أظهر تقريران سريان للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الاثنين، أن إيران زادت تخصيب اليورانيوم بـ 30 مرة وهو ما يجعلها قريبة من الدرجة اللازمة لصنع الأسلحة النووية، في الوقت الذي تتعثر فيه المناقشات الرامية إلى تحسين تعاونها مع الوكالة التابعة للأمم المتحدة، فيما أكد دبلوماسيون، أن واشنطن تضغط على الحلفاء الأوروبيين للتراجع عن خطط "توبيخ إيران"، بسبب تقدمها في برنامجها النووي.
وبلغت المخزونات الإيرانية 6201.3 كيلوجرام في 11 مايو مقارنة مع 5525.5 كيلوجرام في فبراير، أي أكثر بـ30 ضعفاً من الحد المسموح به بموجب الاتفاق الدولي المبرم عام 2015، علماً أن طهران تنفي سعيها إلى حيازة القنبلة النووية.
وكان مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رفائيل جروسي، حذر في وقت سابق من أن طهران لديها ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع قنابل نووية "عدة" إذا اختارت القيام بذلك، حسبما نقلت "واشنطن بوست".
وتصاعدت التوترات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ عام 2018، عندما سحب الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب الولايات المتحدة من جانب واحد من اتفاق طهران النووي مع القوى العالمية. ومنذ ذلك الحين، تخلت إيران عن جميع القيود التي فرضها الاتفاق على برنامجها، وسرعت في زيادة التخصيب.
ضغط أميركي
ويأتي هذا في وقت أفادت فيه صحيفة "وول ستريت جورنال"، نقلاً عن دبلوماسيين، بأن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تضغط على الحلفاء الأوروبيين للتراجع عن خطط "توبيخ إيران"؛ بسبب تقدمها في برنامجها النووي.
وتعارض الولايات المتحدة محاولة بريطانيا وفرنسا لتوبيخ إيران في مجلس الدول الأعضاء في الوكالة الدولية للطاقة الذرية المرتقب في أوائل يونيو، حسبما قال دبلوماسيون مطلعون للصحيفة.
وتظهر هذه الاختلافات في الوقت الذي تزايدت فيه مخاوف المسؤولين الغربيين بشأن الأنشطة النووية الإيرانية.
وأفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الاثنين، أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% ارتفع بمقدار 20.6 كيلوجرام إلى 142.1 كيلوجرام اعتباراً من 11 مايو، وهو أعلى مستوى له حتى الآن.
ويقول المسؤولون الأميركيون، إن تلك المواد يمكن تحويلها إلى يورانيوم مخصب بدرجة تصنيع الأسلحة في غضون أيام. وستكون كمية كافية لتزويد ثلاث أسلحة نووية بالوقود.
ويخشى بعض المسؤولين الأميركيين، أن تصبح إيران أكثر تقلباً مع اقتراب البلاد من انتخابات لاختيار قائد جديد بعد وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة مروحية في وقت سابق من هذا الشهر. وصرحت إدارة بايدن منذ فترة طويلة بأنها تسعى إلى حل دبلوماسي لبرنامج إيران النووي.
وحذر دبلوماسيون أوروبيون، من أن الفشل في اتخاذ إجراء من شأنه أن يقوض سلطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تراقب عدم انتشار الأسلحة النووية.
ويقولون إن ذلك يضعف أيضاً مصداقية الضغوط الغربية على إيران. وهم يشعرون بالإحباط بسبب ما يرونه جهوداً أميركية لتقويض نهجهم.
وقال مسؤول أميركي إن واشنطن "تنسق بشكل وثيق" مع شركائها الأوروبيين قبل اجتماع مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية الشهر المقبل، مضيفاً: "أي تكهنات بشأن القرارات تعتبر سابقة لأوانها".
وأضاف المسؤول: "نزيد الضغط على إيران من خلال العقوبات والعزلة الدولية"، مشيراً إلى الإجراءات التي اتخذتها مجموعة السبع بعد هجوم إيراني بالصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل الشهر الماضي.
وقال مسؤول أميركي ثان، إنه "من الخطأ تماماً" أن تهدف واشنطن إلى تجنب المواجهة مع إيران قبل الانتخابات الأميركية.
وكانت المرة الأخيرة التي مرر فيها مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية قراراً بتوبيخ إيران، في نوفمبر 2022. ومنذ ذلك الحين، حذر المسؤولون الأميركيون والأوروبيون في فيينا مراراً من أنهم سيتخذون إجراءات إذا لم تقم طهران بكبح تقدمها النووي وتعزيز تعاونها مع الوكالة.
مخاوف أوروبية
ونقلت "وول ستريت جورنال"، أنه في قلب النزاع هناك مخاوف مستمرة في بعض الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا وبريطانيا، من أن واشنطن تفتقر إلى استراتيجية للتعامل مع تقدم إيران النووي.
وقال دبلوماسيون أوروبيون، إن إدارة بايدن تبدو غير راغبة في السعي لجهود دبلوماسية جادة مع إيران أو اتخاذ إجراءات عقابية ضد تجاوزات طهران النووية.
وكان الأوروبيون داعمين أقوياء للاتفاق النووي لعام 2015، الذي رفع معظم العقوبات الدولية عن إيران مقابل قيود صارمة، ولكن مؤقتة على النشاط النووي الإيراني.
وسعت أوروبا للحفاظ على الاتفاق بعد أن انسحبت منه إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في عام 2018.
ووضعت إدارة بايدن، إحياء الاتفاق النووي كهدف رئيسي للسياسة الخارجية عندما تولت مهامها. لكن المحادثات انهارت في أغسطس 2022 عندما شددت إيران مطالبها.
ومنذ ذلك الحين، سعى المسؤولون الأميركيون لاحتواء التوترات مع إيران.
ويقول المسؤولون الأميركيون، إن أوروبا يمكنها أن تزيد من ضغطها على إيران عن طريق اتخاذ خطوات إضافية، مثل قطع العلاقات مع البنوك الإيرانية التي تعمل على الأراضي الأوروبية وتصنيف الحرس الثوري الإسلامي الإيراني كجماعة إرهابية. ويشيرون إلى أنهم نسقوا جهود العقوبات مع أوروبا ضد إيران؛ بسبب نقلها للصواريخ والطائرات المسيرة.
ولدى واشنطن استراتيجيتها الخاصة لزيادة الضغط على إيران بشأن أنشطتها النووية، والتي تشمل طلب من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إعداد تقرير شامل يوضح كل ما تعرفه عن فشل إيران في التعاون.
وفي حين أن التقرير لن يكون له عواقب تلقائية، إلا أن جهداً مماثلاً في عام 2011 ركز الاهتمام الدولي على زيادة قدرة طهران في إنتاج المواد النووية، مما ولد زخماً لفرض عقوبات دولية على إيران.
إعادة فرض العقوبات
ويقول المسؤولون الأميركيون، إنه إذا لم تغير إيران مسارها، يمكن أن يبني مثل هذا التقرير، الحجة لإعادة فرض العقوبات الدولية التي تم رفعها بموجب الاتفاق النووي، وهو خيار ينتهي في أكتوبر 2025.
ويقول المسؤولون الأوروبيون، إنه جرى إبلاغهم بأن واشنطن تفكر في طلب من الوكالة تقديم مثل هذا التقرير بعد الانتخابات الأميركية في نوفمبر، ولكن ليس لديها خطط فورية لطلب ذلك.
وإيران بالفعل دولة على العتبة النووية، وهناك مخاوف غربية متزايدة من أنها قد تسعى إلى أن تصبح دولة حائزة للأسلحة النووية، بحسب "وول ستريت جورنال".
وبالإضافة إلى تكديس اليورانيوم عالي التخصيب، أشار مسؤولون أوروبيون إلى أن طهران أتقنت عملية بناء سلاح نووي. وأشار آخرون إلى أن طهران قد تلغي الحظر الذي فرضه المرشد الإيراني علي خامنئي على أسلحة الدمار الشامل.
وتصر إيران على أن برنامجها النووي لأغراض مدنية. وتقول أجهزة الاستخبارات الأميركية والوكالة الدولية للطاقة الذرية إنه ليس لديها دليل على أن طهران تصنع سلاحاً نووياً. وبدأت طهران في توسيع برنامجها النووي بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي.
وقلصت إيران إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية على برنامجها النووي، وعرقلت لسنوات تحقيقاً أجرته الوكالة في مواد نووية غير معلنة عثر عليها في السنوات الأخيرة في إيران.
ويمكن أن يفتح قرار التوبيخ في مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية الطريق أمام دفع عدم امتثال إيران المزعوم للقضايا النووية إلى مجلس الأمن الدولي للحصول على رد دولي.
وقامت طهران بتصعيد برنامجها النووي مراراً، واتخذت إجراءات جديدة لتقييد وصول المفتشين في السنوات الأخيرة عندما واجهت ضغوطا غربية بشأن برنامجها النووي في اجتماعات الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
والعام الماضي، بعد مواجهة انتقادات كلامية في المجلس، منعت عدداً من المفتشين الأوروبيين المخضرمين من دخول البلاد.
وتخشى الولايات المتحدة تكرار تلك الخطوات إذا تمت الموافقة على قرار التوبيخ.
كما أن الإدارة الأميركية متشككة في أن التوبيخ الرسمي سيحقق أي شيء. وحتى لو تم رفع أنشطة إيران النووية في نهاية المطاف إلى مجلس الأمن الدولي، فمن المرجح أن يكون محكوماً على تلك الخطوة بالفشل هناك. ومن شبه المؤكد أن روسيا والصين، اللتين تمتلكان حق النقض (الفيتو) في الأمم المتحدة، ستستخدمانه ضد أي محاولة لفرض عقوبات على طهران بسبب أنشطتها.
انقلاب دبلوماسي
وهذه المرة، أخبر المسؤولون البريطانيون والفرنسيون واشنطن، أنهم يريدون المضي قدماً في قرار التوبيخ، قائلين إن الوقت قد حان لاتخاذ إجراء حاسم، وفقاً لما نقلته "وول ستريت جورنال" عن أشخاص شاركوا في المناقشات.
ومن غير الواضح ما إذا كان الأوروبيون سيفعلون ذلك بالفعل. وإذا اقترحوا توبيخ إيران، فسيكون ذلك بمثابة انقلاب دبلوماسي كبير بالنسبة لطهران، مما يشير إلى أن الضغوط الغربية على إيران تنهار.
وعارضت الولايات المتحدة قرار التوبيخ في الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل اجتماعات مجلس الإدارة الأخيرة الأخرى، لكن الخلافات السابقة بشأن كيفية التعامل مع أنشطة إيران النووية ظلت إلى حد كبير بين واشنطن والأوروبيين.
ومع ذلك، في الاجتماع الأخير لمجلس الإدارة في مارس، حذرت سفيرة واشنطن لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لورا هولجيت، من أنه لا يمكن السماح باستمرار عدم تعاون إيران مع الوكالة.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، سافر المدير العام للوكالة رافايل جروسي إلى إيران في محاولة لتحسين التعاون، داعياً طهران إلى اتخاذ خطوات ملموسة قابلة للتنفيذ قبل اجتماع مجلس الإدارة في يونيو لإظهار نواياها الحسنة. ولم يتم اتخاذ مثل هذه الخطوات، ويقول دبلوماسيون في فيينا إنهم لا يتوقعون أي خطوات على الفور.
وفي محاولة لاحتواء بؤر التوتر، أجرى المسؤولون الأميركيون في وقت سابق من هذا الشهر أول مناقشاتهم منذ يناير مع المسؤولين الإيرانيين في سلطنة عمان.
وتطرقت المحادثات غير المباشرة، التي شارك فيها مسؤولون عمانيون ذهاباً وإياباً بين الجانبين، إلى القضايا الإقليمية والنووية، وفقا لما نقلته الصحيفة عن أشخاص مطلعين على المناقشات.
وقال مارك دوبويتز، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إن قرار التوبيخ سيساعد في تحديد سجل لعدم امتثال إيران يمكن أن يؤدي في النهاية إلى إعادة فرض العقوبات الدولية.
وقالت كيلسي دافنبورت، مديرة سياسة حظر الانتشار النووي في رابطة الحد من التسلح إن قرار التوبيخ طال انتظاره، لكن يجب أن يرتبط بجهد دبلوماسي لكبح جماح برنامج إيران النووي لتخفيف العقوبات.
وأضافت: "يحتاج المجلس إلى إرسال رسالة إلى إيران مفادها أن هناك عواقب للمماطلة. لكن يجب أن يكون جزءا من استراتيجية أوسع. يجب أن يكون الهدف هو الضغط على إيران وتحفيزها على التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتوسيع نطاق وصولها (إلى المواقع)".