وسط مخاوف أمنية.. الأفغان يتحايلون على الأزمة المالية بالعملات المشفرة

time reading iconدقائق القراءة - 7
أفغان ينتظرون أمام أحد البنوك في كابول - 1 أغسطس 2021  - AP
أفغان ينتظرون أمام أحد البنوك في كابول - 1 أغسطس 2021 - AP
دبي -الشرق

قال تجار ومحللو أسواق لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، إن اجتياح حركة طالبان لأفغانستان أدى إلى زيادة استخدام العملات المشفرة، في إطار "محاولات الأفغان البحث عن طرق ووسائل تمكنهم من التعامل مع الأزمة المالية الخانقة التي يواجهونها".

وذكرت الصحيفة أن هذا التوجه "يبث روح الأمل في جسد الاقتصاد الأفغاني المتعثر"، ولكنه في الوقت نفسه "يثير مخاوف المسؤولين الأمنيين الغربيين".

وتزداد جاذبية العملات المشفرة في أفغانستان، باعتبارها "ملاذاً آمناً لأموالهم"، و"لاستمرار معاملات هذه العملات" في أعقاب استيلاء طالبان على السلطة، في وقت قطعت فيه الحكومات الغربية والبنوك وشركات خدمات الأموال، طرق الوصول إلى كل أشكال المال الأخرى بحسب الصحيفة.

تحذيرات

مسؤولون وخبراء أمنيون أميركيون حذروا من أنه في حال تبنت طالبان العملة المشفرة كجزء من سياسة اقتصادية وطنية، فإن ذلك قد يساعد "جهود التحايل على العقوبات الغربية ووسائل التأثير الأخرى ضد حكام أفغانستان الجدد".

ولم تتخذ حكومة طالبان التي تتولى شؤون أفغانستان الآن، موقفاً محدداً بشأن استخدام العملات الرقمية، ولم تستجب لطلب الصحيفة للتعليق على الأمر.

وارتقت زيادة استخدام العملات المشفرة على مدى الأشهر الماضية بأفغانستان ضمن قائمة "المؤشر العالمي لتبني العملات المشفرة 2021" إلى المرتبة الـ20 من بين 154 دولة، بحسب شركة تحليل العملات المشفرة "تشيناليسيس" التي نشرت التقرير في أغسطس الماضي.

ووفقاً لـ"وول ستريت جورنال"، انضمت أفغانستان إلى الولايات المتحدة والصين وروسيا ضمن "أعلى 20 دولة من حيث استخدام العملات المشفرة"، بعد أن كانت ضمن الدول الأخيرة في التصنيف في العام الماضي.

وتصنف الشركة الدول وفقاً للنمو في حجم تداول العملات المشفرة تبعاً للقوة الشرائية للسكان.

تضاعف الاستخدام

وقال تجار عملات مشفرة في أفغانستان للصحيفة، إن استخدام عملة "بتكوين" تضاعف مع تخطيط الولايات المتحدة للانسحاب من أفغانستان، وزيادة احتمالية سيطرة طالبان على كابول، "حيث قام الأفغان عندئذ بتحويل مدخراتهم إلى أصول مشفرة اعتقاداً منهم بأنها ستكون أكثر أمناً من العملة المحلية والحسابات البنكية". 

وقال أميت شارما، المسؤول الكبير السابق في وزارة الخزانة الأميركية، ومؤسس شركة "فينكلوسيف"، وهي شركة خدمات مالية رقمية، للصحيفة، إنه "من السهل على كثير من هؤلاء تنزيل تطبيق مرتبط بمنصة بينانس لتداول العملات المشفرة، حيث يمكنهم شراء أصول مشفرة".

وأشارت الصحيفة إلى أنه نهاية يوليو وبداية أغسطس، مع زيادة احتمالات اجتياح طالبان للعاصمة الأفغانية، "قام البنك المركزي بسحب احتياطات العملات الصعبة من خزائنه، وأوقفت الولايات المتحدة عمليات نقل السندات الدولارية المستخدمة على نطاق واسع لأفغانستان، وفرضت البنوك قيوداً على استخدام رؤوس الأموال".

وتسارعت وتيرة انخفاض قيمة العملة الأفغانية الرسمية، بعد سقوط العاصمة كابول في يد طالبان، حيث قامت المؤسسات المالية الغربية بتجميد معاملاتها الدولية، فيما جفت ينابيع المساعدات الأجنبية، وأغلقت البنوك أبوابها، وفر المسؤولون الحكوميون، بمن فيهم محافظ البنك المركزي، من البلاد.

كما واجهت شركات الخدمات المالية غير الرسمية، التي تسمى شركات الحوالات، وبيوت الصرافة، التي تشير التقديرات إلى أنها كانت تحتفظ بمئات الملايين من الدولارات من العملات الصعبة، العديد من الاضطرابات، وفقاً لما قاله تجار محليون ومسؤول سابق في وزارة الخزانة الأميركية للصحيفة.

شراء الإمدادات

لكن التجار المحليين قالوا إن شركات صرافة "بتكوين" ظلت تعمل على المستوى المحلي، ما سمح للمسافرين بالخارج بإرسال الأموال إلى ذويهم المقيمين في أفغانستان.

وأسهمت هذه المعاملات في توفير عملة رقمية تم استبدالها بعد ذلك بالعملة الصعبة لاستخدامها في شراء إمدادات متضائلة من المواد الغذائية والسلع اليومية الأخرى.

وقال صافي زاريناغا، الذي يدير شركة عملات رقمية في كابول لـ"وول ستريت جورنال"، إن "بتكوين ستحل مشكلاتنا"، مضيفاً: "من السهل حقاً أن تستبدل أموالك، وأن ترسلها من مكان إلى آخر".

وقال مسؤولون غربيون حاليون وسابقون إنه من المتوقع أن تواصل العقوبات المفروضة على حركة طالبان باعتبارها "جماعة إرهابية" عرقلة التمويل المالي التقليدي، سواء من القطاع الخاص أو من مصادر المساعدات الدولية.

لكن مؤيدي "بتكوين" والتجار المحليين، أكدوا للصحيفة أن قدرة منصات العملات المشفرة على تنفيذ معاملات عالية القيمة بعيداً عن البنوك قد تساعد في فتح تدفقات الأموال العابرة للحدود.

وقال تاجر أفغاني آخر للصحيفة: "لم تحز العملات المشفرة هذا القدر لدى محلات الحوالة، لكن هناك بعض الشباب البارعين في استخدام التكنولوجيا الذين يستخدمون بتكوين كشكل من أشكال الحوالات"، مضيفاً أن هذا النوع من المعاملات "مقاوم للرقابة، ويتمتع بفاعلية عالية".

"شريان حياة"

وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أنه "في دولة تعتمد بدرجة كبيرة على التحويلات القادمة من أفراد يعيشون بالخارج إلى ذويهم، وعلى المساعدات الدولية"، فإنه من المرجح أن "تثبت العملات المشفرة أنها شريان حياة بالغ الأهمية للاقتصاد الأفغاني المتعثر".

وقالت امرأة أميركية من أصول أفغانية ومؤيدة لطالبان وتستخدم الاسم المستعار "بيبي جاني" على "تويتر"، إن القدرة على إرسال معاملات بتكوين مجهولة الهوية والتملص من النظام المالي الغربي يجعل منها أداة مالية مثالية لحكام كابول الجدد.

وكتبت "بيبي جاني" على حسابها على "تويتر"، بعد أربعة أيام من استيلاء طالبان على السلطة في كابول: "أود أن أقترح على قيادات طالبان عقد اجتماع طارئ مع العاملين في شركات الصرافة لتدريبهم على تبادل بتكوين".

ولفتت الصحيفة إلى أن أكثر من نصف المغتربين الأفغان، البالغ عددهم 7 ملايين حول العالم، يعيشون في بلدان بات فيها استخدام بتكوين أكثر انتشاراً، مثل إيران التي يتم فيها استخدام هذه الصناعة للتهرب من العقوبات الأميركية الخانقة، وفقاً لبعض محللي العملات الرقمية.

وقال شارما، المسؤول السابق في وزارة الخزانة الأميركية، للصحيفة، إنه مع استخدام مزيد من الأفغان للهواتف الذكية، وحتى الهواتف القابلة للطي، تستطيع العملات المشفرة، "ليس فقط تمكين التحويلات المالية، وإنما أيضاً التجارة المحلية والدولية".

وبينما قد تستغرق الحوالات وعمليات تبادل العملات الصعبة المحلية بعض الوقت لتبني العملات المشفرة، يزداد انتشار التمويل الرقمي في الدول المجاورة مثل باكستان وإيران.

مخاوف أمنية

وفي هذا السياق، نقلت "وول ستريت جورنال" عن معهد أبحاث الإعلام في الشرق الأوسط، وهو مؤسسة غير هادفة للريح تتخذ من واشنطن مقراً لها، قوله إن نمو العملات الرقمية وعدم الكشف عن الهوية من قبل بعض المنصات، جذب جماعات أخرى مصنفة في الولايات المتحدة كجماعات إرهابية واتحادات احتكارية عالمية، و"قد يمثل ذلك منطقة جذب لطالبان أيضاً".

وقال ريتشارد جولدبرج، المسؤول السابق رفيع المستوى في مجلس الأمن القومي في إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، والذي يعمل الآن في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، ومقرها واشنطن، للصحيفة إن "طالبان قد تتطلع إلى تبني العملات المشفرة في حال استمرت العقوبات الأميركية وبقيت أفغانستان بمعزل عن التمويل الدولي".