Open toolbar

رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يتحدث مع تلاميذ أكاديمية "هاريس" في لندن. 6 يناير 2023 - AFP

شارك القصة
Resize text
لندن-

بات التعليم أحدث القطاعات التي التحقت بركب الإضرابات في المملكة المتحدة، إذ بحثت نقابات القطاع مع الحكومة رفع أجور المدرسين من دون أن تجد ما يرضيها، فكان القرار إعلان إضراب لستة أيام متقطعة تمتد بين مطلع شهر فبراير إلى منتصف مارس المقبل، وتتوزع على إنجلترا وويلز واسكتلندا.

تآكل أجور المعلمين نتيجة التضخم وعامل الزمن، هو ما استدعى الإضراب في القطاع، إذ تتباين نسبة التراجع بين النقابات ومراكز الإحصاء المختصة، ولكنها بأي حال لا تقل عن 10%. أما الحكومة، ومثل كل مرة، فترفض أي زيادة على الرواتب تواكب تضخماً تخطط لتقليصه إلى النصف بحلول نهاية العام الجاري.

إضراب المعلمين يبدأ من إنجلترا مطلع فبراير، ويتزامن مع حراك مماثل لقطاعات عدة. وخلال الشهر ذاته، تشهد البلاد موجة مماثلة تقريباً لما حدث في ديسمبر الماضي. وكل يوم تقريباً هناك إضراب في واحد من سبعة قطاعات صوَّت موظفيها عبر نقاباتهم للاحتجاج على تدني مستوى دخلهم مقابل صعود التضخم والأسعار.

وتشير تقديرات إلى أن موجة الإضرابات في المملكة المتحدة قد تتسع خلال العام الجاري. فمشكلة تراجع قيمة رواتب القطاع العام تمتد إلى مؤسسات عديدة. وثمة نقابات واتحادات شرعت بدعوة أعضائها إلى التصويت على إعلان إضراب في مجال تخصصهم. وخاصة مع استمرار ضبابية خطط الحكومة للإنفاق في 2023.  

إغلاق المدارس

ويشرف على إضراب المدرسين في المملكة المتحدة أكبر اتحاد تعليمي على مستوى قارة أوروبا. ويضم الاتحاد الوطني للتعليم أكثر من 400 ألف عضو. وعلى الرغم من أنه ينتظر زعيماً جديداً خلال أيام، ولكن جميع المرشحين يؤكدون حق المدرسين في مطالب زيادة أجورهم والحصول على تقدير مالي أكبر.

وتشير التقديرات إلى احتمال إغلاق نصف مدارس إنجلترا الحكومية في أول أيام الإضراب المنتظر، الذي يشارك فيه 100 ألف مدرس، ما يزيد على 34 ألفاً منهم انضموا إلى الاتحاد الوطني للتعليم حديثاً، من أجل الانخراط في هذا الحراك. أما المطلب، فهو واحد لدى جميع القطاعات، ويتمثل بـ"زيادة الأجور" لمواكبة التضخم المرتفع.

الحكومة حذرت من تداعيات الإضراب على العملية التعليمية. وقال وزير الخزانة جيريمي هانت، إن إلحاق الضرر بتعليم الأطفال واليافعين "يهدد مستقبل البلاد، في وقت نحتاج إلى زيادة مهارات أبنائنا وتحسين إنتاجية عملهم"، مشدداً على أن المؤسسات الحكومية بكل أنواعها، لن تحصل على أموال إضافية من أجل زيادة أجور الموظفين، وإنما ستضطر إلى تقليص النفقات في جوانب من عملها لصالح أشياء أخرى.

محادثات الساعة الأخيرة

والتقى ممثلون عن الاتحاد الوطني للتعليم مع الحكومة في مطلع الأسبوع الجاري، لمناقشة مطالب المدرسين، ما وصف بمحادثات اللحظة الأخيرة لمنع الإضراب. لكن لم تأتِ النتائج بما يشتهي الطرفان رغم أن وزيرة التعليم جيليان كيجان، تُبدي تفاؤلاً بحل الأزمة، التي تثير قلق الآباء والأمهات إزاء تعليم أولادهم من جهة، وإزاء عجزهم عن المضي إلى أعمالهم ووظائفهم عندما تغلق المدارس ويبقى الأولاد في المنازل.

كيجان طالبت النقابات بإلزام المعلمين والمعلمات بإخطار إدارات المدارس في حال رغبتهم في الإضراب، لعل هذا الإجراء يساعد المدراء على وضع ترتيبات تمنع إغلاق المدارس بشكل كامل. مع الأخذ بعين الاعتبار أن القانون يمنح مدراء المدارس حق تقرير الحاجة لإغلاق المدرسة من عدمه في هذه الحالات.

الأمين العام المشترك للاتحاد الوطني للتعليم، ماري بوستيد، تقول إن الاتحاد منفتح جداً على الحوار مع الحكومة في كل زمان ومكان. ولكن "يبدو أن الوزارة لا تبدي جدية كافية إزاء مطالب المدرسين. وتضيف: "ربما تعتقد الوزارة أن تخويف المعلمين والأهالي من تداعيات الإضراب على التعليم ومستقبل الأطفال، سيؤدي إلى وقفنا لهذا الحراك".  

وتعرض الحكومة منح المدرسين أصحاب الخدمة الطويلة زيادة في متوسط الأجور بنحو 5% العام المقبل. أما المعلمين الجدد الذين انضموا للقطاع حديثاً، فقد يحصلوا على زيادة بنسبة 16% خلال العامين المقبلين. أما رد الهيئة فجاء أن "معدل التضخم لا يجعل العرض الحكومي مقنعاً تحت أي ظرف".

تقديرات متباينة

وفقًا لمعهد الدراسات المالية في لندن، شهد كبار المعلمين انخفاضاً فعلياً في رواتبهم بمقدار 6600 جنيه إسترليني منذ 2010. ويقدر المعهد تراجع رواتب أفراد هذه الفئة بنسبة تقارب 14% خلال ما يزيد على 12 سنة. أما المدرسين حديثي العهد فتآكلت رواتبهم وفقاً للمعهد، بنسبة تتراوح بين 5 إلى 6% كحد أقصى. 

ثمة تباين بين نسب المعهد ومصادر أخرى كاتحاد التعليم الوطني الذي يقول إن التضخم وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، كلها عوامل أثرت على رواتب المدرسين خلال العقد الثاني من الألفية الجديدة، وقلصتها بنسبة تصل إلى أكثر من 20% في بعض الحالات، ما "شكَّل ضغطاً كبيراً على أداء المعلمين وإمكانات التعليم".

الباحث في معهد الدراسات المالية بين كرازنكو، أرجع تباين التقديرات بشأن نسبة تآكل رواتب المعلمين إلى اختلاف طرق احتساب معدل التضخم في البلاد، منوهاً إلى وجود آليات عدة لاحتسابه، قائلاً إنه "مع كل طريقة تتغير تجليات صعود الأسعار أو هبوطها على كٌلفة العيشة، وبالتالي على القدرة الشرائية للموظفين".

ولفت كرازنكو في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية، إلى أن 8% من المعلمين تركوا وظائفهم في المدارس الحكومية لإنجلترا عام 2021. وهي نسبة أقل من 9 إلى 10% التي سادت بين عامي 2015 و2019. وهذا ما يفسره الوضع الاقتصادي الصعب الذي عرفته البلاد خلال الوباء. أما في عام 2022 فعادت نسبة مغادرة المدرسين للمدارس الحكومية إلى الصعود مرة أخرى بسبب تآكل أجور القطاع العام.

زيادة تكلفة الإضرابات

ونتيجة لفشل مفاوضات، الاثنين، بين اتحاد التعليم والحكومة، بقيت أجندة إضراب المدرسين على حالها. وانضم المعلمون إلى سائقي القطارات والحافلات وموظفي الخدمة المدنية وأساتذة الجامعات وحراس الأمن وغيرهم، للمشاركة مطلع فبراير، في أكبر يوم للإضراب الصناعي تعرفه المملكة المتحدة منذ أكثر من عقد.

ووصفت وسائل إعلام محلية الإضراب المرتقب الأربعاء، الذي يوافق الأول من فبراير 2023، بـ"يوم الإضراب العظيم". كما أطلقت التحذيرات في جميع المؤسسات الخاصة والعامة إزاء صعوبة الوصول إلى مقرات العمل في القطاعات غير المشاركة في هذا الحراك. وأتيحت فرصة البقاء في المنزل للذين تسمح وظائفهم بإتمام مهامهم اليومية عن بعد.

وبحسب المحلل الاقتصادي اسلم بوسلان، تزداد كلفة الإضرابات مع الوقت على الحكومة وشركات القطاع الخاص والموظفين في القطاعات غير المُضربة. ويكشف بوسلان في حديث مع "الشرق" أن الخسارة قد تتضاعف على الحكومة إذا قبلت بشروط النقابات لحل الأزمة في نهاية المطاف، رغم أن هذا أمر مستبعد، على حد رأيه.

ويقول وزير السكك الحديدية في حكومة حزب المحافظين هيو ميرمان، إن الإضرابات في القطاع كلفت الاقتصاد البريطاني حتى الآن أكثر من مليار جنيه استرليني، وكان من الممكن أن تكون تكلفة تسوية النزاع مع النقابات المعنية، حول الأجور وظروف العمل "أقل بنسبة ملحوظة" قبل أشهر مقارنةً بالحلول والتسويات المتاحة اليوم.     

تعديلات قانونية

ويقول الباحث في الشؤون البريطانية جوناثان ليز، إن سلسلة الإضرابات التي تعم البلاد، لن تتوقف عند موظفي القطاعات السبعة الحالية. فهناك المزيد من المهن والتخصصات التي تدرس نقاباتها واتحاداتها خيارات الإضراب. وهي على وشك أن تعلن انضمامها إلى الحراك الذي يحرج الحكومة مع استمرار مشكلة التضخم المرتفع.

ويشير ليز في حديث مع "الشرق" إلى أن الحكومة ستواصل شراء الوقت في التفاوض مع القطاعات المختلفة، إلى حين إصدار البرلمان قوانين جديدة التي تقيد النقابات والاتحادات بالحفاظ على الحد الأدنى من العاملين في القطاع خلال الإضراب. وهذا سيفقد الحراك ثقله الحقيقي، ويحد من تأثيره على المفاوضات مع الحكومة.

ويبدو أن قراءة ليز لتمدد مساحة الإضرابات قريبة من الواقع. حيث أعلن اتحاد العاملين في وكالات الإطفاء، مساء الاثنين الماضي، أنه يعد لعدة أيام من الإضرابات في القطاع بعد أن وافق 80% من أعضائه على ذلك خلال تصويت عام، لافتاً إلى أنه لن يعلن موعداً لأيام الإضراب، إلا بعد مشاورات داخلية واسعة يجريها قريباً.

ولفت اتحاد موظفي الإطفاء إلى أنه منذ 2010، شهد أعضاؤه تراجعاً في قيمة أجورهم بنسبة 12%. كما تم إلغاء واحدة من كل 5 وظائف في القطاع خلال ذات الفترة. وقال أمين عام الاتحاد مات وراك، "إن الحكومة بحاجة إلى أن تستيقظ وتدرك مستوى الغضب بين موظفيها بشأن انخفاض الأجور الحقيقية في خدمة الإطفاء".

اقرأ أيضاً:

Google News تابعوا أخبار الشرق عبر Google News

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.