دقة الأسلحة الأميركية تواجه تحدياً كبيراً في الحرب الأوكرانية

time reading iconدقائق القراءة - 9
جنود أوكرانيون يطلقون مدفع هاوتزر ذاتي الدفع من طراز M109 باتجاه القوات الروسية وسط الهجوم الروسي على أوكرانيا، في منطقة دونيتسك، أوكرانيا. 7 أغسطس 2023 - REUTERS
جنود أوكرانيون يطلقون مدفع هاوتزر ذاتي الدفع من طراز M109 باتجاه القوات الروسية وسط الهجوم الروسي على أوكرانيا، في منطقة دونيتسك، أوكرانيا. 7 أغسطس 2023 - REUTERS
دبي -الشرق

منحت الذخائر الدقيقة ميزة قتالية حاسمة للولايات المتحدة لمدة 50 عاماً على الأقل، خصوصاً في الحروب التي خاضها الجيش الأميركي في العراق وأفغانستان، ولكنها تواجه اليوم تحدياً كبيراً في الحرب الأوكرانية.

ومع نقل الولايات المتحدة هذه القدرة إلى أوكرانيا في حربها مع روسيا، كان لمنظومة HIMARS المزودة بصواريخ GMLRS، وقذائف المدفعية Excalibur عيار 155 ملم، والقنابل الصغيرة القطر التي تُطلق من الأرض، وذخائر الهجوم المباشر المشترك، تأثير هائل على ساحة المعركة، وفقاً لموقع Breaking Defense.

ولكن روسيا تمكنت من إحداث تغيير كبير، بعد استخدامها الحرب الإلكترونية، والخداع، والتشتيت لإضعاف بعض هذه الأنظمة.

وذكر Breaking Defense، أن نجاح روسيا في الحرب الإلكترونية، يثير تساؤلات لدى الجيش الأميركي، أبرزها احتمال فقدان دقة أنظمة تحديد المواقع والتوجيه الدقيق في ساحة المعركة.

وإذا فقد الجيش الأميركي هذه الهيمنة، فإنه سيحتاج إلى تغيير مفاهيمه بشأن العمليات والاستراتيجيات العسكرية، مع انخفاض قدرات تحديد المواقع.

وتُعرِّف وزارة الدفاع الأميركية، الذخائر الدقيقة بأنها "سلاح موجّه يهدف إلى تدمير هدف محدد وتقليل الأضرار الجانبية". وتشمل الدقة أيضاً النطاق الكامل لقدرات القيادة والتحكم الناشئة عن تحديد المواقع الجغرافية. 

ونظراً لمركزية الدقة، يمكن أن يصبح أي فشل في التوجيه الدقيق وتحديد المواقع الجغرافية في ساحات القتال، أمراً "كارثياً" للعمليات العسكرية الأميركية.

قفزة روسية "إلى الأمام"

وتعتبر التدابير المضادة التي استخدمتها روسيا بساحة المعركة في أوكرانيا ضد الذخائر الدقيقة، بمثابة "قفزة إلى الأمام".

وبينما واجهت العراق وصربيا صعوبة في مواجهة التكنولوجيا العسكرية الغربية، كانت روسيا تستعد للقيام بذلك منذ عقود. 

وراقبت روسيا والصين ما تفعله الولايات المتحدة بخصومها، وفكّرت في سبل صد هذه الهجمات في حال واجهت "القوة النارية" للجيش الأميركي.

وحقّق الروس نجاحاً كبيراً في التشويش على إشارات نظام تحديد المواقع العالمي والتلاعب بها. 

ولم يعد استخدام قذيفة Excalibur الدقيقة شائعاً، لأن فعاليتها انخفضت إلى أقل من 10% بالنسبة للذخيرة التي تقدر كلفتها 160 ألف دولار للوحدة.

وعلى نحو مماثل، أصبحت ذخائر الهجوم المباشر والقنابل الصغيرة التي تطلق من الأرض، غير فعالة إلى حد كبير في أوكرانيا. 

ويواجه نظام إطلاق الصواريخ الموجهة الصغيرة (GMLRS) صعوبات أيضاً، وهو ما يشكل جزءاً كبيراً من الذخائر الدقيقة قصيرة ومتوسطة المدى، التي أطلقتها الولايات المتحدة، والتي أصبحت على ما يبدو غير فعالة.

ولم تتأثر الأسلحة فحسب، بل أصبحت أنظمة التتبع غير موثوقة أيضاً. 

ويجد الطيارون الذين يحلقون بالقرب من مناطق الحرب، أن المواقع في أنظمة الملاحة الخاصة بهم مشوشة وغير موثوقة، ما جعلهم يوقفون تشغيل نظام تحديد المواقع العالمي في بعض الأحيان.

تحسين توجيه الذخيرة للتغلب على التشويش

لا يعتبر تطوير تدابير مضادة للذخائر الدقيقة أمراً مفاجئاً، ولكن على الولايات المتحدة تنفيذ استراتيجية جديدة في زمن السلم قبل الحرب، وفق تقرير Breaking Defense.

وأفاد الموقع المختص في الشؤون العسكرية، بأن أحد عناصر هذه الاستراتيجية يتلخص في تحسين توجيه الذخيرة للتغلب على التشويش أو تجنبه.

أما العنصر الآخر فيتعلق بالحصول على أنواع بديلة من الذخيرة للتعامل مع انخفاض الدقة، بالإضافة إلى تدريب الأفراد على التكيف مع هذه البيئة.

وابتكرت صناعة الدفاع طرقاً لتقليل فعالية التشويش والتضليل، فيما يسارع البنتاجون لتنفيذ هذه الطرق. 

ومع مرور الوقت، قد تصبح التحسينات الأكثر فعالية منتشرة في كل مكان في ساحة المعركة، كما أن تقييم العمليات ما بعد الحرب في أوكرانيا، قد يساعد في تحديد هذه التحسينات.

ولكن Breaking Defense، أشار إلى وجود حدود لهذه التحسينات، خصوصاً وأنه في أفضل الأحوال، تكون إشارات نظام تحديد المواقع العالمي ضعيفة، كما لا تستطيع كل الذخائر استيعاب كل التحسينات، فالقذائف المدفعية تخضع لقيود صارمة فيما يتعلق بالاتصالات الفضائية.

خيارات لتوجيه الذخائر

ولا يعد نظام تحديد المواقع العالمي الوسيلة الوحيدة لتوجيه الذخائر، فهناك عدة خيارات أخرى بينها، من بينها تركيب أجهزة استقبال متعددة لنظام GPS على الذخيرة، والتي لا ترتبط فقط بكوكبة أقمار GPS الأميركية، ولكن أيضاً بأقمار دول أخرى. 

ويستعمل الروس نظام GLONASS، والصينيون لديهم نظام BeiDou، والاتحاد الأوروبي لديه نظام Galileo. 

وترتبط بعض الهواتف الخلوية بالفعل بشبكات تحديد المواقع الجغرافية المتعددة، نظراً لأن هذه مجرد أجهزة استقبال، وليست أجهزة إرسال.

وتحتوي أنظمة الملاحة بالقصور الذاتي (INS) على أجهزة استشعار حساسة تقيس التسارع والاتجاه.

وتسمح هذه البيانات ونقطة البداية المعروفة لنظام الملاحة بالقصور الذاتي بتحديد مكانه، والمكان الذي يحتاج الذهاب إليه.

وبينما تم تحسين الملاحة بالقصور الذاتي من التشويش، إلا أنها تعتبر أقل دقة من نظام تحديد المواقع العالمي وأكثر تكلفة بكثير، فضلاً أنها غير مناسبة للقذائف المدفعية، التي تتحمل قوى تسارع هائلة.

وتستخدم "مطابقة محيط التضاريس" أجهزة استشعار على الصاروخ لتحديد التضاريس التي يحلق فوقها، ومن ثم مقارنتها بخريطة التضاريس الموجودة في ذاكرته.

ويتم استخدام هذه الخريطة للتنقل إلى الهدف، وتعد "مطابقة محيط التضاريس" أكثر دقة من "الملاحة بالقصور الذاتي"، لأنها توفر الملاحة النهائية، ولكنها مكلفة ولا تناسب إلا الصواريخ الكبيرة بعيدة المدى، حيث لا يشكل الوزن الزائد والتكاليف مشكلة كبيرة. 

ويستخدم التوجيه بالليزر جهاز رصد لتسليط الضوء على الهدف؛ حيث ترى الذخيرة الليزر وترشده. 

وكانت العديد من الذخائر الموجهة بدقة في وقت مبكر تتمتع بمثل هذا التوجيه، الذي يعدّ فعّالاً ويصعب التشويش عليه. 

ذخائر بديلة

وإذا كانت الأسلحة الدقيقة تشكل تحدياً في ساحة المعركة، فإن الحل الأبسط قد يكون زيادة المشتريات من الأسلحة غير الدقيقة، وفق موقع Breaking Defense.

واعتبرت "الذخائر العنقودية" بمثابة العمود الفقري للقوة النارية للمدفعية والصواريخ في الثمانينيات وحتى التسعينيات. 

ومن خلال نشر قوتها التفجيرية على مساحة واسعة، كانت أكثر فعالية بكثير من قذائف المدفعية العادية، وسبع مرات أكثر فعالية في ساحة المعركة، وما يصل إلى 40 مرة أكثر فعالية في الاختبارات.

وأدى ارتفاع معدّل فشل القنابل الصغيرة إلى فرض معظم القوى العالمية قيوداً على هذه القوة النارية. 

واحتفظت الولايات المتحدة بمثل هذه الذخائر لحالات الطوارئ، ونشرت ذخائر موحدة كبديل. 

وبالنسبة لصواريخ MLRS، ابتكر الجيش الأميركي رأساً حربياً بديلاً، يطلق 160 ألف طلقة، ما يخلق تأثير البندقية، ويكرر تأثيرات الذخائر العنقودية. 

وقد يكون هذا تعديلاً جذاباً لبعض الذخائر، لكن النهج قد لا يكون قابلاً للتطبيق من الناحية الفنية لقذائف المدفعية بسبب حجمها الأصغر. ولكن هناك خيار آخر يتمثل في استخدام كميات هائلة من الأسلحة. 

ويراهن الجيش الأميركي على الكثافة والدقة، خاصة وأن القادة في ساحة المعركة يستخدمون القوة النارية من خلال النيران المباشرة وغير المباشرة، باستخدام الكثافة والدقة، أو عادة مزيج من الاثنين.

ويسعى الجيش الأميركي إلى مجموعة متنوعة من برامج الهجوم الدقيق من صاروخ الضربة الدقيقة إلى الصواريخ الأسرع من الصوت.

كما يعمل البنتاجون على زيادة إنتاج قذائف المدفعية "غير الدقيقة" من مستوى ما قبل الحرب البالغ 14 ألف قذيفة شهرياً إلى 100 ألف قذيفة شهرياً بحلول عام 2025.

ورفض سلاح مشاة البحرية الأميركية بشكل قاطع الاعتماد على عدد كبير من الذخائر "غير الدقيقة"، وراهن على الهجوم الدقيق بعيد المدى.

ويعتمد الجيش الأميركي على أنظمة تحديد المواقع الجغرافية ليس فقط فيما يتصل بالذخائر والقوة النارية، بل أيضاً فيما يتصل بالموقع والتنسيق.

وكما تؤثر التدابير المضادة التي يتخذها الخصوم على الذخائر الدقيقة، فإنها تؤثر أيضاً على قدرة القوات الصديقة على معرفة مكانها.

ومن خلال تتبع القوات الصديقة والمحايدة وقوات العدو، تعمل أنظمة القيادة والتحكم على تعزيز المناورة والحد من القتل بالخطأ، فضلاً عن السماح للأفراد والوحدات بمعرفة مكان وجودهم باستمرار، حتى في أكثر التضاريس صعوبة.

وخلال الصراعات الإقليمية ومكافحة التمرد على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، اشتهر الجيش الأميركي بمعرفته الفائقة بساحة المعركة. 

وإذا تعطلت هذه الأنظمة الآلية، فستحتاج القوات إلى العودة إلى الأنظمة التقليدية للحرب، وهي حلول ليست صعبة من الناحية الفنية، ولكنها تتطلب الكثير من التدريب لتكون فعالة على نطاق واسع. 

واعتبر موقع Breaking Defense، أن الدقة لن تختفي من ساحة المعركة، ولن تتمكن أي تدابير مضادة من تحييد أنظمة تحديد المواقع الجغرافية بشكل كامل، ولكنها بحاجة إلى تطوير مستمر لمواجهة التحديات.

تصنيفات

قصص قد تهمك