يأمل ائتلاف أحزاب المعارضة في تركيا، والذي يحمل اسم "الطاولة السداسية"، في تغيير شكل الحياة السياسية في البلاد التي يهيمن عليها الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم "العدالة والتنمية" منذ نحو عقدين.
ويستعد الائتلاف السداسي، الذي يضم أحزاب: الشعب الجمهوري، الجيد القومي، السعادة، الديمقراطية والتقدم، المستقبل والديمقراطي، للانتخابات المقررة في مايو، بالتوافق على مرشح موحد في مواجهة أردوغان، إلا أن هذا التحالف يواجه بوادر انقسام، بعد رفض حزب الجيد مرشح الأحزاب الخمسة الأخرى على مقعد الرئاسة.
ويهدف تحالف "الطاولة السداسية"، إلى تشكيل جبهة موحدة للإطاحة بأردوغان، والعمل كجبهة مضادة لتحالف الشعب الذي يجمع بين حزبي العدالة والتنمية الحاكم، والحركة القومية الحليف له.
ولتحقيق هذه الغاية، يسعى التحالف إلى التوافق على مرشح رئاسي واحد للتوحد خلفه في الانتخابات.
"تركيا الغد"
يتفق التحالف المعارض على مجموعة من الأهداف العامة المتعلقة بالنظام السياسي والدستوري للبلاد، إذ قدم أواخر يناير الماضي، برنامجه الانتخابي وهو وثيقة مؤلفة من 240 صفحة تتضمن أكثر من 2300 هدف تحت شعار "تركيا الغد".
ويتضمن البرنامج وضع حدّ لصلاحيات السلطة التنفيذية، من خلال إلغاء المراسيم الرئاسية، والعودة إلى النظام البرلماني من خلال رئيس وزراء ينتخبه البرلمان، كما يتضمَّن تحديد ولاية الرئيس، الذي سيكون دوره فخرياً، بفترة واحدة لمدة 7 سنوات فقط، وإلغاء السماح للرئيس بأن يكون عضواً في أحد الأحزاب السياسية.
ويسعى البرنامج إلى حرمان الرئيس من صلاحية عرقلة قانون سبق أن ناقشه البرلمان على أن يتمتّع بإمكانية إعادته إلى النواب في حال أراد الاعتراض عليه. إضافة إلى جعل ملاحقة أي حزب سياسي بهدف حظره، مرتبطة بموافقة البرلمان، بحسب وكالة "فرانس برس".
دبلوماسياً، يؤكد برنامج التحالف أنه يحترم المعاهدات والمواثيق، وبالتالي ستبقى تركيا في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، "مع الأخذ في الاعتبار مصالحها الوطنية"، ويحافظ على علاقات أنقرة مع روسيا عبر "حوار متوازن"، فضلاً عن عودة الاتصالات مع سوريا.
ويطمح البرنامج في الحصول على "عضوية كاملة" في الاتحاد الأوروبي وإقامة "علاقة ندية" مع الولايات المتحدة.
توجهات متباينة
وعلى الرغم من التوافق على برنامج انتخابي موحد، إلا أنَّ الأحزاب الستة تختلف إلى حد كبير في توجهاتها الأيدلوجية وخلفياتها التاريخية والسياسية، كما يرتبط بعضها بتاريخ خاص مع أردوغان وحزبه الحاكم، نظراً لانشقاق بعض قادة الائتلاف عن حزب العدالة والتنمية.
حزب الشعب الجمهوري هو حزب مصطفى كمال أتاتورك مؤسّس الجمهورية عام 1923، وهو أكبر الأحزاب المشاركة في ائتلاف المعارضة، وقد هيمن على المشهد السياسي في تركيا منذ نشأة الجمهورية وحتى عام 1946 تحت نظام الحزب الواحد.
ويعد حزب الشعب الحزب العلماني التقليدي في تركيا مع محافظته على إرث أتاتورك المتمثل في إنشاء جدار فاصل بين الدين والسياسة ونظام التعليم.
ويتبنى الحزب توجهاً اشتراكياً ديمقراطياً فهو يدافع عن دور اقتصاد السوق، لكنه يريد السيطرة عليه من خلال مجموعات العمل والمستهلكين المنظمة. كما يدعم الحزب أيضاً بقوة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
ويتزعَّم الحزب حالياً كمال كيليجدار أوغلو الذي يقود أيضاً المعارضة في البرلمان التركي ويقدم نفسه دائماً عبر مواقع التواصل الاجتماعي بوصفه "الطرف المقابل" لأردوغان وتوجهاته.
أحزاب ناشئة
الحزب الثاني هو حزب الديمقراطية والتقدم، وهو من الأحزاب الحديثة في المشهد السياسي التركي إذ لا يتجاوزه عمره 3 سنوات.
وتم تأسيس الحزب في مارس 2020 على يد علي باباجان، وزير الاقتصاد السابق في حكومة أردوغان (2002-2007) والذي ينسب إليه كثيرون الفضل في الطفرة الاقتصادية التي شهدتها البلاد خلال ذلك العقد.
ويتبنى الحزب برنامج عمل ليبرالي يشبه برنامج حزب العدالة والتنمية في سنوات تأسيسه. ولدى الحزب ممثل واحد في البرلمان الحالي.
وأسَّس باباجان، الذي سبق له أيضاً أن عمل وزيراً للخارجية ونائباً لرئيس الوزراء في حكومات أردوغان، حزب الديمقراطية والتقدم بعد خلافات مع أردوغان وحزب العدالة والتنمية لا سيما في أعقاب التحول إلى النظام الرئاسي في 2018، إذ اعتبر أن النظام الجديد زاد من سلطات الرئيس وتسبب في تراجع الديمقراطية.
وقال باباجان في تصريحات لدى إعلانه الحزب الجديد: "نحن بحاجة إلى إقامة تركيا ترتكز على أسس القيم العالمية"، معتبراً أنه "لا يمكن لتركيا تحقيق الازدهار بالأسلوب السياسي الحالي"، بحسب وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية.
ووفقاً للوكالة، يحظى باباجان بدعم عدد من الشخصيات البارزة التي انشقت خلال السنوات الأخيرة عن العدالة والتنمية بما في ذلك الرئيس السابق عبدالله جول.
في ديسمبر 2019، أعلن أحمد داود أوغلو الذي تولَّى منصب وزير الخارجية (2009-2014) ثم رئيس الوزراء (2014-2016)، تشكيل حزب المستقبل الذي يعتبر ثاني أحدث حزب سياسي في تركيا بعد الديمقراطية والتقدم.
ويعد أوغلو بالعودة إلى نسخة ألطف من حزب "العدالة والتنمية"، لكن حزبه لم يشارك حتى الآن في الانتخابات وبالتالي ليس ممثلاً في البرلمان.
وجاء تأسيس أوغلو لحزبه بعد خلافات مع أردوغان وحزبه، إذ أعلن في سبتمبر 2019 استقالته من العدالة والتنمية، معتبراً أنَّ الحزب "لم يعد قادراً على حل مشكلات البلاد ولم يعد مسموحاً بالحوار الداخلي فيه"، حسبما نقلته وكالة "رويترز".
ووجه انتقادات حادَّة لأردوغان والإدارة الاقتصادية لحزب العدالة والتنمية واتهمهما بتقويض الحريات الأساسية وحرية الرأي.
انشق حزب الجيد عن حزب الحركة القومية اليميني في عام 2017 إثر خلافات قوية بين قائد الحزب القومي دولت بهجلي، والعضو في الحزب ميرال أكشنار وهي وزيرة داخلية تركية سابقة.
ويسعى الحزب، تحت زعامة أكشنار، إلى جذب ناخبي حزب الحركة القومية المعادي لأردوغان، وغير الراضين عن تعاون حزبهم مع حزب العدالة والتنمية، وفقاً لـ"معهد واشنطن" الأميركي.
وتنتقد أكشنار بشكل صريح أردوغان والنظام الرئاسي الجديد، وقد تمكن حزبها خلال الانتخابات الأخيرة في 2018 من الفوز بـ38 مقعداً ليصبح الكتلة الخامسة الأكبر في البرلمان.
امتدادات تاريخية
يعد "حزب السعادة"، الحزب الأخير ضمن سلسلة من الفصائل الإسلامية، إذ ينحدر من حزب النظام الوطني الذي تأسس عام 1970 وحظرته المحكمة الدستورية في تركيا بعد عام، بسبب انتهاك الميثاق العلماني للبلد.
ولاحقاً في عام 1983 أعاد الحزب تشكيل نفسه تحت اسم "حزب الرفاه" الذي برز لفترة وجيزة عام 1996 قائداً لحكومة ائتلافية، قبل أن يخسر السلطة وتحظره المحكمة الدستورية. وفي عام 1997 ظهر الحزب مجدداً على شكل "حزب الفضيلة"، لكن عام 2001 حظرته المحكمة أيضاً لكنه أعاد تشكيل نفسه تحت اسم "حزب السعادة".
وللحزب خلفية إسلامية إذ يدعو إلى هدم ما يصفه بـ"الجدران الكمالية (نسبة لكمال أتاتورك) التي تفصل بين الدين والسياسة ونظام التعليم".
ويقود الحزب حالياً تمال كرم الله أوغلو المعروف بانتقاداته الحادة لأردوغان وحزب العدالة والتنمية.
واعتبر أوغلو، في أغسطس الماضي، أنَّ “الحكومة أفلست بكل مؤسساتها، والآن تعاني من فشل عضوي متعدد”، بحسب صحيفة "زمان" التركية.
الحزب الديمقراطي، هو السادس والأخير في التحالف، وهو حزب ليبرالي يميني قومي تأسَّس عام 1983 كوريث لـ"الحزب الديمقراطي" التاريخي، الذي هيمن على المشهد السياسي في خمسينيات القرن الماضي. ويتزعم الحزب حالياً السياسي التركي جول تكين أويصال.
تحالف السلطة
في مقابل تحالف المعارضة، يوجد تحالف الشعب الذي يضم حزب الرئيس أردوغان "العدالة والتنمية"، و"حزب الحركة القومية".
بدأ التحالف بين الحزبين عام 2017 مع دعوتهما لإجراء استفتاء على تعديلات دستورية من أجل إلغاء نظام الحكومة البرلماني واستحداث نظام رئاسي تنفيذي بقيادة أردوغان. ووافق الأتراك بالفعل على التعديلات بنسبة طفيفة، وبدأ تنفيذها عام 2018.
ويعتبر هذا التحالف وما أفضى إليه من تغييرات دستورية من القضايا المحورية في الانتخابات المستقبلية.
بعد حظر "حزب الفضيلة" الإسلامي عام 2001، شكلت مجموعة منبثقة من الحزب، يقودها عبد الله جول وأردوغان، حزب "العدالة والتنمية"، كحركة ديمقراطية محافظة ترفع شعارات النأي عن الخط التقليدي لحركات الإسلام السياسي.
وتمكن الحزب من الوصول إلى السلطة عام 2002 بعد فوزه في الانتخابات العامة، ومنذ ذلك الحين يهيمن إلى حد كبير على المشهد السياسي.
ويرى منتقدو العدالة والتنمية وأردوغان أنَّ الحزب تخلَّى تدريجياً مع مرور السنوات عن خطه الوسطي الذي كان سبباً في نجاحه.
وتعرض الحزب لانتكاسة كبيرة عام 2019 عندما فاز حزب الشعب الجمهوري المعارض في الانتخابات البلدية في العاصمة أنقرة وفي إسطنبول لأول مرة منذ 25 عاماً.
أمَّا "حزب الحركة القومية" فهو حزب يميني قومي تأسس عام 1956 ودخل منذ 2017 في تحالف مع حزب العدالة والتنمية.
ولدى الحزب 48 ممثلاً في البرلمان، ما يجعله رابع كتلة تشريعية من حيث الحجم. ويقود الحزب حالياً دولت بهجلي الذي بات حليفاً قوياً للرئيس أردوغان، وعادة ما يصدر تصريحات قوية للدفاع عنه ضد منتقديه.
مسار الانتخابات
وتعد الانتخابات المقبلة حاسمة في مستقبل البلاد السياسي والدستوري إذ تحتاج المعارضة إلى الفوز لتنفيذ إصلاحاتها الهادفة إلى إنهاء التعديلات الدستورية في حقبة أردوغان.
ولفعل ذلك لا يكفي الفوز فقط بالانتخابات الرئاسية بل والتشريعية أيضاً لتمرير برنامج المعارضة في البرلمان.
ويتألَّف البرلمان الحالي الذي تشكل بعد انتخابات 2018 من 289 مقعداً لحزب العدالة والتنمية، و48 مقعداً لحليفه الحركة القومية، وهو ما يمنحهما معاً أغلبية تبلغ 337 مقعداً داخل الهيئة المؤلفة من 600 عضو.
في المقابل يملك حزب الشعب الجمهوري 38 مقعداً، و56 مقعداً لحزب الشعوب الديمقراطي، و36 مقعداً لحزب الجيد، فيما تملك الأخرى مع المستقلين 17 مقعداً.