الانتخابات الألمانية.. شولتز يفوز في المناظرة الثالثة بدعم من مرشحة "الخضر"

time reading iconدقائق القراءة - 8
أولاف شولتز من "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" (يساراً)، وأنالينا بيربوك من "حزب الخضر"  (وسطاً)، وأرمين لاشيت من الاتحادين "المسيحي الديمقراطي" و"المسيحي الاجتماعي"، قبل بداية المناظرة التلفزيونية الثالثة - برلين - 19 سبتمبر 2021 - AFP
أولاف شولتز من "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" (يساراً)، وأنالينا بيربوك من "حزب الخضر" (وسطاً)، وأرمين لاشيت من الاتحادين "المسيحي الديمقراطي" و"المسيحي الاجتماعي"، قبل بداية المناظرة التلفزيونية الثالثة - برلين - 19 سبتمبر 2021 - AFP
برلين-مصطفى السعيد*

فيما بدت مرشحة "حزب الخضر" أنالينا بيربوك هجومية، ومرشح الحزبين "المسيحي الديمقراطي" و"المسيحي الاجتماعي" أرمين لاشيت دفاعياً، يجمع مراقبو المناظرة الثالثة في الانتخابات الألمانية على أن أولاف شولتز، مرشح الحزب "الديمقراطي الاشتراكي"، كان وفياً لنفسه، هادئاً قليل التدخل والكلام، وكأنه مطمئن لتفوقه من جديد، وإلى الفارق الشاسع بينه وبين الآخرين في الاستطلاعات.

وبالفعل جاءت نتيجة سبر الآراء بعد المناظرة مباشرة (مركز فورسا، عيّنة من 2291 مشاركاً)، لتؤكد ذلك. وتم السؤال عمن رآه المشاهدون أفضل بشكل إجمالي، فأجاب 42% لصالح شولتز، و27% لصالح لاشيت، و25% لبيربوك، في أرقام تعزز ما كان معلوماً منها في المناظرات السابقة.

وفي المحصلة تمكّن كل من المرشحين الثلاثة من إظهار ريادة حزبه في ملفات بعينها. لاشيت رفض تقييد الاقتصاد ونادى بتعزيز الأمن الداخلي، فيما رفعت بيربوك راية حماية المناخ، وشولتز رسّخ مكانة حزبه في السعي لمزيد من العدالة الاجتماعية، إلا أن هذه المناظرة لم تأتِ بما هو جديد في المواقف.

مرشحة "الخضر".. الطاقة والحيوية

كانت هذه المناظرة الثالثة والأخيرة التي يخطب فيها المرشحون ود المترددين من الناخبين لنيل أصواتهم (نحو ربع الناخبين)، ومرة أخرى توسّطت أنالينا بيربوك الاستوديو بين أرمين لاشيت وأولاف شولتز.

بيربوك امرأة شابة شهد لها المتتبعون من قبل (المناظرة الثانية) بأنها ذات طاقة وحيوية، وهي تمثل المعارضة، وبإمكانها توزيع الاتهامات يميناً ويساراً باتجاه المرشحين الآخرين اللذين يمثلان الائتلاف الحاكم منذ سنوات طويلة.

ومرة أخرى كانت في مزاج هجومي ولكنها، باستثناءات قليلة، ركّزت هجومها على مرشح الحزبين الشقيقين "المسيحي الديمقراطي" و"المسيحي الاجتماعي" أرمين لاشيت، وتماهت مع مرشح "الديمقراطي الاشتراكي" أولاف شولتز في ملفات عديدة، من بينها العدالة الاجتماعية وكورونا، وملف تحسين أوضاع العاملين في القطاع الصحي والتمريضي.

حاولت تمييز حزبها على الأقل في ملف حماية المناخ، وقالت إنها "مع التسريع بإنهاء الاعتماد على الفحم الحجري"، ودعت إلى تحمّل المواطن بعض العبء عند الانتقال من اقتصاد السيارات التي تستهلك الوقود الأحفوري نحو السيارات الكهربائية. وهذا يعني رفع أسعار الوقود، ما قد ينفّر الكثير من المواطنين في بلد السيارات بتميّز.

لذا دعت إلى انتخاب "الخضر" ليكون "القوة الأكبر والمحرّكة في حكومة تستشرف المستقبل"، وتكون هي على رأسها، وكانت هنا بحاجة إلى مهاجمة شولتز المتقدم مع حزبه في كل استطلاعات الرأي حتى الآن، باعتباره طرفاً في الحكومة الحالية ومسؤولاً عن بطء سياسات حماية المناخ، حسب قولها.

شولتز وبيربوك ضد لاشيت

 قلّة فقط ما زالت تعتقد بقدرة "حزب الخضر" على تجاوز الهوة في استطلاعات الرأي، حتى يوم 26 سبتمبر الجاري، يوم الاقتراع.

وطالب البعض، ومن بينهم رئيس "الحزب الديمقراطي الحر" كريستيان ليندنر، بأن تجرى المناظرة بين شولتز ولاشيت، باعتبار أن أحدهما سيكون المستشار المقبل، خلفاً لأنجيلا ميركل، وأن بيربوك ليس لها فرصة حقيقية.

لذا كان منطقياً أن تدعو بيربوك إلى ائتلاف مع "الديمقراطي الاشتراكي" ستكون فيه، لو تحقق، نائبة لمستشار اسمه شولتز، وهو الذي ردّ على اتهام خصمه لاشيت بأنه سيسعى إلى تشكيل ائتلاف يضم اليسار الرافض لـ"الناتو"، قائلاً إنه "يريد ائتلافاً مع الخضر"، حيث تكون الريادة لحزبه، من دون الإشارة إلى حاجته لشريك ثالث.

واتفق شولتز وبيربوك على الرغبة في أن يكون الحزبان المسيحيان الشقيقان في المعارضة، بعد هذه الانتخابات.

هذه المناظرة أوضحت أكثر من سابقتيها الكم الكبير من التوافق البرنامجي بين "حزب الخضر" و"الحزب الديمقراطي الاشتراكي"، وبدا كأن المشاهد أمام مناظرة بين لاشيت والثنائي بيربوك-شولتز.

ونظمت القنوات الخاصة "برو زيبن" و" سات 1" و"كابل أينس" هذه المناظرة الختامية، وتناولت فيها ملفات العدالة الاجتماعية، والتعامل مع كورونا، والرقمنة، والأمن الداخلي، وحماية المناخ. واعتبر بعض الإعلاميين المتابعين للمناظرة أنها، على غير المتوقع، كانت الأفضل من حيث محتواها مقارنة بالمناظرتين الأولى والثانية.

الدفاع طوال الوقت

أرمين لاشيت بدا كأنه غير واثق من إمكانية اللحاق بمنافسه الأشرس شولتز، وهو خلافاً للمرة السابقة لم يهاجمه مباشرة، وانخرط في جدل متكرر مع مرشحة "الخضر"، متهماً حزبها بأنه يريد الكثير من القيود للمواطن والاقتصاد.

وتحدث لاشيت عن ضرورة "تعزيز الأمن الداخلي، والتصدي لإرهاب اليمين المتطرف، وإرهاب الإسلامويين"، بالإضافة إلى مكافحة "العصابات العائلية" التي تحاول التحكم في أحياء بعينها في بعض المدن الألمانية.

أما على المستوى الاقتصادي، فرفض لاشيت موافقة خصميه على سنّ قانون يثبت الحد الأدنى للأجور عند 12 يورو للساعة الواحدة، وأكد رفض حزبه رفع الضريبة على ذوي الدخول المرتفعة. ورأى أن رفع الضرائب يؤدي إلى إعاقة النمو، مستشهداً بتجربة حكم "الديمقراطي الاشتراكي" مع الخضر (1998-2005) حين بلغ عدد العاطلين عن العمل 5 ملايين، فيما تمكنت ميركل في ولاياتها الأربع من تنصيف هذا الرقم.

وهو يرى أن الاقتصاد لديه طاقة إبداعية تمكنه من الاستجابة لمتطلبات حماية المناخ، وإنتاج سلع رفيقة بالبيئة، يمكن تصديرها إلى بقية أنحاء العالم، واستشهد بنجاحات وزير البيئة كلاوس توبفر (المسيحي الديمقراطي) في عهد كول. هنا هاجمت بيربوك منافسها لاشيت، وقالت إنه يفكر في سياسات تعود إلى التسعينات من القرن الماضي.

شولتز الأوضح برنامجاً

أما أولاف شولتز الذي كان مرة أخرى الأقدر على اختزال برنامج حزبه في جمل قليلة، فأكد الحد الأدنى للأجور، وضمان رواتب التقاعد، ووضع سياسات فورية (في السنة الأولى) من ولايته، لتوسيع قطاع الطاقات المتجددة، بهدف إنتاج كميات أكبر من الطاقة الكهربائية النظيفة وتوفيرها للصناعة الألمانية التي يرى أنها جاهزة لاستثمارات كبيرة، من أجل التحوّل إلى منتجات رفيقة بالبيئة، وتقليل الانبعاثات الغازية الضارة.

وعندما اتهمته بيربوك بأنه كان ضمن الحكومة على مدى سنوات، وأنه لم يفعل ما يكفي على عدة صُعد، أشار شولتز إلى أن حزبه تقدم بمقترحات كثيرة، رفضها شريكه في الائتلاف الحكومي (المسيحي الديمقراطي/المسيحي الاجتماعي).

وفي محاولة لإظهار قدرته على جمع المواقف، وشغل منصب المستشار الذي يضع نفسه في خدمة البلد وليس حزبه فقط، أكد شولتز اتفاق المتناظرين الثلاثة على "مكافحة كورونا والدعوة إلى توسيع حملة التطعيم" (نسبة التطعيم الكامل 63%)، وكذلك اتفق الثلاثة "على رفض أي تعاون أو ائتلاف مع حزب البديل من أجل ألمانيا"، من أقصى اليمين.

 اللجوء والسياسة الخارجية

ومع طرح الكثير من الملفات الداخلية في هذه المناظرة وسابقاتها، غابت ملفات الهجرة واللجوء والسياسة الخارجية وأوروبا، والعلاقة على جانبي الأطلسي عن النقاش، وإن كان منظمو مثل هذه المناظرات قد يتعللون بأن الناخب الألماني لا يهتم بالسياسة الخارجية كثيراً، إلا أنها ذات أهمية للمواطنين الألمان من أصول مهاجرة على الأقل، ولمتابعي الانتخابات الألمانية في بروكسل وواشنطن وبكين وموسكو وعواصم أخرى في العالم، يهمها أن تقرأ توجهات أي حكومة مستقبلية في الدولة الأقوى تأثيراً ضمن الاتحاد الأوروبي، ورابع اقتصاد على مستوى العالم.

* كاتب صحافي ومدير مركز برلين للإعلام