المصالحة بين السعودية وإيران.. خطوة إضافية وتحديات إقليمية

time reading iconدقائق القراءة - 9
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يستقبل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في جدة، السعودية. 18 أغسطس 2023 - (واس)
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يستقبل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في جدة، السعودية. 18 أغسطس 2023 - (واس)
الرياض- أحمد الغامدي

مثّلت زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان للسعودية مرحلة جديدة على طريق إصلاح العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد 7 سنوات من القطيعة.

ويرى محللون ومراقبون أنَّ العلاقات بين السعودية وإيران تتجه نحو مرحلة جديدة من التعاون والتنسيق الذي يشمل العديد من قضايا المنطقة وملفاتها، بما يتضمنه ذلك من بعض التحديات.

وقال مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية بطهران محمد صدقيان، لـ"الشرق"، إنَّ لقاء وزير الخارجية الإيراني بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في جدة، الجمعة، "أسس لعلاقات مستدامة" وضعت العلاقات "السعودية- الإيرانية" على الطريق الصحيح بعد القطيعة السابقة.

وأضاف أن "الأمير محمد بن سلمان بيّن خلال لقاء عبد اللهيان ماذا تريد السعودية من علاقتها مع إيران، وكان واضحاً في ذلك"، فيما "أظهر عبد اللهيان الجوانب المتعلقة بالقلق الإيراني من كل التطورات في المنطقة".

ورأى صدقيان أنَّ عبد اللهيان "سينقل بالتأكيد وجهة النظر السعودية إلى القيادة الإيرانية بكل دقة، من أجل العمل خلال المرحلة المقبلة على تقليص الاختلافات في وجهات النظر بين الجانبين، بهدف صياغة علاقة تستند إلى الاحترام المتبادل والتفاهم والتنسيق".

الأمن والتنمية

وأكد وزير الخارجية الإيراني في تصريحاته، الجمعة، أنَّ العلاقات مع الرياض "تسير في الاتجاه الصحيح".

وأشار إلى أن الجانبين بإمكانهما العمل على حل الموضوعات الإقليمية العالقة، مشدداً على أن تحقيق الأمن والتنمية في المنطقة "لا يمكن تجزئته ويمكن لجميع الفاعلين الإقليميين لعب دور في هذا الإطار".

وفي هذا الشأن، قال المحلل السياسي السعودي مبارك آل عاتي إنَّ هناك توجهاً لدى الرياض وطهران بالذهاب بعلاقتهما إلى "آفاق أوسع من حيث التعاون في كافة المجالات، وفتح مسارات بمختلف القضايا".

وأشار آل عاتي، في حديث لـ"الشرق"، إلى أنَّ زيارة عبد اللهيان للرياض أكدت أنَّ هناك عزماً لدى البلدين على الانتقال إلى مرحلة "التنسيق السياسي حيال بقية قضايا المنطقة"، مضيفاً أنَّ هذا العزم "يعود إلى إدراك متبادل بأن تقوية علاقات البلدين من شأنه أن يوفر حماية وضمانة أمنية واستقراراً في المنطقة وحصانة ضد التدخلات الأجنبية".

مستقبل العلاقات 

رئيس مركز الخليج للأبحاث عبد العزيز بن صقر قال، في حديث لـ"الشرق"، إن هناك 3 خطوات مهمة في العلاقة مع إيران، الأولى هي خفض التصعيد من الجانب الإيراني، والثانية هي (وقف) الدعم الإيراني للحوثيين، والثالثة هي "أن تتحول النوايا الإيرانية إلى أفعال حقيقية".

وقال بن صقر إنه "ليست أميركا وإسرائيل من لا يريدان هذا التقارب، لكن هناك أيضاً أطرافاً داخل إيران لا تريد إتمام المصالحة".

وأوضح صقر أنه "عندما تتوقف إيران عن تهديداتها، لن نصبح بحاجة إلى تواجد أجنبي في المنطقة"، لافتاً إلى أن "من المبكر الحديث عن تحالف خليجي إيراني لإنشاء أسطول بحري من أجل أمن المنطقة"، معتبراً أن تلك الخطوة تأتي بعد خفض التصعيد الإيراني.

أثر المصالحة

فيما قال الدبلوماسي الإيراني السابق هادي أفقهي، لـ"الشرق"، إن الوفود السعودية والإيرانية توصلت إلى اتفاق تاريخي بوساطة من بكين يهدف إلى تجاوز الخلافات الإقليمية وتحقيق المصالحة بين البلدين.

وأوضح أن الوفدين ناقشا العديد من القضايا التي تعكرت على مر السنوات، وفقًا لأولوياتها وأهميتها والاختصاصات المعنية، مؤكداً أن جميع هذه الملفات جاهزة للتنفيذ، وأنه تم التوصل إلى اتفاق نهائي بين الجانبين.

وأشار أفقهي إلى أن هذه المصالحة ليست مجرد تفاهم بين إيران والسعودية، بل يمتد أثرها الإيجابي إلى جميع شعوب المنطقة، وكذلك على الصعيدين الإقليمي والدولي، محذراً من أي محاولات للتدخل أو الإخلال بالاتفاق من جهات تسعى لتقويض استقرار المنطقة.

وعلّق على تحركات الولايات المتحدة في الخليج، مشيراً إلى أنه ينبغي الاستفادة من فرصة المصالحة لمنع أي تصعيد غير مرغوب والحفاظ على أمن المنطقة، معرباً عن تخوفه من أن تقوم الولايات المتحدة بتدبير مؤامرات تستهدف تقويض المصالحة وإحداث فتنة بين الدولتين.

ونوّه الدبلوماسي الإيراني بإعلان دول خليجية مثل الكويت وقطر والإمارات وعمان تأييدها لهذه المصالحة التاريخية، واستعدادها للمشاركة في ترسيخ هذا الاتفاق وتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع إيران.

وتوقع أفقهي أن تساهم المصالحة في تهدئة التوترات في المنطقة، وفتح آفاق جديدة للتعاون والتنمية، لافتاً إلى أهمية متابعة تنفيذ الاتفاق ومدى تأثيره على الأوضاع الإقليمية والدولية.

حقل الدرة

وعن مدى تأثير النزاع حول حقل الدرة النفطي على المصالحة السعودية الإيرانية، قال أفقهي:"استناداً إلى الوثائق المتاحة من جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الطرف الإيراني والكويتي والسعودي، وكذلك تصريحات مسؤولين عراقيين، نستنتج أن هذه القضية تعتبر واحدة من القضايا العالقة التي تتطلب معالجة جادة".

وأضاف أفقهي: "القضية تحتاج إلى مناقشة هادئة على طاولة الحوار، وينبغي أن تتاح لكل طرف فرصة التعبير عن وجهة نظره ومخاوفه بحريّة".

وتابع: "إذا لم تنجح هذه العملية في تحقيق تقارب الآراء بين الأطراف الثلاثة، فإن هناك الخيار البديل وهو الاتجاه إلى المحاكم الدولية لحسم القضية"، مبيناً أن هذه القضية تعد جزءاً من المسار العام للمصالحة، ولا ينبغي أن تؤثر سلباً على التقدم الكبير الذي تحقق في مجال التفاهمات وتعزيز العلاقات بين إيران والسعودية والدول المجاورة.

انفراجات إقليمية

واعتبر مبارك آل عاتي أنَّ قضايا المنطقة "باتت مرشحة لأن تشهد انفراجة جراء تنامي التعاون السياسي والاقتصادي بين السعودية وايران".

ورجَّح المحلل السياسي أن يشهد الملف اليمني انفراجه كبيرة، خاصة مع تزامن زيارة المبعوث الأميركي لليمن تيم ليندركينج للمنطقة وبحثه سبل انطلاق العملية السياسية في اليمن ودعمها مع توقيت زيارة وزير الخارجية الإيراني، مشيراً إلى أن إيران والسعودية "معنيتان بتحقيق أمن اليمن واستقراره". 

واقترح وزير خارجية إيران، خلال المؤتمر الصحافي في الرياض، إجراء "حوار إقليمي" مع دول الجوار في الخليج العربي، لافتاً إلى "إمكانية العمل في المواضيع الفورية والعاجلة في مجالات البيئة والإغاثة".

وشدد على أن "فكرة تحقيق الأمن في المنطقة لا يمكن تجزئتها"، معتبراً أن "بإمكان جميع الفاعلين الإقليميين لعب دور في هذا المجال"، مؤكداً أن الجانبين "ركزا على القضية الفلسطينية التي تعتبر القضية الرئيسية للعالم الإسلامي".

ووصف وزير الخارجية الإيراني لقاءه مع ولي العهد السعودي بـ"الصريح والشفاف"، مشيراً عبر تويتر إلى أنَّ اللقاء، الذي استمر 90 دقيقة، أسَّس لمبدأ "تحقيق الأمن والتنمية للجميع في المنطقة".

وقال الوزير الإيراني إنه بحث مع ولي العهد السعودي، خلال لقائهما في جدة، الجمعة، إرادة قيادة البلدين في إرساء العلاقات الثنائية المستدامة في جميع المجالات على أساس "سياسة الجوار"، واصفاً المباحثات بأنها "مفيدة ومثمرة".

وتسعى طهران إلى رفع مستوى التبادل التجاري بين البلدين إلى آفاق جديدة، وتعزيز دور القطاع الخاص في تحقيق ذلك من أجل "ترسيخ عنصر الاقتصاد في العلاقات الثنائية"، بحسب ما ذكره مستشار وزير الخارجية الإيراني على أكبر عنايتي مؤخراً.

وتعمل الرياض حالياً على الانتهاء من تجهيز مقار بعثاتها الدبلوماسية في إيران، وبحسب مصادر تحدثت لـ"الشرق"، بات الإعلان عن افتتاح سفارة سعودية في طهران وقنصلية في مدينة مشهد، وشيكاً، وسيعلن عنها بشكل رسمي قريباً خلال مراسم لرفع العلم.

كما قالت المصادر ذاتها إن البعثة الدبلوماسية السعودية ستباشر مهام عملها من فندقي "أسبيناس بلاس" في العاصمة الإيرانية طهران، و"ميثاق" في مشهد، إلى حين الانتهاء من إعادة تأهيل مقراتها الدائمة.

تفعيل الاتفاقيات

وخلال الإحاطة الصحافية لوزير الخارجية السعودي ونظيره الإيراني، الخميس، أكد الأمير فيصل بن فرحان حرص المملكة على تفعيل الاتفاقيتين الأمنية والاقتصادية المبرمة بين البلدين في عامي 1998 و2001.

وتضمَّنت الاتفاقية الأولى بنوداً عدة، منها مكافحة الجريمة والإرهاب ومراقبة الحدود البحرية والمياه الإقليمية بين البلدين، بالإضافة إلى مكافحة جرائم تهريب الأسلحة والبضائع والتسلل غير المشروع ومكافحة تهريب المخدرات.

وتضمَّنت الاتفاقية الثانية التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وشملت كذلك تشجيع وتسهيل الاستثمارات المشتركة وتبادل زيارات الوفود التجارية.

وأوضح مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية محمد صدقيان أن الغرض من اللجان المشتركة هو "تفعيل الاتفاقيتين الاقتصادية والأمنية، لتحقيق الاستفادة من الإمكانات التي تمتلكها كل دولة والعكس"، مشيراً إلى أنَّ "مجالات التعاون بين الرياض وطهران كبيرة".

ومن المتوقع أن يشهد مسار المصالحة بين البلدين مراحله النهائية خلال الزيارة المرتقبة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي للرياض استجابة لدعوة الملك سلمان بن عبد العزيز التي نقلها وزير الخارجية السعودي إلى طهران في يونيو الماضي.

وأشار عبد اللهيان إلى قبول الرئيس الإيراني للدعوة الملكية، مؤكداً أنَّ رئيسي "سيلبيها في الوقت المناسب".

واعتبر وزير الخارجية السعودي أن الاتفاق الذي تم توقيعه في العاصمة الصينية بكين، في مارس، يعد "محطة مفصلية في تاريخ البلدين ومسار الأمن الإقليمي". 

ويُعد هذا اللقاء الرابع بين وزيري خارجية البلدين منذ اتفاق استئناف العلاقات، وتوالت الاجتماعات، واللقاءات الثنائية بين المسؤولين السعوديين ونظرائهم الإيرانيين، ما سمح بدفعات جديدة في سبيل تنفيذ بنود "اتفاق بكين".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات