رأى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأربعاء، في مستهل زيارة دولة للصين تستمر 3 أيام أنه يمكن لبكين أن "تلعب دوراً رئيسياً" لإيجاد "طريق يؤدي إلى السلام" في أوكرانيا، مستبعداً إمكانية أن يهدد بفرض عقوبات على الصين.
وقال ماكرون أمام الجالية الفرنسية في العاصمة الصينية: "اقترحت الصين خطة سلام.. وتظهر بذلك إرادة لتولي مسؤولية ومحاولة شق طريق يؤدي إلى السلام".
وحذر ماكرون من أن دعم "المعتدي" في النزاع الأوكراني يعني التحول "إلى شريك في انتهاك القانون الدولي" في إشارة ألى احتمال إرسال الصين أسلحة إلى روسيا، لكنه أكد رداً على أسئلة صحافيين أنه لن يهدد بفرض عقوبات خلال لقائه مع نظيره الصيني شي جينبينج، الخميس، "لأن التهديد ليس الطريقة المناسبة".
ويشكل الغزو الروسي لأوكرانيا الذي لم تدنه بكين يوماً، ملفاً رئيسياً في المباحثات التي سيجريها ماكرون مع شي.
وأضاف ماكرون: "هذه الحرب التي وصفتها مرات عدة بأنها استعمارية داست الكثير من مبادئ الأمم المتحدة التي ينبغي علينا كأعضاء في مجلس الأمن أن ندافع عنها بحزم". وتابع: "أرى أن الدفاع عنها يعني أيضاً التقدم معاً ومحاولة إيجاد طريق يفضي إلى السلام".
وقال ماكرون إن الصين "نظراً لعلاقاتها الوثيقة مع روسيا التي أعيد التأكيد عليها في الأيام الأخيرة" مع زيارة الرئيس الصيني لموسكو "يمكنها أن تضطلع بدور رئيسي" في حل النزاع لذا فإن "الحوار" مع سلطات بكين "أمر ضروري جداً".
عدم الانفصال عن الصين
وسعى الرئيس الفرنسي إلى الابتعاد عن نهج المواجهة المعتمد من جانب الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة حيال الصين.
وأكد ماكرون: "نسمع أكثر فأكثر أصواتاً ترتفع للتعبير عن قلق شديد حول مستقبل العلاقات بين الغرب والصين مع التوصل نوعاً ما إلى خلاصة مفادها أن ثمة دوامة توتر متنام لا مفر منها"، لكنه أكد "لا أريد هذا السيناريو".
وتحدث ماكرون أمام الجالية الفرنسية عن وجود الكثير من التوتر بين الشرق والغرب، وقال: "لا أريد تصديق سيناريو عدم توقف عجلة التوتر بين الشرق والغرب.. هناك حاجة ماسة لحوارات معمقة بين الغرب والشرق".
وقال الرئيس الفرنسي إن فرنسا والاتحاد الأوروبي يجب "ألا ينفصلا" عن الصين على الصعيد الاقتصادي بل المحافظة على "طريق واقعي وطموح" معها. وأضاف: "يجب ألا ننفصل عن الصين بل الانخراط في علاقة تجارية متواصلة مع الصين".
وأكد أن "عقوداً كبيرة عدة ستوقع"، الخميس، من دون أن يدخل بتفاصيلها.
ويرافق الرئيس الفرنسي نحو 60 من رؤساء الشركات الفرنسية، منها "إيرباص"، و"كهرباء فرنسا"، و"فيوليا"، مع تركيز على الانتقال في مجال الطاقة، وهي من التحديات الكونية التي تعتبر باريس أنه ينبغي التقدم في إطارها مع بكين.
وأوضحت أوساط ماكرون أنه ينوي الاستمرار بالدفع باتجاه "ولوج أفضل إلى السوق الصينية" و"أجواء منافسة عادلة" على غرار ما فعل في زيارتيه عامي 2018 و2019.
وغادر ماكرون فرنسا، الثلاثاء، ووصل بعد ظهر الأربعاء بالتوقيت المحلي إلى العاصمة الصينية، ومن المتوقع أن يجري، الخميس، لقاءات مع المسؤولين الصينيين تُشارك بجزء منها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين من أجل توجيه رسالة موحدة، ويُشارك بعدها في مأدبة عشاء رسمية، ثم سيتوجه، الجمعة، إلى كانتون حيث سيلتقي طلاباً صينيين.
أهمية الصين
ويزور ماكرون الصين لقناعته بأن بكين طرف "لا يُمكن تجاوزه" أمام التحديات الكثيرة التي يشهدها العالم بدءاً منذ الغزو الروسي لأوكرانيا التي يمكن أن يغير موقف الصين منه، اتجاهه بشكل جذري.
ورأى قصر الإليزيه قبل الزيارة أن الصين بسبب قربها من روسيا "هي البلد الوحيد في العالم القادر على أن يُؤثر بشكل مباشر وجذري على النزاع باتجاه أو بآخر".
وقبيل توجّهه إلى الصين أجرى الرئيس الفرنسي محادثة هاتفية مع نظيره الأميركي جو بايدن، أعربا خلالها عن أملهما في أن "تنخرط الصين معنا في جهود مشتركة لتسريع وضع حدّ للحرب في أوكرانيا وإرساء سلام مستدام"، وفق مسؤولين فرنسيين.
وأعلن البيت الأبيض أن بايدن وماكرون تناقشا بشأن الزيارة وتحدثا عن مواصلة دعم أوكرانيا ضد الغزو الروسي.
ويُشكل ماكرون في المعسكر الغربي، بحسب أوساطه، أحد قادة الدول القلائل في العالم الذين يُمكنهم "القيام بمناقشة تستمر 6 أو 7 ساعات" مع الرئيس الصيني شي جين بينج للترويج للسلام.
وفيما تفوح من المنافسة بين الصين والولايات المتحدة، رائحة حرب باردة، يُريد الفرنسيون سلوك "طريق آخر" أقل حدة من النهج الأميركي في العلاقة مع العملاق الآسيوي.
"دور الوساطة"
كانت فرنسا تأمل حتى فترة قصيرة في إقناع الزعيم الصيني بأداء "دور الوسيط" لدفع نظيره الروسي فلاديمير بوتين باتجاه حل تفاوضي، خصوصاً أن بكين لم تدن يوماً الغزو الروسي لأوكرانيا ولم تدعمه أيضاً.
إلا أن الجبهة المناهضة للغرب التي ظهر بها بينج وبوتين في موسكو قبل أسبوعين، خففت من هذه الطموحات.
وقال مستشار إن ماكرون سيسعى إلى إيجاد "فُسحة حوار" مع بكين لطرح "مبادرات" من شأنها "دعم المدنيين" في أوكرانيا، فضلاً عن "تحديد طريق" للخروج من الأزمة على المدى المتوسط.
ويبدو أن النقطة الأكثر إلحاحاً هي إقناع الصين بعدم الانتقال بالكامل إلى المعسكر الروسي من خلال إرسال أسلحة إلى موسكو.
وقالت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا إن ماكرون سيقول للمسؤولين الصينيين "إن من الأهمية بمكان الامتناع" عن دعم مجهود الحرب الروسي.
"قرار مشؤوم"
وشددت الرئاسة الفرنسية على أنه "في حال اتخذت الصين هذا القرار المشؤوم سيكون له تأثير استراتيجي كبير جداً على النزاع. نريد تجنب الأسوأ".
وقال أنطوان بونداز من مؤسسة البحث الاستراتيجي: "لن نمنع الصين من دعم روسيا عسكرياً بقولنا لها بلطافة إنه لا ينبغي القيام بذلك، بل من خلال تنبيهات وتحذيرات مرفقة بمحادثات بعيدة عن الأنظار، وتهديد بفرض عقوبات".
واعتبر الباحث أن إقدام ماكرون على طرح علني للمخاوف بشأن نية روسيا نشر أسلحة نووية في بيلاروس، سيُشكل اختباراً لقدرة فرنسا على "القيام بدورها".
ويريد الرئيس الفرنسي، على نطاق أعم، "إحياء" حوار بعد فترة طويلة من انقطاع الاتصالات الشخصية بسبب جائحة فيروس كورونا، باستثناء لقاء مع بينج في إندونيسيا، خلال نوفمبر الماضي.
ويؤكد قصر الإليزيه أن مسألة حقوق الانسان ستطرح، ولا سيما وضع "أقارب لرعايا فرنسيين في شينيجانج" التي يُندد مراقبون بحدوث قمع شديد فيها، "لكي يتمكنوا من مغادرة الصين".
مقترح الصين للسلام في أوكرانيا
في فبراير الماضي، نشرت الحكومة الصينية مقترحاً من 12 بنداً دعت فيه كلاً من موسكو وكييف إلى استئناف مفاوضات السلام، بالتزامن مع مرور عام على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، فيما اعتبر آنذاك القائم بأعمال السفارة الأوكرانية ببكين، الخطة، "علامة جيدة"، قائلاً، إن بلاده تود أن ترى الصين أكثر انخراطاً وأن تفعل المزيد لإنهاء الحرب.
وقالت الخارجية الصينية في الوثيقة إنه "ينبغي على جميع الأطراف دعم روسيا وأوكرانيا للتحرك في نفس الاتجاه واستئناف الحوار المباشر بينهما في أسرع وقت ممكن"، مشددة على أنه "ينبغي عدم استخدام الأسلحة النووية وينبغي عدم خوض حروب نووية".
وشددت الوزارة أيضاً على أنه "ينبغي على أطراف النزاع الالتزام الصارم بالقانون الإنساني الدولي وتجنّب مهاجمة المدنيين أو منشآت مدنية".
وذكرت المتحدثة باسم الوزارة، هو تشون ينج، على تويتر، النقاط الرئيسية التي نصت عليها الوثيقة وتضمنت "احترام سيادة جميع البلدان، والتخلي عن عقلية الحرب الباردة، ووقف الأعمال العدائية، واستئناف محادثات السلام، وحل الأزمة الإنسانية، وحماية المدنيين وأسرى الحرب، والحفاظ على أمان محطات الطاقة النووية، والحد من المخاطر الاستراتيجية، وتيسير تصدير الحبوب، ووقف العقوبات الأحادية الجانب، والحفاظ على استقرار سلاسل التوريد الصناعية، وتعزيز التعمير بعد انتهاء الصراع".
اقرأ أيضاً: