عام على حكم طالبان والانسحاب الأميركي.. كيف تبدو أفغانستان؟

time reading iconدقائق القراءة - 27
مقاتل من طالبان يحرس بوابة القصر الرئاسي السابق بعد اجتماع حضره رئيس الوزراء محمد حسن أخوند في كابول- 13 أغسطس 2022 - AFP
مقاتل من طالبان يحرس بوابة القصر الرئاسي السابق بعد اجتماع حضره رئيس الوزراء محمد حسن أخوند في كابول- 13 أغسطس 2022 - AFP
دبي-رامي زين الدين

على وقع هتاف "15 أغسطس يوم أسود"، شقّت نحو 40 سيدة أفغانية طريقهن أمام وزارة التعليم وسط العاصمة كابول، قبل يومين فقط من الذكرى الأولى لحكم طالبان، إلا أن هذا الاحتجاج، الذي قد يعكس موقف آخرين في أفغانستان، لم يرُق للحركة، فسرعان ما أطلق مسلحوها النار في الهواء لتفريق التظاهرة بعد دقائق قليلة من انطلاقها.

"خبز، عمل، حرية".. شعارات رفعتها المتظاهرات وهن يرددن: "العدل العدل، سئمنا الجهل"، بينما رفعت بعضهنّ غطاء الرأس في تحد لقرارات الجماعة، التي احتفلت، الاثنين، بمرور عام على استيلائها على السلطة، في وقت تشهد البلاد، التي مزقتها الحروب على مدى عقود، حالة من التدهور الاقتصادي والإنساني، وتراجع في الحقوق والحريات، وعودة التنظيمات المتطرفة، بحسب تقارير ومنظمات دولية.

ورغم مساعي الحركة لتحسين الأوضاع المعيشية واتخاذ خطوات لكسب ثقة المجتمع الدولي، إلا أن هناك من يُحملها مسؤولية تفاقم الأزمات واستفحالها، لا سيما أن الحكومة، التي شكّلتها منذ نحو عام، لم تحظَ بأي اعتراف دولي حتى الآن.

فكيف يبدو الوضع في أفغانستان بعد مرور عام على حكم طالبان؟

أزمة إنسانية

أجبر الصراع على السلطة العام الماضي أكثر من 700 ألف شخص في أفغانستان على الفرار من ديارهم، إذ شهدت 33 من أصل 34 مقاطعة في البلادعمليات نزوح قسري. ولا تشمل هذه الأرقام من نزحوا بسبب الكوارث البيئية، والتي تؤثر على 200 ألف شخص في المتوسط ​​كل عام، حيث تسبب زلزال قوي خلال يونيو الماضي في مقتل أكثر من ألف شخص.

وأدت العقوبات الغربية بما فيها تجميد مليارات الدولارات إلى تدهور اقتصادي هائل، دفع حوالي نصف السكان البالغ عددهم 42 مليون نسمة تقريباً إلى حالة من انعدام الأمن الغذائي، كما تم تسجيل أكثر من مليوني لاجئ إلى دول الجوار، وفقاً للأمم المتحدة.

وبحسب التقارير الأممية، يحتاج ما لا يقل عن 59٪ من السكان إلى مساعدات إنسانية، بزيادة قدرها 6 ملايين شخص مقارنة ببداية عام 2021، إذ يعاني اليوم قرابة 23 مليوناً من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وبحسب تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" نشرته في أغسطس الجاري، تُعاني أفغانستان منذ الانسحاب الأميركي قبل عام من أزمة إنسانية متفاقمة، إذ ينتشر سوء التغذية في جميع أنحاء البلاد، وأكثر من 90% من الأسر لم تتمكن من الحصول على ما يكفي من الغذاء.

وعلاوة على العوامل الاقتصادية وتداعيات الحرب، تكمن أسباب أزمة الأمن الغذائي في الظروف الطبيعية كالجفاف الشديد، الذي تشهده أفغانستان منذ سنوات.

انهيار اقتصادي

منذ سقوط نظام الرئيس أشرف غني، عانت أفغانستان انهياراً اقتصادياً دراماتيكياً، إذ انكمش الاقتصاد بنسبة 20% على الأقل، في ظل استمرار تجميد الولايات المتحدة 9 مليارات دولار في الخارج من أموال الحكومة، وتوقف المساعدات الدولية، التي شكلت ثلاثة أرباع الميزانية السابقة.

ورغم أن الأمم المتحدة ودولاً أجنبية ضخّت ما يقارب مليار دولار في أفغانستان خلال العام الجاري، استمر النقص في السيولة.

وأطلقت المنظمة الأممية نظام تبادل إنساني (HEF) للتعامل مع انهيار النظام المصرفي الأفغاني ونقص العملة المحلية، في حين توجه اتهامات لطالبان بمحاولة توجيه المساعدات الإنسانية إلى المستفيدين المُفضلين، أي أنصارها أولاً.

وعلى عكس النظام السابق، الذي تبنّى التحول الأخضر، أولت حكومة طالبان اهتماماً بالوقود الإحفوري ونجحت في زيادة صادرات الفحم، إذ استوردت باكستان وحدها نحو 4 ملايين طن.

 على أن هذه الجهود لم تُفضِ إلى إبرام أي صفقة دولية كبيرة حتى الآن، إذ لا تزال الاستثمارات محلية وصغيرة النطاق نسبياً، بينما تقول وزارة التعدين إن 17 منجماً للفحم فقط تعمل من أصل 80، معظمها في الشمال.

وفي تصريحات سابقة، قال وزير التجارة الأفغاني نور الدين عزيزي إن كابول تجري محادثات مع مستثمرين من الصين وروسيا ودول أخرى لإبرام صفقات التعدين والوقود الأحفوري.

وتشير بعض التقديرات إلى أن القيمة الإجمالية لاحتياطات أفغانستان الهائلة من الليثيوم والأحجار الكريمة وغيرها تصل إلى تريليون دولار، إلا أن عمليات الاستكشاف والتعدين تحتاج إلى الاستقرار السياسي والأمني.

المرأة.. "موت بطيء"

عندما سيطرت "طالبان" على أفغانستان بعد انسحاب مفاجئ للولايات المتحدة وفرار الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني، قالت الحركة، في رسالة إلى المجتمع الدولي، إن حكومتها ستحترم حقوق المرأة، إلا أن الواقع بدا مخالفاً لتلك الوعود، وفقاً لتقارير أممية، إذ تراجع الوضع الحقوقي للنساء إلى درجة منعهن من التعليم والسفر.

وفي منتصف يونيو الماضي، أصدرت بعثة الأمم المتحدة إلى أفغانستان تقريراً بعنوان: "حقوق الإنسان في أفغانستان"، سلطت خلاله الضوء على القيود المفروضة على المرأة وحرية التعبير، والخسائر في صفوف المدنيين، وعمليات القتل خارج نطاق القضاء واضطهاد الأقليات.

ووصف التقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية وضع المرأة الأفغانية بأنه بمثابة "موت بطيء"، إذ اعتبر أن النظام الجديد في أفغانستان، بعد إلغاء وزارة شؤون المرأة واستبدالها بوزارة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، أصبح نظام فصل عنصري بين الجنسين، تُجبر فيه النساء على ارتداء الحجاب أو البرقع، فضلاً عن تسريحهن من وظائفهن بوزارة المالية لصالح أقاربهن الذكور.

ورغم تعهدات طالبان بعدم المس بحق المرأة بالتعليم وبالحريات، حتى قبل عودتها إلى السلطة، أصبحت أفغانستان، اعتباراً من 23 مارس 2022، الدولة الوحيدة في العالم، التي تمنع الفتيات من الالتحاق بالمدرسة الثانوية.

وأعربت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليت عن أسفها بشأن ما يجري في البلاد، قائلةً إن "ما نشهده اليوم في أفغانستان هو اضطهاد منظم ومنهجي للنساء، إذ يتناقص عدد الموظفات وتزداد حالات زواج الإناث والقاصرات بالإكراه".

واعتبرت باشليت أن "تصرفات طالبان قوضت الدعوات الأجنبية للانخراط مع الحركة، ودفعت البنك الدولي إلى تعليق مشاريعه في أفغانستان".

وتُشكل هذه القرارات، وفق رأي الدبلوماسي السابق فضل من الله ممتاز "نكسةً بالنسبة للكثير من الدول". ممتاز أشار إلى أن "حقوق المرأة تراجعت مقارنة بحقبة الحكومة السابقة، على غرار نوعية الحجاب، الذي فرضته طالبان، ناهيك عن منع النساء من العمل في الوظائف الحكومية وحتى الأعمال الخاصة، وحظر السفر والتجول في المدن من دون محرم، وفرض القيود على العاملات في وسائل الإعلام، فلا يوجد أصلاً في حكومة طالبان أو إداراتها أي امرأة".

خلافات داخلية

وفي فبراير الماضي، التقى ممثلون عن  مجلس التعاون الخليجي في العاصمة القطرية الدوحة مع ممثلي من وصفهم المجلس، في بيانه، بـ"سلطة الأمر الواقع في أفغانستان".

وأكد ممثلو المجلس على "أهمية تحقيق المصالحة الوطنية والوصول إلى حل سياسي توافقي يأخذ بعين الاعتبار مصالح كافة مكونات الشعب الأفغاني، واحترام الحريات والحقوق الاساسية بما فيها حق المرأة في العمل والتعليم، تحقيقاً لتطلعات الشعب الأفغاني".

وعبر ممثلو مجلس التعاون الخليجي عن "القلق من أن تجد التنظيمات الإرهابية فرصة لممارسة أنشطتها لمهاجمة الدول الأخرى أو الأضرار بمصالحها انطلاقاً من الأراضي الأفغانية"، مؤكدين أهمية أن "تتولى سلطة الأمر الواقع في أفغانستان ضمان عدم استخدام الأراضي الأفغانية من قبل أي جماعة إرهابية، أو استغلالها لتصدير المخدرات إلى دول المنطقة".

وفي أواخر يونيو الماضي، أرسلت منظمة التعاون الإسلامي وفداً من علماء المسلمين برئاسة الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي، إلى العاصمة الأفغانية كابول لعقد اجتماع مع علماء أفغانستان المؤثِّرين بمقر وزارة الخارجية الأفغانية، بحضور وزير الخارجية الأفغاني مولوي متقي أمير خان، بهدف  التباحث في قضايا ذات أهمية قصوى، مثل التسامح والوسطية وتعليم المرأة، بحسب بيان للمنظمة.

وأكد وفد علماء المسلمين على أن الإسلام بكل مصادره كفل للمرأة حق التعليم والعمل، فيما قال رئيس علماء أفغانستان المؤثِّرين محمد إسماعيل إن "تعليم البنات من أهم أولويات الإمارة الإسلامية، التي تؤمن إيماناً كاملاً بحق كلا الجنسَين في التعليم، غير أن هناك عوائق وأوضاعاً صعبة تُعرقِل عودة بعض الفتيات إلى مقاعد الدراسة، وفور زوال تلك العوائق سيتم السماح لهن بالعودة إلى المدارس".

 لكن بعد أيام من الرحلة، أعرب زعيم الحركة هبة الله أخوند زاده، الذي لم يلتق الوفد، عن استيائه مما وصفه بـ"الضغوط الدولية المستمرة"، وقال في خطاب ألقاه أمام رجال دين أفغان في كابول يوم الأول من يوليو: "يقولون لماذا تفعل هذا؟ لماذا لا تفعل ذلك؟ لماذا يتدخل العالم في عملنا؟".

إلا أن تلك الإجراءات لا تعكس موقف جميع قيادات طالبان، وفقاً لمصادر نقلت عنها صحيفة "فاينانشال تايمز"، إذ أدى قرار منع الفتيات من التعليم إلى انقسام في المواقف، ففي حين أيدته شخصيات بارزة مثل رئيس المحكمة العليا عبد الحكيم إسحق زاي، عارضه آخرون، بمن فيهم وزير الدفاع محمد يعقوب مجاهد ووزير الداخلية سراج الدين حقاني.

وقال مسؤول آخر، بحسب الصحيفة، إن "99% من طالبان، من ذوي الرتب العالية والمتوسطة والمنخفضة، يدعمون استئناف تعليم الفتيات".

مدير المركز الأفغاني للدراسات عبد الجبار بهير، قال لـ"الشرق" إن الشارع الأفغاني يختلف إلى حد كبير مع "القرارات المتشددة"، التي أصدرتها طالبان، مثل فرض الحجاب ومنع السفر بلا محرم، وحظر التعليم الثانوي والجامعي، وإجبار الرجال على إطلاق اللحى وارتداء الملابس المحلية.

وأضاف: "رغم تلك الإجراءات لكن لا تزال المرأة تتجول، وتمارس عملها في القطاع الخاص، وتدخل الجامعات وبعض الدوائر الحكومية، كوزارة التعليم العالي والداخلية والمحكمة والمطارات".

من جانبه، يعتبر المحلل السياسي المؤيد للحركة عمران الأفغاني أن "حكومة طالبان تعمل بجدية لسن قوانين تخص النساء ولا تخالف المعتقدات والعادات والتقاليد، فالخروج إلى السوق والتجول ليس من حق المرأة"، بحسب قوله.

وأضاف: "حقوق النساء محفوظة اليوم في الإمارة الإسلامية حيث في السابق حُرمن من الميراث مثلاً، لكن الآن صدرت مراسيم عالجت هذا الأمر، وعلاوة على ذلك تعمل النساء الآن في مجالات متنوعة مثل الصحة والتعليم والشرطة، وحتى الموظفات الجالسات في بيوتهن تدفع طالبان رواتب شهرية لهن".

ويعتقد الأفغاني أنه مقارنة بدول الجوار مثل إيران وباكستان وأوزباكستان وتركمانستان، يبدو وضع حرية التعبير أفضل في أفغانستان، موضحاً أن هناك الكثير من القنوات المحلية والأجنبية تبث وتعمل من دون موانع من الحكومة".

انتهاكات حقوق الإنسان

في منتصف يونيو، أصدرت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة أفغانستان "يوناما" تقريراً حول انتهاكات حقوق الإنسان، التي ارتكبت منذ سقوط الحكومة السابقة، وكشف عن مئات من حالات الاعتقال والتعذيب، بما في ذلك مصرع 178 شخصاً خارج نطاق القضاء لأفراد من الحكومة السابقة والجيش الأفغاني وأعضاء جبهة المقاومة الوطنية، إضافة إلى 59 حالة تصفية لأشخاص "متهمين بالانتماء" إلى تنظيم "داعش في خراسان".

وحمّلت البعثة المسؤولية في بعض هذه الانتهاكات للجماعات "الإرهابية" وجهاز استخبارات طالبان.

إيواء جماعات "إرهابية"

في مؤتمر صحافي عقب الإطاحة بالحكومة المدعومة من الغرب، قال المتحدث باسم "طالبان" ذبيح الله مجاهد: "نؤكد للمجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة والدول المجاورة، أن أفغانستان لن تُستخدم ضدهم"، ولن تصبح مرة أخرى ملاذاً للمتطرفين.

لكن تلك التعهدات انقلبت رأساً على عقب بعد قتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في غارة جوية أميركية بطائرة مسيرة على منزل في قلب العاصمة كابول في 31 يوليو الماضي، إذ شكّلت العملية ضربة كبيرة لطالبان ومصداقيتها، وحطمت جهودها لبناء الثقة مع القوى الدولية.

وقالت الولايات المتحدة إن الظواهري، البالغ من العمر 71 عاماً، عاش في كابول بمعرفة "شبكة حقاني"، وهي فصيل متشدد من "طالبان" يشغل مناصب رفيعة في الحكومة الأفغانية وله علاقات طويلة الأمد مع تنظيم "القاعدة".

من منظور غربي، يبدو الحدث متناقضاً مع "اتفاق الدوحة للسلام" لعام 2020، والذي مهد الطريق لانسحاب الولايات المتحدة، واتفقت خلاله واشنطن وطالبان على أن "القاعدة وأولئك الذين يُشكلون تهديداً لأمن الولايات المتحدة لا مكان لهم في أفغانستان"، ومع ذلك، لطالما أكدت واشنطن أن هناك "أدلة على وجود القاعدة"، خاصة أن "طالبان" استضافت زعماء التنظيم قبل أحداث 11 سبتمبر.

ويرى عبد الجبار بهير أن اكتشاف وجود الظواهري في كابول سيكون من أهم أسباب فقدان الثقة بين طالبان والمجتمع الدولي.

أما تنظيم "داعش"، الذي لم يكن ناشطاً بقوة قبل وصول طالبان إلى السلطة، فسرعان ما عاود عملياته، واستهلها بتفجير في مطار كابول خلال أغسطس من العام الماضي، أودى بحياة 173 شخصاً بينهم 13 جندياً أميركياً، لكن الحركة دائماً ما تؤكد أنها استطاعت القضاء على التنظيم، لا سيما في المناطق الشرقية والعاصمة، وهذا يعني، وفقاً لفضل من الله ممتاز، أن "هناك إرادة وعزيمة لدى الحكومة في مواجهة التنظيم، وأنها لن تسمح لأحد بأن يتخذ من أفغانستان ملاذاً له ومنطلقاً لعمليات إجرامية وإرهابية".

بدوره، يرى المحلل السياسي حمزة مؤمن حكيمي أن مصرع الظواهري يُمثل أحد أسباب الانشقاق الداخلي في الحركة، حيث هناك خلاف بين قادتها بشأن العلاقة مع هذه التنظيمات.

أما الباحث في الشؤون الأفغانية عمران الأفغاني فرغم أنه اعتبر ما جرى "مثيراً للقلق"، لكنه كرر موقف "طالبان" الرسمي، الذي أكدت خلاله أنها لم تكن تعرف بوجود "الظواهري" في كابول.

ورغم حديث طالبان عن تقدم على مستوى الأمن، تصاعدت أعمال العنف في الآونة الأخيرة، وأودى أحدها قبل أيام بحياة رحيم الله حقاني، أحد المرجعيات الدينية لحركة طالبان والذي كان من أبرز المؤيدين لحق الفتيات في التعليم واشتهر بفتاويه المناهضة لتنظيم "داعش".

وعلى مدى الأشهر الماضية، أعلنت طالبان مرات عدة أنها فككت خلايا مسلحة تتبع لجماعات تصفهم بـ"الخوارج"، إلى جانب ضبط كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر خلال عمليات أمنية في مختلف الولايات.

معضلة الاعتراف الدولي

ما أن دخلت طالبان إلى كابول قبل أن تُحكم سريعاً قبضتها على الولايات الـ34، سارعت الولايات المتحدة والقوى الغربية إلى نبذ النظام الجديد وقطع العلاقات السياسية مع أفغانستان، بما في ذلك وقف الدعم والتمويل الدوليين.

وعلى عكس العهد السابق لطالبان بين عامي 1996 و2001، الذي حظيت خلاله باعتراف محدود، لم تعترف أية دولة رسمياً بالنظام الحالي.

وفي حديث لـ"الشرق"، اعتبر الدبلوماسي الأفغاني السابق فضل من الله ممتاز أن الاعتراف الدولي بنظام طالبان مسألة "معقدة جداً"، إذ لم تكن التجارب السابقة جيدة بما فيه الكفاية لتكرارها. وأشار إلى أن الدول التي اعترفت بالحركة خلال العهد الأول شعرت بالإحراج أمام المجتمع الدولي بعد أحداث 11 سبتمبر، ورغم أن طالبان لم تكن وراء تلك الهجمات إلا أنها كانت تحتضن تنظيم "القاعدة" ورفضت طرده وقطع العلاقة معه آنذاك، ما دفع الولايات المتحدة إلى التدخل عسكرياً في أفغانستان.

حتى الدول، التي ساندت طالبان أو تجمعها بها علاقات سياسية واقتصادية، كما يرى ممتاز، لن تتشجع للاعتراف بحكمها قبل أن تبدأ دولة كبرى بهذه الخطوة أو أن يحدث ذلك في إطار اتفاق أممي، إذ "لا ضمانات من وقوع أحداث مشابهة لهجمات مركز التجارة العالمي، كما أن مقتل زعيم القاعدة أيمن الظواهري في كابول مؤخراً أحرج طالبان وحلفائها، فدول الجوار ليست مطمئنة لوجود جماعات إرهابية وحركات مناوئة لها في أفغانستان، وبالتالي هناك شكوك في نوايا الحركة".

ويرى الدبلوماسي السابق، الذي كان ملحقاً ثقافياً في السفارة الأفغانية بالإمارات، أن بعض الدول لديها رغبة بالاعتراف بطالبان، لكن ارتباط مصالحها بالولايات المتحدة والمنظومة الأوروبية يحول دون إقدامها على ذلك، مشيراً إلى أن "تخلي الحركة عن التزاماتها السابقة بشأن حقوق الإنسان والمرأة، دفع المجتمع الدولي إلى التوقف عن التعامل معها، لا سيما أنها لم تُظهر أي تغيير في أسلوب إدارتها للبلاد".

علاوة على ذلك، يعتقد "ممتاز" أن طالبان قد تواجه معارضة شديدة من داخل صفوفها إذا ما قررت الالتزام بالشروط الدولية، ما سيُعرضها ربما لخطر الانشقاقات والصراع بين أجنحتها، وهكذا يستبعد إمكانية تنفيذ مثل تلك الشروط.

ويعتقد الباحث في الشأن الآسيوي وائل عواد أن من الصعب على أي دولة في العالم الاعتراف بحكومة لم تلتزم بوعودها بالاستقرار والأمن، ويقول: "يبدو هذا صعباً في ضوء التحديات التي تواجهها طالبان لإدارة شؤون الدولة في ظل هروب الطبقة المثقفة".

مع ذلك هناك من يرى أن طالبان حققت مكتسبات سياسية، إذ يُشير مدير المركز الأفغاني للإعلام والدراسات عبد الجبار بهير إلى أنها إعادت فتح أكثر من 15 سفارة بعد سقوط كابول، وكذلك مكتب المفوضية وسفارة الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن تردد كبار المسؤولين ووزراء خارجية دول الجوار وغيرها على أفغانستان.

ويقول: "استطاعت طالبان أيضاً فتح 9 سفارات لأفغانستان، منها في ماليزيا وقطر وباكستان وروسيا والصين وإيران وتركمانستان، على أن تتولى تسيير الأمور دون تعيين سفراء بسبب عدم الاعتراف بالحكومة، وهناك عقود تجارية وقعتها الحركة مع دول عديدة خاصة في آسيا الوسطى، وهذا تقدم ملموس في التعاون الاقتصادي. إضافة إلى تحسن العلاقات مع الهند، التي كانت من ألد أعداء طالبان، حيث أرسلت وفوداً إلى كابول للقاء المسؤولين، وقررت مؤخراً رفع تمثيلها الدبلوماسي".

رسائل إلى الغرب

وسعت "طالبان" خلال عام من وجودها في السلطة إلى إرسال إشارات للمجتمع الدولي، أرادت من خلالها القول إن بإمكانها أن تكون دولة طبيعية منسجمة مع محيطها الإقليمي والعالمي.

على المستوى الداخلي، يرى عبد الجبار بهير أن طالبان نجحت خلال العام الأول لها في السلطة بكسب الشرعية المحلية، لا سيما بعد إقامة مؤتمر المجلس الأعلى لعلماء الدين على مستوى أفغانستان في كابول، حيث تمت مبايعة زعيم الحركة هبة الله أخوند زاده أميراً للمؤمنين، وأُعلن تأسيس نظام حكم محلي.

"هذا مكسب كبير"، كما يقول بهير، إذ "لأول مرة منذ 20 عاماً يظهر زعيم لطالبان أمام العالم ويوضح موقفه من مستقبل البلاد وعلاقته بدول الجوار والمجتمع الدولي بما فيه الولايات المتحدة، فضلاً عن استعراض رؤيته لأهم القضايا، والرد على الانتقادات التي تطال النهج المتشدد للحركة".

ويعتبر بهير أن "طالبان" جادة في محاولة إقناع المجتمع الدولي بأهليتها للحكم، إذ يقوم وزير الخارجية الأفغاني دورياً بجولات خارجية لإقناع الدول الأخرى بأن الحكومة ملتزمة بتنفيذ كل بنود اتفاق الدوحة الذي توصلت إليه مع الولايات المتحدة، وهذا يعني، وفق رأيه، أن "الحكومة سوف تُغير نهجها، وليس أمامها إلا قبول بعض ما جاء في الاتفاق".

لكنه يستدرك قائلاً: "لعلّ أكثر إشكاليات اتفاق الدوحة هي عدم وضوح بعض تفاصيله، إذ "فقط طالبان وواشنطن يعرفانها، وتحديداً من ناحية تفسير المقصود بشمولية الحكم وتشكيل الحكومة الإسلامية، ومسألة الحقوق والحريات".

إلا أن الدبلوماسي السابق فضل من الله ممتاز يعتقد أن طالبان "لا تستطيع الالتزام بشروط المجتمع الدولي نتيجة الضغوط الداخلية والخلافات بين قادتها بشأن قضايا مهمة".

وتريد "طالبان"، بحسب المحلل السياسي الأفغاني حمزة حكيمي، "التحول من حركة مقاومة مسلحة إلى دولة مستقرة، وشق طريقها إلى الشرعية الدولية، لكنها تواجه مشاكل وتحديات داخلية عديدة"، فالذي ينقص طالبان، كما يقول "جهود البحث عن المشروعية الداخلية، إذ لم تقم بالخطوات التي تحتاجها، مثل لم شمل الأفغان بمختلف أطيافهم في حكومة موحدة يشارك فيها الجميع".

غير أن الحركة تقوم بالفعل ببعض الخطوات في هذا الصدد، إذ تحاول استيعاب مسؤولي النظام السابق الذين فروا من البلاد إبان سيطرتها على كابول، وأسسّت لذلك لجنة الاتصال بالشخصيات الأفغانية، وبالفعل عاد البعض، وآخرهم بحسب ما أعلنت وسائل إعلام محلية مساعد رئيس جهاز مخابرات محافظة بروان محمد طاووس عرب.

مكافحة الفساد

بحسب تقرير لصحيفة "الجارديان"، حققت طالبان بعض النجاح في محاربة المستويات الفاحشة للكسب غير المشروع، التي شوهت النظام السابق على مدار 20 عاماً، إذ كان أمراء الحرب والعائلات المتنفذة يسيطرون على بعض قطاعات التجارة، إلى جانب تورطهم في التهريب ودفع الرشاوى إلى الشرطة عند نقاط التفتيش.

واستطاعت حكومة طالبان تقليل مستويات الفساد من خلال الانضباط الداخلي الصارم والقوة العسكرية، وقدّرت دراسة ممولة من وزارة الخارجية البريطانية، صدرت في يوليو، أن الحركة "خفضت بشكل كبير" ما يصل إلى 1.4 مليار دولار من الرشاوى.

وتعليقاً على ما أحرزته، قال المتحدث باسم وزارة المالية في الحكومة الأفغانية أحمد والي حكمال: "من الصعب أن نقول إننا قضينا على الفساد، لكننا قللنا منه".

وتتوقع الأمم المتحدة أن ترتفع صادرات أفغانستان إلى نحو 1.8 مليار.

وتحاول "طالبان" أيضاً إظهار إمكاناتها في إدارة شؤون الدولة ورعاية مصالح مواطنيها، كما يبدو في إعلانها مشاريع في شتى القطاعات، مثل بناء منازل سكنية لآلاف الأسر المتضررة من الزلزال، الذي ضرب ولايتي بكتيكا وخوست.

واعتادت الحركة بين الفينة والأخرى نشر إحصائيات حول الإيرادات، التي تحققت في بعض القطاعات، وخلال وقت سابق في أغسطس الجاري، كشفت في إطار ما سمّته برنامج "الشعب يحاسب" أن إجمالي إيرادات وزارة المعادن والبترول خلال عام واحد منذ تولي السلطة بلغت 146.7 مليون دولار.

ولعلّ أبرز ما تسعى "طالبان" إلى تحقيقه، كما تقول، إنهاء اعتماد البلاد على المنح الخارجية. وقد أكد نائب رئيس الوزراء الملا عبد الغني برادر أن بلاده لا يمكن أن تُبنى بالمساعدات، موضحاً أن "أفغانستان لا ترفض المساعدة من أحد، لكنها ترفض مد يد الذل والفقر، لأنها غنية بالثروات الطبيعية"، مُتعهداً بحل مشاكل المواطنين. ولافت إلى افتتاح مشاريع كبيرة ومنها شركة "أفغان انويست" باستثمار قدره 250 مليون دولار، والتي تعمل في قطاعات المعادن والطاقة والبناء والزراعة.

تجدر الإشارة إلى أن الحركة بدأت حديثاً حملة أمر بها زعيم الحركة الملا هبة الله آخوند زاده لجمع المتسولين في مدينة كابول وحل مشاكلهم.

"مستقبل قاتم"

لا يبدو الواقع الأفغاني بعد عام كامل من حكم طالبان مُبشراً بالأفضل للمواطنين، فرغم الاستقرار الأمني النسبي الذي تحقق، بحسب رأي حكيمي، تفتقر أفغانستان إلى دستور ونظام حكم معترف به دولياً أو على الأقل على مستوى المنطقة.

ويقول عبد الجبار بهير إن أفغانستان "لم تشهد أي تغيير ملموس على المستوى المعيشي، حيث لا يزال الناس يتدفقون نحو دول الجوار بحثاً عن العمل أو إلى الدول الغربية طلباً للجوء".

وأضاف: "خاب أمل الأفغان في مستقبل بلادهم. فمنذ فتح البنوك في سبتمبر الماضي لا يستطيع المواطن الحصول على أكثر من 200 دولار من أمواله. والتاجر غير قادر على تحويل الأموال في تعاملاته التجارية، والبطالة تتفاقم. والتغييرات لا تتعدى الساحة الأمنية والسياسية على مستوى نظام الحكم، لكن لا ينعكس ذلك على مصالح الناس".

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 650 ألف أفغاني تم ترحيلهم أو إعادتهم إلى أفغانستان من الدول المجاورة منذ أغسطس 2021، وتُحذر منظمات إنسانية من أن ذلك قد يُعرض الكثيرين منهم لخطر شديد في ظل نظام "طالبان".

من جانبه، يعتقد أستاذ العلوم السياسية في "جامعة كابول| الدكتور ودير صافي أن "طالبان ستعمل على الامتثال للمعاهدات الدولية، واحترام حقوق الإنسان وحقوق المرأة"، محذراً من أن عدم حدوث ذلك "يجعل المستقبل رمادياً وأكثر قتامة لقادة الحركة".

ويؤكد الباحث في الشأن الآسيوي الدكتور وائل عواد أن "استمرار التدهور الاقتصادي في ظل العقوبات وتجميد الأموال ووقف المساعدات وتفاقم الأوضاع المعيشية يُهدد بانهيار الدولة الأفغانية، ما يجعل مستقبل البلاد قاتماً في ظل حكم طالبان".

في حين يعتبر عمران الأفغاني أن "الغرب عموماً، والولايات المتحدة خاصة، وبسبب الهزيمة والخسائر البشرية والمادية الكبيرة التي مُنيت بها خلال حربها مع طالبان، ستسعى حثيثاً لمنع الحركة من الوقوف على قدميها".

تصنيفات