قال خبراء إن نجاح الدفاعات الصاروخية الباليستية في مواجهة سيناريوهات قتالية معقدة وعالية المخاطر في إسرائيل والبحر الأحمر وأوكرانيا، سيشجع الجيوش على مستوى العالم على الاستثمار في الأنظمة باهظة الثمن، وإشعال سباق التسلح الصاروخي.
ورجّح 6 خبراء أن تتطلع المزيد من الجيوش إلى الاستثمار في أنظمة الدفاع الصاروخي الباليستية، ما يمثل مكاسب غير متوقعة لشركات مثل "لوكهيد مارتن" و"رايثيون" تنتج هذه الأنواع من الأنظمة.
وأوضح مسؤولون أميركيون وإسرائيليون أن إيران أطلقت ما يصل إلى 120 صاروخاً باليستياً متوسط المدى على إسرائيل في 13 أبريل، فيما دمرت صواريخ اعتراضية أميركية من طراز "SM-3" وصواريخ "آرو" الإسرائيلية أغلبها وتركت مسيرات وتهديدات أصغر ليتصدى لها نظام "القبة الحديدية".
وفي الأشهر السابقة، اعترضت صواريخ أطلقتها مدمرات البحرية الأميركية سبيل صواريخ باليستية مضادة للسفن أطلقها الحوثيون في اليمن، أما في أوكرانيا، فقد أسقطت بطاريات باتريوت "MIM- 104" أميركية الصنع صواريخ "إسكندر" و"كينجال" الروسية المتقدمة.
استثمار في الدفاع الصاروخي
وفي الإطار، قال من "مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي"، البحثية المتخصصة في الدفاع والأمن مقرها الولايات المتحدة، أنكيت باندا: "بالتأكيد أي دولة غنية تمتلك الإمكانات التكنولوجية ستواصل الاستثمار في الدفاع الصاروخي (...) كل هذا يشكل مناخاً ملائماً لسباق تسلح بالأسلحة التقليدية".
بدوره، قال مدير برنامج حظر انتشار الأسلحة في شرق آسيا في "معهد ميدلبري للدراسات الدولية" في كاليفورنيا، جيفري لويس: "في المحيط الهادئ، سنرى المزيد من الاهتمام بالدفاع الصاروخي الأمر الذي سيدفع الصينيين إلى بناء المزيد من الأنظمة سترغب الدول في الحصول على صواريخ هجومية، لأنها ترى دولاً أخرى تستخدمها وهذا سيزيد الطلب على الدفاعات الصاروخية".
وتنشر دول أوروبية مثل هولندا وألمانيا والسويد وبولندا بالفعل بطاريات باتريوت التي تنتجها "رايثيون"، وهي منظومة الدفاع الصاروخي الباليستي المتقدمة الأكثر شيوعاً في الغرب.
وتستخدم السعودية منذ سنوات منظومة باتريوت للتصدي لهجمات الحوثيين، كما تشغل هي والإمارات نظام الدفاع الصاروخي للارتفاعات العالية "ثاد"، الذي تصنعه "لوكهيد مارتن"، فيما تمتلك الكويت وقطر والبحرين بطاريات باتريوت أيضاً، كما أبدت عُمان اهتماماً بالحصول على أنظمة للدفاع الصاروخي.
أما في الولايات المتحدة، فقد فازت "لوكهيد مارتن" في أبريل بعقد بقيمة 17.7 مليار دولار من أجل تصنيع الجيل التالي من أنظمة "ميدكورس" الاعتراضية الأرضية (GMD) المصممة لإسقاط أعداد صغيرة من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات التي قد تستهدف البر الرئيسي للولايات المتحدة.
لكن التأثير الأوضح قد يكون في آسيا، حيث استثمرت الصين بقوة في الصواريخ الباليستية المسلحة تقليدياً. وذكر تقرير لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون)، العام الماضي، أن القوة الصاروخية للجيش الصيني تضم حوالي 500 صاروخ من طراز "دونج.فنج-26" المصمم لضرب أهداف بدقة على بعد آلاف الكيلومترات.
ومن شأن ذلك أن يضع قواعد لواشنطن وحليفتيها اليابان وجوام ضمن نطاق هجوم محتمل قد يحدث مع تحذير مدته لا تتجاوز 20 أو 30 دقيقة.
ومن النادر أن تتحدث بكين عن ترسانتها الصاروخية بما يتجاوز التصريحات بأن قواتها تهدف إلى الحفاظ على السلام ولا تستهدف أي دولة محددة.
مؤشرات على مكاسب قوية
ويعمل الدفاع الصاروخي الباليستي عبر رصد أي سلاح مهاجم سواء عند الإطلاق أو في أثناء التحليق ثم يستخدم الرادار لتوجيه صاروخ الاعتراض إلى الهدف.
ويمكن أن تحدث عمليات الاعتراض في الغلاف الجوي أو في الفضاء، ويتطلب كل مجال منهما عتاداً مختلفاً، على سبيل المثال، لن تعمل أجنحة التوجيه الصغيرة خارج الغلاف الجوي وبالتالي يجب أن يكون لدى صواريخ الاعتراض قاذفات توجيه صغيرة لتعمل في الفضاء.
أما أجهزة الكمبيوتر عالية الطاقة المطلوبة لهذا الغرض، والرادارات بعيدة المدى والصواريخ الكبيرة التي قد يصل حجمها لحجم أعمدة خطوط الهاتف، فهي ليست رخيصة وتكلف معاً المليارات.
وفي هذا الإطار، قال لويس، من "معهد ميدلبري للدراسات الدولية"، إن دولاً غنية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، مثل اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية، مرشحة بالأساس للحصول على الدفاع الصاروخي، بينما تستثمر كل دولة في آسيا تقريباً بالفعل في الصواريخ.
وذكرت وزارة الدفاع اليابانية أن البلاد "بحاجة إلى تعزيز قدراتها الدفاعية بشكل جذري وبسرعة، بما في ذلك نظم الدفاع الجوي والصاروخي المتكاملة"، فيما أوضحت أنها تستثمر في جلب صواريخ "باتريوت" مطورة ورادارات أفضل وتعزيز القدرات البحرية المضادة للصواريخ.
وقالت وزارة الدفاع الكورية الجنوبية، في بيان، إن كوريا الجنوبية في أحدث موازنة دفاعية زادت التمويل لنظام الدفاع الجوي والصاروخي بنسبة 12%، لتوسيعه من المستوى الضعيف لمفهوم الدفاع الحالي.
وأضافت الوزارة أن "مواقف مثل الصراع بين إسرائيل وحماس والحرب الروسية الأوكرانية، أكدت مجدداً أهمية النظام الدفاع الصاروخي الباليستي للتصدي للتهديدات الصاروخية المتطورة بشكل متزايد".
وفي منتصف أبريل، أعلنت أستراليا عن عقد بقيمة 500 مليون دولار أسترالي (328 مليون دولار) مع شركة "لوكهيد مارتن" لتسليم نظام إدارة المعارك الجوية المشتركة لتتبع وتدمير الطائرات والصواريخ.
وغالباً ما تكون كلفة الصاروخ الباليستي أقل بكثير من النظام المخصص لاعتراضه، لكن يوجي كودا، القائد الأعلى السابق لأسطول الدفاع الذاتي في البحرية اليابانية وأحد المدافعين عن تعزيز الدفاعات الصاروخية في البلاد، يقول إن هذه "ليست الطريقة الصحيحة للتفكير في الكلفة".
مسألة الصين
ومعظم الصواريخ الباليستية الصينية التقليدية مصممة لإصابة أهداف على الأرض، لكنها تحتوي أيضاً على رؤوس حربية قابلة للتوجيه مصممة لضرب السفن في البحر، ومنها صاروخ "دونج.فنج-21دي" وأنواع من صاروخ "دونج.فنج-26"، من إنتاج شركة علوم وتكنولوجيا الفضاء الصينية المملوكة للدولة.
ولم يتم استخدام مثل هذه الصواريخ الباليستية المضادة للسفن في القتال حتى أواخر عام 2023، عندما بدأ الحوثيون في اليمن إطلاق نماذج إيرانية الصنع على السفن في البحر الأحمر.
وبين نوفمبر، وهو تاريخ أول استخدام موثق، وأبريل، أبلغت القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم" عن إطلاق ما لا يقل عن 85 صاروخاً باليستياً مضاداً للسفن في المنطقة، مع اعتراض 20 صاروخاً وغرق سفينة مدنية واحدة.
ورفضت القيادة المركزية تقديم تفاصيل حول فاعلية الصواريخ الإيرانية الباليستية المضادة للسفن، لكنها أشارت إلى أن الصواريخ التي لا تشكل أي تهديد لم يتم الاشتباك معها، ومعظم الصواريخ التي لم يتم اعتراضها سقطت دون ضرر.
لكن الباحث من مؤسسة كارنيجي الصين البحثية، تونج تشاو، قال إن فاعلية الدفاعات الصاروخية في البر والبحر ستلفت انتباه الصين.
وأضاف تشاو: "إن ذلك يثير احتمال أن تعتمد الولايات المتحدة وحلفاؤها على الدفاع الصاروخي بشكل كبير ضد أي هجوم صاروخي باليستي".
والمواصفات الفنية للصواريخ الصينية سرية للغاية، لكن الاستثمارات الضخمة التي تضخها بكين فيها، ربما تعني أنها متطورة أكثر مما هو معلن، ويُعتقد على نطاق واسع أنها تستخدم تدابير متطورة لتزيد عملية الاعتراض تعقيداً.