Open toolbar

دبابة روسية بالقرب من بلدة أفدييفكا Avdiivka الصناعية الخاضعة لسيطرة الحكومة الأوكرانية. 2 فبراير 2017 - REUTERS

شارك القصة
Resize text
دبي -

قبل 500 عام، وأثناء أحد أبرد فصول الشتاء التي شهدتها قارة أوروبا، تمكنت روسيا من تحقيق أحد أعظم انتصاراتها العسكرية في تاريخها.

ففي بداية القرن 18 ناضل القيصر بيتر الأكبر من أجل دحر القوات السويدية الجرارة بقيادة تشارلز الثاني عشر، والتي كانت في طريقها صوب موسكو.

وفي أثناء الحرب، حل الصقيع العظيم، في الفترة من 1708 إلى 1709، حتى قيل إن الطيور تجمدت في السماء أثناء تحليقها، وسقطت ميتة على الأرض.

وعلى إثر ذلك، فقد جيش تشارلز، الذي كان يضم أكثر من 40 ألف مقاتل، نصف قواته في الحال، بعد أن أهلكهم البرد وقضت عليهم المجاعة.

وخلال محاولته الهرب من هذا الصقيع، قاد ملك السويد البقية الباقية من جيشه جنوباً إلى أوكرانيا للانضمام إلى زعيم القوزاق، هيتمان إيفان مازيبا، وقواته، ولكن بعد أن أنهكها الصقيع.

وفي الصيف التالي، هزم جيش بيتر الروسي قوات تشارلز المتساقطة في معركة بولتافا، وقضى على الإمبراطورية السويدية ومخططاتها في احتلال روسيا.

"الجنرال شتاء"

ووفق مجلة "فورين أفيرز"، لم يكن السويديون أول أو آخر الجيوش الأوروبية التي عانت من ويلات "الجنرال شتاء" على الحدود الروسية، حيث أثبت الشتاء، الذي زاد من حدته الامتداد الشاسع للأراضي الأوراسية، أنه الصخرة التي تخور عندها قوى الجيوش الجبارة.

وعلى مدى قرون "عملت هذه الظاهرة لمصلحة روسيا"، حيث استسلمت العديد من الجيوش الجرارة لعدم كفاية المعدات وضعف خطوط الإمداد وسوء الإعداد.

لكن مع دخول حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا أقسى شهور العام، فإن هناك العديد من المؤشرات على أن روسيا، وليس خصمها، "هي من سيعاني هذه المرة سوء العاقبة"، بحسب تعبير المجلة.

وقعت أشهر الهزائم التي مُنيت بها أوروبا في روسيا في عام1812، بعد قرن من معركة بولتافا.

كان ذلك عندما انسحب جيش نابليون العظيم من موسكو.

وفاقم تكتيك "الأرض المحروقة" الذي اتبعته روسيا، والذي ترك الفرنسيين بلا طعام أو مأوى على طول خط الانسحاب، من حدة الأضرار التي حلت بالجيش الفرنسي.

وأشارت المجلة إلى أن الطريقة التي انتصرت بها روسيا كانت "لم تكن أقل دلالة".

"الإرهاب الأحمر" والصقيع الأبيض

على الرغم من خسارة روسيا 200 ألف من جنودها، لم تعبأ القيادة العسكرية الروسية كثيراً بخسائرها البشرية، حيث كان الضباط الروس لا يزالون يعاملون جنودهم من الفلاحين على أنهم "أفضل قليلاً من عبيد الأرض"، حيث كان هذا النوع من العبودية لا يزال معمولاً به في روسيا، وظل بعد ذلك لمدة 50 عاماً أخرى.

وبحسب "فورين أفيرز"، فإن هذه "الاستهانة" برفاهة الجنود والموقف الروسي "المعتاد" من الخسائر الفادحة، من خلال ما عُرف باسم "تكتيكات مفرمة اللحم"، "ظاهرين بجلاء اليوم في جيش بوتين في أوكرانيا". 

وأضافت المجلة أن موقف السلطات العسكرية الروسية "لم يتغير بعد نصف قرن آخر من الزمان"، حيث عكست "حياة الخنادق للجنود على طول الجبهة الشرقية" التي كانت تمر عبر بيلاروس وجاليسيا ورومانيا، في الفترة من 1915 إلى 1917، خبرة أخرى "غير إنسانية"، على حد وصف المجلة.

واستاء الجنود من "إيواء الضباط كل ليلة إلى الدفء والراحة النسبية في أكواخ الفلاحين الخشبية خلف الجبهة"، فيما كانوا يُتركون هم "نهباً للصقيع في العراء المترامي".

في هذا السياق أوضح الكاتب الروسي المعادي للقيصرية، ماكسيم جوركي، أن الجنود الروس، "كانوا يعيشون في المطر والثلوج، وفي القذارة، وفي أوضاع آسنة، حيث أفنى أجسادهم المرض، وأكلتهم الديدان"، واصفاً حياتهم بأنها "كانت كحياة الحيوانات".

ولفت التقرير، أيضاً، إلى أن "ظروف الشتاء في الحرب الأهلية الروسية في الفترة من 1917 إلى 1921 كانت "أكثر سوءاً"، مضيفاً أن أكثر الضحايا إثارة للشفقة كانوا "اللاجئين المدنيين الذين فروا من هجوم البلاشفة أو ما أطللق عليه "الإرهاب الأحمر".

"الطقس يوالي الروس"

وبحلول القرن 20، فرضت ظروف الشتاء في الأراضي الأوراسية الممتدة تهديداً متفاقماً، "ليس فقط على حياة البشر والخيول، وإنما أيضاً على المعدات العسكرية".

لكن هذه المعادلة عملت "في بعض الأحيان ضد مصلحة روسيا"، وفقاً لـ "فورين أفيرز".

فعلى الرغم من قوته الفائقة، وإنفاقه السخي على الذخيرة، فشل الجيش الروسي في النيل من المقاومة الفنلندية في حرب الشتاء، في الفترة من 1939ـ 1940، في أعقاب غزو ستالين لفنلندا، ما أقنع ستالين في نهاية المطاف بـ"قبول استقلال فنلندا"، وقدم أيضاً "درساً مهماً" للحرب القادمة.

ففي مرحلة الميكنة العسكرية السريعة التي تخللت الحربين العالميتين، أنشأ الاتحاد السوفيتي أكبر قوة دبابات في العالم. 

وأدرك الجيش الأحمر، على أقل تقدير، أن البنادق والمحركات تحتاج إلى مواد تشحيم خاصة في الظروف القاسية.

وأثبتت هذه التدابير محوريتها في قدرة ستالين على صد جيوش هتلر، في ديسمبر 1941، حيث كان كل من الجيش الألماني وسلاح الجو الألماني "اللوفتواف" غير مستعدين لمواجهة "الجنرال شتاء".

ووجد الألمان أنفسهم مضطرين لإشعال النيران تحت مركباتهم ومحركات طائراتهم لتذويب الجليد عنها، ما جعل الجنود الألمان يشيرون بمرارة إلى فصل الشتاء باعتباره "طقساً موالياً للروس".

أوامر هتلر

وفي فبراير 1943، عندما استسلمت بقايا الجيش السادس الألماني بقيادة الجنرال باولوس، في نهاية المطاف، في ستالينجراد، ما مثل نقطة تحول نفسية في الحرب العالمية الثانية، خرج أكثر من 90 ألف سجين ألماني من المدينة، وهم يعرجون على أقدام أهلكها الصقيع.

رغم ذلك "لم يكن البرد سبب معاناتهم بقدر ما كانت أوامر هتلر بالبقاء هناك، وعجز الدبابات الألمانية بمساراتها الضيقة عن الهجوم المضاد في الثلج".

وأعتبرت المجلة أن "الجنرال شتاء" اضطلع أيضاً بدور محوري في الانتصار النهائي الذي حققه الجيش الأحمر في عام 1945، إذ اعتمد التقدم السوفيتي الكبير في شهر يناير، من نهر فيستولا إلى نهر أودر، على الطقس.

وكان خبراء الأرصاد السوفيت توقعوا "شتاءً غريباً"، مع "هطول أمطار غزيرة وثلوج رطبة" بعد موجات الصقيع القاسية الذي شهدها يناير من عام 1945.

وحدد ستالين وقيادة الجيش الأحمر 12 يناير كتاريخ لبداية الهجوم "حتى تستطيع جيوش الدبابات السوفيتية الاستفادة من الأرض المتجمدة قبل حدوث أي ذوبان".

ولم تخذل قيادات الجيش ستالين. وتفاخر الكولونيل أيوسيف جوزكوفسكي بحماسة بأن "دباباتنا تتحرك صوب برلين أسرع من القطارات".

كاسحات جليد ستالين

ولم يكلف الكولونيل الروسي نفسه عناء انتظار وصول المعدات للوصول إلى الجسور الأمامية قبل محاولة عبور نهر بيليكا.

وأمر ببساطة دباباته الرائدة بتحطيم الجليد بنيران المدافع، ثم القيادة مباشرة عبر قاع النهر.

ودفعت الدبابات التي لعبت دور كاسحات الجليد، الثلوج جانباً محدثة "ضوضاء مدوية كصوت الرعد" في تجربة مرعبة للسائقين.

وانهارت الجبهة الشرقية الألمانية في بولندا تحت وطأة الهجوم المدرع، لأن المسارات العريضة للدبابات السوفيتية T-34 كان بإمكانها التعامل مع الجليد والثلوج على نحو أفضل كثير من الدبابات البانزر الألمانية.

وبعد عام 1945، منحت الانتصارات الشتوية للجيش الأحمر في الحروب سمعة مزلزلة في الغرب.

ولم تتغير هذه الفكرة حتى الغزو السوفيتي  لتشيكوسلوفاكيا في صيف 1968، وهو الغزو الذي لم يتم التخطيط له على نحو جيد، حيث افتقدت قوات "حلف وارسو" الخرائط، وإمدادات الغذاء، والوقود، وبدأ المحللون الغربيون يتشككون "لأول مرة" في أنهم ربما بالغوا في تقدير القدرات القتالية السوفيتية.

وفي ثمانينيات القرن الماضي، جاء انهيار الإمبراطورية السوفيتية نتيجة صراعها "المحكوم عليه بالفشل"، على حد وصف "فورين أفيرز"، للسيطرة على أفغانستان، وهي منطقة جعلت "الحرب الشتوية مستحيلة على الجيوش النظامية التقليدية".

معدات الطقس

ومع الانهيار الاقتصادي في تسعينيات القرن الماضي أثبتت حكومة الرئيس بوريس يلتسن في كثير من الأحيان أنها "غير قادرة على دفع رواتب الضباط والجنود على حد سواء، وصار الفساد مؤسسياً".

وبات المجندون على حافة الموت جوعاً بسبب بيع مخصصاتهم، وتفشت السرقة والبلطجة وعدم الانضباط.

واختفت قطع غيار المركبات والوقود والمصابيح الكهربائية وأحذية الشتاء، وتحديداً "أي معدات ترتبط بالطقس البارد"، بسبب الإتجار بها في السوق السوداء.

وازداد الفساد بعد الغزو الفوضوي الروسي لجورجيا في 2008.

وبدأ بوتين يغدق الأموال على الجيش. وشجع تبديد الأموال على المشاريع المظهرية للسمعة المتعاقدين مع الجيش الروسي وجنرالاته على الاهتمام فقط "بحساباتهم البنكية"، وفق "فورين أفيرز".

ولم يتم عمل الكثير لإعادة تقييم العقيدة العسكرية الروسية. كما لم تتطور الفكرة الروسية عن حرب المدن منذ الحرب العالمية الثانية، حيث حطمت مدفعياتهم، التي كانت يُنظر إليها باعتبارها "إله الحرب" كل شيء، وأحالته إلى أنقاض.

واستمرت هذه المقاربة مع التدخل الروسي في سوريا منذ عام 2015.

"الغطرسة العسكرية"

ومع ذلك، كان أعظم انتصار لبوتين في عيون الروس، هو استيلائه المبطن على شبه جزيرة القرم في عام 2014 عن طريق التسلل إليها "برجال خضر صغار" من القوات الخاصة لا يرتدون الزي العسكري.

كان هذا جزءاً من رد فعل بوتين الغاضب على ثورة الميدان في كييف، والتي أجبرت حليفه فيكتور يانوكو فيتش على الهرب، وقادت الروس إلى إشعال فتيل القتال في إقليم دونباس، في شرق أوكرانيا المتحدث باللغة الروسية.

وفي فبراير 2022، شن بوتين "عمليته العسكرية الخاصة" ضد أوكرانيا.

في ذلك الوقت، استعد قادة الجيش بزيهم العسكري للاحتفال بالنصر، في أحد أبرز الأمثلة في التاريخ على "الغطرسة العسكرية"، على حد وصف "فورين أفيرز".

ومع ذلك، وبعد 7 أشهر كارثية، عندما أجبر الكرملين أخيراً على إصدار أوامره بإجراء تعبئة جزئية، كان عليه أن يحذر من تم استدعاؤهم من أن الأزياء العسكرية والمعدات "تعانيان من نقص حاد".

كما طالب بـ "توفير دروعهم الواقية الخاصة"، وأن يطلبوا من أمهاتهم وصديقاتهم "الفوط الصحية لاستخدامها بدلاً من الضمادات الميدانية".

وكان عدم توافر الضمادات مثيراً أيضاً للدهشة حد الصدمة، خاصة الآن مع اشتداد برد الشتاء، نظراً لأهميتها في منع الصقيع من التسرب إلى الجروح المفتوحة.

وأضافت قذائف الهاون التي تضرب الأرض المتجمدة إلى خطورة الأوضاع. "فعلى عكس الطين الناعم، الذي يمتص معظم الانفجار، تتسبب الأرض المتجمدة في ارتداد الشظايا أحياناً على نحو مميت"، وفقاً لـ "فورين أفيرز".

وأظهر رئيس أركان قوات بوتين في الجنوب، الجنرال سيرجي سيروفيكين، عزمه على تضييق االخناق على المحاولات التي يقوم بها بعض المجندين لتجنب القتال، بعد أن ثبت له أن كثيراً من المجندين الروس يلجأون إلى "إهراق الوقود وتخريب الأسلحة والمركبات، ناهيك عن جرح أنفسهم والفرار من الخدمة".

ومع ذلك، فقد أدت المشكلة الهيكلية الراسخة في الجيش الروسي، والمتمثلة في "نقص ضباط الصف ذوي الخبرة، إلى استفحال أزمة المحافظة على الأسلحة والمعدات والمركبات".

وقدرت "فورين أفيرز" أن "تكلفة هذه المشكلة ستكون باهظة" خلال هذا الشتاء، خاصة فيما يتعلق بـ"التكنولوجيا الحساسة"، مثل الطائرات المسيرة.

ومع دخول الطرفين موسماً قتالياً أكثر صعوبة، فإن النتيجة ستعتمد إلى حد كبير على الحالة المعنوية والإصرار والعزيمة.

وبينما تعاني القوات الروسية من نقص المعدات، ونقص الطعام الساخن، تستفيد القوات الأوكرانية الآن من إمدادات ملابس المموهة المعزولة والخيام المجهزة بالمواقد، وحقائب النوم التي قدمتها كندا ودول الشمال.

ويبدو بوتين وكأنه في حالة إنكار للحالة التي آل إليها جيشه، والطريقة التي سيصب بها "الجنرال شتاء" في مصلحة خصومه، بحسب "فورين أفيرز".

اقرأ أيضاً:

Google News تابعوا أخبار الشرق عبر Google News

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.