
أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، الخميس، قراراً بإيقاف عمل هيئة رئاسة مجلس النواب بشكل مؤقت، وذلك بعد دعوتين قضائيتين، بشأن "مخالفات دستورية وإجرائية"، ما يطرح تساؤلات بشأن المدد الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية وتكليف رئيس الحكومة.
ووفقاً للقانون العراقي، فإن بعد انتخاب رئيس البرلمان ونائبيه الأحد الماضي، وهو ما حصل في الجلسة الأولى، يتم فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية، على أن يتم انتخابه خلال 30 يوماً من تاريخ انعقاد أول جلسة.
وبعد انتخاب رئيس الجمهورية، يكلف الأخير مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً لتشكيل مجلس الوزراء خلال 15 يوماً من تاريخ انتخابه.
"لا يؤثر على المدد الدستورية"
وأوضح المركز الإعلامي في المحكمة الاتحادية في بيان، أن "القرار لا يؤثر على سريان المدد الدستورية بخصوص إكمال بقية الاستحقاقات الدستورية، والمتمثلة بالموعد الاقصى لانتخاب رئيس الجمهورية، وما يليها من إجراءات بخصوص تكليف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً لتشكيل الحكومة".
ولفتت المحكمة إلى أن "المدد والاستحقاقات الدستورية تتأثر في حالة واحدة فقط"، وهي "إذا صدر قرار نهائي بإلغاء إجراءات جلسة مجلس النواب الأولى"، مشيرةً إلى أنه "سوف ينظر في جلسات المرافعة بحضور الطرفين المتداعين حال إكمال اجراءات تبليغ المدعى عليه".
أدلة ووثائق
وسبق أن أعرب النائب باسم خشان وهو صاحب إحدى الدعوتين، عن نيته تقديم شكوى إلى المحكمة العليا للطعن بانتخاب هيئة رئاسة مجلس النواب، موضحاً أن الشكوى تضمنت "أدلة ووثائق ومقاطع المصورة، تثبت بطلان انتخاب الهيئة"، مشيراً إلى وجود "مخالفات قانونية ودستورية في الجلسة".
واعتبر خشان أن الجلسة الأولى للمجلس فقدت شرعيتها "بعد أن تم الاعتداء على رئيس السن محمود المشهداني"، مضيفاً: "لهذا أي قرار يتخذ فيها هو باطل، وأن الحسم سيكون لدى المحكمة الاتحادية".
من جهته، قال القانوني العراقي فيصل ريكان لـ"الشرق": "بحسب قرار المحكمة فإن البرلمان لا يستطيع عقد أي جلسة اعتيادية أو اتخاذ أي إجراء أو انتخاب رئيس الجمهورية لحين حسم القضية"، مبيناً أنه "لا يوجد نص دستوري يُلزم المحكمة بموعد محدد للنظر في الدعوى، وعليه فإن قرار الإيقاف غير محدد بمدة معينة".
وتوقع ريكان أن "تصدر المحكمة الاتحادية قرارها قبل الموعد النهائي لانتخاب رئيس الجمهورية في 8 فبراير، كي لا تدخل البلاد في مخالفات للمواقيت الدستورية".
وأضاف: "رغم قبول المحكمة الدعوتين، إلا أنها ستصادق على دستورية إجراءات الجلسة الأولى"، مشدداً على أن "الجلسة بقيت منعقدة وفقاً للدستور العراقي الذي يمنع إيقافها أو تعطيلها كما لا يمكن تأخير أو تعطيل المواقيت الدستورية".
شبح الفراغ الدستوري
من جهة أخرى، حذر الكاتب والباحث السياسي الكردي كفاح محمود لـ"الشرق" من "خطر الفراغ الدستوري والذهاب إلى حكومة تصريف أعمال طويلة الأمد، في حال صادقت المحكمة الاتحادية العليا على إلغاء هيئة رئاسة البرلمان المنتخبة".
خبير القانون والعلاقات الدولية مهند الجنابي اعتبر لـ"الشرق"، أن "مضمون الدعوى المقامة من قبل النائبين ذات بعد سياسي واضح"، وزاد: "مفوضية الانتخابات والمحكمة الاتحادية سبق لهما أن قامتا بإجراءات تبطل ادعاء خشان بحنث رئيس المجلس النواب محمد الحلبوسي باليمين الدستورية، كون الأخير قد اجتاز إجراءات المفوضية وصادقت المحكمة على اسمه كعضو لمجلس النواب".
وأضاف أن "الطعن بصحة عضوية رئيس المجلس له إجراءات دستورية تبدأ من البرلمان وتنتهي بالمحكمة الاتحادية وهذا ما لم يحصل".
وذكر الجنابي أن "ادعاء المشهداني لا يملك صفة الخصومة لمجلس النواب أو لرئيسه، كون الدستور لم يمنحه صفة شخصية، إنما صفة لسنه ومؤقتة تقتصر فقط على إجراء اليمين الدستورية وانتخاب هيئة الرئاسة".
وبينّ أنه "وفقاً للمادة 54 من الدستور، فإن تعذر حضوره (مشهداني) أو اعتذاره أو حدث طارئ أدى إلى خروجه من الجلسة – وهو ما حصل – فلن تتعلق الإجراءات والتوقيتات الدستورية على فرد وإن كان رئيس السن، لاسيما وإن مفوضية الانتخابات هيأت نائبين احتياط".
وفي سؤال عن ما أثير بعد الجلسة الأولى من بعض أطراف "الإطار التنسيقي" من ملاحظات دستورية حول تسلّم رؤساء السن في الدورات السابقة طلب الكتلة الأكبر، أجاب الجنابي أن "هذا الأمر لا سند له من القانون والدستور".
وتابع: "هو عُرف لا يمنح المشهداني حق تسلم طلب الكتلة الأكبر، وإن عدم نقض هذا الأمر سابقاً من قبل المحكمة الاتحادية سببه عدم وجود دعوى بذلك".
ولفت إلى أن "المادة 8 من النظام الداخلي لمجلس النواب ألزمت رئيس السن بدعوة الرئيس المنتخب ونائبيه إلى تبوؤ المكان المخصص للهيئة، ويعني ذلك أن الرئيس المنتخب هو من يتسلم طلب الكتلة الأكبر وهو من يرفع الجلسة".
ردود الفعل
وفي أولى ردود الفعل على قرار المحكمة، قال زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر: "إذا كان قرار المحكمة الاتحادية (...) من دون ضغوط من هنا وهناك فهي أولى خطوات إيجاد معارضة في البرلمان وعدم لجوئها للعنف إزاء تشكيل حكومة أغلبية وطنية".
وأعرب الصدر في بيان عن أمله بأن تعمل المعارضة "من أجل الصالح العام وتراعي المدد الدستورية، بل وتراعي حاجة الشعب ورغبته في الإسراع بتشكيل الحكومة، لتقوم بواجباتها الأمنية والاقتصادية والخدمية ومحاسبة الفاسدين، لا أن تعرقلها لأجل مغانم سياسية".
وأضاف أن "مصلحة الشعب أعلى وأغلى من المصالح الحزبية والطائفية والسياسية"، مطالباً بأن تكون "المعارضة وطنية كما نحن نلتزم بأخلاقيات حكومة أغلبية وطنية".
وفي المقابل، توقع أعضاء في "الإطار التنسيقي"، والذي يضم تيارات "دولة القانون" و"الفتح" و"العقد الوطني" بأن تلغي المحكمة الاتحادية، هيئة رئاسة البرلمان المنتخبة الحالية بشكل نهائي.
ووصف مهدي تقي الآمرلي رئيس كتلة "بدر" النيابية المنضوية في "الإطار التنسيقي"، قرار المحكمة الاتحادية الأخير بـ"الانتصار الحقيقي للديمقراطية"، معتبراً ذلك دليلاً على "نزاهة القضاء العراقي، الذي نحترمه"، وفق بيان أصدره.
من جهتها، أكدت النائبة فيان الدخيل المتحدثة باسم الاتحاد الديمقراطي الكردستاني الذي ينتمي إليه النائب الثاني لرئيس البرلمان، أن حزبها "لم يتخذ موقفاً بعد من الدعوى المرفوعة".
الجلسة الأولى
وشهدت الجلسة الأولى من مجلس النواب مشادات على خلفية من يملك الكتلة الأكبر في البرلمان، بين التيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر و "الإطار التنسيقي".
ويؤكد كل من الطرفين أنه تمكن من تشكيل الكتلة الأكبر التي يحق لها تسمية رئيس الوزراء، عبر تحالفات في البرلمان، في حين لم تحسم رئاسة البرلمان رسمياً هذا الأمر.
وتعرض رئيس الجلسة عميد السن محمود المشهداني لـ"اعتداء"، أخرج على إثره من الجلسة وتوجه إلى المستشفى. وبعدما توقفت الجلسة لنحو ساعة، استؤنفت برئاسة نائب آخر، لكن نواب "الإطار التنسيقي" قاطعوا الجلسة.
وانتخب مجلس النواب العراقي في ذات الجلسة بعد ذلك النائب محمد الحلبوسي رئيساً له بأغلبية 200 صوت من بين أكثر من 320 نائباً حضروا الجلسة الافتتاحية، كما انتخب حاكم الزاملي وشاخوان عبد الله نائبين لرئيس البرلمان، بعد ثلاثة أشهر من الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أقيمت في 10 أكتوبر الماضي.