انسحاب مالي من "مجموعة دول الساحل".. أسباب ودوافع وتداعيات

time reading iconدقائق القراءة - 14
جنود من القوات المشتركة لمجموعة الساحل خلال تدشين مقر قيادة القوات الجديد في العاصمة المالية باماكو 3 يونيو 2020 - AFP
جنود من القوات المشتركة لمجموعة الساحل خلال تدشين مقر قيادة القوات الجديد في العاصمة المالية باماكو 3 يونيو 2020 - AFP
دبي-الزبير الأنصاري

جاء إعلان مالي انسحابها من مجموعة الخمس لدول الساحل ليفاقم التحديات الكثيرة التي تواجه دول منطقة الساحل الإفريقي.

وتشكَّلت المجموعة في 2014 فيما شكَّلت قوتها لمكافحة المسلحين في عام 2017، وتتألف من 5 أجهزة، هي مؤتمر قادة الدول، ومجلس الوزراء، والأمانة التنفيذية، ولجنة الدفاع والأمن، ولجان التنسيق الوطني لتحركات دول مجموعة الساحل.

وبعد إعلان مالي انسحابها، باتت المجموعة تضم الآن 4 دول هي موريتانيا وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر، في تقليص ينذر بتقويض أنشطتها لإحلال السلام في المنطقة.

وبرَّرت الحكومة المالية الانسحاب برفض دول المجموعة تولي باماكو للرئاسة الدورية للمجموعة، متهمة في بيان المجموعة بأنها ضحية "تسييس" هيئاتها التي تعاني "خللاً خطيراً".

وكان من المفترض أن تستضيف باماكو في فبراير 2022 قمة تكرس "بداية الرئاسة المالية لمجموعة دول الساحل الخمس" إلا أنه "بعد مرور نحو 3 أشهر" على الموعد "لم يعقد" الاجتماع، وفق بيان الحكومة.

لكن هذا السبب المعلن يظل في النهاية جزءاً من تراكمات لعدد من العوامل التي أسهمت مجتمعة في القرار المالي بالانسحاب.

الخلافات المالية الفرنسية

ولعلَّ أبرز هذه العوامل الخلافات الفرنسية المالية التي تصاعدت منذ انقلاب 24 مايو 2021، وقادت في النهاية إلى إعلان باريس في فبراير الماضي الانسحاب العسكري الكامل من مالي، احتجاجاً على ما وصفته بـ"الهيمنة العسكرية على المشهد السياسي في البلاد، وعلاقات حكومة باماكو بالمجموعات الروسية".

وقال الخبير في الشؤون الإفريقية إسماعيل الشيخ سيديا، لـ"الشرق" إن الحكومة المالية تعتقد أن فرنسا هي من تقف وراء عدم تسليمها الرئاسة الدورية لمجموعة دول الساحل.

واعتبر الباحث في الاقتصاد والعلاقات الدولية حمزة أعناو أن إعلان مالي انسحابها من المجموعة "نتيجة طبيعية لمجموعة من القرارات التي اتخذتها منذ تولي المجلس العسكري الحكم في 2020"، لافتاً إلى أن فرنسا بالنسبة للدولة الإفريقية لا تزال تشكل "جسماً غريباً". 

وأشار أعناو إلى أن الانسحاب هو "نتيجة لتراكمات سياسية واقتصادية لأنَّ دول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس) فرضت مجموعة من العقوبات على مالي، وضيقت عليها اقتصادياً، بتأثير من اللوبي الفرنسي الذي يتزعَّم هذه الدول"، على حد تعبيره.

وكانت الحكومة المالية اتهمت المجموعة بـ"فقدان الاستقلالية" مشيرة إلى ما وصفته بـ"مناورات دولة خارج الإقليم ترمي بشدة إلى عزل مالي" من دون تسمية هذه الدولة.

الخلافات الداخلية

تكمن أيضاً وراء الانسحاب الاختلافات الداخلية بين أعضاء المجموعة، إذ تبنت بعض دولها، مثل النيجر، مواقف متشددة تجاه قادة الانقلاب العسكري في مالي، ما أدى إلى توتير العلاقات بين البلدين.

وفي بيان الانسحاب، تحدثت باماكو عن "رفضها بشدة ذريعة دولة عضو في مجموعة دول الساحل الخمس تستند إلى الوضع السياسي الداخلي لمعارضة تولي مالي رئاسة المجموعة"، من دون أن تسمي هذه الدولة.

ورجَّح الباحث في الشؤون الاستراتيجية العقيد ركن متقاعد البخاري محمد مؤمل أن تكون النيجر هي الدولة المقصودة هنا، مشيراً في تصريحات لـ"الشرق" إلى أنَّ نيامي مثل باريس "نددت بقوة بالانقلاب ودعمت الحصار الاقتصادي السياسي المفروض على مالي من قبل مجموعة غرب إفريقيا".

وبسبب تشابه الأوضاع الاقتصادية والسياسية بين البلدين الجارين في غرب إفريقيا، تبنت الحكومة النيجرية مقاربة متشددة تجاه قادة مالي الجدد منعاً لامتداد ظاهرة الانقلابات العسكرية إليها، خصوصاً بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد في مارس 2021.

وباتت النيجر المركز الرئيس لنشاط القوات الفرنسية والأوروبية بعد إعلان باريس إنهاء عمليتها في مالي، حيث أصبحت البلاد بمثابة "الملاذ الأخير" في منطقة الساحل لهذه القوات، وفقاً لقناة "فرانس 24" الفرنسية.

مشكلات مجموعة الساحل

من أسباب الانسحاب أيضاً، الإشكاليات التي تعانيها مجموعة دول الساحل الخمس، إذ اعتبرت الحكومة المالية أنَّ المجموعة لم تحقق تقدماً في محاربة المسلحين.

وواجهت مجموعة دول الساحل منذ تأسيسها اختلالات هيكلية، بما في ذلك مشكلات تتعلق بتدني الموارد البشرية والمالية، وضعف الدعم اللوجستي، والتنسيق بين الدول الأعضاء.

وبين حين وآخر، تتعرَّض القوات التابعة للمجموعة إلى اتهامات بانعدام المصداقية والمحاسبة، وسط مزاعم بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في الإقليم، بما في ذلك القتل خارج نطاق القضاء، والاعتقالات التعسفية، والاحتجاز، والمعاملة السيئة، وذلك وفقاً لما كشفه تقرير للمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

كما أدَّت الاضطرابات السياسية التي تعيشها دول المجموعة إلى تغليب الهواجس الأمنية المحلية في بعض الأحيان على التهديدات المشتركة، إذ أعلنت تشاد في أغسطس الماضي سحب 600 جندي، يمثلون تقريباً نصف عدد قواتها في المجموعة، وذلك للتركيز على مخاطر المجموعات التشادية المتمردة.

أزمة التمويل

وعانت مجموعة الساحل أيضاً منذ إنشائها إشكاليات في التمويل، وذلك مع تردد الحكومات الغربية في تقديم تمويلات مباشرة لجيوش الساحل في ظل الانقلابات العسكرية التي أطاحت بحكومات منتخبة ديمقراطياً (مالي وبوركينافاسو)، ورفض الولايات المتحدة وبريطانيا تمويل القوة من خلال آلية منتظمة ودائمة للأمم المتحدة.

وجاءت الحرب في أوكرانيا لتفاقم أزمة التمويل في ظل تغير الأولويات الاستراتيجية للقوى الغربية، خصوصاً دول الاتحاد الأوروبي التي تعد المانح الأبرز لمجموعة دول الساحل بمساهمات تجاوزت حتى الآن أكثر من 256 مليون يورو.

وقال مؤمل إن الأوروبيين "عملوا بمبدأ الأقرب ثم الأقرب، وبالتالي تحوَّلت أنظارهم من الساحل إلى أوروبا، حيث حرب أوكرانيا، وحولوا اهتمامهم وأموالهم إلى أوروبا لأنهم باتوا يرون أن الخطر الأول عليهم لم يعد الإرهاب في منطقة الساحل، وإنما الصراع ضد روسيا وأيضاً الصراع مع حليفتها الصين".

وأشار إلى أن هناك نوعاً من إعادة التموقع وإعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي بالنسبة لأوروبا، لافتاً إلى أن منطقة الساحل الإفريقي ليست رابحة من هذه التغيرات.

وأدَّت هذه العوامل مجتمعة إلى عجز مجموعة دول الساحل عن تحقيق تقدم كبير في احتواء انتشار الحركات المسلحة التي باتت أقوى وأكثر جرأة في تنفيذ عملياتها.

ووفقاً لإحصائيات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، شهد مارس الماضي فقط 407 حوادث أمنية في منطقة الساحل الإفريقي، أوقعت 1402 ضحية.

وأمام هذا العجز الأمني، يبدو انسحاب الحكومة المالية من المجموعة منسجماً مع تحولات المزاج الشعبي العام في البلاد الذي بات يعتبر القوى الأجنبية سبباً من أسباب الاضطراب في البلاد.

تداعيات الانسحاب 

وعلى الرغم من الإنجازات المتواضعة للمجموعة على صعيد محاربة المسلحين، فإن تشظيها بهذا الانسحاب المالي ستكون له، بحسب مراقبين، تداعيات كبيرة على مستوى انتشارها، ومهماتها العسكرية.

وتضم قوات المجموعة ما يصل إلى 5 آلاف عنصر من قوات الجيش والشرطة، وتقع قيادتها في مالي بالقرب من العاصمة باماكو، فيما تتفرع عنها 3 قطاعات عسكرية، الأول في منطقة ليبتاكو-جورما العابرة لحدود مالي وبوركينافاسو والنيجر، والثاني على طول الحدود بين مالي وموريتانيا، والثالث على طول الحدود بين النيجر وتشاد.

واعتبر الخبير في الشؤون الإفريقية إسماعيل الشيخ سيديا أنَّ الانسحاب المالي "هو تقطيع عملي لجغرافيا المنظمة، زيادة على كونه قطعاً لأوصالها"، مشيراً إلى أن مالي "محورية في دول الساحل الخمس سواءً من حيث الهشاشة الأمنية أم من حيث الموقع الجغرافي".

وأوضح أنَّ تداعيات الانسحاب المالي الأمنية ستكون كبيرة في جانب الحدود المشتركة الثلاثة بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، حيث سيغيب التنسيق في قيادة ليبتاكو-جورما، وهي الأهم من بين قيادات القطاعات العسكرية الثلاث. 

أما بالنسبة للحدود المالية الموريتانية، فاعتبر سيديا أن "الانسحاب قد لا يكون ذا تأثير كبير نظراً لارتباط البلدين باتفاقية دول (ميدان) التي تضم أيضاً النيجر والجزائر".

مستقبل العمليات الدولية

وأثار الانسحاب المالي تساؤلات عن مستقبل العمليات الدولية لمحاربة الجماعات المسلحة في مالي وفي منطقة الساحل الإفريقي.

وقال مؤمل إنَّ مالي تنوي الاعتماد على قواها الذاتية بالتعاون مع الروس، خصوصاً مجموعة "فاجنر".

لكن القوى الغربية تشكك في إمكانية تحقيق هذه المجموعة شبه العسكرية والتي توصف بأنها مقربة من موسكو، أي نجاحات في هذا الصدد، معتبرين أنها تفتقر إلى العدد اللازم والخبرة للتصدي للتنامي المتزايد للحركات المسلحة.

ونقلت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية هذا الأسبوع عن دبلوماسي أميركي قوله إن "1000 عنصر من فاجنر لن يتمكنوا من ملء الفراغ الأمني في مالي. ربما يقتلون الإرهابيين، لكنهم يقتلون أيضاً الكثير من المدنيين"، على حد تعبير المسؤول الأميركي.  

إقليمياً، يشير سيديا إلى أنَّ القوة الأوروبية الخاصة "تاكوبا" ستتأثر كثيراً بالانسحاب، لأن ثلثي منطقة عملياتها في الأراضي المالية، لافتاً إلى أن عملية "برخان" وإن رحلت عن مالي، فإنها ستبقى في المنطقة بأعداد أقل لا تتجاوز 2500 جندي. 

في المقابل، يخشى مؤمل أن يؤدي الانسحاب المالي إلى تفكك جهود دول المجموعة في مواجهة المخاطر المشتركة.

وقال الخبير الاستراتيجي: "لا شك أن الصراع ضد الإرهاب على المستوى الإقليمي يتعرض لتحديات كبيرة، وأخشى أن كل دولة ستعمل بمفردها، وأن يتأثر بصورة سلبية المجهود المشترك لدول الساحل الخمس"، محذراً من أنه "ربما يكون هناك خطر وجودي على هذه الدول".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات