هل تشهد قمة "الناتو" بداية جديدة لعلاقات طوكيو وسول؟

time reading iconدقائق القراءة - 8
رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي (يمين) والرئيس الكوري الجنوبي السابق مون جاي إن خلال قمة في طوكيو - 9 مايو 2018 - Bloomberg
رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي (يمين) والرئيس الكوري الجنوبي السابق مون جاي إن خلال قمة في طوكيو - 9 مايو 2018 - Bloomberg
دبي -الشرق

أفادت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، الأربعاء، بأن ثمة مناقشات لعقد اجتماع بين رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، والرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، خلال قمة مرتقبة لحلف شمال الأطلسي "الناتو" أواخر الشهر الجاري، الأمر الذي يشكّل فرصة لتجاوز نزاعات تاريخية بين البلدين، والتركيز على تحديات عدة، ممثلة في الصين وكوريا الشمالية.

وأشارت الصحيفة إلى أن الاجتماع، في حال انعقاده، سيكون الأول بين رئيس وزراء ياباني ورئيس كوري جنوبي منذ عام 2019، مضيفة أن نجاحه قد يساهم في إعادة تشكيل الخريطة الدبلوماسية لشرق آسيا، ويُعدّ بمثابة فصل جديد في العلاقات بين طوكيو وسول، التي بلغت مستوى متدنياً تاريخياً.

واعتبرت "فاينانشال تايمز"، أن التغييرات التي حدثت في قيادة البلدين، عزّزت احتمالات تحقيق مصالحة بينهما، مشيرة إلى قول كيشيدا، الذي تولّى منصبه أكتوبر الماضي، إن إصلاح العلاقات العدائية بين اليابان وكوريا الجنوبية "إما يحدث الآن وإما لن يحدث أبداً".

أما يون، الذي نُصّب في مايو الماضي، فدعا إلى "إعادة نظر" في علاقات البلدين، علماً أن حملته الانتخابية تضمّنت وعداً بتحسينها.

وقال تشون إن بوم، القائد السابق للقوات الخاصة الكورية الجنوبية، إن على سول وطوكيو، أن يفصلا الملفات التاريخية والخلافات الاقتصادية عن المصالح الأمنية المشتركة بينهما.

وأضاف: "لا يمكننا الفوز في حرب بشبه الجزيرة الكورية من دون اليابان"، مُشيراً إلى أهمية المطارات والموانئ اليابانية في الدعم العسكري الذي تقدّمه الولايات المتحدة لكوريا الجنوبية، واصفاً اليابان بأنها مثل "حاملة طائرات لا يمكن إغراقها أبداً، وهي حاسمة بالنسبة إلى أمن سول".

أخطار سياسية

مع ذلك، لن يكون تحسين العلاقات بين الدولتين أمراً سهلاً، إذ حاول مسؤولون أميركيون الشهر الماضي عقد لقاء بين كيشيدا ويون، أثناء جولة الرئيس الأميركي جو بايدن في آسيا. لكن المسؤولين اليابانيين رفضوا الفكرة، مشيرين إلى أنهم يترقّبون القرارات التي سيتخذها يون.

وتنصبّ الجهود الدبلوماسية الآن على ترتيب اجتماع بين كيشيدا ويون، خلال قمة "الناتو" المرتقبة في 28 و29 يونيو بمدريد. كما يعتبر المسؤولون اليابانيون أن فوزاً ساحقاً حققه حزب يون في الانتخابات المحلية الأسبوع الماضي، عزّز المكانة السياسية للرئيس الكوري الجنوبي، بحسب "فاينانشال تايمز".

وليست اليابان وكوريا الجنوبية عضوين في "الناتو"، لكنهما دُعيتا إلى المشاركة في القمة، في إطار جهود تقودها الولايات المتحدة لبناء تحالف من الديمقراطيات لمواجهة التحديات الأمنية المتصاعدة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

وحذر مسؤولون ومحللون من أن قمة ثلاثية، تجمع يون وكيشيدا وبايدن، في حال انعقادها، لن تشكّل سوى بداية. ويجازف كيشيدا ويون بتراجع شعبيتيهما، إذا اتُهما بتجاهل الملفات الشائكة المتعلّقة بإرغام اليابان، كوريين على العمالة القسرية واستعبادهم جنسياً، أثناء الحرب العالمية الثانية.

شكوك متبادلة

ويرى كثيرون من الكوريين الجنوبيين، أن معاهدة أُبرمت في عام 1965، لتسوية المطالب المتعلّقة بالاحتلال الياباني لشبه الجزيرة الكورية (1910-1945)، هي غير شرعية، في وقت لا يثق كثيرون من اليابانيين باحترام سول لأيّ اتفاق لتسوية الملفات التاريخية العالقة بين الجانبين.

وأظهر استطلاع رأي أعدّه "معهد شرق آسيا" الكوري الجنوبي ومركز "جينرون إن بي أو" الياباني، في عام 2021، أن لدى 63% من الكوريين الجنوبيين انطباعاً سلبياً عن اليابان، مقارنة بـ72% في العام السابق. ولكن في اليابان، ارتفعت نسبة المواطنين الذين لديهم انطباع سلبي عن كوريا الجنوبية، إلى 49% من 46%.

وقال كوهتارو إيتو، وهو خبير في شؤون كوريا الجنوبية بـ"معهد كانون للدراسات العالمية" الياباني، إن "التعاون الأمني ربما يمضي قدماً من وراء الستار. ولكن من الصعب أن تكون صريحاً حيال ذلك، نظراً إلى الشعور العام" في هذا الصدد.

تدهور العلاقات

وشهد عام 2015، آخر محاولة من البلدين للتوافق، عندما ساهم كيشيدا، حين كان وزيراً للخارجية، في إبرام اتفاق لتسوية قضية النساء الكوريات الجنوبيات اللواتي أُرغمن على ممارسة البغاء أثناء الحرب العالمية الثانية.

لكن الاتفاق انهار بعد 3 سنوات، إذ تدهورت علاقات البلدين، بعدما أمرت المحكمة العليا في كوريا الجنوبية، شركة يابانية بدفع تعويضات لضحايا العمل القسري. وردّت طوكيو بفرض ضوابط على صادرات مواد كيماوية، تُعتبر حيوية لقطاع أشباه الموصلات في كوريا الجنوبية.

في كتاب نُشر عام 2020، شدد كيشيدا على أهمية الأمن، إذ كتب: "بصراحة، كان سلوك كوريا الجنوبية مزعجاً. ولكن عندما يتعلّق الأمر بمواجهة كوريا الشمالية، فمن المستحيل على اليابان أن تتصرّف بمفردها من دون تعاون كوريا الجنوبية".

أما يون سوك يول، وهو مدعٍ عام سابق ليست لديه خبرة في السياسة الخارجية، فأحاط نفسه بخبراء في شؤون اليابان، بما في ذلك وزير الخارجية بارك جين، الذي درس في جامعة طوكيو، بحسب "فاينانشال تايمز".

وقالت راشيل مينيونج لي، وهي باحثة في "مركز ستيمسون" للأبحاث (مقره واشنطن): "من الناحية التاريخية، تمثّل النهج العام للإدارات المحافظة في كوريا الجنوبية بمحاولة فصل الملفات المعاصرة (مثل الأمن الإقليمي) عن المسائل التاريخية والإقليمية. وسيواصل يون اتباع هذا التقليد".

تأثير القضاء

تبقى العلاقات بين طوكيو وسول، تحت رحمة قرارات تتخذها محاكم كورية مستقبلاً، بشأن ملف "نساء المتعة" والتعويضات عن العمل القسري. وتعهد الرئيس الكوري الجنوبي السابق، مون جاي إن، المعروف بموقفه المتشدد من اليابان، بالامتناع عن التدخل في قضايا المحاكم، ممّا قيّد المسارات الدبلوماسية لتسوية النزاع.

لكن محللَين كوريَين جنوبيَين، قالا للصحيفة البريطانية إن لدى الحكومة نفوذاً على القضاء، أكبر ممّا هو معترف به رسمياً. وذكر أحدهما: "قد نجد أن بعض القضاة المحافظين الذين ظلّوا بعيداً عن الأنظار خلال عهد مون، يعودون مجدداً تحت قيادة يون. شهدنا ذلك في الماضي".

وقد يكون أيّ إجراء لتحسين العلاقات مع سول بعد الاجتماع الثلاثي المقترح، محفوفاً بأخطار سياسية بالنسبة إلى كيشيدا، قبل انتخابات مجلس الشيوخ الياباني في يوليو المقبل. 

ويريد المسؤولون في سول أن ترفع طوكيو قيود التصدير، لكن أعضاء متشددين في "الحزب الليبرالي الديمقراطي" الحاكم في اليابان، يعارضون ذلك، نتيجة استيائهم من انهيار اتفاق 2015.

وقال جونيا نيشينو، وهو خبير في شؤون كوريا الجنوبية بجامعة كيو اليابانية: "سيكون الأمر صعباً جداً، لأن تسوية النزاع بين اليابان وكوريا الجنوبية ستتطلّب قيادة مهمة تنطوي على تغيير جذري في الاتجاه".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات