الذي سار بسوريا والسوريين لهذا القاع لايمكن إصلاحه، أو أن يعمل على حل سياسي مهما كان شكل الحل".

واستبعد العمر حدوث تواصل بين مناطق النظام والمعارضة، مشدداً على وجود "رفض شعبي ورسمي لذلك".

وحض العمر على عدم نسيان أن "العامل الأميركي هو الأهم في الموضوع السوري"، مشدداً على أنها "لن تقبل بأي انفتاح على دمشق أو النظام السوري أو التطبيع معه أو عودته للجامعة العربية"، واعتبر أن "كل مايحصل الآن لن يتعدى الجانب الإنساني والمساعدات وتنتهي القصة".

انشغال تركي

ويرى عبد الكريم العمر، أن تركيا "تبحث عن تطبيع العلاقات مع النظام السوري"، لكنه قال إن "اجتماع وزيرا خارجية تركيا والولايات المتحدة عطل ذلك". وأشار إلى أن أنقرة "ليست متفرغة الآن للأزمة السورية في ظل كارثة الزلزال، بجانب الاستعداد للانتخابات الرئاسية".

ولفت العمر إلى أن "وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو سبق وتحدث عن لقاء سيجمعه مع وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد في منتصف شهر يناير الماضي، ومع ذلك لم يحصل اللقاء ولم تجري أيّ مباحثات".

تستأنف دمشق الاتصالات الدولية إذاً، وتعود الحركة إلى مطاراتها، وتنشغل خارجيتها بالاجتماعات واللقاءات، فيما لا تهدأ وكالة الأنباء الرسمية عن توزيع أخبار استقبال وفود ومساعدات من دول مختلفة.

تحرّكت المياه الراكدة في ساحة السياسة السورية، فما هو مستقبل الحكومة الحالية على الساحة الدولية بعد هذا الزلزال المدمر.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات