تقرير: الخوف من المستقبل يدفع الإيرانيين للتفكير في الهجرة

time reading iconدقائق القراءة - 8
امرأتان تسيران في بازار طهران، 6 ديسمبر 2020 - VIA REUTERS
امرأتان تسيران في بازار طهران، 6 ديسمبر 2020 - VIA REUTERS
دبي- الشرق

يعاني إيرانيون شبان من الإحباط نتيجة صعوبات يواجهونها يومياً، وتدفعهم إلى التشكيك في مستقبلهم والتفكير في مغادرة بلدهم، بحثاً عن حياة أفضل، كما أوردت صحيفة "نيويورك تايمز".

وأشارت إلى أن أمير، وهو طالب ماجستير في الهندسة بجامعة طهران، فكّر في دخول مجال التسويق الرقمي، ولكنه قلق من أن تقيّد الحكومة الإيرانية تطبيق "إنستجرام"، إذ لديها تطبيقات أخرى. وكان فكّر في تأسيس شركة ناشئة غير أنه توقع عرقلة ذلك بسبب عقوبات تفرضها الولايات المتحدة، وتضخم هائل.

وقال أمير إن كل شيء يحاول التخطيط له يبدو عديم الجدوى، مضيفاً: "عمري 24 عاماً، ولا يمكنني تخيّل حياتي عندما أبلغ سن الـ45 . لا يمكنني تخيّل مستقبل جيد لنفسي أو لبلدي. أفكر يومياً في المغادرة وأتساءل إذا غادرت بلدي، ماذا سيحدث لعائلتي؟".

وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن هذه هي الحياة الآن لكثير من الأشخاص المتعلّمين في طهران، الذين ضغطوا يوماً من أجل تخفيف القيود الاجتماعية وفتح إيران على العالم، ورأوا في الاتفاق النووي المبرم عام 2015 سبباً للأمل.

لكن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب انسحب من الاتفاق في عام 2018، وأعاد فرض عقوبات اقتصادية قاسية على طهران، جعلت هؤلاء الإيرانيين يشعرون بضرر من الأميركيين، وعزلة في ظل الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي الذي يتعارض مع قيمهم، إذ إنه متشدد يتعهد بمزيد من التحدي للغرب، وفق الصحيفة.

الطبقة الوسطى

منذ عام 2018، تضاعفت أسعار سلع كثيرة وتراجعت مستويات المعيشة وانتشر الفقر، خصوصاً لدى سكان الريف. ولكن ليس هناك إحصاء بشأن حالة عدم اليقين لدى إيرانيي الطبقة الوسطى وتطلعاتهم المعطلة بشكل متزايد. واعتبرت الصحيفة أن أفضل طريقة لقياس مزاجهم السيئ تكمن في اندفاعهم لمغادرة بلدهم بعد تخرّجهم، وتأخرهم في الزواج، وانخفاض معدلات المواليد.

وتحدثت الصحيفة في حديقة بطهران إلى بارديا أريافر (19 عاماً) وزهرة صابري (24 عاماً)، وهما صديقان يعملان في شركة "ديجيكالا"، وهي بمثابة "أمازون" في إيران، في فرز بضائع بمستودع في مدينة كرج، وهي ضاحية يقطنها الآن كثير من سكان سابقين في طهران، بحثاً عن إيجارات متدنية. وقال أريافر إنه يزيد دخله من خلال عمله كمبرمج كمبيوتر، بينما لم تجد صابري وظيفة تمكّنها من الاستفادة من شهادتها في الأدب الفارسي.

وإذا تزوجت صابري، فستضطر هي وأسرتها إلى دفع نصيبهما من كل ما يحتاجه الزوجان من الأجهزة المنزلية والملابس الجديدة والمرايا والشمعدانات المعتادة الموضوعة في المنزل. أما أسرة العريس فستؤمّن طقم مجوهرات من الذهب والماس لحفل الزفاف.

وبعدما خسرت العملة الإيرانية (الريال) نحو 70% من قيمتها في غضون سنوات، لم يعُد بإمكان أسرتها تحمّل ذلك. وكان الدولار يساوي نحو 43 ألف ريال في يناير 2018، قبل تهاويه إلى نحو 277 ألفاً هذا الأسبوع، وهذا انخفاض أرغم الحكومة العام الماضي على اعتماد التومان بدل الريال، لحذف 4 أصفار من الأوراق النقدية. لكن كل شيء يعتمد على الدولار، من الإيجارات إلى أسعار الملابس، لأن غالبية المواد الخام مستوردة.

مجوهرات مقلّدة

في عام 2020، ارتفعت النسبة المئوية للإيرانيين الذين يعيشون على ما يعادل أقل من 5.60 دولار في اليوم إلى 13% من أقل من 10% قبل عقد، بحسب تحليل أعدّه جواد صالحي أصفهاني، وهو خبير اقتصادي في جامعة فرجينيا تك الأميركية. وكان الوضع أكثر سوءاً في المناطق الريفية حيث يعاني نحو ربع السكان من الفقر، بعدما شكّلوا نسبة 22% في عام 2019.

وأشارت "نيويورك تايمز" إلى ضغوط متزايدة على الطبقة الوسطى في إيران، مضيفة أن هاتفاً ذكياً جديداً اشتراه أريافر قضم 70% من راتبه الشهري. ونقلت عنه قوله: "صعبٌ أن تنجح وتتطوّر في إيران، لذلك ربما يكون السفر إلى الخارج خياري الوحيد".

لكن الرحيل ليس خياراً بالنسبة إلى صابري، قائلة: "هذا بيتي وأرضي وثقافتي. لا أستطيع أن أتخيّل أنني أتركها. علينا أن نجعلها أفضل، لا أن نفرّ" منها.

في البازار الكبير بطهران، سألت "صابري" مالك متجر مجوهرات عن ثمن خاتم زواج مزيّن بالذهب والماس، فأجابها أنه سيقدّم لها "حسماً جيداً" في السعر. وبعدما أبلغها أنه لا يبيع "ماساً مزيفاً"، قالت له وهي تسحب الخاتم من إصبعها: "لا أريد ألماساً حقيقياً".

ومع ارتفاع سعر الذهب عشر مرات، وفقاً لتقديرات صائغي المجوهرات في السنوات الماضية، اختار مزيد من الأزواج شراء مجوهرات مقلّدة. وبعضهم يتزوج في احتفالات متواضعة ويدخر مالاً لمغادرة البلاد، فيما يرجئ آخرون زواجهم إلى الثلاثينات من عمرهم، بينما يتخلّى بعضهم عن الفكرة تماماً.

تهريب سلع

وذكرت الصحيفة أن معدل الخصوبة في إيران انخفض بنحو 30% بين عامَي 2005 و2020 إلى 1.8 طفل لكل امرأة. وأضافت أن آباء محتملين قلقون من حصول مزيد من الاضطرابات واندلاع حرب. وتابعت أن أحداً لا يعرف هل سيقيّد رئيسي حريات اجتماعية محدودة نالها الإيرانيون، مثل الاستماع إلى الموسيقى الغربية في مقاهٍ أو حتى الوشم على الأجساد.

يدفع ذلك الكثيرين إلى تأخير إنجاب أطفال، مثل زهرة نيكارستان (35 عاماً) وميسم صالح (38 عاماً)، صالح الذي يشتغل في شركة لمعالجة المياه ويعمل لحسابه الخاص في إنتاج الفيديو، يبرّر ذلك بوجوب أن يحظى بتأمين و"وظيفة تدرّ دخلاً كبيراً". ورجحت زهرة أن يغادرا البلد، إذا رُزقا بطفل وتدهور الوضع أكثر.

وفي محاولة لتسيير أمورهم، يعمد آخرون إلى تهريب سلع من دول مجاورة، كما تفعل فاطمة (39 عاماً)، وهي مهندسة في تكنولوجيا المعلومات منذ 17 عاماً، كانت تكسب ما يكفي لتأمين منزل وحياة مريحة، ولكنها احتاجت إلى زيادة دخلها لأن لديها 3 أولاد وتعاني نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي.

وبعد إقفال متاجر الملابس الأجنبية أو ارتفاع أسعارها، إثر العقوبات التي فرضها ترمب في عام 2018، باتت تدفع لإيرانيين في تركيا لشراء منتجات عبر الإنترنت وإرسالها إلى بلدهم. ازدهرت تجارة فاطمة، متحدثة عن "محاولة لإيجاد طريقة للالتفاف على العقوبات".

إنها لا تكاد تستطيع مواجهة الصعوبات المعيشية رغم مضاعفة دخلها، إذ إن الأقساط المدرسية لأولادها زادت 4 مرات، وفاتورة البقالة 5 مرات.

اقرأ أيضاً: