"لعنة بريكست".. 4 رؤساء حكومات في بريطانيا خلال 6 سنوات

time reading iconدقائق القراءة - 9
رئيسة الوزراء ليز ترس تلقي خطاب استقالتها أمام مقر الحكومة البريطانية في 10 داونينج ستريت بالعاصمة لندن. 20 أكتوبر 2022 - REUTERS
رئيسة الوزراء ليز ترس تلقي خطاب استقالتها أمام مقر الحكومة البريطانية في 10 داونينج ستريت بالعاصمة لندن. 20 أكتوبر 2022 - REUTERS
دبي -أحمد هاشم

اعتادت المملكة المتحدة أن تكون مرادفاً للحوكمة المستقرة التي يمكن الاعتماد عليها، لكن استقالة رئيسة الوزراء ليز ترس، الخميس، بعد 6 أسابيع في المنصب، تُظهر مدى الفوضى التي سادت السياسة البريطانية خلال السنوات الأخيرة.

وترس هي رابع رئيس وزراء يستقيل منذ التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست" في عام 2016. وهو نفس عدد رؤساء الحكومة الذين قادوا البلاد خلال 37 عاماً، ما جعل البعض يشبه مقر رئاسة الوزراء في 10 داونينج ستريت بـ"الباب الدوار"، بحسب تقرير للإذاعة الوطنية الأميركية "إن بي آر".

وربما يعزى هذا الأمر إلى تداعيات "بريكست" الذي ما زال يشكل ويقسم حزب المحافظين، كما يظهر صعود ترس السريع وسقوطها الأسرع.

ويقول محللون هنا إنها "قصة استقطاب"، و"شعبوية"، و"نظام سياسي معيب"، و"قيادة ضعيفة" قدمت في بعض الأحيان الطموح الحزبي والشخصي على المصلحة الوطنية.

"سوء تقدير" كاميرون

بدأ الأمر برئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون الذي دعا إلى إجراء استفتاء على مغادرة الاتحاد الأوروبي.

كان كاميرون يأمل في أن يؤدي الاستفتاء الذي أجري في 23 يونيو 2016 إلى إنهاء صراع داخل حزب المحافظين على علاقة بريطانيا بأوروبا، وإبقاء الحزب في السلطة، ويرى البعض أن قراره كان "سوء تقدير" للأبعاد التاريخية. 

صوّت الشعب البريطاني لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي بهامش ضئيل ولكنه مقنع. وهذه النتيجة لم تسلط الضوء على الانقسامات الحادة في بريطانيا فحسب، بل غيرت أيضاً مسار السياسات الخارجية والاقتصادية والتجارية للبلاد. وتوقع معظم خبراء السياسة والاقتصاد أن تجعل مغادرة الاتحاد الأوروبي،  "هذه الدولة الجزيرة" أفقر، وأقل أهمية على الصعيد السياسي.

أصبح من الواضح على الفور أن مهندسي "بريكست"، بما في ذلك أكثر الداعمين فاعلية، بوريس جونسون، ليس لديهم خطة حقيقية لفك تشابك عقود من العلاقات الاقتصادية والقانونية مع التكتل الأوروبي، وتلا ذلك، فوضى سياسية.

وغداة إعلان نتائج "بريكست" التي جاءت بنسبة 51.9% لصالح الخروج مقابل 48.1%، أعلن كاميرون تقديم استقالته في 24 يونيو 2016، قائلاً إن "بريطانيا بحاجة إلى قادة جدد".

فشل مساعي ماي

رشحت تيريزا ماي، التي شغلت منصب وزيرة الداخلية في الحكومة البريطانية بين عامي 2010 و2016، نفسها لرئاسة حزب المحافظين البريطاني خلفاً لكاميرون.

وماي هي ثاني امرأة تتولى رئاسة الوزراء في تاريخ بريطانيا بعد مارجريت تاتشر، وثالث سياسي بريطاني يتولى المنصب دون انتخابات رسمية، فقد أصبحت المرشحة الوحيدة إثر انسحاب منافستها وزيرة الطاقة آنذاك أندريا ليدسوم من السباق، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

بقيت ماي محتفظة بظهور متواضع على الساحة السياسية أثناء الحملة التي سبقت الاستفتاء حول عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وهي محسوبة على حملة البقاء في التكتل الأوروبي، إذ دعمت رئيس الوزراء ديفيد كاميرون.

لكنها تعهدت أثناء ترشيح نفسها لزعامة حزب المحافظين بأن تعمل على احترام نتيجة الاستفتاء، وقالت إن بريطانيا في المرحلة القادمة بحاجة لشخصية قوية تقود البلاد.

حاولت ماي بشكل متكرر دفع اتفاق "بريكست" في البرلمان، لكن جهودها أُحبطت بشكل جزئي من قبل الجناح المناهض لأوروبا في حزبها، الذي أراد "طلاقاً تاماً" من أوروبا. 

ورفض مجلس العموم البريطاني 3 مرات الاتفاق الذي توصلت إليه ماي مع دول الاتحاد الأوروبي الـ27 بشأن بريكست. وفي نهاية المطاف، أدى "بريكست" إلى إسقاط ماي كما حدث مع سلفها.

وفي 24 مايو 2019 أعلنت ماي أنها ستستقيل من منصب رئاسة الوزراء في 7 يونيو 2019. وقالت في بيان مفعم بالعواطف من 10 داونينج ستريت (مقر الحكومة)، إنها بذلت كل جهدها لاحترام نتيجة استفتاء عام 2016، وإنه أمر مؤسف أنها لم تستطع تحقيق بريكست.

جونسون.. سلسلة فضائح

لجأ الحزب إلى بوريس جونسون، الرجل الاستعراضي ذو الشخصية الجذابة وإن كان تشوبه عيوب خطيرة، وله سجل حافل بالفوز بالانتخابات. نظم حملة من أجل "إنهاء بريكست" وقاد الحزب إلى نصر انتخابي ساحق وتولى زعامة الحزب المحافظ منذ 23 يوليو 2019. وفي العام التالي، أكمل خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي وبدا أنه مستعد للحكم لسنوات.

ثم جاءت جائحة فيروس كورونا، الذي قلل جونسون من أهميته، حتى انتهى به المطاف مصاباً بالفيروس في وحدة العناية المركزة. أدت استجابة حكومته البطيئة للجائحة إلى وفاة أكثر من 200 ألف شخص وهي أعلى حصيلة في أوروبا، وتعرض لانتقادات شديدة. 

لكن ما أنهى رئاسة جونسون للوزراء كان كذبه، فبينما فرضت حكومته تدابير الإغلاق للحد من انتشار كورونا، أقام موظفو الحكومة حفلات، وهو ما عرف إعلامياً باسم "بارتي جيت". 

في غضون ذلك، التزم معظم البريطانيين بالقواعد، حتى لو كان ذلك يعني عدم توديع أحبائهم المحتضرين. أصر جونسون على التزام حكومته بقواعد الإغلاق. في الواقع، اتضح أنه حضر حفلتين، واضطر للاعتذار ودفع غرامة، لكنه كان قد انتهي سياسياً.

وبعد سلسلة من الفضائح والاستقالات في صفوف فريقه الحكومي احتجاجاً على قيادته بعد 3 سنوات مضطربة خرجت خلالها بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وعانت من جائحة كورونا، أعلن جونسون في 7 يوليو 2022، استقالته، وبقاءه في منصب رئيس الوزراء حتى انتخاب بديل له.

ترس.. 44 يوماً من الأزمات

في 5 سبتمبر خلفت ترس، بوريس جونسون في رئاسة الحكومة بعد فوزها في سباق زعامة حزب المحافظين. وبعد 3 أيام من تسلمها المنصب توفيت الملكة إليزابيث الثانية في 8 سبتمبر بعد أن قضت 70 عاما على العرش.

وبعد 44 يوماً فقط على توليها رئاسة الحكومة، أعلنت ليز ترس استقالتها وإجراء انتخابات داخل حزب المحافظين، الأسبوع المقبل، لاختيار خليفة لها، بعد مواجهتها النكسة تلو الأخرى وصولاً إلى استقالة وزيرة الداخلية والجلسة الصاخبة الأخيرة في البرلمان.

وقالت ترس أمام مقر رئاسة الحكومة في لندن "في ظل الوضع الحالي لا يمكنني إتمام المهمة التي انتخبني حزب المحافظين للقيام بها".

وأضافت "لذلك تحدثت إلى جلالة الملك (تشارلز الثالث) لإبلاغه باستقالتي من رئاسة حزب المحافظين"، موضحة أن عملية اختيار النواب لخلف لها "ستستكمل خلال الأسبوع المقبل".

وكانت ترس اعترفت، الخميس، بأنها واجهت "يوماً صعباً"، الأربعاء، لكنّها شددت على وجوب أن تركّز الحكومة جهودها على أولوياتها. وقال المتحدث باسمها إنها تريد من الحكومة التركيز بنسبة أكبر على "إنجاز الأولويات" و"بنسبة أقل على السياسة".

وصباح الخميس التقت ترس رئيس "لجنة 1922" في الحزب المحافظ المكلّفة التنظيم الداخلي.

وبعد 6 أسابيع فقط على توليها رئاسة الحكومة واجهت ترس ضغوطاً للاستقالة بعدما اضطرت لإلغاء خطة خفض الضرائب الكارثية التي تسببت في اضطراب في الأسواق في خضم أزمة غلاء معيشة حادة.

جاءت الدعوات الجديدة إلى التنحي بعدما استقالت وزيرة الداخلية سويلا برايفرمان. وكان وزير المالية كواسي كوارتينج المقرب من ترس قد أقيل على خلفية خطة خفض الضرائب واستبدل بجيريمي هانت الذي سارع إلى إلغاء الخطة بشكل شبه كامل.

وترس شغلت منصب رئيس وزراء المملكة المتحدة وزعيم حزب المحافظين في الفترة من 5 سبتمبر 2022 حتى إعلان استقالتها بعد 44 يوماً من توليها المنصب في 20 أكتوبر 2022.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات