الأزمة الأوكرانية.. خطوط المواجهة ومسارات التسوية

time reading iconدقائق القراءة - 8
الأقمار الصناعية تظهر القوات الروسية داخل أراضي بيلاروسيا بالقرب من حدود أوكرانيا - reuters
الأقمار الصناعية تظهر القوات الروسية داخل أراضي بيلاروسيا بالقرب من حدود أوكرانيا - reuters
دبي - الشرق

يترقب العالم المسار الذي ستتخذه الأزمة بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا، في ظلّ تصاعد الاتهامات المتبادلة وحشد قوات عسكرية روسية على حدود أوكرانيا وفي بيلاروسيا، وأميركية و"أطلسية" في دول بشرق أوروبا.

ولكن كيف بدأت الأزمة؟ وما هو ميزان القوة الآن؟ وما هي إمكانات الحلّ لتفادي غزو روسي محتمل لأوكرانيا؟

اتهمت موسكو، كييف، بالامتناع عن تنفيذ اتفاق مينسك للسلام، المُبرم في عام 2015، من أجل إنهاء النزاع في منطقة دونباس شرقي أوكرانيا، بين القوات الحكومية والانفصاليين المدعومين من روسيا، بعدما ضمّت الأخيرة شبه جزيرة القرم الأوكرانية في عام 2014.

وسعت موسكو أيضاً إلى نيل ضمانات بأن أوكرانيا، وهي جمهورية سوفيتية سابقة، لن تنضمّ إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو".

وأبلغت موسكو واشنطن، في ديسمبر الماضي، برغبتها في تعهدات بأن يسحب "الناتو" قواته من الدول التي انضمت إلى الحلف في شرق أوروبا، بعد عام 1997. وبرّر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، معارضته أيّ توسّع للناتو شرقاً، بأنه "يشكّل تهديداً لنا"، كما أوردت صحيفة "واشنطن بوست".

في المقابل، ينتقد مسؤولون أوكرانيون اتفاق مينسك، إذ أُبرم بعدما مُنيت كييف بخسائر عسكرية، مشترطين إعادة هيكلته من أجل دعمه. لكنهم أعلنوا استعدادهم لحوار مع روسيا، في دولة ثالثة.

وقال وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف إن بلاده "مستعدة لمفاوضات في إسطنبول، وكذلك جنيف أو فيينا أو أي مكان آخر محايد ولا يعتمد على أحد الجانبين، وبالتحديد روسيا"، علماً أن التفاوض على اتفاق 2015 تم في بيلاروسيا، التي يُعتبر رئيسها ألكسندر لوكاشينكو حليفاً لبوتين.

وأعلنت الولايات المتحدة وحلفاؤها مساندتهم اتفاق مينسك، لكنهم دعوا جميع الأطراف الموقعة عليه، بما في ذلك روسيا، إلى الإيفاء بتعهداتها في إطاره.

"هل يجب أن نحارب الناتو؟"

إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، رفضت مطالب روسيا بشأن الناتو، وطالبتها بسحب قواتها من الحدود الأوكرانية ووقف دعم انفصاليّي دونباس.

وخلص تقييم أميركي نُشرت نتائجه الأسبوع الماضي، إلى أن روسيا قد تستكمل قريباً استعداداتها لغزو واسع محتمل، رجّح أن يسفر عن سقوط الحكومة الأوكرانية في غضون يومين، ومصرع أو جرح 50 ألف مدني وتشريد 5 ملايين شخص، بحسب "واشنطن بوست".

وكالة "أسوشيتد برس" أفادت بأن بوتين رسم سيناريو قد تستخدم فيه أوكرانيا القوة العسكرية لاستعادة شبه جزيرة القرم أو دونباس، متسائلاً: "تخيّلوا أن تصبح أوكرانيا عضواً في الناتو وتشنّ تلك العمليات العسكرية. هل يجب أن نحارب الناتو إذن؟ هل فكّر أحدهم في ذلك؟".

ورغم أن واشنطن وحلفاؤها يشددون على أنه لا توجد أي دولة في الناتو تهدد باستخدام القوة ضد روسيا، يرغب بوتين في أن يسحب الحلف قواته من أوروبا الشرقية، بما في ذلك في ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا.

ولا تنشر الولايات المتحدة قوات بشكل دائم في دول البلطيق الثلاث، إذ أعلنت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون" أن ثمة الآن حوالي 100 جندي يخدمون في ليتوانيا و60 في إستونيا ولاتفيا، بحسب "أسوشيتد برس".

كذلك يعارض بوتين نشر الناتو لمنظومة دفاع صاروخي في رومانيا، وقاعدة مماثلة قيد التطوير في بولندا، لافتاً إلى إمكان تحويلها إلى أسلحة هجومية قادرة على تهديد روسيا.

أوكرانيا وجورجيا والناتو

أعلن رؤساء دول الناتو، في عام 2008، أن أوكرانيا وجورجيا "ستصبحان عضوين" في الحلف، دون تحديد موعد لذلك، أو كيفية حدوثه.

الولايات المتحدة ودول أخرى في الناتو، وقّعت بياناً في 2008 بشأن أوكرانيا وجورجيا، منحهما ما يُعرف بـ"خطة عمل العضوية"، التي تؤدي في نهاية الأمر إلى عضوية الحلف في حين عارضت ألمانيا وفرنسا بشدة منح أوكرانيا  أي مسار نحو العضوية، كما تبنّت غالبية دول الحلف رأياً يطالب كييف باستكمال إصلاحات حكومية بعيدة المدى، قبل أن تصبح مرشحة لعضويته.

واستبعدت "أسوشيتد برس" أن تتلقى أوكرانيا قريباً أي دعوة كي تصبح من أعضاء الناتو، لا سيّما نتيجة فساد رسمي في الجمهورية السوفيتية السابقة، وعيوب في مؤسستها الدفاعية، وعجزها عن السيطرة على حدودها الدولية.

ميزان القوة العسكرية

يفيد مسؤولون غربيون بأن روسيا نشرت أكثر من 130 ألف جندي قرب حدود أوكرانيا وفي القرم، كما بدأت تدريبات عسكرية مع حليفتها بيلاروسيا، المتاخمة لأوكرانيا.

ورجّح مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، أن يبدأ هجوم روسي محتمل، بقصف جوي وضربات صاروخية، علماً أنه سيكون أضخم هجوم بري في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وفق "واشنطن بوست".

في المقابل، أرسلت الولايات المتحدة مزيداً من القوات إلى أوروبا الشرقية، إذ نشرت حوالى 3000 جندي في رومانيا وبولندا، كما تستعد لنشر 3000 جندي في بولندا.

وأرسلت الدنمارك وبلجيكا مقاتلات من طرازَي "إف 15" و"إف 16" إلى دول البلطيق، فيما عرضت بريطانيا إرسال طائرات وسفن حربية ومتخصصين عسكريين، علماً أن دول الناتو أعلنت أنها لن ترسل أي قوات إلى أوكرانيا، إذا غزتها روسيا.

في المقابل، قلّلت كييف إلى حد كبير من خطر نشوب حرب، وحضّ الرئيس الاوكراني، فولوديمير زيلينسكي، مواطنيه على التزام الهدوء. لكنه وقّع على قانون يتضمّن خططاً لتعزيز القوات المسلحة في البلاد، بحيث يرفع عديد القوات النظامية، من 250 ألف جندي إلى حوالى 361 ألفاً، علماً أن الجيش الروسي يضمّ 900 ألف فرد.

تسويات محتملة

ثمة حركة دبلوماسية نشطة لتجنّب نزاع عسكري، شملت زيارة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى موسكو وكييف، حيث التقى بوتين وزيلينسكي، علماً أنه وصف روسيا بأنها "جارة وصديقة".

كذلك زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كييف، وعرض التوسّط في محادثات بين أوكرانيا وروسيا. في حين يستعد المستشار الألماني، أولاف شولتز، لزيارة كييف وموسكو.

وتحدثت "واشنطن بوست" عن "تنازل أميركي محتمل"، مذكّرة بأن مسؤولين عرضوا السماح لروسيا بتفتيش أنظمة الدفاع الصاروخي في رومانيا وبولندا، للتحقق من عدم وجود صواريخ كروز من طراز "توماهوك". في المقابل، ستسعى الولايات المتحدة إلى تفتيش مواقع مماثلة في روسيا.

"النموذج الفنلندي"

نقلت "أسوشيتد برس" عن محللين ترجيحهم أن تقبل موسكو في النهاية بتسوية، تتيح تجنّب عمليات عسكرية وتمكّن جميع الأطراف من حفظ ماء الوجه.

ورغم أن دول الناتو لن تتخلّى عن سياسة الباب المفتوح التي يتبعها الحلف، طرح محللون فكرة احتمال تجميد توسيع الحلف.

ثمة احتمال آخر، يتمثل في اعتماد "النموذج الفنلندي" في أوكرانيا، بحيث تصبح دولة محايدة، كما فعلت فنلندا بعد الحرب العالمية الثانية، علماً أن هذه السياسة أتاحت لهلسنكي الحفاظ على علاقات ودية مع الاتحاد السوفيتي طيلة حقبة الحرب الباردة. لكن هذا الخيار قد يثير رفضاً في أوكرانيا، إذ يكبح مسار عضويتها في الناتو.

كذلك قد تشمل تسوية محتملة أخرى، خطوات لنزع فتيل التوتر في شرق أوكرانيا، وتطبيق اتفاق مينسك الذي وصفه ماكرون بأنه "الطريق الوحيد الذي يسمح ببناء السلام.. وإيجاد حلّ سياسي مستدام" للأزمة.

عقوبات منتظرة

لوّح الغرب بفرض عقوبات وخيمة على روسيا، إذا غزت أوكرانيا، قد تستهدف بوتين ومقربين منه.

وناقشت إدارة بايدن تدابير كثيرة، بما في ذلك منع موسكو من الحصول على أجهزة إلكترونية استُخدمت فيها تكنولوجيا أميركية، ومنعها من استخدام نظام "سويفت" المصرفي للتحويلات المالية في العالم.

وتُعدّ روسيا مصدراً أساسياً للغاز الطبيعي في أوروبا، ممّا يثير تساؤلات مهمة بشأن تداعيات محتملة، إذا حرمت موسكو القارة من إمداداتها.

واستكملت روسيا تشييد خط أنابيب "نورد ستريم 2"، الذي سينقل الغاز الطبيعي من سيبيريا إلى ألمانيا، متجاوزاً أوكرانيا. وترى الولايات المتحدة في هذا الخط تهديداً جيوستراتيجياً، وهدد بايدن بوقفه، إذا غزت روسيا أوكرانيا.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات