لماذا تستثمر الدول الصناعية في احتياطات النفط الاستراتيجي؟

time reading iconدقائق القراءة - 12
صورة جوية لموقع خزانات الاحتياطي الاستراتيجي من النفط الخام في ولاية تكساس الأميركية، نوفمبر 2000. - REUTERS
صورة جوية لموقع خزانات الاحتياطي الاستراتيجي من النفط الخام في ولاية تكساس الأميركية، نوفمبر 2000. - REUTERS
دبي-الشرق

أثار إعلان الولايات المتحدة الأميركية، الاثنين، شروعها في السحب من الاحتياطي الاستراتيجي للنفط أسئلة بشأن سبب تخزين  الدول الصناعية الكبرى كميات كبيرة من النفط تحت الأرض أو في الحاويات بالرغم من ارتفاع التكاليف.

فيما جاء قرار الولايات المتحدة ودول أخرى بالسحب من احتياطها الاستراتيجي من النفط لخفض أسعار الطاقة، كان الهدف من وراء شروع الدول الصناعية بداية في تخزين النفط  حماية اقتصاداتها وأنشطتها الصناعية في حال التوقف الطارئ لسلاسل إمداد الطاقة.

والولايات للمتحدة الأميركية ليست الدولة الوحيدة التي تعتمد على تخزين النفط، بل تشمل القائمة معظم الدول الصناعية الكبرى، وخصوصاً الدول غير المنتجة للنفط، من قبيل الصين، وهي أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، بالإضافة إلى اليابان والهند.

هذه الدول تنفق مليارات الدولارات لإقامة منشآت تخزين النفط. فما هي هذه الاحتياطات؟ ولماذا تعمد الدول إلى تخزين النفط الخام؟

كيف بدأت الفكرة؟

بدأت فكرة تخزين النفط للاستخدامات الطارئة عقب أزمة النفط العالمية التي اندلعت عام 1973، حين أوقفت الدول العربية المصدرة للنفط صادراتها رداً على الدعم الأميركي لإسرائيل خلال حرب أكتوبر عام 1973، بحسب موقع "BBC Future" البريطاني.

في عام 1974، تأسست "وكالة الطاقة الدولية"، ومقرها في باريس، بمبادرة من وزير الخارجية الأميركي آنذاك هنري كيسنجر، بهدف تنسيق سياسات الطاقة في الدول الصناعية، وهي التي تشرف على طريقة تخزين النفط الخام في البلدان الأعضاء، وطرق السحب منها. وأصبحت الوكالة بمثابة هيئة تدافع عن مصالح الدول الصناعية، توازي "منظمة الدول المصدرة للنفط" (أوبك). 

وتضم الوكالة 29 دولة، من ضمنها كندا والولايات المتحدة واليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية، بالإضافة إلى فرنسا وألمانيا وبريطانيا.

وبحسب موقع وكالة الطاقة الدولية، فإن كل الدول الأعضاء تلتزم بتخزين احتياطي طوارئ من النفط الخام يساوي على الأقل 90 يوماً لصافي وارداتها.

وتوجد ثلاث طرق للاحتفاظ باحتياطات استراتيجية تفي بمعيار التسعين يوماً، وفقاً لموقع الوكالة الإلكتروني. وتتمثل في الاحتياطات التجارية لدى شركات التكرير والاحتياطات لدى الحكومات والوكالات الحكومية. ولكل دولة أن تختار توزيع الكمية المطلوبة على أنواع الاحتياطات الثلاثة.

وبحسب "BBC Future"، فإن بريطانيا لا تملك منشآت لتخزين النفط، بل تملك التزاماً من شركات النفط بالاحتفاظ بالنفط في مواقعه القائمة بكميات أكبر مما قد تفعل في العادة.

احتياطي الولايات المتحدة

تملك الولايات المتحدة أكبر احتياطي من النفط المخزن للاستعمال الطارئ في العالم، وتحتفظ به في أربعة مواقع مؤمّنة تحت الأرض على ساحلي تكساس ولويزيانا.

وتم بناء هذه المنشآت على شكل 60 كهفاً صخرياً تحت سطح الأرض في عام 1975، بحسب وزارة الطاقة الأميركية التي تشير إلى أن هذه الكهوف تستطيع استيعاب 727 مليون برميل من النفط.

ويبلغ الاحتياطي الأميركي نحو 606 ملايين برميل من النفط، حسب وكالة معلومات وزارة الطاقة الأميركية. وهو ما يعادل 275 يوماً من صافي وارادات البلاد النفطية.

وبحسب الوزارة، يتألف الاحتياطي الأميركي من 395 مليون برميل من الخام الثقيل عالي الكبريت، و250 مليون برميل من الخام الأميركي الخفيف.

وتستخدم الولايات المتحدة الملح من أجل تخزين النفط الخام لفترات طويلة تحت الأرض، إذ قال مسؤول في وزارة الطاقة لـ"BBC Futures"، "إننا دائماً ما نطلق على كهوف التخزين لقب (القباب الملحية) لأن الملح يصون النفط الخام ولا يختلط به ولا يذوب فيه، لذا فهذه الكهوف تشكل منشآت تخزين مثالية".

وفي الماضي، قرر رؤساء أميركيون بيع الاحتياطي النفطي الاستراتيجي مرات عديدة للخروج من أوضاع صعبة. الأولى كانت عام 1991 خلال العملية العسكرية التي تلت غزو العراق للكويت.

في سبتمبر 2005، عطل إعصار كاترينا إنتاج النفط وتوزيعه والمصافي في لويزيانا وميسيسيبي، فأمر الرئيس جورج بوش الابن ببيع 30 مليون برميل من النفط وانتهى الحال إلى بيع 11 مليون برميل منها لشركات الطاقة.

وفي رد منسق، حددت وكالة الطاقة الدولية هدفاً يتمثل في إتاحة 60 مليون برميل من النفط والمنتجات البترولية، لكن ما بيع من هذه الكمية في النهاية كان أقل من ذلك.

في يونيو 2011، أمر الرئيس باراك أوباما ببيع 30.6 مليون برميل بسبب تعطل الإمدادات في ليبيا. وجرى تنسيق عملية السحب مع وكالة الطاقة الدولية التي سحبت 30 مليون برميل أيضاً، بحسب وكالة "رويترز".

وبمقتضى القانون الصادر في 2015، جرى توجيه الاحتياطي الاستراتيجي لبيع نفط بما يصل إلى ملياري دولار في الفترة من 2017 إلى 2020 وذلك لتحديث الاحتياطي الاستراتيجي.

وكانت خطوط الأنابيب والمضخات الخاصة بالاحتياطي الاستراتيجي قد منيت بأضرار بعد تعرّضها للرطوبة والهواء المالح على مدى عشرات السنين. والهدف من التحديث أيضاً هو تحسين القدرة على تحميل النفط من الاحتياطي الاستراتيجي على ناقلات لتصديره إلى الخارج.

أبرز الدول التي تملك احتياطات

بخلاف الولايات المتحدة يتعين على الدول الأخرى الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية، وعددها 29 دولة، الاحتفاظ باحتياطات من النفط للطوارئ تغطي صافي الواردات لفترة 90 يوماً. وتملك اليابان واحداً من أكبر الاحتياطات بعد الصين والولايات المتحدة.

اليابان

اليابان تعتبر رابع أكبر مستورد للنفط الخام في العالم بمتوسط يومي يصل إلى 2.7 مليون برميل، ويعد احتياطها الاستراتيجي من النفط الخام هو ثالث أكبر احتياطي في العالم بعد الصين والولايات المتحدة.

وتخزن اليابان احتياطاتها من النفط الخام عبر ثلاثة برامج. إذ تشرف الحكومة اليابانية على تخزين جزء من احتياطي النفط، وتشرف الشركات الخاصة بما في ذلك المصافي على تخزين الجزء الثاني، فيما يتم تخزين الجزء الثالث من احتياطي اليابان بالشراكة مع الدول المنتجة للنفط، بحسب وكالة النفط اليابانية الحكومية (Jogmec).

وبحسب موقع الوكالة اليابانية، فإن إجمالي احتياطي البترول الاستراتيجي لليابان يبلغ 80 مليون كيلولتر (أكثر من 500 مليون برميل). ويكفي هذا المخزون لتغطية 208 أيام من صافي واردات اليابان من النفط الخام، وهو أعلى بكثير من الحد الأدنى البالغ 90 يوماً الذي تطلبه وكالة الطاقة الدولية.

وتخزن اليابان احتياطها في سلسلة من المواقع في حاويات فوق الأرض، من ضمنها منشأة تقع في مدينة شيبوشي الساحلية، بحسب موقع "BBC Future".

الصين

وتملك الصين ثاني أكبر احتياطي استراتيجي من النفط الخام في العالم، وهي عضو منتسب إلى وكالة الطاقة الدولية. وكوّنت الصين احتياطها النفطي الاستراتيجي قبل 15 عاماً وأجرت أول مزاد لبيع كميات من الاحتياطي في سبتمبر الماضي.

وبحسب تقرير لـ "BBC Futures"، فإن الصين تخزن احتياطها الاستراتيجي من النفط الخام في عدد من المواقع المنتشرة على طول البلاد وعرضها.

ويشير التقرير إلى أن الصين لا تخزن النفط في الكهوف والقباب الملحية، بل في منشآت أكثر تكلفة فوق سطح الأرض، مضيفاً أن هذه الخزانات من السهل مشاهدتها في صور الأقمار الصناعية التي توفرها خدمة "غوغل إيرث"، وتظهر على شكل صفوف من نقاط بيضاء كبيرة.

موقع المخزون الاستراتيجي في مدينة جينهاي الصينية واحد من هذه المواقع، وتخزن فيه الصين نحو 33 مليون برميل.

ولا تتيح الصين معلومات عن إجمالي هذا الاحتياطي، ويقدّر روبرت ريان خبير السلع والطاقة في "بي سي ايه ريسيرش"، ومقرها مونتريال، المخزون الاستراتيجي للصين عند 510 ملايين برميل، بينما يتوقع سنج يك تي المحلل في "إس آي إيه إنرجي" أن احتياطي الصين يبلغ 325 مليون برميل، بحسب وكالة "رويترز".

الهند

وتحتفظ الهند العضو المنتسب أيضاً إلى وكالة الطاقة الدولية،وثالث أكبر الدول المستوردة والمستهلكة للنفط، باحتياطي استراتيجي. 

وفي 2005 أسست وزارة النفط الهندية شركة الاحتياطات البترولية الاستراتيجية لبناء منشآت لتخزين احتياطات استراتيجية.

وبنت الشركة ضمن المرحلة الأولى لأعمال التطوير منشآت تخزين بسعة 5.33 مليون طن في ثلاثة مواقع هي فيزاج بسعة 1.33 مليون طن، ومنجالور بسعة 1.5 مليون طن، وبادور بسعة 2.5 مليون طن. 

وفي 2018، أبرمت الهند شراكات مع شركات في القطاع الخاص لبناء ثلاثة مواقع إضافية لتخزين الاحتياطي الاستراتيجي من النفط بسعة خمسة ملايين طن، بحسب "رويترز".

لماذا السحب من الاحتياطي؟

وقالت مصادر مطلعة لوكالة "رويترز"، في وقت سابق الأربعاء، إن الولايات المتحدة طلبت من بعض أكبر الدول المستهلكة للنفط في العالم، دراسة استخدام احتياطاتها من الخام في مسعى منسق لخفض الأسعار وتحفيز التعافي الاقتصادي.

ومن الممكن أن يتيح طرح كمية من الاحتياطي النفطي في الأسواق لإدارة بايدن خفض الانتقادات قبل انتخابات الكونجرس النصفية في 2022، والتي تشير إلى أنها لم تبذل جهداً يذكر للتصدي لارتفاع الأسعار.

وربما يتيح التحرك الأميركي، بالتعاون مع كبار المستهلكين مثل الصين واليابان والهند، لبايدن أن يقول إنه لم يقف مكتوف اليدين بعد أن قاومت منظمة البلدان المصدرة للبترول وحلفاؤها، ومن بينهم روسيا في تكتل "أوبك+"، المطالب الأميركية بضخ المزيد من النفط في الأسواق العالمية. 

ويمكن للولايات المتحدة، أكبر منتج للنفط الخام في العالم، زيادة إنتاجها  بشكل أساسي من خلال زيادة إنتاجها من النفط الصخري.

لكن هذا الخيار محدود لأن هذا النفط أخف وزناً إلى حد كبير وليس بديلاً عن النفط الخام الثقيل المنتج في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى أن البنية التحتية والمرافئ الأميركية تعمل بأقصى طاقتها، بحسب وكالة "فرانس برس".