مسؤولون يتهمون روسيا بإنشاء وحدة استخباراتية لتهديد أمن أوروبا والكرملين ينفي

time reading iconدقائق القراءة - 10
مقر السفارة الروسية في النرويج. 13 أبريل 2023 - Reuters
مقر السفارة الروسية في النرويج. 13 أبريل 2023 - Reuters
دبي -الشرق

قال مسؤولو وكالات استخباراتية غربية، إن روسيا أنشأت وحدة سرية جديدة تابعة لأجهزتها الاستخباراتية، تُعرف باسم "قسم المهام الخاصة"، تستهدف أوروبا من خلال عمليات سرية، حسبما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، بينما نفى المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف هذه الاتهامات، واصفاً إياها بأنها "مزاعم لا أساس لها من الصحة". 

وتتمركز هذه الوحدة في مقر الاستخبارات العسكرية الروسية، وفق الصحيفة، وهو مجمع زجاجي وفولاذي ضخم يقع في ضواحي موسكو، ويُعرف باسم Aquarium وتشمل عملياتها، محاولات اغتيال وأعمال تخريب، إلى جانب مخطط لوضع عبوات حارقة على متن طائرات.

ووفق المسؤولين الغربيين، فإن إنشاء هذه الوحدة يعكس موقف موسكو العدائي تجاه الغرب، إذ تم تأسيسها في عام 2023، رداً على دعم الغرب لأوكرانيا، وتضم عناصر مخضرمة شاركت في بعض من أخطر العمليات السرية الروسية خلال السنوات الماضية، بحسب الصحيفة. 

وترى موسكو أن الغرب متورط في الهجمات الأوكرانية ضدها، بما في ذلك تفجير خطوط أنابيب "نورد ستريم"، واغتيال مسؤولين بارزين في موسكو، إضافة إلى الضربات الأوكرانية باستخدام صواريخ غربية بعيدة المدى.

وبحسب مسؤولين في أجهزة الاستخبارات الغربية، فإن الوحدة الجديدة، المعروفة اختصاراً بـ SSD، تقف وراء سلسلة من الهجمات الأخيرة ضد الغرب، بينها محاولة اغتيال الرئيس التنفيذي لشركة ألمانية متخصصة في صناعة الأسلحة، ومخطط لوضع عبوات حارقة على طائرات تابعة لشركة الشحن العملاقة DHL.

قسم المهام الخاصة

ويجمع "قسم المهام الخاصة"، حسبما نقلت "وول ستريت جورنال"،  تحت مظلته، عناصر من مختلف الأجهزة الأمنية الروسية، حيث استحوذ على بعض الصلاحيات من جهاز الأمن الفيدرالي FSB، أكبر جهاز استخباراتي في البلاد، كما ضم الوحدة "29155" التي تتهمها أجهزة الاستخبارات والشرطة الغربية بالوقوف وراء تسميم العميل الروسي المزدوج سيرجي سكريبال في بريطانيا عام 2018. 

ويضطلع القسم بثلاث مهام رئيسية، وفق الصحيفة، هي: تنفيذ عمليات اغتيال وتخريب في الخارج، واختراق الشركات والجامعات الغربية، وتجنيد وتدريب عملاء أجانب، كما يسعى القسم لاستقطاب جواسيس من أوكرانيا، ودول نامية، وأخرى تعتبر صديقة لروسيا، مثل صربيا.

بالإضافة إلى ذلك، يدير القسم مركزاً للنخبة في العمليات الخاصة يُعرف باسم "سينيج"، حيث يتم تدريب بعض وحدات القوات الخاصة الروسية. 

ويتولى قيادة القسم الكولونيل جنرال، أندريه فلاديميروفيتش أفريانوف، ونائبه اللفتنانت، إيفان سيرجيفيتش كاسيانينكو. 

ويعد أفريانوف مطلوباً لدى الشرطة التشيكية بتهمة "التورط في تفجير مستودع ذخيرة في عام 2014"، ما أودى بحياة شخصين، كما منحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أرفع وسام في البلاد، لدوره في احتلال وضم شبه جزيرة القرم. 

ويعتقد مسؤولو الاستخبارات الغربية، أن كاسيانينكو، هو من نسق عملية تسميم سكريبال وابنته يوليا في بريطانيا، ورغم نجاتهما من الهجوم، فقد تعرضا لإصابات حرجة، فيما لقيت امرأة ثالثة مصرعها، بعد أن التقطت زجاجة عطر ملوثة بالسم، كان المهاجمون قد تخلصوا منها، لكن روسيا تنفي أي صلة لها. 

ويشرف كاسيانينكو على تنفيذ عمليات سرية في أوروبا، كما لعب دوراً في السيطرة على عمليات مجموعة "فاجنر" في إفريقيا، بعد وفاة مؤسسها يفجيني بريجوجين في عام 2023، كما لعب دوراً في نقل الخبرات والتكنولوجيا من روسيا إلى إيران، التي تزود موسكو بالمسيرات والصواريخ لاستخدامها في الحرب ضد أوكرانيا. 

وأكد جيمس أباتوراي، مساعد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "الناتو" المسؤول عن الحرب الهجينة، أن "روسيا تعتقد أنها في صراع مع ما تسميه الغرب الجماعي، وهي تتصرف بناء على ذلك، وصولاً إلى تهديدنا بهجوم نووي وتعزيز قدراتها العسكرية".

وفي المقابل، نفى المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف هذه الاتهامات، واصفاً إياها بأنها "مزاعم لا أساس لها من الصحة، كما هو الحال دائماً". 

عقوبات أوروبية 

وفي ديسمبر الماضي، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على وحدة تابعة لقسم المهام الخاصة، دون تسميته صراحة، لتورطه في انقلابات واغتيالات وتفجيرات وهجمات إلكترونية في أوروبا وأماكن أخرى.

كما وجهت الولايات المتحدة اتهامات لأعضاء في القسم بالتهم نفسها خلال الشهر نفسه، فيما عرضت وزارة الخارجية الأميركية مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار مقابل أي معلومات عن 5 أعضاء متهمين بتنفيذ هجمات إلكترونية ضد أوكرانيا.

وبلغت الأنشطة العدائية لذلك القسم ذروتها في صيف العام الماضي، لكنها تراجعت مؤخراً، وسط مؤشرات أوروبية على أن هذا التراجع قد يكون محاولة من موسكو لخلق مساحة دبلوماسية للتفاوض مع إدارة الرئيس دونالد ترمب.

وفي مايو الماضي، أعلنت الاستخبارات الأوكرانية، إحباط مخطط روسي لإشعال حرائق في عدة متاجر ومقهى، وقالت كييف آنذاك، إن العملية "كانت بتنسيق من الرائد الروسي يوري سيزوف".

وأكدت الاستخبارات الغربية، أن سيزوف، وهو ضابط في وحدة "سينيج" الخاصة التابعة لقسم المهام الخاصة، نسق عملية أخرى بعد أيام لإحراق مركز تجاري في وارسو، عاصمة بولندا، ونتيجة لذلك، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات عليه لدوره في هذه المخططات.

وفي يوليو، اشتعلت عبوات حارقة أُرسلت عبر DHL في مراكز الشحن في مدينة لايبزيج بألمانيا وبرمنجهام في إنجلترا، وأوضح رئيس الاستخبارات الداخلية الألمانية السابق، توماس هالدنفانج، أن إحدى هذه العبوات كادت تتسبب في إسقاط طائرة، لكن تأخر إحدى الرحلات أدى إلى انفجاره في المطار بدلاً من الجو. 

ووفق مسؤولين أمنيين، كانت هذه التفجيرات بمثابة اختبار لنقل عبوات مماثلة على متن طائرات متجهة إلى أميركا الشمالية، وعلى إثر ذلك، تم إرسال تحذيرات في أغسطس إلى شركات الشحن الكبرى وشركات الطيران والمطارات، ما دفع بعض الشركات إلى تعزيز إجراءات الفحص الأمني.

اتصالات أميركية 

وتم الكشف عن تفاصيل هذه المؤامرة في أواخر صيف 2024، ونظراً لخطورة التهديد، اتصل مستشار الأمن القومي الأميركي آنذاك، جيك سوليفان، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية CIA، وليام بيرنز، بالقيادة الروسية في أغسطس، مطالبين بوقف الهجوم. 

وتحدث سوليفان مع يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس بوتين وسفير روسيا السابق في واشنطن، بينما اتصل وليام بيرنز بنظيره الروسي سيرجي ناريشكين، بالإضافة إلى وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو

ورغم أن قسم المهام الخاصة يعمل وفق توجيهات عامة من بوتين، إلا أن قادة القسم قد لا يطلبون موافقة مباشرة على كل عملية، بحسب "وول ستريت جورنال".

وبحسب مسؤولين استخباراتيين أوروبيين وأميركيين وروس، يركز قسم المهام الخاصة بشكل خاص على ألمانيا، إذ تعتبرها موسكو "الحلقة الأضعف" في حلف الناتو، بسبب اعتمادها الكبير على الطاقة الروسية، وتصاعد قلقها بشأن التصعيد النووي، فضلاً عن وجود تيارات سياسية متعاطفة مع روسيا داخل البلاد. 

وفي مايو الماضي، أضرم عناصر من القسم النيران في مصنع تابع لشركة "ديهل" في برلين، المتخصصة في توريد أنظمة الأسلحة لأوكرانيا.

وفي الوقت نفسه، أبلغت الاستخبارات الأميركية ألمانيا بأنها كشفت خطة لاغتيال شخصيات بارزة في صناعة الدفاع الأوروبية، من بينهم أرمين بابيرجر، الرئيس التنفيذي لشركة "راينميتال"، وهي أكبر مورد للذخائر المدفعية لأوكرانيا، وتقوم حالياً ببناء مصنع دبابات داخل أوكرانيا.

هجمات في دول أوروبية أخرى 

ولم تقتصر العمليات المزعومة على ألمانيا، ففي يونيو الماضي، ألقت السلطات الفرنسية القبض على مواطن مزدوج الجنسية "أوكراني-روسي" بعد انفجار قنبلة بدائية في غرفته داخل أحد الفنادق، إذ أكدت السلطات أن المشتبه به كان يخطط لتفجير متجر كبير، ووجهت إليه تهم تتعلق بـ"الإرهاب". 

ووسط تصاعد الهجمات الروسية، طالب بعض المسؤولين والمشرعين في الغرب باتخاذ إجراءات أكثر جرأة لمواجهة عمليات قسم المهام الخاصة.

وقال نيك تومسون، الضابط السابق في CIA، إنه "على الولايات المتحدة تعزيز وتوسيع أنشطتها السرية داخل روسيا وحولها، لردع مزيد من العدوان الروسي".

وتبنى السيناتور الأميركي توم كوتون، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، الطرح ذاته، مؤكداً خلال جلسة استماع حديثة أن وكالة الاستخبارات المركزية بحاجة إلى أن تصبح أكثر جرأة وابتكاراً في عملياتها السرية. 

أما جيمس أباتوراي، مسؤول حلف الناتو" المعني بالحرب الهجينة، فحذر من أنه على الولايات المتحدة وحلفائها تبني "عقلية حرب" على مستوى المجتمع ككل، مؤكداً أن عدم الاستعداد لمواجهة التهديدات الروسية المتزايدة سيكون "خطأً خطيراً". 

تصنيفات

قصص قد تهمك