أعلن مكتب رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، الجمعة، تشكيل "لجنة ثنائية" لتحديد ترتيبات إنهاء مهمة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في البلاد، مؤكداً موقف الحكومة "الثابتَ والمبدئيَّ" في إنهاء وجود التحالف، بعد أن "انتهت مبررات وجوده في العراق".
يأتي ذلك غداة إعلان الولايات المتحدة، تنفيذ ضربة عسكرية في العراق وصفتها بـ"الدفاعية"، استهدفت فيها القائد في "حركة النجباء" مشتاق طالب السعيدي، معاون قائد عمليات حزام بغداد بالحشد الشعبي، الملقب بـ"أبو تقوى"، في تطور قد يترك أثره على العلاقة بين واشنطن وبغداد.
وقال السوداني في كلمته خلال حفل تأبين أقامته هيئة الحشد الشعبي، إن "الحكومة بصدد تحديد موعد بدء عمل اللجنة الثنائية لوضع ترتيبات إنهاء وجود قوات التحالف الدولي في العراق بصورة نهائية، وإنه لن يكون هناك تفريط بكل ما من شأنه استكمال السيادة الوطنية على أرض العراق وسمائه"، وفق بيان أصدره مكتبه الإعلامي.
وأشار إلى أنه "قبل أربعِ سنوات، وفي فجر الثالث من يناير سنة 2020، ارتكبت الإدارة الأميركيةُ فعلاً شنيعاً، إذ قتلت قائداً عسكرياً عراقياً، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي جمال جعفر آل إبراهيم (أبو مهدي المهندس)"، معتبراً أن "اغتيالُ ضيف العراق (القائد السابق للحرس الثوري الإيراني) قاسم سليماني، مثل ضربة مضاعفةً للعراق ولتقاليده وأعرافه واعتداءً على دولتين".
ولفت إلى أن "العراق تربطهُ مع واشنطن، اتفاقية شراكةٍ استراتيجية وعلاقات دبلوماسية، وبهذا تمَّ خرق المبادئ الرئيسية للعلاقات الدولية، وما نص عليه ميثاقُ الأمم المتحدة من المساواة في السيادة بين الدول، وحظر استخدام القوة في العلاقات الدولية"، مضيفاً أن "العراق خسر رجلاً كان همهُ طوال سنوات عمره أن يكون العراقُ حراً مستقلاً".
وأضاف: "تعيش منطقتنا في وضعٍ محتقنٍ منذُ 7 أكتوبر للعامِ الماضي، بسببِ السياساتِ العدوانية والإجرامية التي تمارسُها سلطات الاحتلال (الإسرائيلي) ضدَّ الفلسطينيين في غزة والأراضي المحتلة".
وتابع: "حذرنا من أنّ استمرار الممارساتِ الوحشية في غزة، ستكونُ لهُ تداعياتٌ خطيرةٌ على المنطقة والعالم، وبدأنا نلمسُ آثارهُ اليوم في العديد من دول المنطقة".
وأردف: "الحوادث الأخطر هي التي تكررت لأكثر من مرة في العراق، من خلال قيام قواتِ التحالف الدولي باعتداءاتٍ ضدَّ مقارِّ الحشدِ الشعبي"، مؤكداً أن "الحشد الشعبي يمثلُ وجوداً رسمياً تابعاً للدولةِ وخاضعاً لها، وجزءاً لا يتجزأُ من قواتِنا المسلحة".
ومضى قائلاً: "أكدنا مراراً أنهُ في حال حصولِ خرق أو تجاوز من قبل أي جهة عراقية، أو إذا ما تمَّ انتهاكُ القانونِ العراقي، فإن الحكومة العراقية هي الجهة الوحيدة التي لها أن تقومَ بمتابعةِ حيثياتِ هذه الخروقات"، مشدداً على أن "الحكومة هي الجهة المخولةُ بفرض القانون، وعلى الجميعِ العملُ من خلالها، وليس لأحد أن يتجاوز على سيادة العراق".
وأعرب رئيس الوزراء، عن "إدانته الاعتداءات التي تستهدف قواتنا الأمنية، وتتجاوز روح ونصَّ التفويضِ الذي أوجد التحالف الدولي"، مؤكداً" قدرة الحكومة واستعدادها لاتخاذ القرارات المناسبة في الحفاظ على سيادةِ العراق وأمنه واستقراره، فهو يقع في صلب مسؤولياتِها والتزاماتها وواجباتها الدستورية".
ضربة أميركية
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون" الجنرال باتريك رايدر، إنه عند الساعة 12 ظهراً الخميس، بالتوقيت المحلي للعاصمة بغداد، قامت القوات الأميركية باتخاذ إجراء ضروري ومتناسب ضد المسؤول في حركة النجباء أبو تقوى، وإن مساعداً له قتل في الهجوم الذي لم يسفر عن سقوط مدنيين.
وقال رايدر، إن أبو تقوى "متورط في تخطيط وتنفيذ هجمات ضد القوات الأميركية"، واصفاً الضربة بأنها "دفاع عن النفس". وأضاف: "لم يتعرّض أي مدنيين إلى الأذى. لم يجر ضرب أي بنى تحتية أو منشآت".
وكانت القوات الأميركية قد تعرضت لنحو 120 هجوماً من الفصائل الموالية لإيران في كل من العراق وسوريا منذ اندلاع الحرب في غزة في 7 أكتوبر.
وفي الأسابيع الأولى للحرب تجنبت الولايات المتحدة الرد على الهجمات داخل العراق، مكتفية بالرد داخل سوريا بالتزامن مع سلسلة جهود دبلوماسية قادتها مع الحكومة العراقية لوقف الهجمات، قبل أن تبدأ بالرد عسكرياً على هذه الهجمات.
وكان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن قد أجرى في 8 ديسمبر اتصالاً برئيس الوزراء العراقي، أعلن فيه أن كتائب "حزب الله" العراقي، وحركة "النجباء" مسؤولة عن معظم الهجمات ضد التحالف الدولي، وأن الولايات المتحدة تحتفظ بحق الرد بشكل حاسم ضد تلك الجماعات.
وفي 25 ديسمبر نفذت القوات الأميركية ضربات على 3 أهداف تابعة لكتائب "حزب الله" العراقي، رداً على هجوم ضد قاعدة عسكرية أميركية في أربيل أصيب فيها ثلاثة جنود أميركيين.
ويبلغ عدد القوات الأميركية المتواجدة في العراق 2500 جندي، تقدم التدريب والمشورة للقوات العراقية.
ورداً على الأصوات المطالبة بخروج قوات التحالف من العراق، قال المتحدث باسم البنتاجون إن القوات الأميركية تتواجد في العراق بناء على دعوة من الحكومة العراقية للمساعدة في التدريب والتوجيه والدعم لتحقيق مهمة هزيمة "داعش"، من دون أن يجيب على سؤال عما إذا كان تم إخطار الحكومة العراقية بالهجوم.
وعلى الرغم من أن هذه الضربة هي الأكبر على الأراضي العراقية منذ اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس قبل أربع سنوات، إلا أن البعض يرى أنها ضربة "محسوبة النتائج".
وفي حديث لـ"الشرق"، قال كبير الباحثين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بهنام بن طالبلو، إن الشخص الذي تم استهدافه ليس الأمين العام للحركة، وإنما القائد الميداني وذو رتبة أدنى، وبالتالي "تبدو ضربة محسوبة بدقة، ويأمل الأميركيون أن تكون قابلة للاحتواء".
لكن ثمة إجماع على أن الأمر ستكون له تداعياته على العلاقة بين واشنطن وبغداد حيث يتوقع أن تشهد العلاقة تدهوراً، وإن كان ذلك على المدى القصير.