صراع إقليم تيجراي.. أزمة سياسية تنذر بحرب أهلية في إثيوبيا

time reading iconدقائق القراءة - 11
كتيبة عسكرية تابعة للجيش الإثيوبي  - AFP
كتيبة عسكرية تابعة للجيش الإثيوبي - AFP
دبي-خديجة حبيب

حتى اللحظة لا يمكن البت بمن أطلق الرصاصة الأولى في المواجهات العسكرية التي وقعت بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية و"الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي" في إقليم تيجراي، شمالي البلاد.

وفي ظل التصعيد المتبادل بين الطرفين، يطفو سؤال ضمن أسئلة كثيرة، ما الذي يحدث على وجه التحديد؟ لماذا في هذا التوقيت؟ ومن المستفيد من تأزيم الموقف في الداخل الإثيوبي؟

 رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد برر قرار شنّ حرب في شمال البلاد على إقليم تيجراي  بأن "من الضروري نزع سلاح فصيل عرقي قوي، مارس القمع في البلاد على مدى عقود"، واصفاً زعماءه بأنهم "هاربون من العدالة"، بحسب ما نقلته وكالة رويترز.

وفي أول تصريحات له منذ إعلان بدء العملية العسكرية في إقليم تيجراي، الأربعاء، أكد آبي أحمد أن "الحملة العسكرية في الشمال لها أهداف واضحة ومحدودة"، لافتاً إلى قصف مواقع عسكرية في الإقليم ومستودعات سلاح، الجمعة.

 الرصاصة الأولى 

أوضح الكاتب الصحافي الإريتري المختص بالشأن الإفريقي، محمود أبوبكر، لـ"الشرق"، أن الحرب بين الحكومة الفيدرالية وإقليم تيجراي بدأت منذ ما يقارب العامين، وكل الظروف كانت مهيأة للمواجهة بين السلطة الحالية التي يقودها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد وبين الحزب الحاكم سابقاً (جبهة تحرير تيجراي)، الذي انسحب من الحكم تحت ضغط الشارع بعد 27 عاماً في السلطة. 

في ظل رفض قادة إقليم تيجراي الانصياع لقرارات الحكومة المركزية في إثيوبيا والمتمثلة بعدم إجراء الانتخابات في الإقليم، وجّه المجلس الفيدرالي، وهو أعلى سلطة تشريعية في البلاد، بقطع العلاقات مع السلطات في الإقليم والتعامل مع إدارة المناطق بشكل مباشر.

وأعلن المجلس إيقاف ميزانية عام 2020-2021 المخصصة لإقليم تيجراي، مع إيجاد آلية بديلة لإرسال الميزانية مباشرة إلى الهيئات الإدارية في المنطقة، بحسب البيان الصادر عن الحكومة الإثيوبية. 

وأعاد نشر وتوزيع القوات الفيدرالية في إقليم تيجراي وتعيين قادة عسكريين في القاعدة الشمالية بالإقليم، وهذا ما رفضه قادة الإقليم، باعتبار أن "هذه القرارات تمخضت عن حكومة غير معترف بها"، على حد تعبير البيان.

وجاءت تلك الخطوات على خلفية تأجيل الحكومة المركزية الانتخابات في البلاد بسبب جائحة كورونا، فيما أصرت قيادة الإقليم على إجرائها في سبتمبر الماضي.

اشتعال الأزمة

وفي إطار التصعيد العسكري والإعلامي بين الحكومة المركزية وإقليم تيجراي، أعلن الأخير انشقاق جزء من القيادة الشمالية للجيش الإثيوبي المتمركز في الإقليم عن الحكومة المركزية وعدم قبوله أوامر المركز.

ودعت حكومة إقليم تيجراي الشعب والقيادات العسكرية الأخرى للوقوف إلى جانبها.

وما أشعل فتيل الأزمة بين الإقليم والحكومة الفيدرالية، بحسب رواية السلطات الرسمية، مهاجمة جيش جبهة تحرير تيجراي للقيادة العسكرية الشمالية ومحاولة السيطرة على عتاد عسكري، الأمر الذي دفع قوات الجيش للاشتباك معهم، بحسب بيان رئاسة الوزراء الإثيوبية التي وصفت الخطوة بأنها "تخطت الخطوط الحمراء". 

وقال مصدر مسؤول في وزارة الدفاع الإثيوبية، لـ"الشرق"، إن "الحكومة ستقوم بكل ما يلزم لحماية شعبها ووحدة أراضيها، ولن تقبل بأي تدخل أجنبي"، مشيراً إلى أن "الحوار السياسي غير  مطروح حتى تسلّم قيادات جبهة تحرير تيجراي نفسها".

 مثلث "بادمي"

من جانبه، استبعد الكاتب الصحافي الإريتري محمود أبوبكر أن تكون إعادة مثلث "بادمي" المتنازع عليه بين إثيوبيا وإريتريا إلى أسمرة السبب الحقيقي للحرب الحالية.

وأشار أبوبكر إلى أن قيادة تيجراي اقترحت القبول من دون شروط بنتائج التحكيم الدولي واتفاقية الجزائر، بما في ذلك تسليم مثلث "بادمي" لإريتريا.

وأفضى اتفاق السلام الموقع بين إثيوبيا وإريتريا عام 2018 إلى تبعية مثلث "بادمي" لأسمرا وانسحاب القوات الإثيوبية من المنطقة.

وأضاف أبوبكر إلى أن العلاقة بين أسمرا وأديس أبابا اعتمدت بشكل أساسي على إقصاء تيجراي من المفاوضات، مما أسهم في تسعير الخلافات بين "جبهة تحرير تيجراي" والحكومة المركزية. 

وأوضح أن الأسباب الحقيقية تتجاوز أزمة "بادمي"، وتتعلق برؤية كل طرف للاستحقاقات الداخلية، بما في ذلك شكل نظام الحكم. 

 كشف حساب 

هذا الأمر الذي لم يختلف عليه الباحث والكاتب الإثيوبي عبدالشكور عبدالصمد، مشدداً على أن السبب الحقيقي في الأزمة يأتي من اختلاف رؤى الطرفين حول شكل الحكم، في ظل تبادل التهم برغبة الحكومة المركزية في"إلغاء خصوصية القوميات الإثيوبية".

وفي السياق ذاته كشف مصدر مسؤول في رئاسة الوزراء الإثيوبية - فضّل حجب اسمه ـ أن "الحكومة تعمل على إجراءات قانونية تخوّلها إخضاع قادة إقليم تيجراي للمساءلة عن جميع الجرائم التي ارتكبوها في البلاد طيلة 27 عاماً قضوها في السلطة".

وأفاد المصدر بأن "هذه التهم موجهة لكبار القيادات في الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، والذين عمدوا إلى تأجيج المشاكل العرقية والإثنية في البلاد، وتورطوا في قضايا إرهابية في دول مجاورة".

تفتيت "جبهة إقليم تيجراي" 

وأوضح عبدالشكور أنه إذا استطاعت العمليات العسكرية الجارية في الشمال الإثيوبي قطع الذراع العسكرية للجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، فقد تتغير المعادلة للصالح العام الإثيوبي، لافتاً إلى أن إعلان الأقاليم وقوفها مع الحكومة الاتحادية سيشكل ورقة ضغط على قادة إقليم تيجراي.

ومن جانبه، قال حاكم إقليم تيجراي، دبريصون جبر ميكائيل، إن "الإقليم في حالة حرب وتمت التعبئة استعداداً لذلك، وإن الإقليم يمتلك أسلحة ثقيلة يمكن استخدامها للردع".

 سيناريوهات المعركة

وفقاً للكاتب الصحافي محمود أبو بكر، فإن "مسار المواجهة لا يمكن التكهن به، لكن من المؤكد أن حل الأزمة بشكل كليّ لن يتم إلا بالحوار في نهاية الأمر". 

وألمح أبوبكر إلى أن إقليم تيجراي يعاني عزلة داخلية وخارجية وأزمة اقتصادية خانقة، نتيجة إيقاف التمويل من المركز، مشيراً إلى أن قيادة الإقليم أمام خيارين، الأول المواجهة العسكرية المحدودة، وهي طريقة مناسبة لفك العزلة، ومن ثم العودة إلى طاولة المفاوضات، كخيار ممكن.

أما في حال فشل السيناريو الأول، فقد تلجأ قيادة الإقليم إلى توسيع نطاق الحرب لتحقيق الانفصال، وهو الهدف التاريخي لقيادة "جبهة تحرير تيجراي".

وتابع أبو بكر: "للسلطة المركزية في أديس أبابا أيضاً أهدافها من هذه الحرب، وتتمثل في تحقيق التفاف وطني واسع حول رئيس الوزراء آبي أحمد، ما يساهم في تراجع حدة التجاذبات الداخلية ذات الطابع العرقي أو السياسي، أما الهدف الثاني فهو بسط سيطرة الدولة على الإقليم والتخلص من سطوة الحزب الحاكم السابق".

 نظام حكم جديد

وأضاف أبوبكر أن آبي أحمد يسعى إلى التخلص من تركة النظام السابق من جهة وتغيير نموذج الحكم من "فيدرالي إثني" إلى "فيدرالي إقليمي"، يعتمد على حزب واحد متمثل في الحزب الحاكم "حزب الازدهار" الذي يقوده آبي أحمد.

وأشار أبوبكر إلى أن تحركات الحكومة المركزية السابقة دفعت جبهة "تحرير  تيجراي" إلى الانسحاب من الائتلاف والعودة إلى معسكر المعارضة، من خلال الإنزواء داخل الإقليم، والتصرف بمعزل عن التركيبة الفيدرالية للبلاد.