الانتقال الديمقراطي في السودان.. محطات وأزمات

time reading iconدقائق القراءة - 14
امرأة تلوّح بالعلم السوداني أثناء مشاركتها في مظاهرة أمام المجلس التشريعي في العاصمة الخرطوم لدعم الانتقال الديمقراطي - 30 سبتمبر 2021  - AFP
امرأة تلوّح بالعلم السوداني أثناء مشاركتها في مظاهرة أمام المجلس التشريعي في العاصمة الخرطوم لدعم الانتقال الديمقراطي - 30 سبتمبر 2021 - AFP
دبي -الشرق

يشهد السودان منذ إسقاط نظام الرئيس السابق عمر البشير في أبريل 2019، حالة من عدم الاستقرار والتوتر السياسي، بعد أن تصاعدت الخلافات الداخلية في الحكومة الانتقالية بشقيها العسكري والمدني، وأدت إلى اندلاع تظاهرات واحتجاجات.

ودخل السودان، الاثنين، في أزمة جديدة باعتقال الجيش للأعضاء المدنيين بالحكومة السودانية، من بينهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، فضلاً عن أغلب قيادات الصف الأول بالأحزاب السياسية، بحسب مراسلة "الشرق" في الخرطوم.

وخرج الآلاف من المحتجين للتظاهر في محيط القصر الرئاسي والقيادة العامة للجيش رفضاً للاعتقالات، فيما أعلن رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، وحل مجلسي السيادة والوزراء، والتمسك بالالتزام بما جاء في الوثيقة الدستورية، واتفاق جوبا للسلام، وإنهاء تكليف ولاة الولايات، وإعفاء وكلاء الوزارات من أعمالهم.

أزمة شركاء الحكم

بعد أن أطاح الجيش السوداني في أبريل 2019 بنظام عمر البشير، إثر ثورة شعبية، وقع العسكريون والمدنيون الممثلون بائتلاف قوى إعلان الحرية والتغيير الذي كان يقود الحركة الاحتجاجية آنذاك، اتفاقاً لتقاسم السلطة، نصّ على فترة انتقالية من ثلاث سنوات تم تمديدها لاحقاً.

وظلّت الأزمة في السودان بين المكونين المدني والعسكري في الحكومة الانتقالية، مكتومة منذ أشهر، قبل أن تتفجر في 21 سبتمبر الماضي، بعد محاولة انقلاب فاشلة.

عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة، تبادل الطرفان الاتهامات بالسعي للانفراد بالسلطة، وتحميل المسؤوليات عن تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية والمعيشية، ما أدى إلى تظاهرات واسعة في الشارع السوداني، بطلب من المكون المدني الذي يشهد بالأساس انشقاقات داخلية.

الانشقاق داخل "الحرية والتغيير"

وتصاعدت الخلافات بين المدنيين المتواجدين في السلطة، ما أضعف الدعم الذي يحظى به رئيس الوزراء عبد الله حمدوك. وبدأت تعلو أصوات ومظاهرات تطالب بـ"حكومة عسكرية"، وأخرى تطالب بتسليم السلطة كاملة إلى المدنيين.

وازداد الوضع السياسي في السودان تأزماً، مع تعرض ائتلاف "الحرية والتغيير" (الحاضنة السياسية للحكومة الحالية) لاختلاف في وجهات النظر بين الأحزاب المنضوية تحته.

وفي الثاني من أكتوبر الجاري، وقعت قوى سياسية وحركات مسلحة منشقة عن الائتلاف على "ميثاق التوافق الوطني"، وهو ميثاق سياسي جديد يدعو لتوسيع "الحاضنة السياسية للثورة".

وشملت قائمة الموقعين: حركة تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة، والحزب الاتحادي – الجبهة الثورية، وحزب البعث السوداني، والتحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية، والجبهة الشعبية للتحرير والعدالة، والحركة الشعبية.

واتهمت القوى المنشقة عن "الحرية والتغيير"، اللجنة المركزية للائتلاف بالتفرد بالسلطة وإقصاء بقية التيارات المدنية، فيما استنكرت "الحرية والتغيير" الانشقاق واتهمت القوى الموقعة على "الميثاق الوطني" بدعم المكون العسكري. 

وبالتزامن مع التوقيع على الميثاق الجديد، انطلقت تظاهرات احتجاجية وسط العاصمة السودانية الخرطوم للمطالبة بإسقاط الحكومة الانتقالية، بعدما دعت لها القوى المنشقة عن ائتلاف الحرية والتغيير.

وطالب المتظاهرون بـ "حل الحكومة، وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية، والعودة إلى منصة التأسيس (لائتلاف الحرية والتغيير)، والتوافق الوطني، واستكمال هياكل السلطة، وتكوين المجلس التشريعي والمفوضيات".

انقسام في الشارع

الخميس الماضي، احتشد آلاف المتظاهرين في السودان للمطالبة بتسليم رئاسة المجلس السيادي إلى المدنيين، بالتزامن مع تواصل اعتصام أمام القصر الجمهوري في العاصمة الخرطوم لـ 6 أيام، للمطالبة بتسليم الحكومة للعسكريين.

وخرجت مظاهرات، الخميس، في ذكرى "ثورة أكتوبر 1964"، وسبقتها احتجاجات في الأحياء الصغيرة على مدى أيام، ولتجنب الصدامات، تحاشى أنصار القوى المدنية الاقتراب من خيام المعتصمين التي نصبت أمام مقر المجلس السيادي الذي يترأسه الفريق أول عبد الفتاح البرهان.

وتضاربت وجهات النظر بين مكونات الشعب السوداني، بعد أن نفذت الحكومة إجراءات تقشفية "صارمة"، في إطار برنامج للإصلاح الاقتصادي والمالي، وضعته بالتعاون مع صندوق النقد الدولي.

أزمة شرق السودان

تفجرت أزمة الصراع على السلطة بين المكونين المدني والعسكري بعد أسابيع من نشوب أزمة شرق السودان في سبتمبر الماضي، بسبب رفض مكونات في الإقليم لما يعرف بمسار شرق السودان وهو اتفاقية وقعتها الحكومة السودانية مع مجموعة من الأحزاب تمثل قومية البني عامر، إحدى قوميات المنطقة في أكتوبر 2020 بعاصمة جنوب السودان جوبا.

وأعلن المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة الذي يمثل غالبية قوميات الإقليم رفضه للاتفاق، داعياً الحكومة لإلغائه، ولا زال المحتجون المؤيدون للمجلس يغلقون موانئ الإقليم وطرقه في انتظار الاستجابة لمطالبهم.

ويضم شرق السودان ولايات البحر الأحمر وكسلا والقضارف، وهي من أفقر مناطق البلاد، على الرغم من أنها تتميز بموقع استراتيجي، وتمر عبرها أبرز سلاسل الإمدادات.

تعثر السلام في دارفور

وفي سبتمبر الماضي، أفاد سفين يورجنسون، رئيس لجنة الجزاءات التابعة للأمم المتحدة المعنية بالسودان، في تقرير قدمه لمجلس الأمن، بأن تنفيذ بنود اتفاق جوبا للسلام واجه بعض التأخير في دارفور.

فيما يتعلق بالحركات المسلحة في دارفور، أوضح التقرير أن حركة تحرير السودان، بقيادة عبد الواحد، ظلت محتفظة بوجود لها في منطقة جبل مرة، مشيراً إلى حدوث اشتباكات متقطعة بين قوات الحركة والقوات الحكومية.

وبخصوص الحركات الموقعة على اتفاق السلام، أفاد التقرير بأنها عادت إلى دارفور، وانخرط بعضها في عمليات تجنيد للأفراد، وفي نفس الوقت احتفظت ببعض جنودها وأسلحتها في ليبيا.

وذكر التقرير أن الغرض من الجزاءات المحددة المفروضة على السودان، ومنها منع توريد الأسلحة إلى دارفور، منع وإحباط الأعمال التي قد تفسد السلام.

أزمة الترتيبات الأمنية

وبموجب اتفاق جوبا للسلام الذي تم توقيعه في 3 أكتوبر 2020، كان يفترض أن يتم الاتفاق بين الحكومة والحركات المسلحة على نقاط تجمع قوات الحركات، حتى يتم الاتفاق على الترتيبات الأمنية الخاصة بإدماجها في الجيش.

إلا أن الحركات بدأت منذ مارس الماضي في إرسال قواتها إلى العاصمة الخرطوم والمدن الرئيسية، قبل تحديد مكان للتجمع، ما أثار مخاوف من انفلات الأمن.

وشهدت بعض الحركات المسلحة انشقاقات وسط قواتها الموجودة في العاصمة الخرطوم والمدن الرئيسية، وحاولت بعض الجماعات المنشقة تجنيد المواطنين، وضمنها "حركة تمازج" التي انشقت عن الحركة الشعبية لتحرير السودان.

وفي الأول من مارس الماضي، اقتحمت قوات تابعة لحركة جيش تحرير السودان جناح مناوي، مقر اللجنة الأولمبية السودانية في الخرطوم، وحولتها إلى ثكنة عسكرية. 

وفي 14 مارس، أخلت الحركة مقر اللجنة الأولمبية إثر قرار مجلس السيادة الانتقالي ترحيل قوات الحركة إلى معسكر السليت شمالي العاصمة الخرطوم.

وذكر مسؤول عسكري، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"الشرق" أن هناك أكثر من 5 ملايين قطعة سلاح بأنواع وأحجام مختلفة في أيدي المواطنين والمسلحين في السودان.

وحاولت "الشرق" التقصي أكثر من خلال قيادات عسكرية ميدانية في الحركات المسلحة، لكن الأخيرة رفضت الكشف عن أعداد قواتها الموجودة في العاصمة الخرطوم ومعسكرات أخرى.

وفي 30 مارس الماضي، قرر مجلس الأمن والدفاع السوداني إفراغ الخرطوم والمدن الرئيسية من مظاهر الوجود المسلح، و"الإسراع في تنفيذ الترتيبات الأمنية المتعلقة باتفاق السلام الموقع في جوبا".

من المنتظر أن يتم دمج جيوش 5 فصائل عسكرية وقعت على اتفاقية جوبا في القوات المسلحة السودانية أبرزها حركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة برئاسة جبريل إبراهيم، والحركة الشعبية - شمال برئاسة مالك عقار، إلى جانب حركات أخرى.

هيكلة الأجهزة الأمنية

ظلت قضية إصلاح المؤسسات الأمنية من أبرز القضايا الشائكة بين المكونين المدني والعسكري في السودان، إذ يشدد المدنيون على ضرورة إصلاح الأجهزة الأمنية، خصوصاً عقب المحاولة الانقلابية في سبتمبر الماضي. فيما يرفض العسكريون تدخل المدنيين، مؤكدين أن الأمر اختصاص حصري لهم.

وأفادت مصادر "الشرق" بأن رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان تحدث إلى قائد قوات الدعم السريع بشأن دمج قواته في الجيش، على خلفية دعوات من الإدارة الأميركية والقوى الإقليمية، وهي القضية التي أثارت جدلاً واسعاً.

و"الدعم السريع" قوة مقاتلة جرى تشكيلها لمحاربة المتمردين في دارفور، ثم لحماية الحدود لاحقاً، تأسست كقوة تابعة لجهاز الأمن والمخابرات، وظلت محل اتهام بارتكاب انتهاكات.

وفي أكتوبر من عام 2019 أصدر رئيس المجلس السيادي الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قرارات بإعادة هيكلة الجيش السوداني، قضت بإلغاء نظام رئاسة الأركان المشتركة الذي اتبعه حكم الرئيس المعزول عمر البشير، والعودة للعمل بالنظام القديم "هيئة الأركان".

وأصبحت وحدات الجيش السوداني تشمل القوات البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوي، وأسندت رئاسة هيئة الأركان إلى الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين.

ونصّت الوثيقة الدستورية الموقعة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير في 17 أغسطس، على إسناد مهمة إصلاح الأجهزة العسكرية لمؤسسات الجيش وفق القانون. لكن برز إلى السطح عقب ذلك ملف دمج قوات الحركات المسلحة في القوات المسلحة السودانية، ما زاد الأمر تعقيداً.

وبموجب اتفاقية السلام الموقعة بجوبا في الثالث من أكتوبر 2020، فإنه يجب دمج قوات الحركات في الجيش الحكومي عبر ترتيبات أمنية.

طوارئ اقتصادية

ورغم تفاؤل كثير من السودانيين، بتحسن أوضاعهم المعيشية والاقتصادية، في مرحلة ما بعد حكم البشير، وبعد رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب الأميركية، فإن شيئاً من ذلك لم يتحقق، بل زاد الأمر سوءاً، في ظل تزايد متواصل في أسعار الوقود والكهرباء والخدمات، وهو ما دفع بكثير من السودانيين إلى الخروج للاحتجاج.

وأعلنت الحكومة السودانية، في سبتمبر 2020، حالة الطوارئ الاقتصادية عقب انهيار قياسي للعملة المحلية أمام الدولار لتصل إلى 265 جنيهاً مقابل الدولار.

وبحلول يوليو 2020، أصبح التضخم في السودان هو الثاني في العالم بعد فنزويلا، إذ بلغ آنذاك 144%، قبل أن يرتفع في مايو 2021 إلى 379% بحسب صندوق النقد الدولي، الذي أرجع ذلك إلى التوسع الكبير في تسييل عجز المالية العامة، ونقص الغذاء والوقود.

ودفعت التقلبات الحادة في أسعار الجنيه السوداني كبار موردي الأغذية إلى وقف توزيع منتجاتهم، ورفع أسعار الأغذية بنسب تتراوح بين 50 و100%.

وفي 29 يونيو الماضي، وافق صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على تأهل السودان للحصول على تخفيف لأعباء الديون من خلال المبادرة المعززة المعنية بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون "هيبيك".

ومن شأن تخفيف أعباء الديون أن يساعد السودان على تحسين أوضاعه الاقتصادية والحد من الفقر ورفع مستويات المعيشة للشعب السوداني.

وفي حال التطبيق الكامل لتخفيف أعباء الديون ومشاركة جميع الدائنين فيه، يمكن تحقيق خفض تقديري في ديون السودان عند بلوغ نقطة الإنجاز من 56 مليار دولار إلى 6 مليارات دولار على أساس القيمة الحالية.

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينتعش النمو في السودان خلال 2021 إزاء تراجع التضخم تحت تأثير انخفاض عجز المالية العامة وتَقَلص الحاجة إلى التسييل مع زيادة التمويل بالمنح.

لمتابعة التغطية المستمرة: