قبرص تتأرجح بين الحفاظ على وحدة أوروبا وعلاقاتها مع روسيا

time reading iconدقائق القراءة - 8
خلال احتجاج على الغزو الروسي لأوكرانيا، أمام قصر الرئاسة في نيقوسيا - 26 فبراير 2022 - REUTERS
خلال احتجاج على الغزو الروسي لأوكرانيا، أمام قصر الرئاسة في نيقوسيا - 26 فبراير 2022 - REUTERS
دبي- الشرق

تُعرف قبرص منذ فترة طويلة باسم "موسكو على البحر المتوسط"، نتيجة شعبيتها لدى الروس. لكنها تطبّق العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا، بعد غزوها لأوكرانيا، كما أن بعض مواطنيها يشبّهون الغزو، باحتلال تركيا للشطر الشمالي من الجزيرة عام 1974.

يتحدث القبرصي اليوناني أشعيا، وهو متروبوليت تاماسوس، جنوب نيقوسيا، اللغتين اليونانية والروسية لدى ترحيبه بالزوار في كنيسته بتاماسوس، وهي أول كنيسة أرثوذكسية روسية في قبرص، وشُيّدت بتمويل من مالك شركة مقاولات روسية، وأحضرت قبابها الخمس الذهبية من سان بطرسبرج، كما أوردت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.

بعد أسابيع على الغزو، يصرّ أشعيا على وجوب الامتناع عن "شيطنة" الروس. كما يحاول الترحيب بآلاف من الأوكرانيين الذين وصلوا إلى قبرص منذ الغزو، ويؤمّن مأوى لبعضهم وينظم مجموعات صلاة مشتركة مع عدد ضخم من السكان الروس في الجزيرة. ويقول: "ما كان ينبغي لهذا الهجوم (على أوكرانيا) أن يحدث".

"تغلغل روسي"

لدى قبرص بعض من أوثق العلاقات السياسية مع روسيا، أكثر من أيّ دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، لكنها تحاول الحفاظ على وحدة التكتل إزاء موسكو.

وقال مكاريوس دروسيوتيس، وهو كاتب وصحافي استقصائي في الجزيرة، إن "روسيا تغلغلت في كل مجالات الحياة السياسية، والنشاط الاقتصادي، ووسائل الإعلام وكنيسة" قبرص، منذ نيلها الاستقلال في ستينات القرن العشرين.

وشكّلت معدلات الضرائب المنخفضة، والقواعد المرنة، وعضوية الاتحاد الأوروبي، عوامل جذب للمستثمرين الروس إلى الجزيرة، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

وفي عام 2012، قبل سنة من أزمتها المالية التي أرغمت قبرص على السعي إلى خطة إنقاذ دولية، بلغت الودائع المصرفية التي احتفظ بها سكان من خارج منطقة اليورو، 21.9 مليار يورو، بحسب بيانات المصرف المركزي القبرصي.

هذه الودائع تقلّصت بشكل كبير، لكنها لا تزال تبلغ 6.4 مليار يورو في نهاية فبراير الماضي. وقالت فيونا مولين، مديرة شركة "سابينتا إيكونوميكس"، وهي شركة استشارية تتخذ نيقوسيا مقراً: "بناءً على ما أفادت به المصارف، تشكّل الأموال الروسية 80% من هذا المبلغ".

قبرص والغزو التركي

اعتبرت قبرص روسيا منذ فترة طويلة، حليفاً محتملاً مفيداً في نزاعها المديد مع تركيا، التي غزت شمال قبرص في عام 1974. ولا تزال الجزيرة مقسّمة، ولا تعترف سوى أنقرة بجمهورية شمال قبرص.

ولكن بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، "لم يكن لدينا خيار آخر، قرّرنا دعم الاتحاد الأوروبي وتضامن" دوله، كما قال وزير الخارجية القبرصي يوانيس كاسوليدس.

وأظهر استطلاع للرأي أعدّته صحيفة "بوليتيس" في الجزيرة، أن أكثر من 80% من القبارصة أشاروا إلى تشابه بين حرب أوكرانيا والغزو التركي لشمال الجزيرة.

وقال كاسوليديس: "منذ اللحظة التي فعلت فيها روسيا بأوكرانيا، ما فعلته تركيا بنا، لم يكن لدينا خيار آخر سوى النهوض والتحدث، كما فعلنا بالنسبة إلى وضعنا".

العقوبات الأوروبية

تُعدّ قبرص من دول الاتحاد الأوروبي الأكثر تضرراً من العقوبات المفروضة على موسكو. ويشكّل الروس أكثر من 20% من الزوار الذين تستقبلهم سنوياً، وكان يُتوقع أن تستفيد السياحة هذا العام من رحلات جوية مباشرة من المدن الروسية، بحسب "فايننشال تايمز".

وقال سافاس بيرديوس، نائب وزير السياحة القبرصي: "كنا نتوقع 800 ألف زائر، معظمهم من روسيا وبعضهم من أوكرانيا وبيلاروسيا".

السفير الروسي لدى قبرص، ستانيسلاف أوسادشي، ندّد بقرار الحكومة دعم العقوبات الأوروبية، معتبراً أن القبارصة "أطلقوا النار على أقدامهم". وأشار إلى أن السياح الروس سيذهبون بدلاً من ذلك إلى تركيا، مضيفاً: "هل هذا ما تريدونه؟ أن ينفقوا أموالهم هناك؟".

يشكّل الروس حوالى 6% من سكان قبرص، البالغ عددهم 800 ألف نسمة. في ليماسول، قال أليكسي فولوبويف، مالك "إذاعة روسيا"، إن عائدات الإعلانات تقلّصت بنسبة 70%، إذ بات العملاء القبارصة حذرين من الارتباط بإذاعة روسية. وقال: "يطلبون مني إما تغيير اسم المحطة، أو الإدلاء بتصريح ضد الحرب".

النظام المصرفي

كذلك تأثر النظام المصرفي في قبرص بتداعيات الحرب. فقبل 3 أسابيع، عيّن المصرف المركزي الأوروبي مديراً مؤقتاً للإشراف على تصفية "آر سي بي بنك"، وهو مُقرِض أُسّس كشركة تابعة لمصرف "في تي بي" الروسي.

في يوم بدء الغزو، في 24 فبراير، أعلن "آر سي بي بنك" نقل الحصة المهيمنة لـ"في تي بي" إلى إدارته، قبل تعرّضه لعقوبات. والآن سيُعاد تسديد ودائع العملاء في "آر سي بي"، البالغة 2.8 مليار يورو، أو تُحوّل إلى مصرف آخر.

في ليماسول، استثمر كثيرون من الروس في شقق بملايين اليوروهات على شاطئ البحر. ومنحت قبرص جوازات سفر، في مقابل استثمار أكثر من مليوني يورو في البلاد، لكن هذا المخطط المثير للجدل أُلغي في عام 2020، بعدما حصل آلاف على جنسية الجزيرة.

وأكدت السلطات القبرصية أنها تحقق مع 4 روس، فُرضت عليهم عقوبات منذ غزو أوكرانيا، وهم ممّن حصلوا على جوازات سفر.

ارتفاع الإيجارات

أقدم نيكولاي إيفتشيكوف، المدير التنفيذي السابق لشركة النفط الروسية "لوك أويل"، والمقيم في قبرص منذ عام 2017، على تأسيس شركة مزدهرة لتطوير الشقق للروس الوافدين إلى الجزيرة. ومنذ الغزو، قال إن عليه تغيير نموذج عمله، مضيفاً: "تأثرنا بالأزمة. سيكون صعباً على الأشخاص الآتين من روسيا، شراء منازل".

واستدرك أن شركته يمكن أن تستفيد من شركات تكنولوجيا تتخذ من روسيا مقراً، وتنقل موظفين إلى قبرص تجنّباً للعقوبات والقيود التي تفرضها موسكو على الإنترنت. وأشار إلى مجيء مهنيين بارزين من أوكرانيا وبيلاروسيا أيضاً.

ونقلت "فايننشال تايمز" عن بافلوس لويزو، الرئيس التنفيذي لشركة "واير إف إس" لجمع البيانات العقارية، قوله إن هناك زيادة ضخمة في قيمة الإيجارات.

وتابع: "يصعب جداً في هذه الأيام العثور على شقة في ليماسول.. حتى إذا توقفت الحرب في الأشهر المقبلة، فسنشهد زيادة في القادمين إلى قبرص، ولن يعود الناس قريباً.. لا أحد يتوقّع عودة أي شخص في السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة" إلى بلده.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات