يواجه حكام أفغانستان الجدد، من حركة طالبان، صعوبات جمة لمواصلة الأعمال والخدمات في البلاد، بعد الانسحاب النهائي للقوات الأميركية، بينما تشعر جهات مانحة أجنبية بالقلق من أزمة إنسانية وشيكة هناك.
ومر أسبوعان منذ اجتاحت طالبان العاصمة كابول، ما أنهى عشرين عاماً من الحرب بصورة فوضوية، لكن الحركة لم تشكل بعد حكومة جديدة، ولم تكشف كيف تعتزم حكم البلاد.
وفي ظل الفراغ الإداري، شهدت الأسعار ارتفاعاً حاداً، كما احتشد مواطنون عند البنوك، في محاولة لسحب سيولة نقدية.
وفرض مقاتلون مدججون بالسلاح سيطرتهم على العاصمة كابول، بينما انصب تركيز مسؤولي طالبان على استمرار عمل البنوك والمستشفيات والأجهزة الحكومية، بعد انتهاء موجة إجلاء جوية كثيفة للأفغان الذين تعاونوا مع دول غربية خلال التدخل الدولي.
وقال وزير خارجية باكستان، شاه محمد قريشي، الثلاثاء، إنه يتوقع أن تشكل أفغانستان "حكومة توافقية" في غضون أيام. لكن من يخشون من الحياة تحت حكم طالبان، هرعوا للحدود في محاولة للفرار من مستقبل غامض.
وفي إقليم بنجشير، صمد بضعة آلاف من أفراد ميليشيات محلية وفلول الجيش ووحدات من القوات الخاصة، تحت إمرة أحمد مسعود، ابن الزعيم الأفغاني الراحل أحمد شاه مسعود، في مواجهة طالبان.
ودعا أمير خان متقي، الزعيم البارز بحركة طالبان، المعارضين لنبذ السلاح في كلمة مسجلة للأفغان في بنجشير، ودعاهم للتفاوض لوقف القتال. وقال "إمارة أفغانستان الإسلامية وطن لكل الأفغان".
وذكّر متقى القوات المناهضة لطالبان، بأن قوات حلف شمال الأطلسي والقوات الأميركية لم تتمكن من هزيمة طالبان. وتابع "لكننا ما زلنا نحاول ضمان عدم نشوب حرب، وأن تحل مسألة بنجشير بشكل هادئ وسلمي".
وأعلنت طالبان عفواً عن جميع الأفغان، الذين عملوا مع القوات الأجنبية أثناء الحرب، التي أطاحت بحكمها عام 2001.
ودعا زعماء طالبان الأفغان للعودة لبلادهم، والمساعدة في إعادة إعمارها، ووعدوا باحترام حقوق الإنسان، في مسعى، فيما يبدو، لرسم صورة أكثر اعتدالاً بالمقارنة بنظامهم السابق.
ارتفاع الأسعار
وينصب اهتمام طالبان حالياً على تجنب الانهيار الاقتصادي، إذ أن أفغانستان بحاجة ماسة إلى المال، ومن غير المرجح أن تتمكن من الوصول سريعاً إلى الأصول، التي تبلغ قيمتها حوالي عشرة مليارات دولار، والتي يحتفظ بها البنك المركزي الأفغاني في الخارج.
وتشكلت طوابير طويلة أمام البنوك في كابول، الأربعاء، إذ يحاول السكان سحب مدخراتهم. وشهدت الأسعار في المتاجر ارتفاعات حادة، بينما تواصل قيمة العملة المحلية التراجع، ويزداد التضخم، كما ظلت كثير من الشركات والمكاتب والمتاجر مغلقة. وأمرت طالبان البنوك بالعودة لفتح أبوابها، لكنها فرضت قيوداً صارمة على حد السحب أسبوعياً.
وخارج العاصمة، حذرت منظمات إغاثة من الكارثة الوشيكة التي تحيق بالبلاد، مع تضرر المزارعين من الجفاف الذي أجبر آلافاً من الفقراء في الريف على البحث عن مأوى في المدن. لكن الجهات الأجنبية المانحة لا تعرف مع من تتحدث في أفغانستان حالياً.
وقال مسؤولون من الحركة، إن المشكلات ستبدأ في الانحسار بمجرد تسلم حكومة جديدة للمهام، وناشدوا الدول الأخرى مواصلة علاقاتها الاقتصادية مع بلادهم.
وجرى تعيين محافظ جديد للبنك المركزي، لكن مصرفيين من خارج أفغانستان يقولون إنه سيكون من الصعب إعادة تشغيل النظام المالي، دون المختصين الذين فروا في موجة الخروج الجماعية من كابول.
"عالقون"
وتم إجلاء أكثر من 123 ألف أفغاني من كابول عبر جسر جوي قادته الولايات المتحدة بعد سيطرة طالبان على العاصمة في منتصف أغسطس الماضي، لكن ما زال عشرات الآلاف من الأفغان المعرضين للخطر داخل البلاد.
ومع توقف عمل مطار كابول، تركزت الجهود الخاصة لمساعدة الأفغان الخائفين من انتقام طالبان، على ترتيب ممرات آمنة عبر الحدود البرية مع إيران وباكستان ودول آسيا الوسطى.
وقال مسؤول باكستاني، عند معبر تورخام الرئيسي مع باكستان الواقع إلى الشرق من ممر خيبر، إن "عدداً كبيراً من الناس ينتظرون فتح البوابة على الجانب الأفغاني".
وأوضح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أن "طالبان تجري محادثات مع قطر وتركيا بشأن إدارة المطار في العاصمة لكن الأمر قد يستغرق أياماً أو أسابيع للانتهاء من تلك المفاوضات". وظلت الحدود الشمالية الأفغانية مع أوزبكستان مغلقة.
محادثات مع "الحركة"
وفي ظل غياب حكومة في كابول، أجرت بريطانيا والهند محادثات منفصلة مع ممثلين عن حركة طالبان في الدوحة، وسط مخاوف من فرار ما يصل إلى نصف مليون أفغاني من بلادهم بحلول نهاية العام.
وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الأربعاء، إن الأفغان بقوا إلى حد كبير حتى الآن داخل بلادهم، ولم يتمكن من الفرار منها سوى عدد محدود ولدول مجاورة. وناشدت المفوضية جمع 300 مليون دولار، كتمويل دولي للطوارئ الإنسانية هناك.
وأكدت واشنطن أنها ستستخدم نفوذها الكبير، بما في ذلك قدرتها على دخول الأسواق العالمية، للضغط على طالبان، في إطار سعيها لإخراج الأميركيين وحلفائهم المتبقين في أفغانستان، بعد انسحاب قوات الجيش الأميركي.
إلا أن بعض قادة طالبان المنتشين من الانتصار والعودة إلى السلطة "سخروا" من الولايات المتحدة. وقال أنس حقاني، الذي برز كأحد أبرز قادة الحركة: "ضاعت قوتكم، ضاع ذهبكم".