كشفت السلطات التركية الاثنين، تفاصيل التفجير الذي وقع في شارع الاستقلال وسط إسطنبول الأحد، وأعلنت اعتقال المتهمة بتنفيذ الانفجار وتُدعى أحلام البشير "سورية الجنسية"، إضافة إلى القبض على 46 متهماً آخرين، فيما نفى حزب العمال الكردستاني الذي وجهت له تركيا أصابع الاتهام، ضلوعه في الهجوم.
ونشرت وكالة الأناضول التركية الرسمية، صوراً للمتهمة بتنفيذ الاعتداء الذي أودى بحياة 6 أشخاص حتفهم وإصابة 81 آخرين، كما بثت مقطعاً مصوراً للحظة اعتقالها، وقالت إنها محتجزة في قسم شرطة إسطنبول.
وأفادت مديرية أمن إسطنبول، أن المتهمة بتنفيذ التفجير، عضو استخبارات في تنظيم حزب العمال الكردستاني PKK، مضيفة "أنها دخلت تركيا من منطقة عفرين بطريقة غير شرعية قبل أسبوع".
وأضافت الشرطة التركية أن "المرأة قالت في استجواب أوّلي إنها تلقت تدريباً على يد مسلحين أكراد في سوريا ودخلت تركيا عبر منطقة عفرين بشمال غرب سوريا"، ولكن مسؤولاً تركياً رفيعاً لم يستبعد رغم ذلك صلتها بتنظيم "داعش".
وقال الأمن التركي إن "المشتبه بها بتنفيذ الهجوم، تلقت التعليمات من مركز حزب العمال الكردستاني بمنطقة كوباني، مضيفاً: "تحققنا من تسجيلات 1200 كاميرا، وتبين لنا أن المتهمة بتنفيذ التفجير فرّت إلى منطقة أسنلر في إسطنبول"
وتابع الأمن التركي: "قمنا بمداهمة 21 عنواناً في إسطنبول واعتقلنا 46 مشتبها به".
العمال الكردستاني و"قسد" ينفيان
من جهته، نفى حزب العمال الكردستاني ضلوعه في الهجوم، قائلاً إنه لا يستهدف المدنيين، وذلك في بيان نُشر على موقعه على الإنترنت، الاثنين، وفقاً لـ"رويترز".
وقال حزب العمال الكردستاني "ليس وارداً بالنسبة لنا استهداف المدنيين بأي شكل من الأشكال"، رافضاً مزاعم تركيا بأنه ووحدات حماية الشعب الكردية السورية مسؤولان عن الانفجار، متهماً الحكومة التركية بامتلاك "خطط غامضة" وبـ"إظهار كوباني كهدف".
وقال المتحدث باسم الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني زاكروس هيوا في اتصال مع وكالة فرانس برس: "ليس لدينا أي علاقة بالانفجار الذي وقع في ‘سطنبول ولسنا مسؤولين عنه".
كما نفت قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، المدعومة أميركياً، وتُعد وحدات حماية الشعب الكردية أبرز فصائلها، أي علاقة لها بتفجير إسطنبول، وفق ما أعلن قائدها العام مظلوم عبدي.
وكتب عبدي في تغريدة على تويتر: "إننا نؤكد أن قواتنا ليست لها أي علاقة بتفجير إسطنبول، ونرفض المزاعم التي تتهم قواتنا بذلك"، مضيفاً: "نعبّر عن خالص تعازينا لأهالي المفقودين والشعب التركي، ونرجو للجرحى الشفاء العاجل".
تفاصيل الهجوم
وأنحى وزير داخلية تركيا سليمان صويلو الاثنين، باللوم على "المسلحين الأكراد" في واقعة "تفجير إسطنبول"، وقالت إن الشرطة اعتقلت الشخص الذي زرع القنبلة.
وقال وزير الداخلية التركي، إن السلطات رصدت مكالمة يوجه فيها المتكلم عناصر الخلية التي قال إنها نفذت التفجير بـ"بقتل منفذة الهجوم لمنع معرفة ملابساته، مشيراً إلى أن السلطات "اعتقلت الشخص الذي تلقى الأمر بقتل منفذة الهجوم أيضاً". وتابع أن المنفذة "كانت ستهرب إلى اليونان، إذا لم نقبض عليها".
وقال صويلو إن تركيا ترفض تعزية الولايات المتحدة في الهجوم. وأضاف صويلو: "لا نقبل رسالة التعزية من السفارة الأميركية. نرفضها".
وغالباً ما يتهم أردوغان واشنطن بتزويد المقاتلين الأكراد في شمال سوريا بالسلاح، الذين تعتبرهم أنقرة "إرهابيين".
وقال صويلو إن الأمر بالهجوم على شارع الاستقلال، صدر في مدينة كوباني (عين العرب) بشمال سوريا حيث قامت القوات التركية بعمليات ضد وحدات حماية الشعب الكردية السورية في السنوات الأخيرة، وفقاً لما أوردته وكالة "رويترز".
وأضاف صويلو "لقد قدرنا أن التعليمات الخاصة بالهجوم جاءت من كوباني". وأضاف أن المتهم مرّ عبر عفرين وهي منطقة أخرى في شمال سوريا.
وكان صويلو، قد اتهم في وقت سابق الاثنين، حزب العمّال الكردستاني، بالمسؤوليّة عن التفجير، قائلاً: "وفقًا لاستنتاجاتنا، فإنّ منظّمة حزب العمّال الكردستاني الإرهابيّة هي المسؤولة" عن الاعتداء.
وتصنف تركيا التي تخوض مع حزب العمال الكردستاني صراعاً منذ أربعة عقود، الحزب "إرهابياً".
وشنّ حزب العمال الكردستاني تمرداً ضد الدولة التركية في عام 1984 وسقط أكثر من 40 ألف شخص في الصراع الذي أعقب ذلك. وتعتبر تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حزب العمال الكردستاني "جماعة إرهابية"، وفقاً لـ"رويترز".
من وراء التفجير؟
وزير الداخلية التركي، قال لوكالة أنباء الأناضول الرسمية الاثنين إنه تم اعتقال الشخص الذي زرع قنبلة في شارع الاستقلال في إسطنبول.
وكان الرئيس رجب طيب أردوغان ونائبه فؤاد أقطاي قالا في وقت سابق إن "امرأة" هي المسؤولة عن الاعتداء.
واتّهم نائب الرئيس التركي في تصريح صحافي "امرأة"، "بتفجير قنبلة"، دون تحديد ما إذا كانت ضمن الذين سقطوا في الحادث.
ولاحقًا، تحدث وزير العدل بكر بوزداغ عن "حقيبة" وضعت على مقعد، وقال "جلست امرأة على مقعد من 40 إلى 45 دقيقة ثم وقع انفجار. كل المعطيات عن هذه المرأة هي حالياً قيد الدرس".
وفي تصريح بُثّ مباشرة على التلفزيون، ندّد أردوغان بـ"اعتداء دنيء". وأكد أن "المعلومات الأولية تشير إلى اعتداء إرهابي"، لافتًا إلى أن "امرأة قد تكون متورطة"، دون إعطاء مزيد من التفاصيل.
ولم تتبنَ أي جهة تنفيذ الهجوم حتى الساعة. ووعد أردوغان بأنه "سيتم كشف هوية مرتكبي هذا الهجوم الدنيء. ليتأكد شعبنا أننا سنعاقب المنفذين".
وسبق أن واجهت تركيا سلسلة هجمات أثارت الذعر في البلاد بين 2015 و2016، أوقعت نحو 500 ضحية وأكثر من ألفَي جريح، وتبنى جزءاً منها تنظيم داعش.
العالم يعزّي تركيا
وأثار هذا الاعتداء الذي يأتي قبل سبعة أشهر من الانتخابات الرئاسية والتشريعية إدانات عدة من باكستان إلى الهند ومن إيطاليا الى ألمانيا حيث تقيم جالية تركية كبيرة، وكذلك من السعودية وقطر والكويت والبحرين والأردن ومصر.
كما نددت الولايات المتحدة بالتفجير، وقالت الناطقة باسم البيت الأبيض كارين جان-بيار "نقف في وجه الإرهاب جنباً الى جنب مع تركيا حليفتنا في حلف شمال الأطلسي".
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في تغريدة باللغة التركية: "الألم الذي يصيب الشعب التركي الصديق هو ألمنا".
وخاطب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الأتراك قائلاً "نشاطركم ما تشعرون به من ألم. نقف إلى جانبكم في مكافحة الإرهاب".
وقال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال "كل أفكارنا مع شعب تركيا في هذه اللحظات الصعبة"، فيما أعرب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي عن "التضامن مع حليفنا". وصدر الموقف نفسه من السويد المرشحة لعضوية الحلف.
وغرد الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوج باللغتين التركية والإنجليزية قائلاً "بعد أن شعرت بالصدمة من أنباء التفجير الدنيء في إسطنبول الذي استهدف المدنيين الأبرياء (...) يجب على العالم كله أن يقف بشكل حازم وموحد ضد الإرهاب".
وعبرت أثينا عن "تعازيها الحارّة للحكومة والشعب التركيين" رغم علاقاتها المتوترة مع أنقرة.
مصابون من العراق والمغرب
وفي السياق، أفادت القنصلية العراقية في إسطنبول الاثنين، بأن 4 عراقيين أصيبوا في التفجير، وأن 3 منهم تعرضوا لإصابات طفيفة، وتم إسعافهم وصرفهم من المستشفى، فيما يخضع الرابع إلى عملية جراحية نتيجة إصابته في الرئة.
وأعلنت القنصلية المغربية في إسطنبول، الاثنين، أن سائحتين مغربيتين ضمن الجرحى، وأن إحداهما تعرضت لكسور في ساقيها وتخضع لعملية جراحية، فيما لا تستدعي حالة المصابة الثانية نقلها إلى المستشفى.
دويّ "يصمّ الآذان"
وفرضت الشرطة طوقاً أمنياً واسعاً لمنع الوصول إلى المنطقة، خشية حصول انفجار ثان. وأفاد مصوّر وكالة فرانس برس بأن انتشاراً كثيفاً لقوات الأمن منع أيضاً أي وصول إلى الحيّ والشوارع المجاورة.
وأظهرت مشاهد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي للحظة وقوع الانفجار، ألسنة لهب وقد سُمع الدويّ من مكان بعيد وأثار موجة ذعر. وكان بالإمكان رؤية دخان أسود وضحايا على الأرض.
وفي حيّ غالاتا المجاور، أغلقت متاجر كثيرة قبل دوامها المعتاد. وأفاد صحافي في وكالة فرانس برس بأن بعض المارّة وصلوا راكضين من مكان الانفجار والدموع في عيونهم. مع حلول الظلام، كانت المحلات والمطاعم في هذا الحيّ السياحيّ شبه فارغة.
وحظّر المجلس الأعلى للإعلام المرئي والمسموع بسرعة على وسائل الإعلام بثّ مشاهد من مكان الانفجار. وعزا مدير المكتب الإعلامي الرئاسي والمستشار القريب من إردوغان، فخر الدين التون، ذلك إلى "الحؤول دون بثّ الخوف والرعب والاضطراب في المجتمع وتحقيق أهداف التنظيمات الإرهابية".
وأكد في تصريح أن "كل هيئات دولتنا ومؤسساتها تجري تحقيقاً سريعاً ودقيقاً وفعّالاً بشأن الحادثة".
شارع استُهدف في السابق
وأثار الانفجار مشاعر حزن ورعب لدى سكان هذا الحيّ في إسطنبول الذين سبق أن شهدوا اعتداءً كهذا في الماضي. وأُلغيت مباريات أندية اسطنبول الكبرى لكرة القدم.
وشارع الاستقلال الواقع في الحيّ التاريخي لمنطقة بيوغلو هو أحد أشهر الشوارع في إسطنبول ويمتدّ على مسافة 1,4 كلم وهو مخصّص بالكامل للمارّة. يمرّ في وسطه قطار ترام قديم وتصطفّ على جانبيه متاجر ومطاعم ويرتاده نحو ثلاثة ملايين شخص في اليوم خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وسبق أن شهد الشارع في مارس 2016 "هجوماً انتحارياً" أسفر عن أربعة ضحايا، وفقاً لـ"فرانس برس".
اقرأ أيضاً: