إسرائيل تتشبث بالتصعيد في لبنان.. ومخاوف واشنطن تصطدم بالتزامها بدعم تل أبيب

مباحثات دبلوماسية حثيثة لمنع "صراع شامل".. ومسؤولون استخباراتيون: "حزب الله" لا يريد الحرب

time reading iconدقائق القراءة - 13
دخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية استهدفت منزلا في قرية الخيام بجنوب لبنان بالقرب من الحدود الإسرائيلية. 21 يونيو 2024 - AFP
دخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية استهدفت منزلا في قرية الخيام بجنوب لبنان بالقرب من الحدود الإسرائيلية. 21 يونيو 2024 - AFP
دبي -الشرق

تقود الولايات المتحدة محاولات حثيثة لمنع اتساع نطاق الحرب التي تخوضها إسرائيل على غزة منذ 7 أكتوبر الماضي إلى الجبهة الشمالية، إذ تلوح تل أبيب باتخاذ خطوة كبيرة ضد جماعة "حزب الله" في لبنان خلال الأسابيع المقبلة، بينما تثار تساؤلات عديدة بشأن الخيارات التي تدرسها إسرائيل ضد "حزب الله"، فيما تشتد المخاوف من دفع المنطقة برمتها إلى "حرب شاملة"، وتفاقم الأزمة الإقليمية بشكل كبير وجر الولايات المتحدة إلى عمق الصراع.

وأصدر مسؤولون أميركيون يحاولون منع اندلاع حرب أكبر في الشرق الأوسط، تحذيراً غير عادي لجماعة "حزب الله"، جاء فيه أنه "لا يمكن للجماعة اللبنانية أن تفترض أن واشنطن يمكنها منع إسرائيل من مهاجمتها". 

وذكرت مجلة "بوليتيكو" نقلاً عن شخص مطلع على المناقشات أن الرسالة الأميركية مصممة لجعل "حزب الله" يتراجع ويخفف من حدة الأزمة التي تتشكل على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية.

وتأتي هذه الرسالة في الوقت الذي يبدو فيه العديد من المسؤولين الأميركيين مستسلمين لاحتمال قيام إسرائيل بخطوة كبيرة ضد "حزب الله" داخل لبنان في الأسابيع المقبلة. 

وقال مسؤولان أميركيان لـ"بوليتيكو" إن الجماعة اللبنانية بحاجة إلى أن تفهم أيضاً أن واشنطن "ستساعد إسرائيل في الدفاع عن نفسها" إذا ردت جماعة "حزب الله". وشددوا على أن الجماعة يجب ألا تعول على أميركا لتعمل ككابح لعملية صنع القرار الإسرائيلي. 

وذكر مسؤول، أن الرسالة يتم نقلها بشكل غير مباشر. ولا تتعامل الولايات المتحدة مع "حزب الله" بشكل فردي، إذ تصنفها "منظمة إرهابية"، وتعتمد على الاتصالات العامة أو الوسطاء.

وتوجه المبعوث الأميركي الخاص آموس هوكستين ومسؤولون أميركيون آخرون إلى المنطقة في الأيام الماضية لكبح جماح كلا الجانبين، حتى مع وجود شعور متزايد في واشنطن وخارجها بأن التصعيد أمر لا مفر منه. 

كما التقى وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت، الاثنين، هوكستين، إذ واصلا مناقشة الإجراءات التي يجب اتخاذها من أجل التوصل إلى وضع يسمح بعودة سكان الشمال إلى منازلهم على الحدود مع لبنان، وفق ما أوردت هيئة البث الإسرائيلية.

وذكرت هيئة البث، أن وزير الدفاع الإسرائيلي "أكد التزامه بتغيير الوضع الأمني في المنطقة الحدودية".

"الوضع خطير"

وخلال زيارته إلى بيروت، أخبر مبعوث الرئيس الأميركي جو بايدن، المسؤولين اللبنانيين أن "حزب الله" مخطئ في الاعتقاد بأن الولايات المتحدة ستكون قادرة على منع إسرائيل من غزو لبنان إذا واصلت الجماعة هجماتها، وفقاً لمسؤول أميركي ومسؤول إسرائيلي تحدثا لـ"أكسيوس".

وقال هوكستين: "الوضع خطير. ما يريد الرئيس بايدن فعله هو تجنب المزيد من التصعيد إلى حرب أكبر". وأضاف "سيتطلب إنهاء هذا الصراع الآن مصلحة الجميع. ونعتقد أن هناك طريقاً دبلوماسياً للقيام بذلك. إذا وافق الطرفان على ذلك".

وخلال لقائه مع رئيس مجلس النواب اللبناني في بيروت، طلب هوكستين نقل رسالة إلى زعيم "حزب الله" حسن نصر الله، مفادها أن افتراضه بأن الولايات المتحدة تسيطر على إسرائيل هو "افتراض خاطئ"، وفق "أكسيوس".

ووفقاً للمصادر، قال هوكستين إن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على كبح جماح إسرائيل إذا استمر الوضع على الحدود في التصعيد، وأن "حزب الله" يحتاج إلى التفاوض بشكل غير مباشر مع إسرائيل بدلاً من تصعيد التوترات.

وقال دبلوماسي غربي إنه بعد زيارة هوكستين، أرسل "حزب الله" رسائل إلى الولايات المتحدة من خلال أطراف ثالثة يقول فيها إنه "على الرغم من أنه لا يريد الحرب، إلا أن الجماعة واثقة أيضاً من قدرتها على ضرب إسرائيل بشكل كبير إذا غزت لبنان".

وتشعر إدارة بايدن بقلق بالغ من أن كلاً من إسرائيل و"حزب الله" يسيئان التقدير عندما يصعدان خطابهما والقتال على الأرض، بينما يعتقدان أنهما قادران على تجنب حرب شاملة.

كما يشعر المسؤولون الأميركيون بالقلق، من أنه بدون وقف إطلاق النار في غزة، ستصبح الحرب بين إسرائيل والجماعة اللبنانية أكثر احتمالاً، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإقليمية بشكل كبير وجر الولايات المتحدة إلى عمق الصراع.

ونقلت "بوليتيكو" عن مسؤول بوزارة الدفاع الأميركية، طلب عدم كشف هويته: "على إسرائيل أن تفعل ما يجب أن تفعله". 

وتتصادم إسرائيل و"حزب الله" عند مستوى منخفض منذ شهور، مع تبادل لإطلاق النار وعمليات اغتيال مستهدفة، بالتزامن مع الحرب الإسرائيلية على غزة التي اندلعت في 7 أكتوبر الماضي، وتصاعدت الاشتباكات بين "حزب الله" وإسرائيل إلى آفاق جديدة في الأسابيع الأخيرة مع انخفاض حدة حرب غزة.

جهود مكثفة نحو حل دبلوماسي

بعد يومين من زيارة هوكستين إلى المنطقة، توجه كبير مستشاري رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الوزير رون ديرمر ومستشار الأمن القومي تساحي هنجبي، إلى واشنطن، لعقد اجتماعات في البيت الأبيض، وأخبرا كبار مساعدي بايدن أن نتنياهو غير مهتم بالحرب مع "حزب الله".

وقال مسؤول أميركي، إن مستشاري بايدن أخبروا ديرمر وهنجبي، أنهم يعملون على إيجاد حل دبلوماسي، ولكن إذا كانت هناك حرب في لبنان لأن "حزب الله" قرر الارتباط بمصالح "حماس"، فإن "الولايات المتحدة ستدعم إسرائيل بالكامل".

ويحاول المسؤولون الإسرائيليون والأميركيون، إيجاد مخرج لا يرقى إلى مستوى وقف إطلاق النار في غزة، والذي لا يبدو وشيكاً، ولكنه سيعمل على تهدئة الوضع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.

ويتلخص أحد الخيارات في محاولة استغلال انتهاء العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح، والتي قد تتم في غضون أسبوعين وإنهاء المرحلة شديدة الحدة من الحرب على غزة، كنقطة لتهدئة التصعيد، وفق "أكسيوس".

وفي الوقت نفسه، يقول مسؤولون إسرائيليون إن إنهاء العمليات المكثفة في غزة سيسمح للجيش الإسرائيلي بتحريك قواته إلى الحدود الشمالية لإسرائيل في حال فشلت الدبلوماسية.

وألمح جالانت، الموجود في واشنطن هذا الأسبوع، إلى تلك السيناريوهات خلال اجتماعه مع هوكستين، الأحد.

وقالت وزارة الدفاع الإسرائيلية في بيان، إن "الوزير جالانت أبلغ هوكستين أن الانتقال إلى (المرحلة ج) من الحرب على غزة سيؤثر على التطورات على جميع الجبهات، وأن إسرائيل تستعد لكل السيناريوهات عسكرياً ودبلوماسياً".

مخاوف أميركية من "حرب شاملة"

ويخشى المسؤولون الأميركيون من أن معركة شاملة بين إسرائيل و"حزب الله"، يمكن أن يدفع المنطقة إلى "حرب شاملة". وهذا هو السيناريو الذي سعوا إلى منعه منذ اندلاع الحرب الاسرائيلية على غزة في أكتوبر الماضي.

وقال ماثيو ميلر، المتحدث باسم الخارجية الأميركية، للصحافيين، الاثنين: "نعتقد أنه يجب أن يكون هناك حلاً دبلوماسياً للصراع عبر الحدود الإسرائيلية اللبنانية يمنع عشرات الآلاف من العائلات على جانبي الحدود من العودة إلى ديارهم". 

ويزور وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت واشنطن، لإجراء محادثات مع مساعدي الرئيس جو بايدن، ومن المرجح أن يركز جزء كبير من النقاش على الأزمة على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية. 

وقال مسؤولان أميركيان، إن إدارة بايدن ستساعد إسرائيل في الدفاع عن نفسها في أي سيناريو مع "حزب الله"، بما في ذلك كل شيء من تجديد نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي "القبة الحديدية" إلى توفير المعلومات الاستخباراتية.  

وإذا تعرضت إسرائيل لضغوط شديدة، مع قيام "حزب الله" بإمطار مدنها الرئيسية بالصواريخ والقذائف على سبيل المثال، فقد تتحرك الولايات المتحدة نحو المزيد من الدعم العسكري المباشر، حسبما قال المسؤولان لـ"بوليتيكو".

وأضاف المسؤولان الأميركيان، أنه "لا يبدو أن القادة الإسرائيليين اتخذوا قراراً نهائياً بشأن ما يجب القيام به، على الرغم من أن أياً منهم لا يبدو أنه يريد حرباً شاملة، وكذلك إيران". 

الاستخبارات الأميركية: "حزب الله" لا يريد الحرب

وقال مسؤول أميركي كبير، إنه عندما يتعلق الأمر بالمناقشات مع الإسرائيليين "ينصب التركيز على إدخال الواقعية في حسابات بيبي (بنيامين نتنياهو)".

ويعتقد مجتمع الاستخبارات الأميركي، أن زعيم "حزب الله" حسن نصر الله "لا يريد الحرب"، "لكنه يقدر أن خطر حدوث حرب يزداد هذا الشهر وكذلك خطر سوء التقدير من أي من الجانبين"، وفقاً لمسؤول أميركي كبير آخر. 

وتريد إسرائيل أن تتمكن العائلات النازحة من العودة إلى منازلها قبل فصل الخريف، وإلا فمن المرجح أن تقوم تلك العائلات بتسجيل أطفالها في المدارس في أماكن تواجدها الحالية، مما يؤدي إلى استقرارها في تلك الأماكن. 

ولكن إذا ضربت إسرائيل "حزب الله"، وقاتلت الجماعة بطريقة تفرض المزيد من جولات القتال، فقد يتم تهجير المزيد من الإسرائيليين في المنطقة، وفق "بوليتيكو".

وقد جادل الإسرائيليون، بأنه إذا دعمتهم الولايات المتحدة علناً في عملية ما، حتى لو كانت تدعم مجرد التهديد بذلك، فقد يكون "حزب الله" أكثر عرضة للتراجع أو الموافقة على وقف لإطلاق النار الآن.

ويعتقد المبعوث الأميركي الخاص إلى المنطقة آموس هوكستين، أنه يحرز تقدماً مع الإسرائيليين في تهدئة الوضع، وفقاً لما قاله شخص مطلع على الوضع.

وليس من غير المسبوق أن تتمكن الولايات المتحدة من منع هجوم إسرائيلي ضد "حزب الله" بنجاح. وتحدث المسؤولون الأميركيون مع القادة الإسرائيليين لثنيهم عن شن ضربة كبيرة ضد الجماعة في الأيام التي تلت 7 أكتوبر مباشرة. 

ومع ذلك، هذه المرة يبدو أن الإسرائيليين أكثر تمسكاً بموقفهم، على الرغم من أن الولايات المتحدة قد تؤثر على نوع وحجم العملية التي يعتزمون القيام بها.

ونجحت الضغوط الأميركية السابقة على إسرائيل، في التأثير على نطاق بعض إجراءاتها الأخرى، مثل في مدينة رفح في غزة أو ضد إيران. وليس من الواضح بالضبط ما هي الخيارات التي تدرسها إسرائيل ضد حزب الله، الذي ليس فقط مسلحاً بشكل كبير ولكنه أيضا يتمتع بنفوذ سياسي في لبنان. 

وقد تساعد عملية جوية في ردع تلك الجماعة، بينما قد يؤدي غزو بري إلى إنشاء منطقة عازلة. كما أن هناك احتمالاً للجمع بين الخيارين، وفقا لـ"بوليتيكو". 

لكن رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال سي كيو براون، كان لديه أيضاً تحذير لإسرائيل. وقال للصحافيين المسافرين معه، الأحد الماضي، إنه إذا اندلع صراع أوسع بين إسرائيل وحزب الله، فقد يكون من الصعب على الولايات المتحدة المساعدة في الدفاع عن إسرائيل مقارنة بوابل الصواريخ من إيران في 13 أبريل.  

قلق دولي

وتأتي هذه التطورات في وقت حذرت فيه عدد من الدول من مغبة اتساع نطاق الحرب إلى الجبهة الشمالية، إذ قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، الاثنين، إن برلين تشعر بقلق بالغ إزاء تصاعد العنف على حدود إسرائيل مع لبنان، وتزايد خطر نشوب صراع أوسع في المنطقة.

وخلال كلمتها في مؤتمر أمني في إسرائيل، حذرت الوزيرة إسرائيل من أنها "قد تخسر نفسها في الحرب مع حماس"، وأن "الغضب المتزايد جراء معاناة المدنيين في غزة يقوض أمن إسرائيل".

وأضاف بيربوك: "نحن قلقون للغاية حيال تزايد العنف على الحدود الشمالية. سأزور بيروت الثلاثاء مرة أخرى لهذا السبب تحديداً".

وتابعت: "نعمل دون كلل مع شركائنا لإيجاد حلول يمكن أن تحول دون تزايد المعاناة. يتزايد خطر التصعيد غير المقصود والحرب الشاملة يوماً بعد يوم".

وأضافت الوزيرة الألمانية: "بصفتي صديقة لإسرائيل، أريد أن أكون صريحة: هذا الغضب لا يساعد إسرائيل على تلبية احتياجاتها الأمنية، وإنما على العكس من ذلك يخدم فقط حملة حماس لإثارة المزيد من التصعيد".

 من جانبه قال جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، للصحافيين في لوكسمبورج، الاثنين، إن "خطر تأثير وامتداد هذه الحرب على جنوب لبنان، يتزايد كل يوم".

وأكد بوريل أنه يشعر بـ"قلق أكبر بكثير" من ذي قبل، مشيراً إلى "تزايد القصف على جانبي الحدود مع لبنان".

تصنيفات

قصص قد تهمك