
بعد عامين من الحرب الإسرائيلية على غزة، أُعلن الاتفاق على وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة "حماس" الفلسطينية، خلال مفاوضات شرم الشيخ، ضمن المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإنهاء الحرب.
الرئيس الأميركي، اعتبر في مقابلة مع شبكة FOX NEWS، أن الاتفاق "يتجاوز حدود قطاع غزة"، ليشكل خطوة نحو "السلام في الشرق الأوسط بأسره"، مشيراً إلى أن العالم بأسره "توحّد من أجل تحقيق هذا الإنجاز غير المسبوق"، واصفاً إياه بأنه "إنجاز عظيم" لـ"إسرائيل، والمسلمين، والدول العربية، والولايات المتحدة"، وكذلك إنجاز عظيم للولايات المتحدة لأنها استطاعت أن تكون طرفاً في تحقيق اتفاق كهذا".
ويأتي هذا الاختراق بعد عامين من الحرب، التي تسببت في تدمير قطاع غزة بالكامل تقريباً، وخلفت عشرات الآلاف من الضحايا والمفقودين، فضلاً عن تفشي المجاعة والأمراض في القطاع الفلسطيني، الذي يعيش فيه أكثر من 2.3 مليون فلسطيني.
وقال ترمب، فجر الخميس، في منشور على منصة "تروث سوشيال" للإعلان عن توقيع الاتفاق على المرحلة الأولى من خطته لإنهاء الحرب، إن "جميع المحتجزين (الإسرائيليين) سيُطلق سراحهم قريباً جداً، وستسحب إسرائيل قواتها إلى خط متفق عليه كخطوات أولى نحو سلام قوي ودائم ومستدام".
ومن شأن هذا الاتفاق، في حالة تنفيذه، أن يُقرب الطرفين (إسرائيل وحماس) أكثر من أي وقت مضى من إنهاء الحرب، التي تحوّلت إلى صراع إقليمي شمل دولاً مثل إيران واليمن ولبنان، وزاد من عزلة إسرائيل على الساحة الدولية، وأعاد رسم ملامح الشرق الأوسط.
وجرت المفاوضات النهائية حول الاتفاق في مدينة شرم الشيخ المصرية، حيث وصل المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، وصهر الرئيس الأميركي، جاريد كوشنر، وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن، الذي تشارك بلاده مع مصر في جهود الوساطة منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، صباح الأربعاء.
وشهدت المفاوضات، في يومها الثالث، قبل الإعلان عن الاتفاق، مشاركة أطراف جديدة، إذ انضم رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم قالن، إلى جهود الوساطة، كما شاركت فصائل فلسطينية أخرى (الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) في المفاوضات.
ووسط ركام المباني وخيام مترامية على أطراف القطاع، خرج عدد من سكان غزة للاحتفال بإعلان التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، على أمل أن تنتهي الحرب الإسرائيلية بشكل كامل، بعدما تسببت في أحد أسوأ الكوارث الإنسانية في القرن الحالي، وفق تقارير الأمم المتحدة.
وأعلنت حركة "حماس" الفلسطينية، فجر الخميس، التوصّل إلى اتفاق لتنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترمب لإنهاء الحرب، والتي تتضمن وقف إطلاق النار، وانسحاب الجيش الإسرائيلي، ودخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وتبادل الأسرى والمحتجزين.
وقالت الحركة، في بيان، إنه "بعد مفاوضات مسؤولة وجادّة خاضتها الحركة والفصائل الفلسطينية حول مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترمب في شرم الشيخ، بهدف الوصول إلى وقف حرب الإبادة على شعبنا الفلسطيني، وانسحاب الاحتلال من قطاع غزّة، تعلن الحركة التوصّل إلى اتفاق يقضي بإنهاء الحرب على غزّة، وانسحاب الاحتلال منها، ودخول المساعدات، وتبادل الأسرى".
وأضافت "حماس"، في بيانها، أنها "تقدر جهود الوسطاء في قطر ومصر وتركيا"، كما نثمّن "جهود الرئيس ترمب الساعية إلى وقف الحرب نهائياً وانسحاب الاحتلال بشكل كامل من قطاع غزّة".
ودعت "حماس" الرئيس الأميركي والدول الضامنة للاتفاق، ومختلف الأطراف العربية والإسلامية والدولية، إلى إلزام حكومة الاحتلال بتنفيذ استحقاقات الاتفاق كاملةً، وعدم السماح لها بالتنصّل أو المماطلة في تطبيق ما تم التوافق عليه".
وأصدرت الحركة، بياناً آخر، أكدت فيها أنها "سلّمت قوائم الأسرى الفلسطينيين ضمن المعايير المتفق عليها في إطار الاتفاق، وفي انتظار الاتفاق النهائي على الأسماء، تمهيداً لإعلانها عبر مكتب إعلام الأسرى، فور اكتمال الإجراءات والتفاهمات ذات الصلة".
مصادقة الحكومة الإسرائيلية على الاتفاق
وبعد إعلان الاتفاق على المرحلة الأولى من خطة ترمب، أشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بما وصفه بأنه "إنجاز تاريخي"، معلناً أنه سيدعو الحكومة للانعقاد الخميس، للمصادقة على الاتفاق.
ويواجه نتنياهو تهديدات من وزراء ينتمون لليمين المتطرف في ائتلافه الحكومي بالانسحاب من الحكومة، "إذا قدم تنازلات كبيرة للفلسطينيين"، على غرار وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن الداخلي، إيتمار بن جفير.
ونقلت شبكة CBS NEWS عن مسؤول كبير في البيت الأبيض قوله، إنه بمجرد تصويت الحكومة الإسرائيلية بـ"نعم"، يتعين على إسرائيل الانسحاب إلى الخط المتفق عليه، وهي عملية يُفترض أن تستغرق أقل من 24 ساعة.
وبحسب القانون الإسرائيلي، يجب أن تحظى أي عملية إفراج عن أسرى فلسطينيين في إطار أي صفقة تبادل، بموافقة الحكومة أولاً.
زيارة ترمب المرتقبة إلى مصر وإسرائيل
وقال الرئيس الأميركي ترمب، في وقت سابق، الأربعاء، إنه قد يسافر إلى مصر في مطلع الأسبوع المقبل (اعتباراً من الاثنين)، مشيراً إلى أنه ربما يغادر السبت إلى منطقة الشرق الأوسط، بينما ذكر موقع "أكسيوس" الأميركي، أن ترمب قد يزور إسرائيل أيضاً.
ووجّه نتنياهو شكره إلى ترمب وفريقه على ما اعتبره "تفانيهم في مهمة تحرير الرهائن"، ودعاه إلى إلقاء كلمة أمام الكنيست (البرلمان).
ومن شأن إتمام هذا الاتفاق بنجاح، أن يمثل أكبر إنجاز حتى الآن في السياسة الخارجية لترمب، الذي ركز في حملته الانتخابية على إحلال السلام في مناطق النزاع الكبرى حول العالم.
وقال ترمب لشبكة Fox News، إن "العشرين محتجزاً (الإسرائيليين) الأحياء، و28 من المتوفين سيعودون جميعاً"، على الأرجح الاثنين المقبل.
وذكر مسؤول أميركي لموقع "أكسيوس"، إن "الحرب في غزة انتهت، وسيتم الإفراج عن المحتجزين بعد 72 ساعة من موافقة مجلس الوزراء الإسرائيلي على الصفقة".
وتطرق ترمب في حديثه لـ Fox News إلى اتصاله الهاتفي مع نتنياهو، قائلاً: "تحدثت معه قبل قليل، وقال لي: لا أصدق ذلك، الجميع يحبني الآن.. قلت له إن إسرائيل لا يمكنها أن تقاتل العالم كله، وهو يدرك ذلك جيداً".
3 اتفاقيات لوقف إطلاق النار خلال عامين من حرب غزة
- نوفمبر 2023.. إطلاق سراح أكثر من 100 محتجزاً إسرائيلياً، معظمهم من النساء والأطفال، مقابل أسرى فلسطينيين، قبل أن ينهار الاتفاق بعد قرار إسرائيل استئناف الحرب.
- يناير وفبراير 2024.. إطلاق سراح 25 محتجزاً إسرائيلياً وجثامين ثمانية آخرين مقابل تحرير نحو 2000 أسير فلسطيني، لكن إسرائيل أنهت ذلك الاتفاق في مارس بهجوم مفاجئ.
- أكتوبر 2025 (قيد التنفيذ).. أعلن ترمب الاتفاق بين إسرائيل و"حماس" على المرحلة الأولى من خطته لإنهاء الحرب، بما يشمل تسليم جميع المحتجزين الإسرائيليين، الأحياء والموتى، وتحرير 250 أسير فلسطيني من ذوي الاحكام المؤبدة و1700 من معتقلي غزة بعد الحرب، واستكمال المفاوضات حتى إنهاء الحرب.
الرئيس الأميركي دونالد ترمب، اعتبر في تصريحاته أن "العالم كله تحرك من أجل التوصل لاتفاق ينهي حرب غزة"، مشيراً إلى أن "الناس تحدثت عن السلام في الشرق الأوسط لسنوات طويلة، لكن هذا الاتفاق أبعد من غزة، إنه سلام في الشرق الأوسط بأسره، وهذا أمر استثنائي بحق".
ملامح الاتفاق على المرحلة الأولى خطة ترمب
كشفت مصادر مطلعة لـ"الشرق"، عن ملامح المرحلة الأولى من خطة ترمب، والتي تنص على وقف إطلاق النار وتبادل الاسرى والمحتجزين، مشيرة إلى أن مفاوضات المرحلة الثانية "ستبدأ على الفور".
ورجحت المصادر المطلعة في تصريحاتها لـ"الشرق"، التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار، الخميس، على أن تبدأ مفاوضات المرحلة الثانية "على الفور"، مشيرة إلى أن الاتفاق "سيدخل حيز التنفيذ في مطلع الأسبوع المقبل".
وأوضح مسؤول فلسطيني مطلع لـ"الشرق"، أن المرحلة الأولى من تنفيذ الاتفاق تتضمن تسليم حركة "حماس" لـ20 محتجزاً إسرائيلياً من الأحياء دفعة واحدة، مقابل الإفراج عن 250 أسيراً فلسطينياً من المحكومين بالمؤبد، و1700 من الذين اعتُقلوا في غزة بعد 7 أكتوبر 2023.
وأضاف المسؤول: "إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين وتبادل الأسرى سيتم خلال أول 72 ساعة من بدء تنفيذ الاتفاق"، لافتاً إلى أن "الاتفاق تم بموافقة الفصائل الفلسطينية الفاعلة في غزة".
وذكرت مصادر "الشرق" أن "الانسحاب الإسرائيلي سيبدأ بشكل مرحلي ضمن خارطة يتم الاتفاق عليها بين الجانبين"، منوهة إلى أن "المرحلة الأولى تتضمن تسليم المحتجزين الأحياء، وإعطاء حركة حماس وقتاً لاستخراج جثامين القتلى".
وأفادت بأن "فصائل المقاومة الآسرة جاهزة لبدء تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق بشأن تبادل الأسرى، وتتنظر تنفيذ الاحتلال الخطوات المقابلة بإطلاق سراح أعداد من الأسرى الفلسطينيين والانسحابات المتزامنة".
"قضايا شائكة" خلال المفاوضات
والاتفاق مبني على خطة مكونة من 20 نقطة، أعلنها ترمب الأسبوع الماضي. ولكن لا تزال هناك قضايا شائكة مثل آلية نزع سلاح "حماس"، والهيكلية المستقبلية لحكم وإدارة غزة، "لا تزال بحاجة إلى التفاوض".
وكان بيان ترمب متحفظاً بشكل نسبي، إذ وصف هذا الاتفاق بأنه "المرحلة الأولى" فقط. وقد تكون المراحل التالية صعبة بالقدر نفسه، نظراً لتعقيد القضايا المتعلقة بانسحاب القوات الإسرائيلية، وقيادة "حماس" في غزة، وإنشاء بنية سياسية وأمنية جديدة.
وقالت "حماس"، الأربعاء، إنها سلّمت قوائم بأسماء المحتجزين الإسرائيليين الذين تحتجزهم وأسماء الأسرى الفلسطينيين التي تطالب بالإفراج عنهم.
وفي السياق ذاته، أفاد مصدر فلسطيني مطلع على المفاوضات لـ"الشرق"، بأن "الاتفاق يشمل عدداً من كبار قادة الأسرى". وبخصوص تفاصيل الأسماء والحصص، فإنها "ستُحدَّد ضمن قوائم التبادل أثناء التنفيذ".
ومن المتوقع أن تتضمن قائمة الأسرى الفلسطينيين الذين تريد "حماس" الإفراج عنهم بعضاً من أبرز القيادات. وكانت مسألة الإفراج عنهم غير قابلة للتفاوض في محادثات وقف إطلاق النار السابقة.
المساعدات الإنسانية
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، جميع الأطراف إلى الالتزام الكامل ببنود الاتفاق، قائلاً في بيان: "يجب ضمان دخول المساعدات الإنسانية والمواد التجارية الأساسية إلى غزة فوراً ودون عوائق. يجب أن تنتهي المعاناة". وقد يمهد هذا الاتفاق الطريق لإرسال مساعدات إنسانية عاجلة إلى غزة، حيث أعلنت الأمم المتحدة رسمياً تفشي المجاعة في مناطق عدة في القطاع الفلسطيني، بسبب الحصار الإسرائيلي واستهداف نقاط المساعدات.
وقتلت إسرائيل أكثر من 67 ألف فلسطيني، وهناك عشرات الآلاف لا يزالون مفقودين تحت ركام المباني التي دمرها الجيش الإسرائيلي.
كما تسببت هذه الحرب في كارثة إنسانية، ونزوح أغلب سكان القطاع مرات عدة، وإلى مناطق تنعدم فيها أدنى متطلبات الحياة.
وأوضح قيادي في حركة "حماس" لـ"الشرق"، أن "الاتفاق يقضي بإدخال 400 شاحنة مساعدات كحد أدنى يومياً إلى قطاع غزة خلال الأيام الخمسة الأولى بعد وقف إطلاق النار، وسيتم زيادتها في الأيام المقبلة".
وتابع: "الاتفاق يقضي بسحب القوات الإسرائيلية من معبر رفح ومحيطه، وفتح معبر رفح في الاتجاهين فور بدء التنفيذ، ونقل المرضى والجرحى للعلاج في مصر".
من جانبه، قال عضو المكتب السياسي للحركة باسم نعيم في تصريحات لـ"الشرق": "اتفقت حماس والفصائل (الفلسطينية) على المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار في قطاع غزة بما يؤدي لوقف الحرب بشكل دائم والإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين وفي مقابلهم أعداد من الأسرى الفلسطينيين ودخول المساعدات فوراً".
وأضاف نعيم: "سيجري فتح معبر رفح في الاتجاهين خلال المرحلة المقبلة".
وتصاعد الغضب العالمي تجاه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، إذ يقول العديد من خبراء حقوق الإنسان والباحثين ولجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة إن الهجمات الإسرائيلية ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.