المغرب وإسبانيا.. خلافات ممتدة من مهاجري سبتة إلى الصحراء

time reading iconدقائق القراءة - 12
جنود على الجانب الإسباني من السياج الفاصل مع المغرب في مواجهة عدد من المغاربة على الجانب الآخر - 18 مايو 2021 - REUTERS
جنود على الجانب الإسباني من السياج الفاصل مع المغرب في مواجهة عدد من المغاربة على الجانب الآخر - 18 مايو 2021 - REUTERS
دبي -الشرق

يعكس التوتر بين الرباط ومدريد، بعد وصول نحو 10 آلاف مهاجر مغربي الشهر الماضي، إلى جيب سبتة الذي تسيطر عليه إسبانيا، خلافات قديمة بين الجانبين، رغم تعاونهما في ملفات محورية كثيرة.

لكن استقبال إسبانيا زعيم جبهة "بوليساريو" إبراهيم غالي، لعلاجه بعد إصابته بفيروس كورونا المستجد، شكّل شرارة الأزمة الأخيرة، علماً أن مدريد برّرت الأمر بـ"دوافع إنسانية".

وتفيد تحليلات بأن المغرب يسعى إلى استغلال اعتراف الولايات المتحدة، خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، بسيادته على الصحراء، لانتزاع موقف مشابه من دول أوروبية، بما في ذلك إسبانيا.

وتجد الرباط صعوبة في تقبّل حجج مدريد لاستقبال غالي، إذ اعتبرت وزارة الخارجية المغربية أن قضيته كشفت عن "مواقف إسبانيا العدائية واستراتيجياتها المسيئة، تجاه قضية الصحراء المغربية"، وشكت من "انهيار الثقة" بين الجانبين.

وكان لافتاً أن المغرب قارن ملف الصحراء بمسألة إقليم كتالونيا، الذي يشهد حركة انفصالية قوية تطالب بالاستقلال عن إسبانيا. واعتبرت الوزارة أن إسبانيا لا تستطيع أن "تحارب الانفصال" على أراضيها، وأن "تشجّعه في بلد مجاور"، حسبما نقلت وكالة رويترز.

في المقابل، رفض رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، أن "تأمر حكومة بمهاجمة الحدود" بسبب "خلافات في السياسة الخارجية"، وحضّ المغرب على "ألا ينسى أن لا حليف أفضل له من إسبانيا في الاتحاد الأوروبي"، وفق وكالة "فرانس برس".

"أخطاء إسبانيا"

قد يكون سانشيز محقاً بشأن أهمية العلاقات بين الرباط ومدريد، لا سيّما أن رئيس الوزراء الإسباني السابق، خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو، شدد على أن "العلاقات مع المغرب أساسية بالنسبة إلى إسبانيا"، لافتاً إلى "ارتكاب أخطاء، يجب إصلاحها".

وأشار إلى أن "العلاقات مع المغرب تقترن بالثقة"، وحضّ على إعداد "خطة لاستعادة الثقة، من خلال مبادرات وخطوات". ودعا إلى مساعدة الرباط، "في سياق صعب جداً في العالم العربي، وفي منطقة معقدة جداً".

وكتب ألبرتو سواريز سوتيل، في موقع "أتالايار" الإسباني، أن "الدليل على الأهمية التي توليها مدريد للرباط، هو حقيقة أن الرحلة الخارجية الأولى للرئيس الإسباني الجديد، كانت تقليدياً إلى المغرب".

واستدرك أن "بيدرو سانشيز كسر التقليد، ولم يزر المغرب في رحلته الرسمية الأولى رئيساً للوزراء"، إذ التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في الـ23 من يونيو 2018، ولم يزر المغرب سوى في نوفمبر من ذاك العام.

ولفت سوتيل إلى تصريحات أدلى بها النائب الثاني سابقاً لسانشيز، بابلو إغليسياس، داعياً إلى تنظيم استفتاء على تقرير المصير في الصحراء، وتعاطفه مع "بوليساريو". وأضاف أن "إسبانيا مهتمة بالحفاظ على علاقة جيدة مع المغرب، لأسباب جيوسياسية"، إذ إنه "الحدود الجنوبية لإسبانيا.. وحليف مخلص للغرب، خاصة فرنسا والولايات المتحدة، وهما أيضاً حليفان لإسبانيا".

"قضية شائكة"

وتحدث سوتيل عن علاقات في ملفَي التجارة والهجرة، "تفيد الطرفين، والدليل على ذلك هو القنصليات والمؤسسات المالية المغربية الموجودة في إسبانيا". واستدرك أن النزاع حول الصحراء يشكّل "قضية شائكة" بين الدولتين، علماً أن علاقاتهما بلغت "أدنى مستوى"، بعد الاحتكاك في جزيرة ليلى (بيريخيل بالإسبانية) غير المأهولة، في يوليو 2002، والتي تبعد 250 متراً عن المغرب، و8 كيلومترات عن سبتة، و13.5 كيلومتر عن البرّ الإسباني. وأخرج آنذاك الجيش الإسباني عسكريين مغاربة تمركزوا في الجزيرة.

سيطرت إسبانيا على سبتة في عام 1688، بموجب معاهدة لشبونة. وأثارت حدود سبتة حرباً بين إسبانيا والمغرب، بين عامَي 1859 و1860، كما احتلتها قوات الجنرال فرنسيسكو فرانكو، وانطلقت منها إلى إسبانيا، بعد تمردها على الحكومة اليسارية، مؤذنة باندلاع الحرب الأهلية (1936-1939). كذلك سيطرت إسبانيا على جيب مليلية، في عام 1497، علماً أن مدريد منحت سبتة ومليلية حكماً ذاتياً، في عام 1995.

"بقايا الاستعمار"

وأوردت صحيفة "لوموند" الفرنسية أن المغرب يطالب منذ 60 عاماً، بالسيادة على الجيبَين، إذ "يرى فيهما بقايا الإمبراطورية الاستعمارية الإسبانية". واستدركت أن التوتر الأخير بين الرباط ومدريد سببه الصحراء، "الإقليم الوحيد في القارة الإفريقية الذي لا يُعتبر وضعه ما بعد الاستعمار، نهائياً".

وأضافت: "منذ عام 1976، كانت هذه المنطقة، التي تبلغ مساحتها 266 ألف كيلومتر مربع، والواقعة بين المغرب وموريتانيا، موضع نزاع بين الرباط، التي تسيطر على 80% منها، والانفصاليين الصحراويين من جبهة البوليساريو".

وأشارت الصحيفة إلى أن المغرب وموريتانيا كانا يطالبان بالسيادة على الصحراء، حين كانت تخضع للاحتلال الإسباني، منذ عام 1884، فيما طالبت "البوليساريو"، التي أُسّست في عام 1973، بتنظيم "استفتاء لتقرير المصير، يمكن أن يؤدي إلى الاستقلال".

وقبل انسحابها من الصحراء، في عام 1975، وقّعت إسبانيا اتفاقات مع المغرب وموريتانيا، لتقاسم الأراضي المتنازع عليها بين البلدين. ورداً على ذلك، أعلنت "بوليساريو"، في عام 1976، تأسيس "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية". تلا ذلك نزاع مسلّح مع الرباط، علماً أن موريتانيا انسحبت من المنطقة التي كانت تسيطر عليها، وفق "لوموند".

"المسيرة الخضراء"

وإذ إن الاستفتاء لتقرير مصير الصحراء، الذي وافقت عليه الأمم المتحدة، مؤجّل منذ إبرام هدنة في عام 1991، تجدّد النزاع، في نوفمبر 2020، بعد تنفيذ المغرب عملية عسكرية في منطقة بأقصى جنوب الصحراء، وفق "فرانس برس".

وبعد مرور شهر على ذلك، اعترف ترمب بالسيادة المغربية على الإقليم بأكمله. ومنذ ذلك الحين، "كثف المغرب ضغوطه على دول، مثل إسبانيا، لتتبع خطى واشنطن، فيما تتمسّك دول الاتحاد الأوروبي بالموقف ذاته: يجب تسوية النزاع في إطار الأمم المتحدة، على أساس استفتاء لتقرير المصير"، كما ذكرت "لوموند".

وأشارت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، إلى أن العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني، "تحدّى حكماً (أصدرته محكمة) لاهاي، لمصلحة حقوق الصحراويين في تقرير المصير"، ونظم في عام 1975 "المسيرة الخضراء" إلى الصحراء، بمشاركة 350 ألف مغربي.

وأفاد الموقع الإلكتروني لشبكة "دويتشه فيليه" بأن الصحراء غنية بموارد معدنية، بما في ذلك نحو 72% من احتياطات الفوسفات المعروفة في العالم. وأضاف: "قبل وقف إطلاق النار في عام 1991، بدأ المغرب في تشييد جدار حدودي. والنتيجة هي أن الكثير من تلك الرواسب المعدنية، موجود الآن في الأراضي الخاضعة للسيطرة المغربية".

"شريك حيوي"

وأوردت مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية أن "المغرب أنفق مليارات الدولارات على تطوير المنطقة، وليست لديه مصلحة في تنظيم استفتاء"، إذ يريد منحها حكماً ذاتياً، تحت سيادته".

وربطت المجلة بين ما وصفته بـ"كسر ترمب لإجماع دولي"، واعترافه بسيادة المغرب على الصحراء، بـ "اعتراف" الرباط بإسرائيل. وتابعت: "يريد المغرب من إسبانيا أن تحذو حذو (الولايات المتحدة). هذا صعب لسببين: بصفتها القوة الاستعمارية السابقة، تشعر إسبانيا بمسؤولية في دعم قرارات الأمم المتحدة، التي تطالب المغرب وجبهة البوليساريو بالتفاوض. السبب الثاني هو أن إسبانيا تعتمد على الجزائر، أبرز داعم للبوليساريو، في ثلث وارداتها من الغاز الطبيعي".

واستدركت المجلة أن "المغرب شريك حيوي لإسبانيا، لا سيّما في السيطرة على الهجرة والإرهاب". ونقلت عن خوسيه إغناسيو توريبلانكا، وهو باحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، قوله، "يقول (المغرب): نساعدكم في مسائل وجودية بالنسبة إليكم، ولديّ قضية وجودية (الصحراء)، وأنتم لا تساعدون إطلاقاً".

وزاد أن الاتحاد الأوروبي، الذي سارع إلى مساندة إسبانيا أخيراً، يدرك، بعد الأزمة السورية، أن الهجرة غير المنضبطة هي "عامل محتمل هائل لزعزعة الاستقرار السياسي، خاصة عند استخدامها كسلاح".

اقرأ أيضاً: