مراسلات سرية تكشف تفاصيل مقترح لبناء نفق بين روسيا والقرم

time reading iconدقائق القراءة - 10
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتفقد جسر القرم ق الذي أعيد ترميمه بعد الانفجار في شبه جزيرة القرم. 05 ديسمبر 2022 - AFP
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتفقد جسر القرم ق الذي أعيد ترميمه بعد الانفجار في شبه جزيرة القرم. 05 ديسمبر 2022 - AFP
دبي -الشرق

أجرى رجال أعمال روس وصينيون، تربطهم علاقات بحكومتي موسكو وبكين، مناقشات سرية بشأن خطط لبناء نفق تحت الماء، يربط روسيا بشبه جزيرة القرم، وذلك لإنشاء طريق بينهما يكون محمياً من هجمات أوكرانيا، وفق صحيفة "واشنطن بوست".

وقالت الصحيفة الأميركية، التي أوردت في تقرير، الجمعة، تفاصيل اتصالات ورسائل اعترضتها أجهزة الأمن الأوكرانية، إن المحادثات، التي تضمنت اجتماعات عُقدت في أواخر أكتوبر، بدأت بسبب مخاوف روسية متزايدة بشأن أمن الجسر الذي يبلغ طوله 11 ميلاً (نحو 17.7 كم) ويمر عبر مضيق "كيرتش"، الذي كان بمثابة خط لوجستي رئيسي للجيش الروسي، لكن أوكرانيا فجرته مرتين، ولا يزال هدفاً حربياً عرضة للهجوم.

وهذه المفاوضات الضوء تسلط على تصميم روسيا على الحفاظ على قبضتها على شبه جزيرة القرم، التي ضمتها في عام 2014، فضلاً عن اعتماد موسكو المتزايد على الصين كمصدر للدعم العالمي، بحسب التقرير.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين وخبراء هندسيين قولهم إن بناء نفق بالقرب من الجسر الحالي سيواجه عقبات هائلة، لأنه لم يسبق تنفيذ مشروع بهذا الحجم، ربما يكلف مليارات الدولارات، ويستغرق سنوات لاستكماله، في منطقة حرب من قبل.

مع ذلك يقول خبراء إنه على الرغم من التساؤلات بشأن إمكانية تطبيق الخطة، فإن روسيا لديها أسباب واضحة لمتابعة تنفيذها. وفي هذا الصدد، قال ألكسندر جابويف، وهو خبير في العلاقات بين موسكو وبكين في مركز "كارنيجي روسيا أوراسيا"، إنه بعد فشلها في تحقيق نصر حاسم في الحرب، فإن موسكو "تواجه خطر أن تحاول كييف تعطيل جسر كيرتش لسنوات عديدة مقبلة".

وأشارت الصحيفة إلى أن هذا المشروع يشكل مخاطر سياسية ومالية على الصين، التي لم تعترف رسمياً قط بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، والتي يمكن أن تتأثر شركاتها بالعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على موسكو.

مع ذلك، فإن رسائل بريد إلكتروني، اعترضتها كييف، تظهر أن واحدة من أكبر شركات البناء في الصين أبدت استعدادها للمشاركة في المشروع.

وحصلت "واشنطن بوست" على رسائل اعترضها مسؤولون أوكرانيون كانوا يأملون في كشف المشروع ومشاركة الصين المحتملة، أثبتت صحتها معلومات أخرى، حصلت عليها الصحيفة بشكل منفصل، تشمل ملفات تسجيل الشركات، التي تظهر أن مجموعة روسية صينية، تضم أفراداً وردت أسماؤهم في الرسائل، تأسست مؤخراً في شبه جزيرة القرم.

وتشير رسائل بريد إلكتروني تداولها مسؤولو هذه المجموعة خلال الأسابيع الأخيرة إلى عقد اجتماعات مع مندوبين صينيين في شبه جزيرة القرم، وتؤكد إحدى هذه الرسائل، المؤرخة في 4 أكتوبر، أن الشركة الصينية لبناء السكك الحديدية (CRCC) "مستعدة لضمان بناء مشاريع السكك الحديدية والطرق بأي مستوى من التعقيد في منطقة القرم".

وكانت "CRCC"، وهي شركة مملوكة للدولة، قد قامت ببناء العديد من أكبر شبكات الطرق والسكك الحديدية في بكين، وأقامت علاقات قوية مع روسيا في السنوات الأخيرة من خلال عدة مشاريع بما في ذلك توسيع نظام مترو أنفاق موسكو الذي اكتمل في عام 2021، ولكنها لم ترد على طلبات الصحيفة الحصول على تعليق.

نفي روسي

في المقابل، رفض مسؤول تنفيذي كبير في المجموعة الروسية-الصينية، التي يقع مقرها في مدينة سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم، الإجابة على أسئلة بشأن مشروع النفق عندما تواصل معه أحد مراسلي "واشنطن بوست".

ونفى فلاديمير كاليوزني، وهو رجل أعمال روسي ورد اسمه في الوثائق على أنه المدير العام للمجموعة، الأمر برمته ووصفه بأنه "مجرد أحاديث"، قبل أن يعلن أنه لن يقدم أي معلومات إلى "وسائل إعلام مُعادية"، وأنهى المكالمة بشكل مفاجئ، حسب الصحيفة.

"واشنطن بوست" أشارت إلى أن رد كاليوزني يتعارض مع كيفية تصوير الاقتراح في رسائل البريد الإلكتروني الداخلية، موضحة أنه في رسالة أُرسلت الشهر الماضي إلى مسؤول روسي يعمل كأحد الممثلين الرئيسيين لشبه جزيرة القرم في موسكو، قال كاليوزني: "حصلت على رسالة من شركائنا الصينيين بشأن استعداد إحدى أكبر الشركات في الصين، CRCC، للمشاركة كمقاول عام في بناء نفق تحت مضيق كيرتش".

وكانت رسالة كاليوزني هذه موجهة إلى جورجي مرادوف، وهو الممثل الدائم لجمهورية القرم لدى الرئاسة الروسية، لكن لم يرد مرادوف، الذي عمل سابقاً سفيراً لروسيا لدى قبرص، على طلب الصحيفة للتعليق.

ويأتي اقتراح بناء النفق هذا في الوقت الذي تمضي فيه روسيا قدماً في مشاريع بنية تحتية أخرى في الأراضي التي احتلتها منذ عام 2014، أو سيطرت عليها منذ بدء غزوها لأوكرانيا العام الماضي، إذ أظهرت صور أقمار اصطناعية حديثة، أجزاءً جديدة من خطوط سكك حديدية على طول ساحل بحر آزوف، وهو جزء من طريق بري محتل يربط أيضاً روسيا بشبه جزيرة القرم.

وتشمل أعمال البناء التي تجري هناك شركات مرتبطة بصديق الطفولة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رجل الأعمال أركادي روتنبرج، والذي جمع ثروة هائلة من خلال مشاريع مدعومة من الكرملين بما في ذلك خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014 في سوتشي.

وقال مسؤولون أمنيون للصحيفة إن روتنبرج، البالغ من العمر 71 عاماً، استحوذ على ممتلكات واسعة النطاق في شبه جزيرة القرم منذ ضمها غير القانوني، عندما فرضت عليه لأول مرة عقوبات من قبل وزارة الخزانة الأميركية، كما عملت شركة البناء التابعة له (Stroygazmontazh) كمقاول رئيسي في جسر كيرتش.

وتُظهر وثائق المجموعة الروسية-الصينية أن ستة من مديريها المؤسسين التسعة لم تُذْكَر أسماءهم في الوثائق العامة، وهو أمر مسموح به بموجب القانون الروسي المصمم لحماية أهدافه من العقوبات الغربية.

جهود صينية للحفاظ على السرية

ووفقاً للصحيفة، فإن رسائل البريد الإلكتروني تكشف أيضاً عن الجهود الصينية للحفاظ على السرية، إذ تؤكد إحداها على أن شركة (CRCC) لن تشارك في المشروع إلا بموجب "شرط صارم يمنحها السرية الكاملة"، وأنه من المقرر استبدال اسم الشركة بـ "كيان قانوني آخر" في كافة العقود، كما تشير رسالة بريد إلكتروني أخرى إلى أن بنكاً صينياً أكد رغبته في "تحويل أمواله من الدولار الأميركي إلى الروبل الروسي لتحويلها إلى شبه جزيرة القرم من أجل تمويل مشاريع المجموعة هناك".

وأظهرت رسائل بريد إلكتروني إجراء مناقشات بين المجموعة ومسؤول تنفيذي في (CRCC) عرف باسم Xu Huaxiang، وهو الاسم الذي قالت الصحيفة إنه يتطابق مع اسم مواطن صيني، مدرج بصفته نائب الرئيس ونائب المدير العام للذراع الدولي للشركة.

وأعرب مسؤولون وخبراء أميركيين، تحدثوا إلى الصحيفة، عن دهشتهم من أن (CRCC) قد تخاطر بالتورط في مثل هذا المشروع، وذلك بالنظر إلى مخاطر تعرضها للعقوبات أو إمكانية تدميرها. وقال مسؤول أميركي يشارك في سياسة تطبيق العقوبات: "سيكون من الغريب أن يدعم اتحاد من الشركات الكبرى في الصين أو الحكومة مثل هذا المشروع، إذ إنه يبدو هدفاً سهلاً للغاية للأوكرانيين لتدميره".

وقال خبراء في مشاريع النقل الدولية الكبرى، إن بناء نفق تحت مضيق كيرتش أمر ممكن من الناحية الفنية، وأن الصين لديها الخبرة والمعدات اللازمة، ولكنهم أشاروا إلى أنه سيكون مشروعاً ضخماً يمكن مقارنته من حيث الحجم بالنفق بين الدنمارك وألمانيا الذي يظل قيد الإنشاء منذ ثماني سنوات، ومن المتوقع أن يتكلف أكثر من 8.7 مليار دولار، وسيكون أطول نفق في أوروبا عند اكتمال بنائه قرب نهاية العقد.

واستبعد الخبراء إمكانية الانتهاء من نفق كيرتش في الوقت اللازم لمساعدة روسيا في جهودها الحربية، لكنهم رجحوا أن موسكو ربما تعتبره "استثماراً طويل الأجل"، يهدف إلى توفير رابط آمن إلى الأراضي المتنازع عليها، فيما يبدو أن داعمي المشروع يشعرون بالقلق إزاء التراجع الاقتصادي الذي يمكن أن يحدث دون وجود ممر آمن في هذه المنطقة.

وتقول ماريا شاجينا، وهي خبيرة في شؤون روسيا والعقوبات الغربية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن "شبه جزيرة القرم لها أهمية رمزية بالنسبة لبوتين، ولذا فإنه من المهم ربطها بروسيا"، مضيفة أن "هذا النفق سيكون بمثابة امتداد مادي للرواية التي يتبناها الرئيس الروسي".

وقال خبراء إن الصين من جانبها ربما تصر على الحصول على ملكية جزئية على الأقل للنفق، مما يزيد مخزونها المتوسع بالفعل من البنية التحتية العالمية للموانئ والنقل، كما أنه يمكنها أيضاً تمويل المشروع والحصول على المدفوعات إما في صورة رسوم، أو من صادرات النفط والغاز الروسية.

ويرى خبراء هندسيون إنه على الرغم من أن العمل تحت الأرض يمكن أن يستمر بأقل قدر من المخاطر، فإن المشروع سيجعل آلاف الموظفين والمعدات باهظة الثمن في متناول الصواريخ الأوكرانية، قائلين إنه بسبب التهديد بالهجوم، ربما لن تتمكن موسكو وبكين من استخدام أساليب البناء الحديثة التي تتضمن سفن التجريف العملاقة على سطح الماء، وبدلاً من ذلك، لن يكون أمامهم خيار سوى استخدام التكنولوجيا التقليدية لحفر الأنفاق.

ونقلت الصحيفة عن أحد المهندسين، الذي عمل في العديد من أكبر مشاريع الأنفاق في العالم قوله: "سيكون من الصعب للغاية تخريب هذا العمل ما لم تُهَاجَم المداخل"، مضيفاً أن "بناء نفق عبر مضيق كيرتش من المرجح أن يتكلف ما لا يقل عن 5 مليارات دولار، كما أنه لن يتطلب من الجيش الروسي حماية المضيق فحسب، بل كافة المواقع التي يحتاجها المشروع على الشاطئ، ولذا فهي ستكون عملية عالية المخاطر".

تصنيفات

قصص قد تهمك