يُحيي البريطانيون، الجمعة، الذكرى الأولى لرحيل الملكة إليزابيث الثانية، التي فجّرت وفاتها قبل عام أسئلة كثيرة حول مستقبل الملكية، وقدرة الأبناء والأحفاد على مواصلة المسيرة من دون حكمة الملكة الأم، وتلك الرقابة والصرامة التي مارستها في إدارة شؤون العائلة والقصر طوال عقود.
ولا شك أن الأعين كلها خلال العام الفائت كانت معلقة بالدرجة الأولى على الملك تشارلز الثالث. هل ملأ الفراغ الذي تركته أمه وأحسن الحفاظ على العلاقة التي بنتها مع الداخل والخارج؟ أم أن شعبية الأسرة الملكية في عهده وصلت إلى الحضيض، وباتت الأصوات المطالبة بجمهورية الدولة أكثر بكثير من مؤيدي الملك؟
بقية أفراد العائلة واجهوا ذات التحدي الذي عاشه الملك، لكن بدرجة أقل. بعضهم نجح دون خسائر، وآخرون عاشوا ويعيشون أوقاتاً صعبة. ولي العهد وزوجته ظلوا محاطين بالقبول البريطاني المعتاد، فيما أصيب الأمير هنري في شعبيته، وأصبح الأمير أندرو مهدداً بخسارة سكنه بعد تجريده من واجباته الملكية بسبب تهم الاعتداء الجنسي.
شعبية الأسرة الملكية
وتوفيت إليزابيث الثانية، أطول ملوك بريطانيا بقاء في الحكم، عن 96 عاماً في 8 سبتمبر في قلعة بالمورال، مقرها الصيفي الذي كانت تعشقه.
وبمجرد رحيلها خلفها تشارلز وصار ملكاً للمملكة المتحدة و14 دولة أخرى من بينها كندا وأستراليا ونيوزيلندا.
وفي الذكرى الأولى لوفاة إليزابيث الثانية التي جلست على العرش أكثر من 70 عاماً، لم يظهر الملك الجديد على العلن، وإنما أحيا ذكرى والدته مع زوجته في مقر إقامته باسكتلندا، لكنه أصدر بياناً بهذه المناسبة.
وتقدم الملك تشارلز، الجمعة، بالشكر للجماهير على "حبهم ودعمهم" وتعهد بأن يكون في خدمة الجميع.
وقال تشارلز في البيان: "بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لوفاة جلالتها واعتلائي العرش، نتذكر بمزيد من الحب حياتها الطويلة وخدمتها المخلصة وكل ما كانت تعنيه لكثير منا".
وتابع: "إنني ممتن للغاية أيضاً للحب والدعم الذي غُمرَت به زوجتي وأنا خلال هذا العام فيما نبذل قصارى جهدنا لخدمتكم جميعاً".
أما ولي العهد وأمير ويلز وليام وزوجته الأميرة كيت، سيمضيان يومهما في ويلز، لكنهما سيُسلمان الشعب البريطاني رسالة من الملكة الراحلة.
يقول استطلاع حديث، أجرته شركة "يوجوف"، إن 62% من البريطانيين يُؤيدون استمرار الملكية في بلادهم، في مقابل 27% يُفضلون الانتقال إلى الجمهورية، و11% لم يحسموا أمرهم بعد تجاه هذه المسألة. وهذه الأرقام تُشبه إلى حد بعيد تلك التي توصل إليها استطلاع تزامن مع وفاة الملكة الأم في 8 سبتمبر عام 2022.
بحسب الأرقام، ما يفوق 80% ممن تزيد أعمارهم عن 65 عاماً يُعتبرون من أنصار الملكية في بريطانيا، لكن هذه النسبة تهوي إلى 37% بين الشباب الذين تتدرج أعمارهم بين 18 إلى 24 عاماً، أما من هم بين "الجيلين" فالغالبية الكبيرة منهم يُؤيدون بقاء الأسرة الملكية على رأس الدولة ولا يجدون ضرورة للتغيير.
وتُشير الأرقام ذاتها أيضاً إلى أن نحو 60% من البريطانيين يعتقدون أن الأسرة الملكية مفيدة للمملكة المتحدة، في حين يقول 21% فقط إنها تضر الدولة.
وحتى بين الشباب الرافضين لاستمرار النظام الملكي في البلاد، ثمة 34% منهم يعترفون بأن الأسرة الملكية تنفع الدولة ولا تضرها، و25% منهم فخورون بهذه الأسرة وما تؤديه من وظائف.
اختبار العام الأول
ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية عن مصدر في قصر باكنجهام قوله إن غياب إليزابيث الثانية ترك فراغاً كبيراً لدى جميع أفراد الأسرة الملكية، فقد كانت الملكة الراحلة تُنظم شؤون أولادها وأحفادها وأقاربها جميعهم، وتساعدهم على تجاوز مشكلاتهم وإدارة حياتهم بطريقة يُحافظون عبرها على صورتهم أمام الشعب دون أن يفقدوا خصوصيتهم.
وبحسب المصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، تجاوز أفراد الأسرة الملكية بشكل عام أزمة غياب إليزابيث الثانية، ومرَّ العام الأول بهدوء وسلاسة لم يتوقعها كثيرون، منوهاً إلى أن شكوكاً كثيرة دارت حول قدرة الملك وولي عهده على احتواء المشكلات التي ظهرت بوفاة الملكة أو تلك التي كانت قائمة أصلاً، لكنهما نجحا بذلك.
من جهتها، ترى الخبيرة في الشؤون الملكية إنجريد سيوارد أن الملك فوجئ بالكم الكبير من العمل والالتزامات التي كانت تنتظره رغم أنه تدرب على مهامه لعقود طويلة، موضحة أن تشارلز الثالث تماسك وظهر للجميع بمظهر الملك القادر على إدارة شؤون العائلة، لافتةً إلى أن ذلك بدا واضحاً من حجم الأنشطة والفعاليات التي شارك فيها أو التفت إليها.
وكتبت الخبيرة في مجلة "ماجستي"، التي ترأس تحريرها، أن الملك ومساعديه توخوا الحذر كثيراً خلال العام الأول لوفاة إليزابيث الثانية، إلا أن النتيجة، وفقاً لما رواه لها أصدقاء مقربون للملك، كانت جيدة جداً بالنسبة لتشارلز الثالث، إذ استطاع تجاوز حزنه على والدته، وإمساك تفاصيل عمله كملك جديد، برشاقة ورصانة ودقة كبيرة.
نشاط تشارلز الثالث
وفي تقرير عن الأعمال والأنشطة الداخلية والخارجية لتشارلز الثالث بعد وفاة إليزابيث الثانية، أشارت صحيفة "التليجراف" إلى أن الملك الجديد عمل 161 يوماً خلال عام، ما يزيد بمقدار 4 أيام عن عدد أيام عمل أمه في عامها الأول. كما شارك في عشرات الفعاليات الرسمية التي جرت منذ شهر سبتمبر 2022.
وتلفت الصحيفة إلى أن الملك الجديد زار دول المملكة المتحدة الأربع خلال الشهر الأول من توليه العرش، الأمر الذي لم تفعله الملكة الأم في عام كامل. وعقد الملك 26 لقاءً مع رؤساء الوزراء الذين تعاقبوا منذ توليه الحكم (5 لقاءات مع رئيسة الحكومة السابقة ليز تراس، و21 مع ريشي سوناك).
لكن الملكة الراحلة تفوقت عليه بلقاء وينستون تشرشل 27 مرة خلال عامها الأول.
وبحسب أرقام التقرير، نفذ تشارلز الثالث 550 نشاطاً بين زيارة وفعالية ولقاء، خلال عامه الأول، وهو رقم يقترب من سجل جده جورج الخامس الذي بلغ 570 نشاطاً خلال مدة مماثلة، أما إليزابيث الثانية أجرت 400 نشاطاً فقط، لم يتضمن أي منها زيارة خارجية، رغم أنها تولت الحكم بينما كانت في زيارة رسمية إلى غينيا.
وعلى الصعيد الخارجي، أجرى الملك تشارلز الثالث وزوجته "زيارة دولة" إلى ألمانيا، مارس الماضي. كما كان مقرراً أن يذهبا إلى فرنسا خلال الشهر ذاته، قبل أن تؤجل، بسبب تظاهرات شهدتها باريس احتجاجاً على نظام التقاعد، إلى الشهر الحالي لتمتد على 3 أيام متتالية بين 20 و22 سبتمبر.
وتوقعت صحيفة "ديلي ميل" أن يقوم الملك الجديد وزوجته بزيارة كينيا قبل شهر ديسمبر المقبل. وإذا ما تمت هذه الزيارة ستكون الأولى من نوعها للملك إلى دول رابطة "الكومنولث" منذ أن تولى العرش. مع الأخذ بالاعتبار أنه يرأس المنظمة المكونة من 15 دولة خلفاً لوالدته، منذ عام 2018.
ولي العهد وزوجته
وكان العام الأول لغياب الملكة إليزابيث الثانية حافلاً أيضاً بالنسبة لأمير وأميرة ويلز، إذ حافظ ولي العهد وزوجته خلال هذا العام على التزامهما المعروف بواجباتهما الملكية.
ووفقاً لاستطلاع "يوجوف"، لا يزال الأمير وليام يتصدر أعضاء الأسرة الملكية شعبية بين البريطانيين، من خلال إعجاب 74% منهم بسلوكه.
وحلّت الأميرة كيت في المرتبة الثالثة بنسبة 72%، تسبقها بنسبة 1% فقط الأميرة آن ابنة الملكة الراحلة.
وتمكّن كل من أمير وأميرة ويلز من المحافظة بنجاح على مسيرتهما الحافلة بالالتزام والعمل خلال العام الأول لغياب إليزابيث الثانية، حتى أن تقارير صحفية تحدثت عن جاهزية الأمير لتولي العرش خلفاً لوالده من الآن.
وقال الخبير في الشؤون الملكية هوجو فيكرز إن وليام "مصنوع من طين الملكة الراحلة، وساعده العيش إلى جوار جدته لعقود طويلة على نهل كثير من تجربتها، والتدرب على الالتزامات الملكية مراراً وتكراراً، حتى بات مستعداً للقيام بكل ما يقع على عاتق الملك من واجبات وأدوار، أو بأسرته الصغيرة والكبيرة".
ويلفت فيكرز، في حديث مع راديو "إل بي سي"، إلى أن حال الأمير وليام اليوم أفضل من حال الملك عندما خلف والدته في سبتمبر الماضي، مضيفاً أن "شعبية أمير ويلز ستُسهل توليه للعرش خلفاً لوالده في أي وقت كان. كما سوف تساعده على توسيع قبول البريطانيين بمختلف فئاتهم، للأسرة الملكية، خاصة في ظل وجود زوجته كيت معه".
زيارة هاري القصيرة
أما الأمير هاري فيعود وحيداً دون زوجته إلى بريطانيا في ذكرى وفاة جدته، لكنه لن يلتقي بأي من أفراد الأسرة الملكية، بل سيحضر في لندن حفلاً لمنظمة wellchild الخيرية التي يرعاها منذ 15 عاماً، ثم يسافر إلى مدينة دوسلدورف الألمانية لحضور حفل افتتاح ألعاب Invictus، السبت 9 سبتمبر الجاري.
وتراجعت شعبية الأمير هاري بين البريطانيين خلال العام الأول لرحيل جدته الملكة إليزابيث لعدة أسباب، على رأسها الانتقادات التي وجهها لبلاده وأسرته في الكتاب الذي نشره تحت عنوان Spare. وتقول صحيفة "ميل أون لاين" إن شعبية دوق ساكس هوت من 65% عام 2011 إلى 38% تحت الصفر في عام 2023.
وتتحدث تقارير حديثة عن احتمال انفصال الأمير هاري وزوجته ميجان ماركل، التي تحتل المرتبة الأخيرة في الشعبية بين البريطانيين وفق استطلاع "يوجوف"، لكن لا يوجد أي تأكيد رسمي في هذا الشأن حتى الآن، بخلاف ما نقلته وسائل إعلام محلية وأجنبية عن أصدقاء مقربين للزوجين "أن حياتهما معاً تواجه ضغوطاً كبيرة".
ولم يعلن قصر باكنجهام عن لقاء محتمل بين هاري ووالده أو أخيه في ذكرى الملكة الراحلة، في وقت تقول البيانات الرسمية إن أجندة الملك لا تتسع لهذا اللقاء في اسكتلندا، والأمير وليام سيكون في ويلز خلال زيارة أخيه إلى لندن. ويبدو أن الجغرافيا تُساعد الثلاثة على تجنب اللقاء بعد توتر كبير أحدثه نشر كتاب "Spare" مطلع العام الحالي.
عودة الأمير أندريو
ليست فقط أزمة الأمير هاري وزوجته التي تعامل معها الملك تشارلز الثالث بحسم خلال العام الأول لوفاة والدته. هناك أيضاً قضية الأمير أندرو، الابن الثالث للملكة الراحلة، فكل ما نُقل عن الملك حتى الآن يؤكد رفضه عودة دوق يورك إلى حياته السابقة، رغم أنه شوهد مؤخراً عدة مرات مع أفراد العائلة الملكية.
وأكدت أستاذة التاريخ الملكي بجامعة سيتي في لندن آنا وايتلوك أن تشارلز الثالث لن يخاطر بإعادة أندريو، لأن البريطانيين لن يتقبلوا ذلك طالما أن تهم الاعتداء الجنسي تلاحق الأمير. وقالت وايتلوك لصحيفة "إندبندنت" إن المضي في مثل هذه الخطوة قد يُكلف الملك كل ما فعله من حسن إدارة لشؤون العائلة منذ تنصيبه.
ولفتت أستاذة التاريخ الملكي إلى إنكار أندرو التهم الموجهة إليه مراراً، ومع ذلك ينزوي منذ تجريده من واجباته الملكية في قلعة ويندسور، ويعيش عزلة يراقبها البريطانيون عن كثب، منوهةً إلى أن غفران ما فعل أو نسيانه ربما يستهلك سنوات طويلة و"لربما نشهد عودة هاري إلى حضن العائلة الملكية قبل أندرو بوقت طويل".
وكشفت صحف محلية، قبل بضعة أشهر، أن تشارلز الثالث طلب من أندرو وعائلته مغادرة قلعة "وندسور" بعد أن قطع عنه إعانة كان يتلقاها من والدته بقيمة 250 ألف جنيه سنوياً. وتقول التقارير إن تشارلز يُريد نقل أخيه إلى منزل "فروجمور" الذي كان يقطنه هاري وزوجته ميجان، كي يمنح القلعة لولي عهده.
اقرأ أيضاً: