الاتفاق النووي "يحتضر".. هل اقتربت إيران من صنع السلاح النووي؟

طهران تنفي رغبتها في صنع أسلحة نووية لكنها تمتلك يورانيوم عالي التخصيب

time reading iconدقائق القراءة - 18
المرشد الإيراني علي خامنئي ينظر إلى نموذج لمنشأة نووية في العاصمة طهران- 11 يونيو 2023 - Reuters
المرشد الإيراني علي خامنئي ينظر إلى نموذج لمنشأة نووية في العاصمة طهران- 11 يونيو 2023 - Reuters
دبي-الشرق

على مدى الـ15 عاماً الماضية كانت أهم الأدلة بشأن برنامج إيران النووي تكمن في أعماق الأرض، داخل مصنع تم بناؤه داخل جبل على حافة صحراء الملح الكبرى وسط شمال البلاد، حيث تُمثل المنشأة المعروفة باسم "فوردو" الحرم الداخلي شديد الحراسة للمجمع النووي الإيراني، والوجهة المتكررة التي يقصدها المفتشون الدوليون بهدف ضمان عدم القيام بأي جهود سرية لصنع قنابل نووية.

وأسفرت رحلة المفتشين الأخيرة في فبراير الماضي عن "المصفوفات المعتادة للقراءات والقياسات"، والتي صيغت بلغة جافة في تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، لكن داخل هذه اللغة الجافة التي تضمنتها الوثيقة كانت هناك "مؤشرات عن تغيير مثير للقلق"، وفقا لصحيفة "واشنطن بوست".

وفي داخل عنابر المصانع التي توقفت عن إنتاج اليورانيوم المخصب بموجب الاتفاق النووي لعام 2015، شهد المفتشون هذه المرة "نشاطاً محموماً"، تمثل في "معدات تم تركيبها حديثاً" لإنتاج اليورانيوم المخصب بسرعات أكبر من أي وقت مضى، و"توسعة جارية"، قد تؤدي عاجلاً إلى مضاعفة إنتاج المصنع.

أما الأمر الأكثر إثارة للقلق، وفق تقرير الصحيفة الأميركية، فيتمثل في أن "فوردو" كان يُكثف إنتاج "شكل أكثر خطورة من الوقود النووي"، وهو نوع من اليورانيوم عالي التخصيب، يقترب كثيراً من درجة تصنيع الأسلحة.

وفي هذه الأثناء، بدأ المسؤولون الإيرانيون عن المصنع التحدث صراحة عن تحقيق "الردع"، ما يُشير إلى أن طهران لديها الآن كل ما تحتاج إليه لصناعة قنبلة إذا ما قررت ذلك.

تخصيب بمعدلات أسرع

يعكس التحول الذي شهده مصنع "فوردو" التغيرات التي طرأت أيضاً على أماكن أخرى في البلاد، بعد أن تخطّت إيران حواجز الاتفاق النووي، فبعد 6 سنوات من قرار إدارة ترمب المثير للجدل بالانسحاب من الاتفاق، سقطت القيود الواحد تلو الآخر، تاركة طهران أقرب إلى القدرة على صنع أسلحة نووية أكثر من أي وقت مضى في تاريخ البلاد، وفقاً لتقارير التفتيش السرية والمقابلات مع المسؤولين والخبراء الذين يراقبون عن كثب التقدم الذي تحرزه إيران على هذا الصعيد.

وبينما تنفي إيران أن لديها خططاً لصنع أسلحة نووية، لكنها تمتلك الآن بالفعل مخزوناً من اليورانيوم عالي التخصيب، والذي يُمكن تحويله إلى وقود يُستخدم في صنع الأسلحة لصناعة 3 قنابل على الأقل، وذلك في إطار زمني يتراوح بين أيام قليلة إلى أسابيع، بحسب ما قاله مسؤولون حاليون وسابقون لـ"واشنطن بوست".

وأضاف المسؤولون أن صنع جهاز نووي خام يمكن أن يتم في أقل من 6 أشهر، بعد اتخاذ القرار، فيما سيستغرق التغلب على تحديات صناعة رأس حربي نووي يمكن إطلاقه بواسطة صاروخ وقتاً أطول قد يصل إلى عامين أو أكثر.

وسعت إيران مؤخراً إلى تخفيف بعض مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب، ما يشير، من وجهة النظر الأميركية، إلى أنها تسعى إلى تجنب الصراع من خلال فرض قيود ذاتية على إمداداتها من الوقود شبه المستخدم في تصنيع الأسلحة، لكن آلات مصنع "فوردو" تنتج يورانيوم عالي التخصيب بمعدلات أسرع من أي وقت مضى، كما أن المخزونات المجمعة من وقود اليورانيوم في إيران مستمرة في الزيادة، وفقاً للسجلات.

ويتضح هذا الاتجاه بجلاء من المقابلات التي أجرتها الصحيفة مع مسؤولي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مقر الأخيرة بالعاصمة النمساوية فيينا، ومع أكثر من 10 مسؤولين استخباراتيين وأمنيين حاليين وسابقين بالولايات المتحدة وأوروبا، تحدث كثير منهم شريطة عدم الكشف عن هوياتهم لمناقشتهم "أموراً حساسة"، وكانت وجهة نظر الجميع هي أن "إيران تتقدم ببطء ولكن بثقة، وتراكم الوسائل اللازمة لصنع أسلحة مستقبلية دون القيام بأي خطوة علنية لصناعة سلاح واحد".

رقص على حافة الهاوية

في غضون ذلك، قوّض انهيار الاتفاق بشكل حاد قدرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على مراقبة نشاط إيران أو التحقيق في أي تقارير عن نشاط أسلحة سرية، بحسب مسؤولين وخبراء.

وأقر مسؤول أميركي على علم بالمحادثات الداخلية في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن الوكالة أصبحت الآن أقل قدرة على اكتشاف خرق نووي من قبل إيران، ويمكن أن يؤدي هذا إلى عواقب وخيمة، بدءاً من انطلاق سباق تسلح في الشرق الأوسط إلى صراع مباشر بين إسرائيل وإيران قد يؤدي إلى حرب إقليمية أوسع.

وفي الوقت الحالي، قال المسؤول الأميركي عن إيران "إنها ترقص على حافة الهاوية".

وتعهد الرئيس الأميركي جو بايدن في وقت مبكر من رئاسته بالسعي لاستعادة الاتفاق أو تجديده، لكن جهود الإدارة اصطدمت بحائط من المعارضة السياسية في الداخل واللامبالاة من إيران.

وفي ديسمبر 2022، تم تصوير تسجيل فيديو لبايدن يقر فيه بأن الاتفاق "مات"، على الرغم من أن الإدارة لم تصرّح عن ذلك رسمياً.

وأقر منسق الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، مؤخراً، بما أسماه "عبثية" الجهود الرامية لإحياء الاتفاق، وقال إن الإدارة "توقفت عن بذل الطاقة والجهود في ذلك"، مؤكداً أن بايدن لا يزال مصمماً على منع إيران من اكتساب القدرة على صنع أسلحة نووية، لكنه اعترف بأن لدى الولايات المتحدة عدداً أقل من الأدوات لتحقيق تلك الغاية.

وقال كيربي في إفادة بالبيت الأبيض خلال سبتمبر الماضي: "كان (بايدن) يُفضل إلى حد كبير القيام بذلك من خلال الدبلوماسية. لكن هذا ليس خياراً قابلاً للتطبيق الآن".

اتفاق مُعطّل يحفز التحدي الإيراني

لا يزال الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 الذي تم التفاوض عليه خلال رئاسة باراك أوباما من قبل الولايات المتحدة و5 قوى عالمية أخرى، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، والمعروف باسم الخطة الشاملة المشتركة، سارياً من الناحية الفنية، لكنه فقد جوهره.

ولا تزال الدول الأوروبية تعترف بالاتفاق، ويُسمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة منشأة "فوردو" وبعض المنشآت الأخرى بموجب اتفاقات سابقة، لكن منذ انسحاب الولايات المتحدة، أكدت إيران حقها في إلغاء أي أجزاء من الاتفاق ترغب في تجاهلها، وهذا يعني عملياً كامل الاتفاق تقريباً.

وبموجب الاتفاق، الذي دخل حيز التنفيذ أوائل عام 2016، وافقت إيران على قبول قيود صارمة على قدرتها في صنع اليورانيوم المخصب أو المواد الانشطارية الأخرى التي يمكن استخدامها في صنع الأسلحة النووية.

وفي المقابل لتخفيف العقوبات، وافقت إيران أيضاً على المراقبة والتفتيشات المتعمقة وفرض حدود صارمة لمخزونها الكلي من اليورانيوم، ما يضمن عدم قدرتها على تجميع ما يكفي من اليورانيوم المخصب لإنتاج قنبلة واحدة حتى.

لكن الاتفاق قوبل بانتقادات واسعة النطاق، بما في ذلك من الجمهوريين في الكونجرس وبعض الديمقراطيين الذين عارضوا تخفيف العقوبات عن إيران، وأعربوا عن شكوكهم بشأن نوايا طهران في الوفاء بالاتفاق.

كما هاجمت الحكومة الإسرائيلية الاتفاق، ووصفته بأنه غير كافٍ بشكل عام، منتقدة على وجه الخصوص البنود التي تسمح بانتهاء صلاحية العديد من القيود الرئيسية في غضون 15 عاماً فقط، بحلول 2031.

وتعهد الرئيس السابق دونالد ترمب عندما كان مرشحاً رئاسياً بالانسحاب من الاتفاق، وفعل ذلك عام 2018، واصفاً الاتفاق بأنه "صفقة فظيعة أحادية الجانب لم يكن ينبغي إبرامها أبداً".

وأعادت إدارة ترمب بدلاً من ذلك فرض عقوبات قديمة، وأضافت عقوبات جديدة، وذلك في محاولة أحادية فاشلة للضغط على طهران. وكان رد إيران هو البدء بشكل منهجي في مخالفة الأحكام الرئيسية للاتفاق مع انتقاد الولايات المتحدة على التفاوض بسوء نية.

واليوم، بعد 6 سنوات من الانسحاب، تجاوزت إيران تقريباً جميع قيود الاتفاق على كمية ونوع اليورانيوم المخصب الذي يمكن أن تمتلكه، وفقاً لوثائق الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وقال دبلوماسيون أميركيون وأوروبيون إن طهران قد تشجعت على ما يبدو بسبب تحالفها المتعمق مع موسكو، الموقعة على الاتفاق النووي والتي برزت كشريك استراتيجي واقتصادي مهم منذ غزو أوكرانيا في فبراير 2022.

وقال دبلوماسي أوروبي كبير تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة المداولات الداخلية الحساسة في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي يضم 35 دولة "إن التحالف مع روسيا يحدث فرقاً فيما يتعلق بما تشعر به إيران تجاه الولايات المتحدة والأوروبيين، ويمكن أن ترى أنهم يشعرون الآن براحة كبيرة" بشأن تحدي الغرب.

ومن غير الواضح ما إذا كانت إيران ستُقرر في نهاية المطاف صنع قنبلة نووية. وكان القادة في طهران حذرين بشأن المخاطرة بمواجهة مباشرة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، كما سيحدث بشكل شبه مؤكد إذا تم اكتشاف برنامج سري لصنع القنابل.

وكرر المرشد الإيراني علي خامنئي، الذي أصدر فتوى ضد الأسلحة النووية عام 2003، معارضته الرسمية في خطاب ألقاه في يونيو 2023، معلناً أن أسلحة الدمار الشامل "تتعارض مع الإسلام".

وقال خامنئي إن الدول الغربية "تعرف جيداً أننا لا نسعى للحصول على أسلحة نووية". وكثيراً ما يتهم المسؤولون الإيرانيون الحكومات الغربية بـ"النفاق" في التركيز على برنامج إيران النووي، بينما لا يقولون شيئاً عن إسرائيل وهي دولة نووية، ولا تخضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وبعد تحريرها من قيود الاتفاق، يبدو أن إيران، وفق الصحيفة، تعتقد أن لديها مساراً قانونياً بطيئاً، لكنه سيقودها لتصبح دولة على العتبة النووية، أي دولة تمتلك الوسائل اللازمة لصنع قنابل نووية، إلا أنها تتوقف عن ذلك، لتفادي خطر ضربة عسكرية، حسبما قال مسؤولو استخبارات وخبراء في مجال الأسلحة.

وكان أحد التغييرات العميقة التي تصورها مهندسو الاتفاق النووي هو تحويل المنشأة تحت الأرض المعروفة رسمياً باسم محطة "فوردو" لتخصيب الوقود، والتي صممتها إيران بشكل سري لصنع اليورانيوم المخصب، وتم بناؤها داخل أنفاق محفورة على عمق 300 قدم في جانب جبل صخري شمال شرق قم مباشرة، وهي مدينة تاريخية وموقع ديني وسط شمال إيران القاحلة.

واكتشفت وكالات الاستخبارات الغربية المنشأة بينما كانت لا تزال قيد الإنشاء، وكشف أوباما عن وجودها للعالم في 2009.

وقال روبرت ليتواك خبير منع الانتشار والنائب الأول لرئيس مركز "وودرو ويلسون: الدولي للعلماء وهو مركز أبحاث في واشنطن، "إنهم لا يتجاوزون الخطوط الحمراء، إنهم يحركون الحدود. التحوط هو موضع إيران المفضل".

و"فوردو" الآن هي رمز لانهيار الاتفاق النووي، إذ بموجب الاتفاق، تم إيقاف معظم أجهزة الطرد المركزي في المنشأة، بينما سُمح للباقي بصنع النظائر فقط للتطبيقات الطبية والبحوث المدنية، ثم تم لاحقاً إزالة كل اليورانيوم الانشطاري.

لكن بعد قرار ترمب عام 2018، عاد المصنع ببطء إلى الحياة. ومنذ 2018، شاهد مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنتاج اليورانيوم المخصب في "فوردو" يرتفع من صفر إلى أكثر من 700 رطل شهرياً خلال فبراير الماضي، وفقاً لأحدث تقرير للوكالة صدر إلى الدول الأعضاء الشهر الماضي.

والفرق النوعي في الوقود هو أكثر إثارة للدهشة، إذ يُظهر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن أكثر منتجات فوردو تخصيباً اليوم يتمتع بنقاوة "يو-235" بنسبة 60%.

وقال دبلوماسي أوروبي ثان مطلع على المناقشات الداخلية لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية: "لا يوجد سبب لنكون عند 60%"، مضيفاً أن هذه النسبة قريبة جداً من درجة الأسلحة. ويمكنهم الذهاب إلى هناك بضغطة زر".

وبدأت "فوردو" في تصنيع الوقود عالي التخصيب عام 2022، لكن معدل الإنتاج ارتفع بشكل مطرد على مدى العامين الماضيين.

كما تقوم الآن منشأة تخصيب اليورانيوم الأكبر في إيران، بمدينة نطنز، بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، وبلغت المخزونات المجمعة للوقود حوالي 270 رطلاً عندما زار المفتشون المنشأة في فبراير، وفقاً لتقارير.

وأدى قرار إيران تخفيف بعض الوقود عالي التخصيب إلى منع الإنتاج الكلي من الارتفاع بشكل حاد. لكن النقاء العالي للوقود يمنح إيران طريقاً لصنع يورانيوم يُستخدم في صنع أسلحة بسرعة باستخدام المعدات المحلية الحالية، حسبما قال مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون وخبراء أسلحة. ويتم تخصيب اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة إلى 90% على الأقل من اليورانيوم 235.

ويُعتقد أن إيران تمتلك تقريباً كل المعرفة التقنية والمعدات التي تحتاجها لبناء جهاز نووي بدائي. وأكدت الوثائق التي سرقها عملاء إسرائيليون من مستودع في طهران عام 2018 ما خلصت إليه وكالات الاستخبارات الأميركية قبل سنوات، إذ أطلقت طهران برنامجاً مكثفاً لتصميم أسلحة نووية في أوائل العام 2000 قبل أن تتخلى على ما يبدو عن هذا الجهد في 2003، مع بداية الغزو الأميركي للعراق.

وأظهرت وثائق نشرها إسرائيليون أن الإيرانيين يُطورون ويختبرون مكونات لجهاز نووي منذ أوائل عام 2000.

وقال ديفيد أولبرايت الخبير في البرنامج النووي الإيراني ورئيس معهد العلوم والأمن الدولي الذي حلل العديد من الوثائق لـ"واشنطن بوست": "لقد اتخذوا بالفعل معظم الخطوات التي يتعين عليهم اتخاذها".

وكان التحدي الأكبر الذي واجهته إيران في أوائل عام 2000 هو الحصول على يورانيوم عالي التخصيب أو بلوتونيوم لصنع قنبلة، وأوضح أولبرايت: "لقد حلوا هذه المشكلة، حتى أفضل مما توقعوا. يمكنك أن تقول من تصريحاتهم أنهم يدركون جيداً ما لديهم".

جرأة جديدة

وفي وقت سابق من هذا العام، استخدم رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي مصطلح "الردع"، في وصف الغرض من برنامج بلاده النووي، ما اعتبرت آنذاك كلمة استفزازية، إذ تُشير في سياق الأسلحة النووية إلى التهديد باستخدام أسلحة الدمار الشامل رداً على عدوان من جانب قوة أخرى.

وفي مقابلة أجريت معه خلال يناير الماضي، قال إسلامي  على وجه التحديد إن "الردع قد تحقق بعون الله، من دون الحاجة إلى انتهاك أي قواعد أو لوائح".

وعن فلسفة بلاده فيما يتعلق بالأسلحة النووية، أوضح أنه "فيما يتعلق بأمننا القومي، نحن لا نريد أن نفعل ذلك"، لكنه أضاف أن "الأمر لا يتعلق بنقص القدرة. هذه نقطة مهمة جداً. يجب ألا نقلل من شأن إنجازاتنا الحالية، معتقدين أننا لم نصل إلى ذلك بعد".

وكان علي أكبر صالحي، سلف محمد إسلامي لخّص الوضع بشكل أكثر سخونة خلال مقابلة أجريت معه في فبراير، مشبهاً البرنامج النووي الإيراني بمجموعة من قطع غيار السيارات التي تحتاج فقط إلى التجميع.

وأثارت هذه التعليقات توبيخاً حاداً غير معهود من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي منظمة تتمثل مهمتها في منع انتشار الأسلحة النووية، سواء تم تجميعها أم لا.

وقال المدير العام للوكالة رافائيل جروسي في مقابلة مع الصحيفة: "كل هذا الكلام الفضفاض عن الأسلحة النووية غير مفيد على الإطلاق، وأنا بصراحة أشجبه. إذا كنت طرفاً في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، فليس من المفترض أن تمتلك أسلحة نووية بأي شكل من الأشكال.. مجمعة أو مفككة، أو في درج، أو في خزانة أو أي شيء آخر".

واعتبرت "واشنطن بوست" أن جرأة إيران في استعراض قدراتها الجديدة تبدو في تصريحات مسؤوليها العلنية حول منشآتها النووية.

"تأثير الدومينو" النووي

في منطقة تعصف بها الحرب، سواء كانت الحرب المعلنة في قطاع غزة أو الصراع الخفي المستمر بين إيران وإسرائيل، يتم مراقبة تقدم طهران بقلق متزايد.

ولدى الجيش والاستخبارات الإسرائيلية بالفعل تاريخ طويل من العمل السري لإبطاء التقدم النووي الإيراني، بدءاً من اغتيال العلماء الإيرانيين إلى الهجمات الإلكترونية على المنشآت النووية، بما في ذلك عمليات التخريب الإلكتروني المعروفة باسم "ستوكسنت".

وبحسب الصحيفة، يُمكن أن يؤدي ظهور أدلة على جهود إيران للانطلاق نحو امتلاك القنبلة النووية إلى شن إسرائيل غارات جوية على المنشآت النووية الإيرانية. ويُمكن أن يؤدي رد صاروخي أو هجوم بطائرات مسيرة من أسطول إيران المتطور بشكل متزايد إلى اندلاع حرب أوسع في الشرق الأوسط.

وأضافت أنه يمكن أن يدفع شبح امتلاك إيران القدرة النووية دولاً أخرى في المنطقة، بما في ذلك السعودية وتركيا، إلى إعادة التفكير في خياراتها الأمنية. 

وحذر جروسي، في المقابلة، من خطر "تأثير الدومينو" المزعزع للاستقرار، قائلاً: "لقد عبرت أكثر من دولة، حرفياً، عن أن رؤية إيران تمتلك قدرة نووية سيحفزها على السعي وراء تلك القدرة أيضاً"، وأضاف أنه إذا حدث ذلك، فقد يؤدي إلى "تفكيك محتمل لنظام منع الانتشار على نطاق واسع".

واستشعاراً للخطر المتزايد، دعا جروسي بشكل عاجل إلى إعادة العمل باتفاقية 2015 أو استبدالها بنسخة جديدة، لإعطاء جيران إيران مزيداً من الوضوح بشأن نواياها النووية، محذراً من أنه "إذا تُركنا في حالة من الغموض، فقد تحدث أمور سيئة".

وفي الوقت الحالي، تظل احتمالات استعادة الاتفاق أو مراجعته قاتمة، كما يعترف حتى المؤيدين المتحمسون للاتفاق. وفي ظل عدم وجود اتفاق، يقول مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون إنه سيكون من الصعب على أفضل تقدير إقناع طهران بالتراجع عن حافة الهاوية.

وقال إرنست مونيز الفيزيائي ووزير الطاقة الأميركي السابق الذي ساعد في التفاوض على اتفاق 2015"استعادة الثقة مع إيران بشأن برنامجها النووي سيكون صعباً للغاية. لتحقيق ذلك، نحتاج أن نتأكد بشكل مطلق بأن إيران لم تقم بأي تحركات حتى تقترب، ولو بشكل بسيط من صنع سلاح نووي".

وأضاف مونيز الذي يشغل الآن منصب الرئيس التنفيذي لمبادرة "التهديد النووي"، وهي منظمة غير ربحية في واشنطن "أي تقدم حقيقي قد يحدث في المستقبل يجب أن يكون جزءاً من اتفاق أوسع" بين إيران والغرب. وسيكون ذلك مليئاً بالتحديات، ومن الصعب للغاية تحقيقه على الأرجح".

تصنيفات

قصص قد تهمك