كشف بحث جديد عن معلومات مهمة بشأن كيفية عمل "الأسبرين"، فعلى الرغم من أن هذا الدواء كان متاحاً تجارياً منذ أواخر القرن التاسع عشر، إلّا أن العلماء لم يكتشفوا بشكل كامل آلية عمله التفصيلية وأهدافه الخلوية، وحقيقة دوره المحتمل للوقاية من السرطان وعلاجه.
والأسبرين هو دواء شائع الاستخدام، ومعروف على نطاق واسع بخصائصه في تخفيف الآلام وكمضاد للالتهاب ومانع لتكوين الجلطات.
واقترحت بعض الأبحاث السابقة أن استخدام "الأسبرين" بجرعة منخفضة على المدى الطويل قد يترافق مع انخفاض خطر الإصابة بأنواع معينة من السرطان، وخاصة سرطان القولون والمستقيم.
وتتمثل إحدى الآليات المحتملة التي قد يساعد الأسبرين من خلالها بالوقاية من السرطان، في خصائصه المضادة للالتهابات. جرى ربط الالتهاب المزمن بتطور عدة أنواع من السرطان، وقد تساعد قدرة الأسبرين على تثبيط الالتهاب في تقليل مخاطر الإصابة بالسرطان.
خصائص غير معروفة
ولكن الدراسة الجديدة تؤكد أن دور الأسبرين لا يقتصر فقط على الخصائص المضادة للالتهاب، بل يمتد أيضاً لمجموعة من العمليات الخلوية، التي تلعب دوراً رئيساً وفعالاً في قدرات الجهاز المناعي على الكشف عن الأورام الخبيثة.
ويعمل الأسبرين عن طريق تثبيط إنتاج بعض الإنزيمات في الجسم التي تسبب الالتهاب والألم والحمى، عن طريق منع عمل إنزيم الأكسدة الحلقية المعروف باسم (COX) والمسؤول عن إنتاج البروستاجلاندين، وهي مادة شبيهة بالهرمونات تسبب الالتهاب والألم.
ووجدت دراسة جديدة قدمت خلال الاجتماع السنوي للجمعية الأميركية للكيمياء والبيولوجية الحيوية، المنعقد في مدينة سياتل الأميركية وحضرته "الشرق" عن بُعد، أن الأسبرين يتحكم أيضاً في عوامل النسخ المطلوبة للتعبير الخلوي أثناء الالتهاب، ويؤثر أيضاً على العديد من البروتينات الالتهابية الأخرى والحمض النووي الريبي، التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالالتهاب والاستجابة المناعية.
وعوامل النسخ هي بروتينات تؤدي دوراً مهماً في التعبير الجيني من خلال تنظيم عملية النسخ.
والنسخ هي العملية التي يتم من خلالها استخدام المعلومات الجينية المشفرة في الحمض النووي، لتركيب جزيئات الحمض النووي الريبي، والتي بدورها تستخدم لتخليق البروتينات.
وتشارك عوامل النسخ في مجموعة واسعة من العمليات الخلوية، بما في ذلك التطور الجنيني، وتمايز الخلايا، والاستجابة للإشارات البيئية مثل الإجهاد أو العدوى، كما تؤدي دوراً في تطور العديد من الأمراض، بما في ذلك السرطان.
وتقول الدراسة إن الأسبرين لا يؤثر فقط على نشاط عوامل النسخ التي تشارك في تنظيم الالتهاب، بل يؤثر أيضاً على الأحماض الأمينية التي تؤدي دوراً مهماً في قدرات بناء المناعة.
علاج الأورام
وقال الباحثون إن الأسبرين يبطئ تكسير حمض أميني يُسمى "التربتوفان"، والذي يؤدي دوراً رئيساً في الالتهاب والاستجابة المناعية عن طريق تنظيم إفراز إنزيم يُسمى IDO1، والذي يقوم بدور مهم في جهاز المناعة.
ويوجد ذلك الإنزيم بشكل أساسي في الخلايا المناعية، ويُساهم في استقلاب الحمض الأميني الأساسي "التربتوفان"، الذي يؤدي إلى إنتاج "الكينورينين" وهو إنزيم آخر يُمكن أن يثبط الاستجابة المناعية.
ويعتقد العلماء أن استنفاد "التربتوفان" عبر إنزيم IDO1 أحد الآليات المهمة التي يمكن من خلالها للأورام ومسببات الأمراض الأخرى التهرب من جهاز المناعة. وبالتالي، تكشف الدراسة الجديدة عن دور محتمل للأسبرين في علاج الأورام.
وتشير بعض الدراسات السابقة إلى أدلة تزعم أن الاستخدام المنتظم للأسبرين قد يترافق مع انخفاض خطر الإصابة بأنواع معينة من السرطان، وخاصة سرطان القولون والمستقيم، إذ يرى العلماء أن نشاط أنزيمات الأكسدة الحلقية يتم التعبير عنها بشكل مفرط في العديد من أنواع السرطان، كما أنها تُشارك في نمو الورم وتطوره.
وثبت أيضاً أن الأسبرين له تأثيرات مضادة لتولد الأوعية، إذ يمنع تكوين الأوعية الدموية الجديدة التي تحتاجها الأورام للنمو والانتشار. وتقول الأبحاث إن الأسبرين قد يعزز أيضاً قدرة الجهاز المناعي على التعرف على الخلايا السرطانية وتدميرها.
إلا أن الدراسة الجديدة هي الأولى التي تربط بين إنزيم IDO1 والأسبرين.
وعلى الرغم من أن الباحثين يصفون الأسبرين بالدواء السحري، لكن استخدامه على المدى الطويل يمكن أن يسبب آثاراً جانبية ضارة مثل النزيف الداخلي وتلف الأعضاء.
ويقول العلماء إنه من المهم أن نفهم كيفية عمل "الأسبرين"، حتى نتمكن من تطوير عقاقير أكثر أماناً مع آثار جانبية أقل.
اقرأ أيضاً: