ضمت الحكومة الفلسطينية الجديدة نخبة من الخبراء البارزين في تخصصاتهم، بعضهم عمل في البلاد والبعض الآخر في الخارج، لكن الكثيرين يتساءلون عن مدى قدرتهم على التعامل مع مشكلات سياسية وأمنية ومالية بالغة الصعوبة والتعقيد.
وزير المالية عمر البيطار عمل 25 عاماً في مؤسسات مالية دولية، واحتل مناصب رفيعة فيها، من بينها موقع المدير التنفيذي للشؤون المالية والبنكية لمؤسسة "برايس ووتر هاوس كوبرز" في الشرق الأوسط.
ووزير التخطيط والتعاون الدولي وائل زقوت تولى عدة مناصب قيادية بالبنك الدولي منها مدير البنك الدولي في اليمن، حيث أشرف على برنامج للإصلاح والتطوير المالي والاقتصادي هناك.
أما وزيرة الدولة للشؤون الخارجية فارسين غابيكيان فتحمل الدكتوراه في العلوم السياسية، وعملت مديرة لدائرة دعم المفاوضات لفترة طويلة من الزمن.
ووزير التربية والتعليم العالي الدكتور أمجد برهم كان رئيساً لجامعة البوليتكنك وغيرهم.
8 وزراء من قطاع غزة
وضمت الحكومة 8 وزراء من قطاع غزة ممن لديهم خبرات لافتة في مجال عملهم مثل وزير الصحة الدكتور ماجد أبو رمضان الذي يحمل شهادة الدكتوراه في الطب من لندن، ووزير الأشغال العامة الدكتور فيصل الشوا الذي كان رئيساً لمجلس إدارة شركة الشوا الشهيرة في القطاع وغيرهم.
لكن حكومة الخبراء هذه تواجه تحديات من نوع جديد، بعضهم لم يألفها من قبل.
فمن جهة، تواصل إسرائيل حربها التدميرية على قطاع غزة دون أية بوادر لوقفها. وتشير التقديرات إلى أن إعادة إعمار القطاع تتطلب عشرات مليارات الدولارات، فيما لا تبدي أي من الدول والجهات المانحة استعداداً للقيام بإعادة إعمار ما هدمته الحرب قبل أن يتم التوصل إلى حل سياسي يضمن عدم تكرار الهدم مجدداً بعد عدة سنوات. والحل السياسي يبدو بعيد المنال، إن لم يكن مفقوداً.
وأعلن رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد الدكتور محمد مصطفى أن حكومته وضعت عدة أولويات تبدأ بتوفير الإغاثة الإنسانية لسكان قطاع غزة البالغ عددهم حوالي مليونين ونصف المليون نسمة، وإصلاح ما يمكن إصلاحه من البنية التحتية المدمرة، وإعادة إعمار القطاع، والعمل على تحقيق الاستقرار المالي للحكومة التي تعاني من أزمة مالية حادة.
وتعهدت الولايات المتحدة بالعمل على عودة السلطة الفلسطينية لإدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب. لكن جهات نافذة في الحكومة الإسرائيلية تعهدت بعدم السماح للسلطة بالعودة إلى القطاع، وهددت بالانسحاب من الحكومة وإسقاطها في حال قرر رئيسها بنيامين نتانياهو غير ذلك.
وتسعى هذه الجهات إلى مواصلة الحرب في غزة بلا توقف حتى القضاء على حركة "حماس"، وإقامة مناطق عازلة في القطاع، وحتى إقامة مستوطنات في أراضيه.
وترث الحكومة الجديدة أزمة مالية حادة عن سابقاتها. وتفاقمت هذه الأزمة بصورة غير مسبوقة في الأشهر الستة الأخيرة من الحرب، إثر قيام إسرائيل بسلسلة إجراءات عقابية بحق السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، منها اقتطاع الأموال التي تقدمها السلطة لقطاع غزة، إلى جانب الاقتطاعات الأخرى، والتي وصلت بمجموعها إلى 55% من الإيرادات الجمركية الفلسطينية التي تشكل بدورها المصدر الأساسي للميزانية الحكومة ( 65% منها).
ولجأت الحكومة للحصول على قروض من المصارف المحلية من أجل توفير حد أدنى من رواتب موظفيها خلال الأشهر الستة الماضية. وبلغت قيمة القروض المتراكمة على الحكومة للمصارف حوالي 2.5 مليار دولار بفائدة قدرتها 6.7% ما يشكل عبئاً مالياً كبيراً عليها. وتقول المصارف إن هذا المستوى من القروض هو الحد الأقصى الذي يمكنها تقديمه للحكومة.
وأعلن رئيس الحكومة الدكتور محمد مصطفى، أن البند الثالث على برنامج حكومته، بعد إغاثة أهالي قطاع غزة وإعادة الإعمار، هو العمل على تحقيق الاستقرار المالي للحكومة.
وقال في لقاء سابق مع "الشرق"، إنه سيعمل بالتعاون مع جهات دولية على تحرير الأموال المحتجزة من قبل الحكومة الإسرائيلية ووقف الاقتطاعات. وأشار إلى أن الأموال المحتجزة تبلغ 1.8 مليار دولار. لكنه أقر أن مثل هذه الخطوة تتطلب جهوداً دولية كبيرة.
وتواجه الحكومة أيضاً مشكلات سياسية وأمنية خاصة في قطاع غزة الذي تمتلك حركة "حماس" مفاتيح الحكم والإدارة والأمن فيه.
وشكلت الحكومة دون توافق مع حركة "حماس" ما يجعل مهمتها في القطاع صعبة.
لكن الدكتور محمد مصطفى يقول في اللقاءات الخاصة إن حكومته ستشرع في العمل فوراً في القطاع، وإنها ستعمل على تذليل المشكلات التي تواجهها واحدة تلو الأخرى.
وأشار إلى أن الحكومة ستتبع نهجاً يقوم على تقسيم المشكلات حسب الحجم والنوعية، والعمل على تفكيكها بدءاً من المشكلات الأصغر وصولاً إلى الأكبر.