روستوف.. "حامية روسيا" التي تنتظر عاصفة الحرب مع أوكرانيا

time reading iconدقائق القراءة - 6
جندي روسي يطلق قذيفة من مدفعية خلال تدريبات عسكرية في روستوف -  12 يناير 2022 - REUTERS
جندي روسي يطلق قذيفة من مدفعية خلال تدريبات عسكرية في روستوف - 12 يناير 2022 - REUTERS
روستوف-الشرق الأوسطرائد جبر

إذا اندلعت الحرب التي يحبس العالم أنفاسه في انتظارها، فإن أولى شظاياها سوف تتطاير هنا، في مدينة روستوف التي ارتبط اسمها في كل مراحل التاريخ بكونها الجبهة الأمامية التي تصدت للدفاع عن الإمبراطورية الروسية حتى باتت تطلق عليها تسمية "حامية روسيا"، تبدو حالياً وكأنها تستعيد "الدور التاريخي" ذاته.

ففي ظروف مواجهة "التطويق العسكري" لروسيا واقتراب البنى التحتية من حدودها، تحولت روستوف إلى عاصمة القطاع العسكري الغربي، وعلى أطرافها تتجمع المجموعات الأساسية من الحشود التابعة للجيوش والأساطيل التي تتولى مهمة الحدود الغربية للبلاد.

"ظاهرة القوازق"

ويستعيد سكان المدينة، الذين التقت "الشرق الأوسط" بعضهم، محطات حاسمة في تاريخها، تركت بصمات لا تمحى، ومنحتها وضعها الراهن، ففي هذه المناطق انطلقت ظاهرة القوزاق الذين تمردوا على الإمبراطورية العثمانية وشنوا هجمات عليها مستخدمين الطريق البحرية من نهر الدون إلى البحر الأسود.

ولم تلبث الإمبراطورة كاترين الثانية أن وضعتهم تحت حماية الإمبراطورية، ووزعت عليهم الأراضي، ومنحتهم امتيازات ليشكلوا العمود الفقري لاحقاً في الحروب العديدة التي كانت تخوضها الإمبراطورية الروسية في القرون الـ 18 والـ19 والـ20، برزوا مدافعين عن الدولة الروسية وأعواناً للحكم القيصري. وقد اشتهروا بوضع العراقيل أمام قوات نابليون بونابرت أثناء هزيمته وانسحابه من روسيا عام 1812.

وبعد قيام الثورة البلشفية في روسيا عام 1917، وقفت غالبية القوزاق إلى جانب الحرس الأبيض المناهض للسلطة الجديدة، التي خافوا من إقدامها على تقليص امتيازاتهم ومصادرة أراضيهم، الأمر الذي أدى إلى ممارسة القمع والاضطهاد بحق الكثير منهم لمقاومتهم إجراءات اتخذتها السلطة السوفياتية.

لكن هذا الوضع سرعان ما جرى تصويبه عام 1936 قبل الحرب العالمية الثانية، ما ساهم في مشاركة القوزاق مع الجيش الأحمر في مواجهة جيوش هتلر، ومنذ عام 1943 بدأ اندماج وحدات فرسان القوزاق في الوحدات المدرعة للجيش السوفياتي.

واستخدمت الخيول قاعدة عامة لتحقيق سرعة التنقل بعد انتهاء المعارك. أما القوزاق أنفسهم فكانوا يرافقون الدبابات بصفتهم مشاة، وقد منح 262 فارساً من القوزاق لقب "بطل الاتحاد السوفياتي".

"روستوف على نهر الدون"

هذه المحطات في تاريخ المدينة المطلة على نهر الدون، حتى أخذت تسميتها الرسمية منه، فهي حالياً "روستوف على نهر الدون" ارتبطت أيضاً بالتحديات المعاصرة التي واجهتها روسيا، خصوصاً ما يتعلق بالأزمة الأوكرانية منذ اندلاعها.

لذلك لم يكن غريباً أن يتوجه الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، عندما فرّ من بلاده ليلة 23 فبراير 2014 إلى روستوف ليبقى فيها حتى الأن، وكذلك كان من الطبيعي أن تتلقى المدينة الواقعة إلى الغرب من إقليمي دونيتسك ولوهانسك الانفصاليين عن أوكرانيا موجات من اللاجئين، عندما احتدمت المواجهات في شرق أوكرانيا في 2014.

وبات معلوماً أن وزارة الطوارئ الروسية أقامت في حينها معسكرات لاستيعاب اللاجئين، ومن المتوقع أن تستقبل المعسكرات نفسها إذا نشبت الحرب حالياً موجات اللاجئين الجديدة المتوقعة، لكن كل هذا لا يعني أن المدينة فيها مظاهر عسكرية.

فأول ما يلفت أنظار زائرها عدم وجود أي استعدادات خاصة للحرب التي تقف على الأبواب، على الأقل لا توجد استعدادات ظاهرة، وتبدو المدينة هادئة على الرغم من احتشاد عشرات الألوف من الجنود وآلاف المعدات القتالية على أطرافها.

كما أن البوابة الحدودية التي تصل روستوف بحدود دونيتسك ما زالت تعمل بشكل طبيعي، ويعبرها مسافرون في الاتجاهين، لكن اللافت مع هذا "الهدوء" أن كل من يحاول الإجابة على سؤال: هل تتوقعون حرباً؟ يقول: بنسبة 99% نعم.

"الدون الهادئ"

بهذا المعنى، فإن المدينة التي قدمت للعالم الكاتب ميخائيل شولوخوف، تبدو وكأنها تستعيد ذكريات روايته الخالدة "الدون الهادئ"، فخلف "هدوء" عنوان رواية الحائز على جائزة نوبل في الأدب، تنقل أحداثها قصة الثورة البلشفية وأهوال الحرب الأهلية التي تلتها ولعب فيها سكان المناطق المحيطة بالنهر دوراً رئيسياً فيها.

قد يكون للتاريخ مقالب، وشولوخوف بعيداً حتى من "الدون الهادئ" يعد مثالاً نموذجياً لحال هذه المنطقة على أطراف روسيا الغربية، وهو المولود لأب روسي من منطقة لا تبعد كثيراً عن روستوف، وأم أوكرانية من عائلة مزارعة عاشت على الطرف الآخر من حدود اليوم مثله في هذه الحال مثل مئات الألوف من مواطني البلدين.

حدود لم تكن قد رسمت عندما كتب روايته الخالدة، وباتت حالياً مرشحة لتشهد تغييرات واسعة، بهذا المعنى قد يكون شولوخوف عكس مبكراً، أقدار هذه المنطقة، ومصائر سكانها وهم يتأهبون حالياً لحرب لا يدركون أسبابها، ولا نتائجها المحتملة.

هذا المحتوى من صحيفة "الشرق الأوسط"

اقرأ أيضاً:

تصنيفات